أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم يونس الزريعي - في جدلية العلاقة بين الديمقراطية والمواطنة















المزيد.....

في جدلية العلاقة بين الديمقراطية والمواطنة


سليم يونس الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 21 - 02:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في المراحل التي تعقب الأحداث المجتمعية الهامة في أي دولة، خاصة تلك الدول التي تشهد أعمال عنف مسلح شامل، وتكون من نتائجها هدم بناها السابقة وبشكل فوضوي عبر التعامل مع تلك البنى المادية والبشرية بطريقة الاجتثاث، فإن تلك البلاد التي تكون محلا لذلك تشهد حالة من الفراغ، ينتج عنها سيولة في كل شيء، وهذا يجعل طيفا واسعا من مشاريع لبنى سياسية وفكرية واقتصادية، بكل ما تحمل من تناقضات وتعقيدات، يطفو على السطح، وهو أمر من الطبيعي أن تكون الدول التي تفتقر إلى التقاليد المؤسسية، والسياسية الراسخة، وربما أيضا تلك التي تغيب فيها تقاليد "الدولة العميقة" تكون هي الأكثر تعرضا له.
وفي مثل هذه المناخات الجديدة الهشة، يقل الإصغاء المتبادل بين القوى الطامحة والمختلفة والمناقضة لبعضها البعض، كونها تفتقد إلى أبجديات فلسفة الحوار التي تضبط إيقاع حل التناقضات بين أبناء الوطن الواحد، وذلك بسبب أن كلا منها يعتبر أنه ربما هو وحده من يمتلك الحقيقة والصواب المطلق، ولأن الأمر ليس كذلك، تبرز التناقضات الكامنة غير المرئية على السطح وبشكل حاد.
ويمكن القول هنا أن الوضع هو أشبه بإلقاء صخرة في بحيرة راكدة منذ زمن، الأمر الذي يدفع بكل ما تراكم في القاع من خبث نحو السطح، ليبدو المشهد كفوضى عارمة، وللوهلة الأولى ربما يرى البعض أن هذا الذي يطفو سببه هو التغيير، في حين أن السبب الجوهري، هو هذا الغطاء السميك من غياب حالة الجدل السياسي والعصف الذهني بين المكونات السياسية والفكرية والثقافية التي كان من شأنها صهر الجميع في بوتقة المواطنة، إلا أن ذلك الغلاف السميك الذي غلف تلك البحيرة جعلها تأسن، وبمجرد زوال هذا المانع القسري، اعتلى السطح كل ما كانت تحويه من تناقضات وتوترات سواء كانت اجتماعية أو قبلية أو مناطقية أو حتى فكرية، وهي ليست تعبيرا عن حالة صحة مجتمعية، لأنها في الحقيقة ليست طارئة، وإنما هي بالضرورة متوطنة من قبل ومنذ زمن، وجاءت حالة التغيير فظهَّرتها.
قاعدة عامة
تقول لنا خبرة الشعوب المختلفة أن ما يجري عقب التحولات الكبرى من فوضى، هي أحد الحقائق البشرية التاريخية العابرة للعمران البشري والبلدان والثقافات؛ وهذا يعني أن الانقسامات الاجتماعية المختلفة العناوين، الإثنية منها والقبلية والمناطقية والفكرية، هي سمة عامة تتصف بها كل مجتمعات العالم في كل العصور، وهي من ثم ليست قصرا على شعب أو منطقة بعينها.
وأنه في وسط هذا الخضم يبرز التنافس والصراع بين القوى الصاعدة أو الطامعة؛ وحتى تلك التي تسلقت التحولات الكبرى، وربما تكون هي الأعلى ضجيجا، وهو الضجيج الذي يبلغ ذروته عندما يقرر الجميع أن يصعدوا إلى رأس الجبل دفعة واحدة، هنا تتمظهر التناقضات بشكل جلي عبر استحضار القبلية والمناطقية، التي ربما تمثل بديلا في ظل غياب التقاليد التي تضبط حركتها وتفاعلها كمؤسسات الدولة وشيوع الثقافة المجتمعية، التي تتمثل فيها قيم الحرية والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وسيادة القانون والمساواة القانونية في دولة مدنية هي بالضرورة لكل مواطنيها، وهنا لا يعتد بالأقوال وإنما بالأفعال التي تترجم وقائع على الأرض.
وللأسف فإن التشرنق في هذا الشكل من الخيارات الاجتماعية بكل الأمراض التي تحملها بالمعني السياسي والقانوني وليس الاجتماعي، إنما يأتي كرد فعل طبيعي، بسبب عدم نضج العوامل السياسية والثقافية المؤسسة للدولة القانونية المدنية، التي يجب أن يعيش فيها الجميع على قدم المساواة باعتبارهم مواطنين، بصرف النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو المنطقة أو حتى الأفكار السياسية.
ولا شك أنه رغم افتراض حسن النوايا، فإن ذلك لا يمكنه أن يشفع لكل من يحاول أن يستبدل الدولة بالقبيلة والمنطقة بالمعنى السياسي، باعتبارها وصفه لتراجع حضور الدولة المدنية القانونية التي تكفل الحقوق المتساوية لجميع مواطنيها، وهي بذلك تفتح الباب أمام كل الأمراض السياسية والاجتماعية من فساد وافتئات على الغير وغياب للمساواة والعدالة والحريات، والديمقراطية، وهي الأمراض التي ضمن هذه السيرورة من شأنها أن تنتج الاستبداد بكل تجلياته.
المواطنة والديمقراطية
وفي مثل هذه المناخات السياسية والاجتماعية وربما شبق السلطة لدى البعض ارتباطا بالطبع بميزان القوى القائم أو الذي يتشكل، يتراجع إن لم يختف مفهوم المواطنة لصالح قيم وثقافة مغايرة، لأن غياب روح المواطنة وضعف وعي المجتمع بهذه المسألة الأساسية، يحوله إلى مجرد ساحة لمجموعات وتكوينات قبلية وعشائرية إثنية متنافرة، سرعان ما تتصادم مع بعضها في أول امتحان وطني، ما يهدد وجود الكيان السياسي ــ الاجتماعي القائم برمته.
ولما كانت المواطنة الحقة هي مقدمة النظام الديمقراطي، فإن هناك علاقة جدلية بين المواطنة والديمقراطية، ومن الطبيعي والحال هذه، أن ترتبط المواطنة بوجود نظام سياسي ديمقراطي ـ تعددي، يحترم حقوق الإنسان ويصون كرامته ويوفر ضرورات العيش الكريم له.
ويمكن القول إن ثمة علاقة عميقة وجوهرية، بين مفهوم المواطنة والأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية السائدة. وذلك لأن الكثير من مضامين المواطنة على الصعيدين الذاتي والموضوعي، هو بحاجة إلى فضاء سياسي جديد، يأخذ على عاتقه تحريك الساحة بقواها ومكوناتها المتعددة باتجاه القبض على المفردات والعناصر الضرورية لهذا المفهوم.

وهذا يفسر لماذا تحتاج المواطنة إلى فضاء ديمقراطي "دولة ديمقراطية" والهدف هنا، هو كي لا يمارس في غياب الديمقراطية، الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه المواطنين بسبب آرائهم أو اثنيتهم، ذلك أنه في الفضاء الديمقراطي يمنع التمييز بين الناس، وحتى لا يكون هناك من جانب مواطنين، وفي الجانب الآخر رعايا، وهذا يترجم بعدم منح الحظوة لمواطن، لأي سبب كان دون وجه حق، كون هذه الدولة تمثل مؤسسة جامعة لكل المواطنين، وهي بذلك تمثل المحصلة الأخيرة لمجموع إرادات المواطنين.
وعلى ضوء هذه المقاربة فإن مفهوم المواطنة ، وفقا لما استقر عليه الحال في العديد من الدول التي قطعت شوطا بعيدا على هذا الطريق، لا يمكن تصوره في ظل أنظمة لا يجري فيها تداول السلطة بشكل سلمي ديمقراطي أيا كانت اللافتة التي ترفعها، لأن عدم قيام هذه الأنظمة بذلك هو بسبب ببنيتها الضيقة والخاصة، التي تحول مؤسسة الدولة إلى إقطاعيات خاصة، تمارس الإقصاء والتهميش، كما تمنح الامتيازات بمبررات ليس لها علاقة بمفهوم الوطن والمواطنة، ويمكن القول من بعد؛ أن معيار ديمقراطية ومدنية أي دولة هو في تأكيد وتعزيز مفهوم المواطنة في الأفكار والواقع.
وهذا بالضبط هو التحدي الذي يواجه الشعوب العربية بشكل عام ودول حراك عام 2011 بشكل خاص، وهو بلا شك امتحان من شأنه أن يكشف، مدى صدقية ما ترفع من الشعارات؟ وهل مقولات الحرية والديمقراطية والدولة المدنية مجرد شعارات؟ أم أنها خيارات استراتيجية واعية وجادة، يجب أن تتماهى فيها ثقافة وسلوك الناس، كي تشكل رافعة لولوج المستقبل؟
وتلك فيما نقدر هي المسألة...



#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاكسات ...السارق يريد تعويضا ... النفوذ الروسي يقلق واشنطن!
- نظرية المؤامرة بين التفكير التآمري والتفسير التأمري
- مشاكسات أحلام الشاطئ الرابع ... بين الحماقة والمراهقة..!
- -حب ترامب -...جعل حل الدولتين -مستحلا-
- مشاكسات أي حق عودة..؟!.. تصفية حسابات
- تماهي أمريكا في الكيان الصهيوني!
- مشاكسات (شرعية أخلاقية...! خطوط أمريكا الحمراء..!)
- فلسطين: تشريع أمريكا للاستيطان اغتيال متعمد للقانون الدولي
- مشاكسات مغالطات حمساوية ... الاحتلال.. ورعاية الفساد
- بيانان المقاومة الفلسطينية: بين النوايا والتباس اللغة والمفا ...
- مشاكسات أمن مصر...خليجي! -نكتة- خلط الأوراق..!
- التحالف مع الكيان الصهيوني..نفي للحقوق الفلسطينية والعربية!
- حماس... تتلون لكنها لا تتغير
- مشاكسات -إسرائيل- ليست عدوا..! استفزاز...!
- في تصويب المفاهيم ...الوطن هو الحزب... الوطن هو القبيلة
- خان شيخون .. عندما يصبح الكذب حالة -أيديولوجية-
- تركيا عملية -الكي مستمرة-.. ولكن..
- مشاكسات
- في الديمقراطية وطاعة ولي الأمر
- الديمقراطية بين -الوظيفة- و-التوظيف؟-


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم يونس الزريعي - في جدلية العلاقة بين الديمقراطية والمواطنة