أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر















المزيد.....

ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6414 - 2019 / 11 / 20 - 19:34
المحور: الادب والفن
    


1
رحيلُ ليلو إلى الوطن، ترك فراغاً كبيراً لدى كل مَن كان مقرباً إليها وإلى أسرتها، وكما لو كانت أمه أو شقيقته أو ابنته.. وكانت كل ذلك، حقاً، بالنسبة لشملكان. هذا أضافَ هماً جديداً على قلب أرملة أوسمان؛ هيَ مَن كانت تعاني أصلاً من خواء في الروح، نتيجة تجربة حب تم وأدها في المهد. لكن وجود قطعة من روح ليلو إلى جانبها، خفف قليلاً من أثر الرحيل. برغم ذلك، بقيت كلمات الوداع تقض مضجعها كلما استعادتها: " قد لا نعود ونلتقي، لأن الأعمار بيد الله. ادعي، إذن، أن نجتمع في الفردوس السماويّ، على الأقل ". ثم أضافت ليلو، واضعة يدها على بطنها بحركة أمومة غريزية، " أدَعُ لديك قطعة أخرى من روحي؛ بما أنّ علامات حبل ابنتي، توحي بأنها ستنجب ليلو الصغيرة. أعرفُ كم ستحظى برعايتك ودلالك، مثلما كان حال جدتها من قبل. وأنا، منذ الآن، أغبطها على هذه الجدّة البديلة، النبيلة ".
الربيبة، وفق ذاكرة امرأة العم، أبدت أكثر من مرة قلقها بشأن ولادة الابنة البكر. كأن تقارن بينها وبين الابنة، إن كان لناحية الحظ أو الإرادة: " لما تزوجتُ، كنتُ في العشرين من عُمري. قبل ذلك بخمسة أعوام، رفضت أكثر من طالب قرب. لكن ليسَ قبل خمس سنين أخرى، أنجبتُ ابنتي البكر. لقد تزوجتْ هيَ أيضاً عن حب، ولو أنّ زواجها تم بشكل مبكر. ليتها اتخذتني قدوةً بعدئذٍ؛ وأعني، فيما يتعلق بإنجاب أول ولد ". ثم انتقلت ليلو إلى موضوع آخر، متواشجٍ مع موضوع ولادة الابنة، بل ولاحَ كأنه سببٌ رئيس للقلق الموصوف: " رفاعية لا خبرة كافية لديها كقابلة، علاوة على أنها امرأة جاهلة متعنتة. سارة على العكس منها، ومستعدة حتى بالنصح أن تجرى عملية قيصرية لدى طبيب في المدينة لو تعسّرت معها ولادةٌ. هذا، مع علمها بكون الحاج حسن يُفضل موت الأم مع جنينها على ألا تنكشف لعينيّ طبيب! ".

***
مثلما سبقَ وتوقّع حموه، انتهز شيخي أولَ فرصةٍ كي يتصرف في المنزل على سجيّته. عالماً بانقطاع العلاقة بين امرأة الزعيم وكل من شملكان ونازو، أخبرَ هذه الأخيرة يوماً بأنه ينتوي رفع جدار بين قسميّ المنزل: " الحاج حسن، أبلغ مقربين منه بعدم رضاه عن وجود رجل غريب تحت سقفٍ واحد مع أرملة المرحوم أوسمان "
" أبي كان لسنوات يعيش في المنزل، وذلك بعد وفاة العم أوسمان؟ "، ردت امرأته باستغراب.
" شيخي غير أبيك، بنظرهم. ذاك آغا، فمن أكون أنا..؟ مجرد أجير "
" لكنك لستَ كذلك، وإلا لما أخذت مكان والدي في حجرة أعماله "
" أنتِ على نيّتك، نازو! إذا كان عمك لم يستغنِ عن خدمتي إلى اليوم، فإنه سيفعل ذلك غداً أو بعده "
" ولِمَ سيفعل ذلك؟ "
" لأنني بنظره كسولٌ، خامل، لا أصلح لشيء. ويشيع عني أيضاً أنني حشاشٌ، علّ الخبر يصل للجندرمة، فيتخلص مني على أهون سبب! "، قالها مطلقاً قهقهة مستهترة. كفّت عن مناقشته، وقد ارتأت في نفسها أن تنقل موضوع الجدار لامرأة العم.

***
شملكان، غبّ سماعها مفصلاً ما دار بين شيخي وامرأته، أكّدت لهذه وساوسها، " ثمة ملعوب في رأسه، ما في ذلك من شك. أستطيع تسويد وجهه، بزيارة خاطفة إلى منزل الزعيم. لكنني أفضّل أن نعرف ما يبتغيه من موضوع الجدار، لكي يكون لدينا عذرٌ لو طردناه من منزلنا! "
" عمتاه، أرجوك، أردتُ وضعك في الصورة لا غير. ولن يصل الأمر إلى طرده، بينما أنا حامل بطفله. أليسَ كذلك؟ "
" الحشاش الفاسق، تزوج ابنة الناس ثم يتبجّح بأنه لا يصلح لشيء. لنرَ أولاً ما وراء الجدار، ومن ثمّ لكل حادثٍ حديث! "
" ممكن أن أعلم، منذ الآن، ما في رأسك؟ "
" أتريدين أن تثبتي له أنك ساذجة، حقاً، وعلى نيّتك؟ قلتُ، أننا يجب أولاً أن نعرف مقصده من رفع الجدار "، قالتها باستياء. ثم ما أسرعَ أن وضعت يدها على جبينها، مستدركة وكأنما تذكّرت أمراً ملحّاً، " أوراق طابو البيت، قد يكون والدك حفظها في حجرة أعماله بالبستان. شيخي يعمل هناك، والخوف أن يكون قد سرقها لغايةٍ في نفسه ". دونَ أن تدع الأخرى تعلّق على كلامها، هُرعت للفور إلى خارج الحجرة. كان الوقتُ على حدّ الغروب، وكانت البرودة مقبولة بالنسبة لبداية شهر آذار. وها هيَ نازو تشاهد مَن تدعوها، " العمة "، قد أبدلت خفها المنزليّ بحذاءٍ يصلح للخوض في أوحال الدرب. كذلك وضعت شملكان الملاءة السوداء فوق ملابسها، مع نقاب بنفس اللون.
" سأذهب إلى منزل السيد نيّو، وهناك سأعرفُ الخبرَ اليقين. سيأتي حاجي معي "، خاطبت ابنة ربيبتها عن بُعد. ولم تخرج مع ابنها من البيت، قبل أن توصي نازو بالقول: " إذا حضرَ شيخي بغيابي، لا تذكري له وجودي في دار جدك.. ولا حتى أي شيء عما تحدثنا به ".

2
كذلك كان الحالُ مساءً في منزل المرحوم أوسمان، حينَ تعالى في صباح اليوم التالي نداءُ مؤذن جامع سعيد باشا معلناً وفاة امرأة زعيم الحي. إنها كانت المرة الأولى، يصدر فيها هكذا نعي من أحد مساجد الحارة. بطبيعة الحال، لم يصل صوتُ المؤذن إلى سمع شملكان ونازو، لكنها إحدى الجارات مَن نقلت لهما خبرَ وفاة أمّو: " يُقال أنها بلغت من العُمر عتياً، مائة عام أو أكثر، وبرغم ذلك بقيت تحتضرُ كل الليل ". بعد ذهاب الجارة، علّقت أرملة أوسمان بالقول، " أمس كنتُ في زيارة جدك، ولم يكن على علم بموضوع أمّو. لقد صرنا، فعلاً، غرباءَ بعضنا عن بعض "
" لو أنها بكّرت قليلاً في موتها، ربما كانت مناسبة للصلح بين ابنها وأبي "، عقّبت نازو بدَورها. تجهّم وجه شملكان قليلاً، ما حدا بالأخرى على الاستدراك معتذرةً. هزت امرأة العم رأسها، دلالة على تفهم الموقف: " لا مشكلة، يا عزيزتي، فأعمارنا بيد خالقها. وعليك ألا تؤاخذيني أيضاً، لو نقلتُ لك رأي والدتك بموضوع الخلاف؛ وهوَ أنّ ذلك كان خطأهما هيَ وأبيكِ. وقالت أيضاً، أنه لم يجبر أحدٌ والدك على الهجرة، ولكنه فعلها كنوع من العقاب الذاتي "
" أعلمُ يقيناً أنه خطأي أساساً، طالما أنهما لم يجبراني على الاقتران بمن لم يتعلق به قلبي "، اعترفت نازو بنبرة حزينة. عانقتها الأرملة في حنان ( كانت تكرر هذه الحركة منذ يوم رحيل الأهل إلى الوطن )، مغمغمةً بصوتٍ واه: " يا لقلوبنا، نحنُ النساء، ما أضعفها! ". ثم ما لبثت شملكان أن سوّت ثوبها بيدها، على عادتها حينَ تعزم على شيء محدد: " عليّ أن أذهب إلى منزل المرحومة، بينما تبقين أنتِ مع الأولاد ".

***
كانت شملكان ونازو قد سلتا صباحاً مسألة الجدار، وذلك باهتمامهما بخبر وفاة امرأة كبير العشيرة. لكن لاحَ أن شيخي لم ينسَ المسألة، وها هوَ يُدهش زوجته بحضوره مع أحدهم قبل وقت ساعة الغداء. قالت له، حينَ طلبَ منها أن تستعجل في تحضير الطعام : " سأفعل ذلك حالاً، لأنني سهوتُ عن شؤون المطبخ بسبب خبر وفاة امرأة الزعيم ". هز رأسه، ثم مضى إلى ضيفه. بعد خروجه، ساورتها الوساوسُ. بالأمس، عادت شملكان من عند السيد نيّو وكان هذا قد طمأنها بشأن أوراق الطابو، مؤكداً أنها محفوظة لديه في المنزل. لكن نازو لم يهدأ لها بال، بشأن عودة رجلها قبل وقت الغداء بصحبة رجل غريب. ندهت على حاجي، ثم طلبت منه أن يحوم حول الرجلين ويعود إليها بما يسمعه منهما.
" بحَسَب ما فهمته، يبدو أن شيخي سيبيع شيئاً ما للضيف "، تكلم حاجي بمجرد دخوله إلى المطبخ. ثم أخذ يروي ما سمعه هنالك، في أرض الديار: " عقبَ تفقدهما لحجرتي البيت، خرجَ شيخي وهوَ يقول للرجل أنّ السعرَ مُغرٍ وأنه لم يضطر للبيع لولا قرب ارتحاله عن الشام "
" هكذا إذن..؟ "، تمتمت نازو وكانت ساهمة تفكّر. فيما هيَ كذلك، دخل رجلها إلى المطبخ. قال لحاجي، صافعاً إياه على نقرته بحركة مداعبة: " أنت مثل القط، دائماً بين الأقدام! ". ثم خاطبَ نازو، بالقول: " سيكتفي الضيفُ بشرب القهوة، لأنه على عجلة من أمره "
" من هوَ هذا الضيف، وماذا عن أمره؟ "، تساءلت بنبرة متوجسة. كون رجلها ينظر إلى حاجي كأبله، لم يدُر بخلده شيءٌ مريب من جهته. أطلق ضحكة مقتضبة، مجيباً بلهجته الساخرة: " دعي أنتِ شؤون الرجال، وأسرعي بتحضير القهوة "
" سألتك، لأن رجالَ الحي موجودون كلهم هذه الساعة في زقاق الزعيم "
" كلهم..؟ لم يمضِ سوى وقت قصير على طرد الزعيم لأسرتك من الشام، بينما أنتِ تطلبين مني أن أهرع للمشاركة في جنازة زوجته "
" لم يطردهم أحد، فانتبه لألفاظك يا شيخي "
" بدأنا بطول اللسان! لن أرد عليكِ الآن، لأن ثمة ضيفاً لدينا "، قالها ثم خرجَ صافقاً بقوة باب المطبخ.

***
بعد بضع ساعات، وكانت امرأة عمها قد آبت من واجب المشاركة بجنازة أمّو، استقبلتها نازو بتفاصيل ما جرى في المنزل بغيابها. علّقت شملكان بالقول متهكّمة، " ماذا، هل سيبيع حصة أبيك في الدار بدون أوراق رسمية؟ أو لعله يؤجر للرجل إحدى الحجرات، كي يقضيا الليل بشرب الحشيش! ".
حدسُ أرملة أوسمان، كان في محله لناحية جرأة شيخي واستهتاره. في مساء اليوم الثالث لعزاء المرحومة أمّو، كان الحاضرون في منزل ابنها الزعيم يتهامسون بنبأ توقيف الجندرمة لشيخي على خلفية خداعه لشخص من الحارة الجديدة: كان ذلك الضيف نفسه، وقد قبض منه زوجُ نازو ثمنَ حصة أسرتها في المنزل بناءً على ورق طابو مزيف.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 1
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل التاسع
- ليلى والذئاب: الفصل التاسع/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل التاسع/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 1


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر