أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3















المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6362 - 2019 / 9 / 26 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


هذه الواقعة المشينة، كانت إذاً قد جرت في شهر تموز/ يوليو؛ أي في عز الصيف. الطقس، كان حليفاً لكرد الصالحية، المتهمين بالتورط في الأحداث، كي يتواروا عن أعين السلطات عن طريق الفرار إلى الجبل والمكوث في كهوفه ريثما تنجلي العاصفة.. السلطات، التي كانت إلى الأمس القريب تنفخ في قربة الفتنة ومن ثم شارك عسكرها بكل حماس في أحداثها. إلا أن العقاب الشديد، مثلما صرّح ممثل السلطان بحزم أمام القناصل الأوروبيين، لن يستثني أياً من المساهمين في المذبحة حتى ولو كان والي الشام نفسه. قبل أن تتبخر همّة " فؤاد باشا " هذا، بادر القناصل إلى تسليمه مذكرة تتضمن شروط دولهم للقصاص من ذابحي رعاياهم النصارى السوريين. هذه الشروط، انتشرت بسرعة بين الأهلين وتسببت في المزيد من الهلع وحالات الفرار الجماعيّ. لعل كثيرون منهم أساؤوا فهمَ مَنْ نقل أكثر الشروط شدّة؛ وهيَ أن يتعهد ممثلُ الباب العالي تطبيقَ مبدأ النفس بالنفس على المسلمين ونصرائهم.
" أي أن يُهلك منا ستة آلاف شخص، مقابل ذلك العدد المزعوم من قتلى النصارى "
كان ذلك ما فُهِم من ناقل الخبر، والذي أثار البلبلة بين مسلمي المدينة. على أنّ ممثل السلطان، وَجَدَ على ما يبدو حلاً مناسباً في تطبيق مبدأ النفس بالنفس. إذ أعتبرَ واليَ الشام المعزولَ والمعتقل، يُعادل ألف نفس؛ كون الرجل برتبة مشير. أما بقية الضباط المتورطين بالأحداث، فَعُدّت رتبةُ كلٍ منهم تعادل مائة نفس. تم إعدام المشير والضباط رمياً بالرصاص. كان المشير صائماً، فلما عرضوا عليه الطعام قبيل إعدامه، رفضه قائلاً: " سأفطر في الجنة..! ".

***
الكرد، المنعزلون في حصنهم المنيع بسفح قاسيون، لعلهم أحسوا لأول مرة بانتمائهم لأبناء دينهم الآخرين، الشوام. وأعني تحديداً، أسلافنا ممن كانوا قد قدموا حديثاً للمدينة، تاركين مواطنهم في ولاية ماردين. وأتخيل أن تلك الأيام، كانت الأطول في حياة كلّ منهم.. ليسَ لصعوبتها وغموضها، حَسْب، بل وكونها ضربت آمالهم في مقتل.. هم الهاربون من بلادهم، تاركين أراضيهم الخصبة، تجنباً للسَوق إلى جبهات حرب القرم، التي كانت محتدمة وقتئذٍ بين جيشَيْ خليفة الإسلام والقيصر الروسيّ.
في المقابل، لم يُفوّت أبناءُ دمشق الفرصة للتعبير أيضاً عن ذلك الانتماء؛ ولو على طريقتهم. فكما قرأنا قبلاً، كانت شهادةُ أبي السعود الحسيبي تتهم كردَ الصالحية أكثر من غيرهم فيما يخص التورط بالأحداث. ولو قُدّر لشهادته، في تلك الآونة، أن تُقرأ على أسلافنا كخطابٍ، لجعلهم يرتجفون تأثراً. ذلك أنّ الرجل يُسمّي كبيرَ زعماء الحي بين المعتقلين، ممن شاركوه في القبوع بين جدران السجن قبيل النطق بالحكم في حقهم: " وضعونا في منزل كبير، يقال له بيت البلطجية، يحتوي على حجرات وإيوان. كان هناك بين المعتقلين شيخ الشام، عبد الله حلبي من الصالحية، وفي الغرفة عندنا سعيد بك ابن شمدين آغا، كردياً كان ميرالي العونية؛ وهو نوع من العساكر ألغيَ الآن ". الملفت أيضاً في شهادته، أنه يذكر عدداً كبيراً من الملل بين المعتقلين على خلفية الفتنة: " نصارى، يهود، متاولة، دروز، نصيرية، أرفاض، نَوَر ويزيدية.. كذلك الأكراد، من ديار بكر وماردين .. وكان من المساجين رجل كرديّ، اسمه علي حبش، له صوت ليس مثله نظير في الشام، كان ينام عندنا وكنا كل ليلة نعمل حفلة غناء مع الحلويات! ". المعلومة الأخيرة، تدل على أن النفوس قد هدأت وأن المعتقلين قد وعدوا خيراً. لقد اكتفت الدولة بمعاقبة الرؤوس الكبيرة، العسكرية بوجه خاص، بينما نفت الأعيان المتهمين إلى قبرص وإزمير لقضاء مدد مختلفة. سعيد بك شمدين، من ناحيته، تم نقله إلى بيروت، ومن هناك ركب البحر مع والي بغداد المعيّن حديثاً من قبل الدولة، ليصبح مرافقه. بعد نحو خمس سنوات، عاد المذكور إلى أهله وهو يحمل رتبة الباشوية ومبلغ ألف كيس من العملة الذهبية.

***
في المرحلة التالية للأحداث، انتقل زعيمٌ كرديّ آخر إلى دمشق. إنه بدرخان باشا، المتعيّن عليه قضاءَ ما تبقى من حياته منفياً بعدما فشلت ثورته على الباب العالي انطلاقاً من مركز إمارته في مدينة " بوطان ". لم يكن الأميرُ الكرديّ على غرار الآخرين من وجهاء بني قومه، الذين يخدمون مصالحهم الشخصية ويتمتعون بسمعة حسنة لدى الباب العالي. هذا الرجل الكهل، كان في زمن مجده قادراً على جعل ممثل دولة عظمى، مثل بريطانيا، يقف مذهولاً حائراً: فرمان السلطان، الذي حمله القنصلُ للأمير بكل عظمة، كان يتلوى ألماً بين يديّ الأخير قبل أن يُرمى أرضاً.
بهذه السمعة، عبَرَ الرجلُ المنفى من " الآستانة " إلى " كريت " اليونانية وأخيراً إلى " الشام الشريف ". الوعي القوميّ، حمله الأميرُ المنفيّ لأبناء جلدته ممن سبقوه في الإقامة بصالحية الأكراد. لعل أسلافنا تشربوا هذا الوعي في تلك الآونة، ولو أن جَنْيَهُ لن يظهرَ إلا بعد عقودٍ من الأعوام وفي ذريتهم بالطبع. إذاك، سيصبح والدُ كاتب هذه السطور تلميذاً لحفيد الأمير، ( جلادت بك )، وصديقاً له فيما بعد. " ليلى "، بطلة حكايتنا، سيتزوج أحدُ أحفادها ابنة الشقيق الأكبر لذلك التلميذ. الشقيق، هوَ من ورد ذكره في مذكرات أحد أبرز المناضلين الكرد، ( زنار سلوبي )، باسم " موسى بك "؛ وأنه ممن أسهموا مع حفيد الأمير البوطانيّ في صياغة الأبجدية الكردية الحديثة. ذلك العم، كان آنذاك وكيل أعمال الوجيه الكرديّ الدمشقيّ المعروف، " نوري بك "، ومن خلاله توثقت علاقته مع آخر سلالة أمراء بوطان العظام.
وإنه العم، كان سببَ مشكلة مستطيرة، جرت بين الفرعين الرئيسيين للعائلة، حينَ شاء والده أن يزوّجه بالابنة الكبرى لليلى؛ " نظيرة ". لقد كبُر عليه ( هوَ زعيم الحي ) أن يُرفض طلبه، ما جعله يفرض ما يُشبه الحصار على أولئك الأقارب. بالنتيجة، سيقرر زوجُ ليلى، المدعو " علي آغا الصغير "، الرجوعَ مجدداً بأسرته إلى موطن الآباء، تاركاً الشامَ والحيَ وزعيمَه. ذلك الفرع، ما عَتَمَ أن نما ثانيةً في تربة " الشام الشريف ". جدَّ الأمرُ، بعودة مَن بقيَ حياً من أولاد الآغا على أثر جائحة الطاعون وويلات الحرب العظمى وبعدما تشتتوا في كلّ مهب. ولكن هذا حديثٌ آخر، سنؤوب إليه في كتابٍ منفصل من سيرتنا.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 5
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 4
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 3
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 2
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 1


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3