أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 1














المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6389 - 2019 / 10 / 24 - 00:25
المحور: الادب والفن
    


يفيق أهل الدار على صياح الديك، تتغلغل الشمس المشرقة للتوّ في أبدانهم، التي جعلها نسيمُ الفجر باردة وهيَ مرصوصةٌ إلى بعضها البعض على الفرش السميكة، الموزعة بين قسميّ الدار. شجرة اللوز، بعشرات الأعين الخضراء لثمارها، هيَ ذي تحدّقُ في حنوّ إلى آل السيّد أوسمان، المضطّجعين على مقربة من ظلالها المتكاثفة رويداً. إلى الأعلى منها، كانت سماءُ الصيف المتأخر تزيلُ على مهلٍ بمكنسة الأشعة الذهبية، آخرَ آثار الفجر. آل عليكي الصغير، من ناحيتهم، كانوا مكومين في فرشةٍ بلون خضرة الحديقة، البارزة أغصانها من وراء سدّةٍ حجرية، تفصلها عن القسم السفليّ من أرض الديار.
كون نساء المنزل أول من ينهضن من الفراش، للمضيّ إلى مشاغلهن، يرى الرجالُ ذلك فرصةً سانحة للتأمل في هموم الأمس وما لو بالوسع السيطرة عليها في خلال اليوم. وحدهم الأطفال، وكانوا ثلاثة، مَن حقّ لهم البقاء في فراشهم صُحبة الدفء والدِعَة والأحلام. أحد أولئك الأطفال، كان صبياً لم يبلغ بعدُ عامه الأول، انزلقت قدماه الطريتان من تحت اللحاف ذي الألوان الكردية الحارة. إنه " صلاح "، وكانت شملكان قد أنجبته بعدما بلغ سنّ الولد البكر الخامسة. لقد أعطاه الأبُ اسمَ ابن صديقه القديم، الأمير، وكان يُنادى أيضاً ب " صالح ". الأمير، كان قد قطع صلته تقريباً بالشام ويبدو أنّ المقامَ طاب له في أكبر حواضر الجولان، القنيطرة، التي يقطنها قومُ حميه الشراكسة، المشكلون أغلبية سكانها. طفلُ أوسمان، كان تقريباً صورةً عن أبيه، بلون بشرته المائل إلى السمرة وتقاسيم وجهه الكبيرة. كذلك لاحَ أنه سيماثلُ، مستقبلاً، ما عُرفَ عن الأب من خفةِ ظلٍ ومرح.
شاء القدرُ أن تضع ليلو وليدها، وكانت بنتاً، بعد أشهرٍ قليلة من مجيء ابن شملكان. وكانت هذه الابنة مستلقية الآنَ بجانب والدها، عقبَ قيام الأم للبدء بأعمال المنزل. البنت، مُنحت اسم " نظيرة "؛ والذي سيختصر على اللسان الكرديّ إلى " نازو ". أشعة الشمس، الساقطة على جانبٍ من وجه الفتاة الجميل، أبرزت جلياً لونَ بشرتها الأبيض المُشرَّب بالورديّ. هكذا جمال، كان يحتاج لدرعٍ يصدّ العين الشريرة: الخرزة الزرقاء، وكانت رفيقة طفولة ليلو، ورثتها الابنة وكان من الممكن ملاحظتها معقودةً بقبّة قميصها.

***
أشعة الشمس، المسلطة على وجهه عبرَ شبكة من أغصان الحديقة، ليست هيَ ما كان يُزعج عليكي آغا الصغير، المتمدد بعدُ في فراشه. رائحة روث الخيل، المنفوحةُ قويّةً وحرّيفة في أنفه من جهة الإسطبل، بعثت أفكاراً غائمة بخصوص عمله في تجارة الماشية. منذ نحو ثلاث سنين، وجد نفسه يُمارس هذه التجارة، وكان نجاحه العجيب فيها أقرب إلى المعجزة. لم يكن أيّ من آله قد كشفَ عن موهبة تجارية، أو امتلك حتى رأسين من الماشية؛ بله هوَ مَن كان قبلاً يتهيأ للحصول على وظيفة لدى الدولة، تخلّصه من العمل على الكرّوسة.
صدفة، تنتمي للحظ السعيد أكثر منها للشطارة، كانت قد قادت أقدامه إلى هذا السبيل. إن صديقه حمّوكي، المعتكف دوماً في عمله الهادئ ببساتين الحارة، جاءه يوماً كي يعرض عليه شراءَ قطيع هائل من الأغنام بسعرٍ زهيد. ولأن صديقه، حسَبَ قوله، كان وسيطاً لمربّي ماشية من الجزيرة، فإن عليكي آغا الصغير لم يخشَ أن يكون في الصفقة غشٌ أو خداع. في هذه المرة أيضاً، احتاج لمعونة أخيه الوحيد. الأخ، كان آنذاك قد اشترى دكان معلّمه الحلاق من ورثته، وما لبثَ أن اغتنى نوعاً ما من هذه المهنة بحيث أنّ يديّ امرأته غطتهما الأساور الذهبية.

***
في تلك الآونة، كان العديد من شباب الحارة يستثمرون قوتهم وجسارتهم في أعمال مخالفة للقانون. فيما مضى، كان مسموحاً لبعض الزعماء، وتحديداً من العائلات الكردية العسكرية، أن تكون لهم فرقٌ مسلّحة من بني قومهم يستعينون بها لتعزيز سطوتهم بحجة معاونة والي الشام في مهمة فرض الأمن. لما تم حلّ هكذا تشكيلات غير نظامية، بعيد فتنة عام 1860، اتجه بعضُ عناصرها إلى التطوع في سلاح الدرك، فيما آخرون انضموا إلى قطّاع طرق أو شكّلوا عصاباتهم الخاصّة.
الصفقة المعنية، وكانت السببَ في اغتناء ابنيّ السيّد نيّو، تمت في حقيقة الأمر مع إحدى عصابات الحارة. أفرادها الطائشون، كانوا قد رصدوا في يوم من الأيام قطيعاً من مئات الأغنام، يرعى على مقربة من قرية في ريف الشام، تقع على حدّ البادية. كون الوقت ظهراً، والحراس المرافقون قد ابتعدوا إلى بقعة جميلة كالواحة، مشرفة على سبخة هنالك، كي يتناولوا الغداء ـ ما كان من أولئك النهّابين إلا الهجوم بغتة مع قعقعة أسلحتهم النارية. ثم عادوا مع غنيمتهم إلى الحارة، مستعملين عدداً من العربات التي تجرها الخيل.
ما لم يكن في حسبانهم، أنّ غلاماً من الرعاة كان قد استبد به الرعب لحظة الهجوم، فانسل إلى إحدى تلك العربات وأخفى نفسه بين الأغنام. بدؤوا بإفراغ حمولتهم في إسطبلٍ يقع على طرف وادي صفيرة، صُنع بشكل ارتجاليّ ليكون مأوىً للدواب لحين بيعها، حينَ اكتشفوا وجود ذلك الأعرابيّ الفتى. يبدو أنهم أشفقوا عليه. كان يهتف مذعوراً، " ناشدتكم الله ألا تقتلوني، وسأكون عبداً لكم ". بعدما تشاوروا في أمره، طلبوا منه أن يواصل مهمته كراعٍ للأغنام المسروقة.
هذا الفتى، انتقلت ملكيته إلى عليكي الصغير حينَ اشترى القطيع. وبالطبع، كان أفراد العصابة قد أوصوا الراعي المسكين، مهددين متوعّدين، ألا يذكر شيئاً لكائنٍ من كان عن موضوع السرقة. وإنه هوَ مَن فجّرَ في نفس معلّمه الجديد نوازعَ الحنق والندم، بإفشائه سرّ الصفقة، وذلك لما رجاه يوماً أن يُطلق سراحه كي يُحاول العودة إلى ربعه. عندئذٍ، أوشك عليكي آغا الصغير أن يتخاصمَ مع صديقه حمّوكي ويعلنه القطيعة التامة، لولا أنّ الأخير أقسمَ بكونه يجهل خلفيّات الموضوع.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل الثالث
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 1


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 1