أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2















المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6366 - 2019 / 10 / 1 - 04:23
المحور: الادب والفن
    


ولادة ليلو، المتفقة مع موت أمها، تعدّ مسألة عادية وخصوصاً في ذلك الزمن. إلا أنّ والدتنا، كعادتها فيما يخص سيرة جدّتها، دأبت على ربط مصائر الأسلاف والأحفاد بعضها ببعض. فعدا عن الواقعة المأسوية، المتمثلة بموت الجدة مع معظم أفراد أسرتها بالطاعون، فإن أمنا تُحيل أيضاً أحداثاً من هذا النوع، أحدث زمناً، إلى ذلك المصير المفجع، بحيث تصبح سلسلة من المآسي: " خالتكم الكبيرة توفيت في غير أوانها؛ ورجلها أيضاً من قبل؛ ثم ابنتهما؛ وأخيراً الابن البكر لهذه الأخيرة ". ربما ثمة مبالغة في قول الأم، المُشبع بالفلسفة القَدَرية، مع أنه ينفعنا في موضوع مهم؛ وهوَ أن تقديرنا لتاريخ ميلاد ليلو، بحدود العام 1870 مثلما اقترحنا قبلاً، لا يبتعد كثيراً عن الواقع.. أي أنها حين وفاتها، في نهاية الحرب العظمى، كانت في أواخر الأربعين من عمرها.
الشغف بقصّ حوليات الماضي، المستمد من تراث الأسلاف، أفاد سيرتنا أيما إفادة. لأنّ ليلو، اتخذت صغرى بناتها نجيّة؛ كونها تثق بتعقلها، فضلاً عن عاطفة الأمومة الطبيعية. على ذلك، ضمنت مولودةُ القرن التاسع عشر أن تصل قصة حياتها إلينا، نحن أبناء القرن العشرين. صغرى البنات تلك، هيَ " ريما " جدّتي لأمي ـ كما توقعتم ربما. وقد شاءت الأقدار أن تكون الأنثى الوحيدة في أسرتها، الناجية من جائحة الطاعون.
خلال عام من إقامتي تحت سقف الجدّة ( بسبب خلاف مع والدي في موضوع الدراسة الإعدادية )، تقمّصتُ بدَوري صفةَ النجيّ لهذه المرأة النبيلة القلب والمحتفظة ببعض من ملامح جمالٍ غابر، آسر، برغم تقدمها نحوَ سنّ الثمانين. أحياناً، كنتُ أظن أن جدتي تهذي؛ قياساً لما كانت تظهره من خوف وتطيّر حينَ سماعها صوت نعيق البوم، الآتي من المقبرة المجاورة: ثمة، حيث ثوت كبرى بنات الجدة، " بيروزا " في ضريح واحد مع خالتها؛ مع " نظيرة "، التي ماتت أثناء الولادة ـ كما كان حالُ جدّتها لأمها.

***
من أكثر الأشياء، المفصحة عن افتخار ليلو بأبيها، كانت واقعة النذر. الرجل عرّض هيبته للثلم، برغبته في إظهار احتفائه بقدوم مولودة جديدة بعدما شهدَ موت أولاده، ذكوراً وإناثاً، الواحد بأثر الآخر. عاتبه الأقارب، كون فراش امرأته الراحلة ما زال دافئاً، عدا عن أنّ النذور يحظى بها الأبناء لا البنات. لم يُصغ إذاً الرجل للمنتقدين، وانتهز أول يوم جمعة بعد الولادة الميمونة كي يدعو الأهل والجيرة للغداء في بستانه الخاص. هذا البستان، يقع تحت نهر يزيد من جهة جدوله النحيل، المستهل سيره من هناك على شكل قوس ليشكل البقعة الفردوسية، المستمدة اسمها، " الدايرة "، من حركة الجدول نفسه. برغم هيبة صاحب البستان، التي لا مجال أبداً للريبة فيها، أحيطت أرضه بسور طينيّ، كان ذاخراً بالعظائيات من سحالي وحرادين وحرابي، اللواتي تتغذى عليهن الأفاعي والطيور الجارحة. لحسن الحظ، كان الوقتُ ربيعاً يضج بطنين آلاف النحل والزنابير والزيزان والجداجد، بينما النسيم يحمل إلى المحتفلين أريج الأزاهير والرياحين. رائحة طبخة النذر ( قمح مسلوق مع اللبن واللحم الضأني )، راحت من ثم تطغى على ما عداها وتدعو الناس إلى السماط الطويل، المكوّن من عدة أبسطة، مشغولة باليد الماهرة لشقيقة المضيف الوحيدة، التي ستدعى فيما بعد من لدُن ابنته ب " ماما فاتي ".
العمة، هيَ من صنف الأوانس العوانس، الخفيفات العقل نوعاً، اللائي كان لهن نسخاً أخرى في آلنا، قديمة ومعاصرة. كونها تحب ابنة شقيقها بقدر خشيتها من الأرواح الشريرة، المتسببة بموت أفراد العائلة كباراً وصغاراً، لا بد أنّ نتكهن بالطرق المتبعة من قبلها كي تحمي صغيرتها وتضمن لها الاستمرار في الحياة. لو تركنا تلك الأرواح جانباً، بالوسع القول أنه من حَظّ الصغيرة، ولا شك، انشغال فاتى طوال يومها بأمور النظافة حدّ الوسوسة. المنزل، الكائن عند المنحدر الهيّن في منتصف الزقاق، كانت أرض دياره المتربة رطبةً دوماً بفعل حمولات الماء، التي تنقل من البئر لحاجات الغسيل وسقي الحديقة. منذ ذلك الحين، اكتشفت هذه المرأة النشيطة حلاً لتلوث ماء الشرب؛ بغليه أولاً ثم تركه يبرد على مهل داخل قلّة ضخمة من الفخار. في الأثناء، كانت الصغيرة تكبر أمام عينيّ مَن أخذت على عاتقها دَور الأم، بتفانٍ ونكران ذات، ومَن كانت تحميها حتى من عينها ـ كما اعتاد الكبارُ على القول.

***
مثلما تذكرون، أننا حددنا الفترة التالية لمولد ليلو كتاريخٍ مرجّح لوصول " أوسمان " إلى الشام. وعرفنا بالتالي، أنّ الشيء الهام، المؤكد، هوَ أنّ الابن الأكبر للرجل سيقترن فيما بعد بالابنة الصغرى لبطلة سيرتنا. حضرَ القادمُ الجديد إذاً مع صناديقه العديدة والثقيلة، بينما الربيع المحتفي بميلاد ليلو كان ينسحب رويداً كي يخلي المكانَ للصيف، المتألق في سماء قاسيون مثل سيف من الفضّة. على عكس مَن قدموا من آله شتاءً، فتشاءموا من منظر الحارة، قال اوسمان فيما بصره يمسح مشهد الشام تحته، أنّ من يرى الجنّة الأرضية يُمكن أن يسلوَ الجنة السماوية. الحق أنه كان يميل لإله الخمر، " باخوس "، أكثر من ميله لمن يتعسّر في مسألة الحلال والحرام: صناديقه، كان أحدها طافحاً بعنب بلدته الشهير، الذي يصنع منه رهبانُ ديرها أجودَ نوع من النبيذ في ماردين. عاتبته ابنة عمه، فاتي، قائلة فيما تخفي أنفها بمنديلها بحركة تلقائية: " الله يصلحك، ألم تكن تعلم أنّ العنبَ سيتلف في خلال رحلتك الطويلة؟ "
" بلى، ولكن عصارته تصلح الآن لتكون دواءً شافياً! "، ردّ عليها متفكّهاً صاحبُ المزاج الدموي. الصناديق الأخرى، كان بعضها يحتوي على ثمارٍ تصلح لكل الفصول؛ جوز ولوز وبندق وصنوبر.. وحبوب أخرى مختلفة. كذلك تغامز الأقارب، بأنّ الرجل لم يرغب بترك مؤن منزله الأول للآخرين؛ حدّ أن تبدو صناديقه مثل الأنبار المتنقلة. غير أنهم لم يعودوا إلى هكذا سيرة، لما فتحَ أحد الصناديق وكان يطفو بالأقمشة الزاهية: " هذه هدايا لكم، اشتريتها من سوق حلب ". ثم امتدت يدُ فاتي لتعاين بقية الصندوق، فمنعها ابن عمها قائلاً، " إنها ألبسة امرأتي، ويمكن أن تتسمم يدك بالنفتالين ". ابتسمت فاتي، متفكّهة بدَورها من هذا القريب القرويّ، الذي أضحى على معرفة بمفردات المدنية. في حقيقة الحال، أنه خادم الخان في حلب مَن نصحه بوضع المادة تلك طيّ الملابس، طالما أنه رأى الأجانب الأوروبيين يفعلون ذلك.















#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 5


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2