أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4















المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6363 - 2019 / 9 / 28 - 00:26
المحور: الادب والفن
    


لو اعتبرنا الجبلَ هوَ الحدُّ الشماليّ لصالحية الأكراد، لأمكن التأكيد بأن " المغارة السوداء " تقع تماماً في صدر حارتنا. في زمن الأسلاف، كانت كروم الصبّار تفصل ذلك الحدّ الصخريّ عن السفح، والذي كان ما يفتأ مقفراً إلا من جدعات تلك الكروم ذات اللون الأخضر، الزاهي شتاءً والمغبر صيفاً.
لا بدّ أن " شيخموس "، والد ليلى، كان يُشرف من قاعدة المغارة على المشهد المهيب للشام، وكان بالكاد يُميّز عماراتها وسط أدغال الغوطة النضرة. بيدَ أن المشهدَ، على غير المألوف، كان يثير في نفسه الكربَ والرهبة: هنالك، وراء أسوار القلعة الشبيهة بالغول ذي الجلد الرماديّ، تتمركز الدولة بجنودها وفرسانها أصحاب السمعة المشينة. لعل جيوش الكفار قد أضحت أيضاً تحت أبراج القلعة، للمطالبة بالثأر والانتقام.
كان هذا في صيف الفتنة. الرجل مع جماعته، كانوا قد انضموا لآخرين من الأقارب ممن وجدوا في لحف الجبل، غريزياً، المأوى المأمونَ من عوادي الزمن. إشاعاتٌ متواترة، كانت تصل إليهم نقلاً عن القادمين الجدد. بعض الرجال الدروز، الذين التقوا بهم مصادفةً فيما كانوا هائمين بين صخور قاسيون بحثاً عن ملجئٍ آمن، رووا حكايةً جرت وقائعها في " دير القمر " بجبل لبنان. وهيَ أن امرأة من ملّتهم فقدت عقلها، بعدما انتزع منها الجنود الفرنساوية طفليها ثم مزقوهما إرباً بالحراب وعلى مرأى منها.

***
" نحنُ صدرَ الحكم فينا، ولن نتمكن أبداً من العودة إلى جبل لبنان "
كذلك تمتمَ أولئك الغرباءُ مخاوفَ صدورهم، لما عرَضَ عليهم " حسين " الحلول في منزله الكبير بالحارة، والتي ستحمل فيما بعد اسمه. ابن عم شيخموس هذا، كان يتكلم مع الغرباء بلغتهم. فضلاً عن ذلك، كان القريبُ يُجيد العربية الكلاسيكية قراءة وكتابة؛ ما سهّل عليه الحصول على وظيفة باشكاتب في ديوان الوالي.
جماعة الدروز، كانت تضم نحوَ دزينة من الرجال مع عدد قليل من الحريم والأولاد. فضلوا المكوث في المغارة السوداء، في حين غادرتها جماعة الأسلاف. وكما لو أنّ الأولين قد انقطعوا عن حركة الزمن، فإنهم ما لبثوا أن ابتنوا بضعة بيوت على جانبيّ مجرى السيل، المُشَكِّل ما يُشبه الأخدود الهيّن العمق. كونهم متسلحين بالبنادق، صارَ صدى أعيرتهم النارية يصل لمسمع أقاربنا في الحارة. وقد اطمأن الأقاربُ لوجود أولئك الغرباء في ظهرانيهم، طالما أنهم يصطادون ببنادقهم الحيوانات المفترسة، مثل الضباع والذئاب، التي كانت تنزل إلى السفح متعقّبة رائحة المواشي.
الدولة بدَورها، يبدو أنها سلت أمرَ الحي الكرديّ. فإنها كي تتفادى عواقبَ فرض غرامة باهظة على سكان المدينة المسلمين، مثلما اشترط ممثلو الدول الأوروبية، كانت قد أمرت زعماء الحارات بجمع مسلوبات الحي المسيحيّ ووضعها في المساجد. شيخ الشام، عبد الله حلبي ( وهو من الصالحية كما سبق وقدمنا )، أنيبَت به رئاسة لجنة لإحصاء تلك المسلوبات بغيَة إعادتها لأصحابها. على أثر اتهام الشيخ بالتلاعب بالأرقام ( وهوَ مشتبهٌ أصلاً بالتحريض ضد النصارى )، تم إعفاؤه من المهمة. مع مرور الأيام، وانسحاب قوات الدول الأوروبية من لبنان، ونى سيرُ عمل اللجنة ثم ما لبثت أن صُرفت هيَ الأخرى بعدما أصابَ أعضاؤها جملةً وافرة من المصاغ والنقود الذهبية.

***
منذ حلول شيخموس في الشام، بمعونة من الفرع " الحسينيّ " من عائلته، أدرك طبيعة هذا الحي ومغزى انعزاله شبه التام عن المدينة. ولو أنه بادرَ في أوان الفتنة ليسأل قريبه عن سبب احتفائه بصحبة أولئك الغرباء، ذوي العقيدة الغنوصية الغامضة، حدّ أن يدعوهم للضيافة بمنزله، لكان الجوابُ قد شافَهَ المسألة. كون " الحاج حسين "، بحكم وظيفته، قريباً من بعض أوساط الأرستقراطية الكردية الدمشقية، فإنه كان على علم بسر علاقة هؤلاء مع الدروز.
قبل ما يزيد عن العقدين من الأعوام، حينَ ثار الموحدون الدروز ضد الغازي المصريّ، إبراهيم باشا، وحوصروا في حصنهم المنيع بجبل اللجاة على طرف حوران، تمت المفاوضة معهم على التسليم مقابل شمولهم بالعفو. وإذا بهم يطلبون حضورَ " شمدين آغا "، زعيم كرد الشام، كي يتم التسليم على يديه وبضمانته. الزعيم الكرديّ، كان في شبابه قائم مقام حوران، وعلى الأغلب أنه تمكّن آنذاك من نسج صلة وثيقة بساكنيه الدروز. ثم ازدادت أصرة العلاقة وثوقاً، بانحياز الرجل إلى صف الباب العالي وقيامه مع الآخرين من وجهاء الشام بالانتفاض ضد الغازي المصريّ.
في فترة حلول شيخموس وأسرته بدمشق، كانت أحوال حسين جيدة من الناحية المادية، بحيث أتاحت له الحج مرتين؛ الأولى، لأولى القبلتين في القدس، والأخرى لبيت الله الحرام. بالتدريج، أضحت أيضاً أوضاع القادم الجديد مُرضية؛ أي أنه كان يستطيع القول بارتياح، العبارة المترددة دوماً على ألسنة المسلمين، " الحمد لله "، حينما يُجيب الواحد منهم على السؤال التقليديّ، " كيفَ الحال؟ ".
الحاج حسين، كان وقتئذٍ في حدود الأربعين من عمره. وفضلاً عن وظيفته، المرموقة من ناحية الوجاهة، تمتع بسمعة حسنة. التشديد على الوجاهة، إنما لكون وظيفته قد درت عليه راتباً متواضعاً: لم يكن من صنف أولئك الموظفين، الذين يعوّضون زهدَ رواتبهم بالحصول على الرشوة. إلا أنّ " الحاج " امتلك خصلة سلبية، ورّثها لابنه الوحيد؛ ألا وهيَ الاعتداد بالنفس.
" حسن " الابن ( وهوَ جدّي لوالدي )، سيأخذ أيضاً عن أبيه الشغف بآداب اللغة العربية. وكما ذكرتُ فيما سبق، فإنه تركَ مجلداً ضخماً يحتوي على نظمه ونثره. في أوان الفترة، التي أبصرت فيها ليلى نور الحياة، كان ما زال طفلاً. هذا وبقيَ أعزب إلى سنّ العشرين، متمتعاً بدخل ثابت من إشرافه على حسابات المزارعين الصوالحة. شقيقته الوحيدة، " زَري "، ما كانت قد اقترنت بعدُ بابن " شيخي ". هذا الرجل، ويُعد من أبناء عمومة جدّنا، سيتزوج أولاً من الابنة الكبرى لبطلة حكايتنا. فلما ماتت " نظيرة " أثناء الولادة، شاءَ الجدُّ، الحاج حسن، ردَ الصفعة الموجهة لكرامته، حين رفضت ليلى فيما مضى إعطاءَ نفس الابنة لأكبر أبنائه. إذا كنتُ، في مبتدأ القول، قد عرضتُ كيف أنّ أسرة ليلى أوت إلى المغارة السوداء مع غيرها من الأقارب؛ فلأنّ ذلك مُستندٌ إلى واقعة أحدث نسبياً، متواشجة مع سيرة الصهر الجديد لجدّنا.
شيخي هذا، كان قد اقتطع لنفسه أرضاً صغيرة في حوران بما أن رزقه في الشام تعسّرَ. ولكنه لم يوفق أيضاً في غربته الجديدة. هكذا آبَ من حوران، " يداً من وراء ويداً من أمام "؛ على حدّ التعبير المعروف. كون الحاج حسن لا يطيق ذلك الصهر التنبل، لم يكن منه سوى إهمال أمره كلياً لدى عودته إلى الحارة. عند ذلك، اتبع هذا الأخير حاسّته القروية الماكرة: " سأقيمُ مع امرأتي في المغارة السوداء كي أرى شقيقها، زعيم الحارة، كيفَ يتقبّل الحال! ".
ولأنني وعدتُ قبلاً ألا استبق الأحداث، سأمرّ على بقية الواقعة فيما يأتي من السيرة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 5
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 4
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 3
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 2


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4