أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6423 - 2019 / 11 / 29 - 15:16
المحور: الادب والفن
    


غير شعور الحب، كان لجسد رمضان آغا حقه عليه؛ هوَ المكتمل النضوج مع عُمره المراوح في منتصف العقد الثالث. جسد زوجته، وكان حتى إلى وقتٍ قريب يجعل دخان نار الرغبة يخنق داخله، أضحى الآنَ شبيهاً بأحد هياكل المعابد الوثنية الإغريقية، المتناثر حطامها بأماكن عديدة في سفح الجبل.. معابد، لطالما قدّم المريدون الأضاحي عند أرجل تماثيل آلهتها المتعددة، ومنها إلهة الشعر تلك، التي دَنِفَ بها عشقاً الراعي، صاحبُ الألحان الحزينة.
لكن المرأة المريضة، متعللة بحالتها، رأت أن تنفصل في الفراش عن رجلها، وذلك حينَ طلبت منه أن يأمر بجلب سرير آخر إلى الحجرة. فهم أنها باتت تخجل من شكل جسدها، علاوة على ما يُمكن أن يصدر عنها من رائحة غير مستحبة بسبب طول الرقاد. أعفاها عندئذٍ من وجوده معها ليلاً، بأن لزم الحجرة الأخرى، المخصصة لنوم طفلتهما. هذا كان قد جرى بعيد الولادة الأخيرة، العاثرة، التي فقدت فيها امرأته صبياً " مثل فلقة القمر "؛ على حد تعبير القابلة. بقيَ الحال كذلك، مع انتقال الأسرة إلى الزبداني على خلفية الواقعة المهولة في الحي المسيحيّ. آخر من عرفهم من الحي المنكوب، كان طبيباً يُدعى " دافيد "؛ يهودياً نصف إيطاليّ، استعان بعلمه عدة مرات في علاج امرأته. لقد فكّر فيه الآغا، آنَ اقترحَ على المريضة أن يعرضها مجدداً على طبيب، مقدّراً أنه على الأرجح نجا من هجمة الغوغاء على الحي.

***
سارَ رمضان آغا خِلَل ممر حديقة الدار، المفروش بالرمل الأبيض، والمحتضن الأزهار في حوضين طويلين على جانبيه، مظللين بشجيرات تفاح تتوهج ثمارها تحت أشعة الشمس. في طرف الحديقة، كان يقوم كوخ البستاني المسنّ، وكان هذا يقيم فيه مع امرأته، التي تصغره كثيراً في السن. في أوان الطفولة، كان " العم عمر " بمثابة المربي للآغا. هذا الأخير، في المقابل، بالكاد يتذكّر امرأة الرجل الأولى، الراحلة. اللهم سوى في موقفٍ طريف، ظن فيه أنها والدة البستانيّ لا زوجته، ما جعل الحاضرون يضجون بالضحك ويتندرون عليها.
" اذهب وانده الوكيل كي يحضر حالاً إليّ "، خاطبَ الآغا مدبّرَ مزرعته عن بعد مناسب. وكان هذا منهمكاً في إخراج أقراص العسل من منحلة مبنية من الطين، تبدو من بعيد على شكل الفرن، وكان ثمة نصف دزينة منها يقابل بعضها بعضاً مع فسحة ضيقة تكفي لمرور راعيها. أطلت عندئذٍ امرأة شابة من باب الكوخ، لترحب بالسيّد، ومن ثم لتقترح على البستانيّ أن تؤدي هيَ المهمة.
" لا، سأمضي وأجلبه بنفسي "، خاطبها رجلها. ثم تمعن فيها بحدقتين، مشتعلتين كل منهما بجذوة المكر، غائرتين في تجويف أسود مثل الكهف. أردفَ من ثم القول، موصياً إياها بالذهاب لتفقد حال سيّدتها. ألقى أيضاً الآغا نظرة على المرأة الصغيرة، وكانت هذه قد وقفت تنتظر إشارة منه. قال لها ببطء، " ليسَ الآن، فإنني تركتها نائمة. ليتكِ تأتين إليها مساءً، لأنها تشعر كثيراً بالوحشة بمجرد حلول العتمة ". هزت امرأة البستانيّ رأسها، علامة الطاعة، وقد عبّرت ملامحها عن الغبطة والفخر لأن الآغا توجه إليها شخصياً بالكلام وبطريقةٍ أقرب للرجاء!

***
ثلاثة أيام، عليها كان أن تمضي قبل أن يُقبل عليه من جديد الوجهُ الجميل، البسّام الثغر، الذي أشعل أوار الحب في قلبه مذ أن التقى به مصادفةً في طريق النبع. في الأثناء، انشغلَ بمرض امرأته ووجود الطبيب بالقرب منها.
لمحض المصادفة، كان رمضان آغا قد هم بإرسال وكيل أعماله إلى البلدة كي يحاول تدبيرَ طبيبٍ، لما عثر هذا الأخير في رأسه على اسم السيّد دافيد، " لِمَ لا يكون هوَ الآخر قد فكّرَ بالمجيء إلى منزله الصيفيّ، هنا في الزبداني؟ "، تساءل بحضرة مخدومه. وكان محقاً، حَدَسُ الوكيل: الطبيب اليهوديّ، ظهرَ في البلدة مباشرةً مع اشتعال نار الفتنة والشروع بمهاجمة حي النصارى الدمشقيّ. لكنه استحال إلى صفة المريض، هنا في البلدة الجبلية، بسبب شدة قلقه على مصير أقاربه، وكذلك أملاكه، ثمة في الحي المنكوب.
حينَ جاء الطبيبُ إلى المزرعة، كان من التغيّر في الملامح بحيث أنّ الآغا لم يعرفه للوهلة الأولى. تبادلا الحديث لدقائق، قبل أن يذهبا إلى حجرة المريضة. أنحنى عليها الطبيب، مستهلاً بقياس النبض وسماع دقات القلب. ثم راحَ بعدئذٍ يطرح أسئلته، سواءً على مريضته أو رجلها.
" أستطيع القول بأمانة، أنه لا توجد حالة مرضية مستعصية "، خلصَ الطبيب إلى القول بعيد إنهائه المعاينة. سوى أنّ سحنته لم تكن بذلك التفاؤل، مثلما جازَ لزوج المرأة ملاحظته. لكن المريضة حصلت لأول مرة على دواء بمعنى الكلمة، وكانت قبلاً تكتفي بتناول مغليات الأعشاب. في النتيجة ارتاحت نفسياً، على الأقل. فإنها بمجرد خروج الطبيب من الحجرة، أمرت امرأةَ البستانيّ أن تساعدها للانتقال إلى الترّاس.
" لا أخفي عليك أن صحتها سيئة، وتحتاج لمزيد من العناية. المهم أن تكون معنوياتها عالية، فهذا جزء مهم من العلاج "، قال الطبيبُ للزوج لما صارا لوحدهما في الحديقة. تمشيا عبرَ الممر، المزيّن الجانبين بالأزهار، إلى أن وصلا إلى كوخ مدبّر شؤون المزرعة. شاء الآغا بعدئذٍ تقديمَ هديةٍ لمن كان بمثابة صديق قديم أكثر منه معالجاً لامرأته: قرصٍ كبير من العسل، كان بيد البستانيّ العجوز، الذي وقف بالقرب من المنحلة بهيئة مزهوة تتصنّع التواضع والرصانة.
حدث ذلك، بينما كانت امرأة الآغا قد تناهت إلى الترّاس كي تستلقي على أريكةٍ، وضعت لها ثمة. وكان المشهد الأخضر للوادي، في الأسفل، منبسطاً على وسع النظر وأبعد حتى الجبال العصية، المتداخلة قممها مع خط الأفق، والتي لاحت في غمرة ضياء الشمس أشبه بملائكةٍ، ناصعة البياض، تستعد لاستقبال روحٍ بشرية، محطمة الجسد ومستسلمة للفناء.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 1
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل العاشر


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5