أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 2














المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6379 - 2019 / 10 / 14 - 19:47
المحور: الادب والفن
    


في الليلة الربيعية، التي سبقت توقيفه من لدُن الجندرمة، حلم عليكي الصغير بخطيبته. طالعته بقسمات وجهها، المليحة والصارمة في آنٍ معاً. لاحت نظراتها تومض بالعتاب، وكذلك بشيء من القلق والتوجس ـ كما لو أنها نذيرٌ بأحداث مستطيرة. من وراء هذا الحضور الحبيب، انطلق نداءٌ باسمه. تكرر النداء، ثم أعقب ذلك طرقاتٌ ما. لما استيقظ، كان بصيصٌ من ضوء الصباح يتراءى هذه المرة من وراء ستارة النافذة. شعر بالراحة، متكهناً بأنه الحوذيّ لا بد وأتى كي يدعوه إلى صلاة الفجر.
المسافرُ الفتى، كانَ قد سأل منذ وصوله بالأمس عن خادم الخان، المدعو " حنّان "، وذلك عملاً بنصيحة العم أوسمان؛ ولكنهم أخبروه أنه غائبٌ في مهمة ما، ولن يعود قبل يوم الغد. وإذا هوَ الرجل نفسه، الذي جاء يوقظ الفتى صباحاً. لقد هُرعَ على عجلة، بمجرد أن أخذ علماً بوجود من يسأل عنه. بقيَ يتحادث مع عليكي الصغير ساعة من الزمن، قبل أن يدعوه إلى تناول الفطور في مطعم الخان. بعدئذٍ حانَ وقتُ مغادرة المكان.
خشيةَ الوقوع بيد البدو، المعتادين على نهب القوافل والمسافرين، ارتأى صاحبُنا الكرديّ تقديمَ نصيحة مفيدة للمسافرَيْن: " اسلكا الدروب الجبلية، الممتدة بين كلّس وماردين. إنه طريقٌ آمن، ولو أنه أطول وأكثر وعورة ". على ذلك، ترك حوذيّ العربة الفرسين المتعبين في الخان، مستبدلاً إياهما ببغلين على شيءٍ من الرشاقة. هنا، بادر حنّان بإعطاء الفتى بندقيةً من النوع الألمانيّ، الشائع الاستعمال في تلك الفترة: " بإمكانك استعارتها، ثم تعيدها إليّ عندما تعود مرة أخرى إلى الخان "، قالها شاداً على نواجذه بتعبيرٍ يوحي بالصداقة والثقة.

***
أن يتخلّص من خطر البدو النهّابين، ليقع بيد الجندرمة، فإنه أمرٌ لم يتوقعه البتة. بحَسَب تأكيد الأب، أنّ الدولة لا تعمد إلى سوق الشباب للعسكرية سوى في وقت الحرب. وكانت البلاد تنعم بالسلم، بحيث أن ذكريات حرب القرم، الأخيرة، غدت على ألسنة الناس أشبه بملاحم المنشدين. وإذاً، لما سمعَ من مكانه خلف الحوذيّ أصواتِ قوائم الخيل، توهم للوهلة الأولى أنهم قطاع طرق قد خرجوا من مخابئهم بين الغابات المحدقة بالدرب. قبل أن يمد يده إلى السلاح، سمع قائد العربة يهتفُ فيما هوَ يشد سيورها: " إنهم الجندرمة ".
غبَّ وقوعه في الفخ بوقت قصير، عرفَ من شبان آخرين، مربوطين معه بسلسلة حديدية واحدة، أنّ الأمرَ لا يتعلق بالسوق للخدمة العسكرية بل لأعمال السخرة.. وبعد ذلك بنحو عقدٍ من الأعوام، سيعرف عليكي آغا الصغير كنه تلك الأعمال الشاقة: تمهيد الطريق لوسيلة النقل الجديدة، التي عُرفت ب " القطار "؛ وكان من المؤمل أن تربط سكتها الحديدية أجزاء الإمبراطورية بعضها ببعض ـ كما كان حال السلسلة الحديدية، الخاصّة بعمال السخرة.

***
في تلك الفترة، بدأ الفتى بكتابة رسائل لخطيبته، مع يقينه بأنها لن تصلها أبداً. كان قد رأى أحد رفاق السخرة يفعل ذلك مساءً، في أوان الركون إلى المخيم المحروس بشكل محكم. ولكن من خلال صداقة عليكي الصغير مع أحد الحراس ( كان كردياً من الريف الجنوبيّ لولاية ماردين )، حُبيَ بالأمل أن تعبر كلماته الأصقاع، بطريقة ما، كي تقع بيد الحبيبة. برغم أمّيتها، فكّر الفتى الملول، فإنها لن تعدم وسيلة تمكّنها من ترجمة الرسالة. مع مضي الأيام، ثم الشهور، انغمسَ أكثر فأكثر في الكتابة. ذلك الحارس، وكانوا ينادونه باسم " حمّوكي "، كان في كلّ مرةٍ يفتخر بأنّ رأس عشيرته قد أضحى مقرباً من السلطان نفسه.
" مُنِحَ أعلى رتبة عسكرية، ثم قَلِدَ بالنياشين. كذلك أهديَ سيفاً من خزانة القصر الخاصّة " قالها في إحدى السهرات بحجرة صديقه الفتى. لما سأله صديقه عما وراء هذا الاحتفاء، أجابَ: " الباشا كّلف بتأسيس فرقة عسكرية، أغلب ضباطها وأفرادها من عشيرتنا، وستحمل اسمَ جلالة السلطان ". ثم تابعَ القول بنبرة العالم بخفايا الموضوع، " النصارى، خصوصاً الأرمن واليونان، يتواصلون خفيةً مع أعداء الباب العالي الكفار. كما ويتحدثون عن جمعية سرية خطيرة، يُسمي أفرادها أنفسهم بالاتحاديين؛ وهيَ تنتشر في كل مكان كالوباء "
" أظنك تعني، الماسونيين..؟ "، قاطعه الفتى. لم يفهم الآخرُ المعنى، وواصل كلامه: " هؤلاء الاتحاديون، مثلما يُشاع، هدفهم الأول القضاء على سلالة بني عثمان وربما ما هوَ أسوأ من ذلك.. ". حينَ كان الحارسُ يكلّم الفتى عن الجمعية الغامضة، راحت تتخايل لذهن هذا الأخير صورةُ سليلِ الإمارة البوطانية؛ صديقِ العم أوسمان، الذي تحدث مرةً عن وجود الجمعيات السرية في مختلف الولايات العثمانية ومنها سورية. ثم ما لبثَ الفتى، مع مغادرة جلّيسه للمهجع، أن انكفأ على داخله كي يتخيّل صورةً أخرى، أكثر تأثيراً وبهاءً، لطالما استحضرها في ليالي هذا المعتقل البائس.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل الثالث
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74


المزيد.....




- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 2