أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6434 - 2019 / 12 / 10 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


في وقتٍ لاحق من الأسبوع نفسه، استقبلَ طراد آغا ابنةَ جاره القديم. ذهبت إليه بناء على نصيحة فوزية خانم، مؤملة بمساعدته للتغلّب على فرعنة القرين الخائن. كان صباحاً جميلاً، هيمنت فيه أشعة الشمس على الرابية المنيفة، أين تمدد على طرفها الشرقيّ منزلُ ضابط الدرك الدمشقيّ، وقد بدا بلون جدرانه المحاطة بالأشجار مثل زمردة في حقّ من قطيفة خضراء. شأن بيوت السادة الأخرى، كان لمنزل طراد آغا ترّاسٌ مطل على مشهد الوادي، وقد شاء أن يلتقي هنالك ضيفته، كونها أتت بدون مرافق ذكر. لكن المربية كانت في معيّتها، ولقد أشكل ذلك على المضيف؛ كونهما كلتاهما في هيئة نساء هذا الريف. بلهجة شامية متقنة، أسرعت أديبة بالتعريف عن نفسها، وذلك قبل أن يدعوها الآغا إلى التراس مع مرافقتها.
أظهر الرجلُ لطفاً بحضور جارته، مع علمه بأن والدها الراحل لم يكن له طاقة على صحبته لما في شخصيتيهما من تناقض وتنافر. طريقة الاستقبال، أكّدت لها أن الآغا غير مطلع على حكاية هروبها مع مَن سيضحي زوجها؛ مَن تسعى الآن للطلاق منه على أهون خسارة. خففَ ذلك على قلبها المكسور، المثقل بالهموم. ولو أنها لم تستبعد أيضاً عاملَ النسيان، المقدّر له مساعدة أمثالها على الاحتفاظ بالمكانة الاجتماعية اللائقة. استهل طراد آغا الحديثَ، بالاعتذار لكون امرأته في دمشق وهيَ في الطور الأخير من الحمل. خاطبته الضيفةُ عندئذٍ في داخلها: " آه، أنت تعني ابنة عمك وليسَ ضرّتها، المعرَّفة بخفة العقل! ". معلومتها هذه، كانت مستقاة ولا شك من امرأة محمد آغا. فيما عدا ذلك، لحظت أديبة أنّ المضيفَ كان قليل الكلام. عقبَ سردها للمحة عن مشكلتها مع الزوج، طرحَ عليها بعضَ الأسئلة ثم عاد يلتزم بالصمت. في نهاية المقابلة، حياها بإيماءة من رأسه قائلاً، " أرجو أن تحل المشكلة ودياً، لمصلحة الأطفال قبل كل شيء ". شكرته، ثم ثنّت على كلامه بالقول: " إنما من أجلهم، يعلمُ الله، أتيتُ أستجير بك ".

***
غبَّ الاطمئنان لناحية دعم طراد آغا، تصلّبت أديبة في الموقف من قرينها ولم ترَ سبيلاً لعلاقتهما سوى الانفصال. كذلك أبلغت شقيقة سليم، المتعهّدة رعاية ابنه الصغير. في حجرة الجلوس، كانت امرأةُ الأخ قد عاتبت الضيفة لأنها لم تجلب معها الصغير إبراهيم. أجابت هذه بنبرة أمل، " في المرة القادمة، وسيكون هوَ برفقة والده ". لم تعلّق أديبة بشيء، بل تبادلت نظرةً بلا معنى مع المربية الحاضرة. بحَسَب قول شقيقة سليم، أنها جاءت وفق مشيئة أبويها كي يعود الوئام مجدداً لمنزل الزوجية. كان اسمها " منيرة "، تشع ببهاء غامض ربما مصدره طيبة قلبها. في المقابل، كان شعرها الفاتح اللون تلمّعه لمساتُ الزمن، الناصعة البياض؛ ما يعني أنّ سنّ الزواج قد فاتها. بالإذعان ذاته، استقبلت قرارَ امرأة أخيها دونَ أن تنبس شيئاً، سوى جملة مقتضبة، " الله يجعله خيراً ". رافقتها أديبة حتى باب الدار، قبلتها هنالك ثم شيّعتها بنظراتها وهيَ تذوب في معالم الطريق ـ كما موجودات الوادي وكائناته، عندما يلتهمها ضبابُ الصباح.
قبل أن تتراجع إلى مدخل الدار، دفعها حدسٌ داخليّ للالتفات والنظر إلى أعلى. على الشرفة ثمة، ظهرت حوريّة وهيَ منحنية على الحافة الحجرية، وقد تهدل شعرُها العسليّ فحجب جانبَ وجهها، المقابل لموقف غريمتها اللدودة. كانت مسندة ذقنها بيدها، تلوحُ غارقةً في الفكر أو في مشهد الوادي، أو في كليهما معاً. لا بدّ أنها رأت شقيقة عشيقها، فكّرت أديبة بكرب، وهيَ تعرفها حق المعرفة لأن رجلها الراحل كان يسمح لها بحضور أعراس البلدة وغير ذلك من المناسبات. حينما عادت المرأة الملولة لتلقى المربية في حجرة الجلوس، نفخت في سخط: " الزانية الملعونة..! إنها تعرض نفسها على ناظري، بوقوفها على الشرفة، دون خجل ولا شعور بالعار. بينما أنا استنكفتُ عن ذكر خيانة زوجي أمام شقيقته، لأن الحياء منعني من ذلك "
" إنها مثلما قلتِ وأكثر "، علّقت آمنة ثم أضافت، " وسامحيني لو قلتُ، أنها لو لم تجعل السيد سليم ضحية إغوائها لفعلت نفس الأمر مع شخص آخر "
" إنها جميلة وفتيّة، وكان بوسعها أن تنتظر عريساً لا يرضى بسليم خادماً. لكنها ورطت نفسها بالزنا مع هذا الخسيس عديم القيمة، فقط لخاطر الانتقام مني على خلفية مشاكل الإرث "، أكّدت أديبة بنبرة اليقين.
" أنتِ أجمل منها وأفتى، لذلك سيرزقك الله بشخص عالي الشأن يُقدّر قيمتك حق قدرها "، قالتها المربية مع إغماض عينيها كي تفهم الأخرى مقصدها. تنهدت أديبة وهيَ تهز رأسها علامة على الفهم، ثم تمتمت في حزن: " صدقيني، أنا لا يشغلني هكذا موضوع. أعترفُ الآن أمامك، بأنني مذنبة بحق إبراهيم لأنني تركته ينشأ بعيداً عن حضن الأم وحنانها. من بعد، لن أسمح لذلك الديك الفاسق أن يفصلني عن أيّ من ولديّ ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثاني
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3