أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4














المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6368 - 2019 / 10 / 3 - 00:20
المحور: الادب والفن
    


بقيت ليلو حيّةً وتجاوز سنُّها حدَّ مِدْيَة الخطر، التي بترت فيما مضى أعمارَ أخوتها من أبيها. زوجة الأخير، كانت قد قالت حينَ ماتت أم المولودة أثناء الوضع، مشيرة نحوَ كتلة اللحم الحمراء، الخارجة تواً إلى نور الحياة، " ستلحق بوالدتها حتى لو حظيت بمرضعة لها ثدي بقرة؛ لأنّ هذا هوَ المكتوب لذرية موسي ". إذاك، رسمت عمّةُ الطفلة بأصابعها الخمسة إشارةً مألوفة بوجه نذير السوء، مكررة الحركة ثلاث مرات: " بل إنها ستعيش، لتكون قرّةَ عين أبيها ولتفقأ عين الحسود! "، قالتها ثم راحت ترنو في حنوّ إلى الصغيرة اليتيمة بعينين مخضلتين بالدمع.
ليلو، شكّلَ وضعها مشكلة إذاً؛ فهيَ رضيعٌ بدون أم. امرأة وجيه العائلة، كانت آنذاك تُرضع ابنتها " زَري " ذات الأشهر الأربعة، حينَ هُرعت إليها العمّةُ الملولة طلباً للنجدة. هكذا ترعرعت الطفلتان في حضن " أمّو "، وكل منهما يستأثر بأحد ثدييها. في مقابل ذلك، فإن من كانت تتمنى للطفلة اليتيمة الموتَ، هيَ مَن انتهت حياتها على الأثر بشكل مفجع.

***
كنا قد ذكرنا في مكانٍ ما، من سيرتنا، كيفَ منعَ أوسمان ابنة عمه من لمس مادة النفتالين، السامّة، الموضوعة طيّ ثياب امرأته. ألا تقول أنّ ابنة العم، التي لا يُرعبها شيء أكثر من الأشباح والقوارض، ستمد يدها مرة أخرى إلى تلك المادة السامة.
قبل ذلك، حينَ راحَ اوسمان يحدث أقاربه ذات سهرة عن المِحَن، المبتلية بها أرض الأسلاف جراء حرب القرم قبل عقدٍ من الزمن، فإنه تطرق إلى وباء الطاعون، الذي انتشر بفعل عبث الجرذان بجثث المحاربين المنتنة. فاتي، وكانت كالكثير من بني قومها لا تميز لغوياً بين أنواع القوارض، ما كان منها إلا التفكير بوسيلة للقضاء على الفئران قبل أن يتسببوا بمأساة مشابهة. ثم هداها فكرها إلى مادة النفتالين، وكانت ما تنفك تحمي ثياب شملكان: " ما دامت تبيد الحشرات، فهي تصلح أيضاً للخلاص من الفئران ".
بدون حاجة لإخبار أحد ـ كونها خجلت من مد يدها خلسةً لثياب المرأة الصغيرة ـ تناولت ذاتَ ظهيرةٍ حفنةً من المادة السامة، فوضعتها في قصاصة ورق ثم اتجهت بها إلى مأوى الفئران المفضّل. في لحظة دخولها المطبخ، إذا هيَ تسمع صرخة من جهة الحديقة، أعقبها نداءٌ باسمها. هُرعت للفور إلى الخارج، تاركة ما بين يديها على الطاولة. كانت شملكان عندئذٍ تحمل الطفلة بعيداً عن سلّة مهدها، الكائن تحت ظلال شجرة التين: " أفعى، أفعى سوداء..! "، راحت تردد مفزوعة وقد امتقع وجهها بشدة. فاتي، ما كانت تخشى الأفعى؛ برغم أنها كانت تُشبَّهُ بها امرأةَ أخيها. أخذت تبحث هنا وهناك، في أنحاء الحديقة وزوايا أرض الديار، دونما جدوى. ثم دخلت في حديث مع شملكان حول الحدث الطارئ، ما جعلها تسلو أمرَ النفتالين.
في الأثناء، كانت عَيْشو قد ولجت إلى المطبخ لتفقد قدْر الطعام، الموضوع على النار. فانتبهت إلى حفنة بيضاء، موضوعة على ورقة فوق الطاولة، فظنت أنها ملح الليمون. نصف ساعة على الأثر، وهبّت فاتي هذه المرة على صراخٍ آتٍ من حجرة شقيقها. وجدت عيشو منقلبة على ظهرها، فيما رغوة بيضاء تسيل من فمها مع بقايا مضغة طعام. المرأة المسكينة، لسوء حظها، لم تستطع سوى ترديد كلمة " ملح الليمون.. "، قبل أن تغط في غيبوبةٍ لن تفيق منها إلا بين يديّ ملاك الموت. بدَورها، لم تفطن فاتي إلى أمر النفتالين إلا بعدما حضرَ ابن عمها من الخارج بعدما استُدعي على عجل. فمجرد أن تساءل الرجل، عما لو كانت المحتضرة قصدت ب " ملح الليمون " مادةً سامة؛ فإن ابنة عمه هتفت بارتياع وأسى: " رباه، إنه النفتالين! ".
بعد هذه الحادثة المحزنة بوقت طويل، بقيت فاتي تجلد ذاتها بسوط تأنيب الضمير وهيَ تردد لمن حولها نفس الحكاية: " المسكينة، لقد راقَ لها أن تضع النفتالين على طبخة الطرشك، متوهمة أنه ملح الليمون ". كانت تعني أكلة كردية، مشكلة من الخضار مع اللحم؛ وهيَ أكلة، بقيت على زمن الآباء أثيرةً في ميزان ذوقهم.

***
ليلو، لما أضحت صبيّة، دأبت على إعادة ذكر فضل امرأة الوجيه في بقائها متنعمة بالحياة. ثم عادت ذكرى المناسبة للتداول، عندما أتت زَري يوماً إلى أختها بالرضاع كي تعاتبها بالقول، " لو كنتِ حقاً وفية لذكرى المرحومة، ما رفضتِ حفيدها كزوجٍ لابنتك نظيرة "
" ليتَ أنّ الأمرَ بيدي، يا عزيزتي. والدها يقولُ أنه وعدَ بها ابن شيخي، ويصعب عليه الآنَ التراجع عن كلمته "، ردّت ليلو بشيء من الخجل. لم يكن الكذب من سيئاتها، بله وفي هذه المسألة تحديداً. إذ كانت تعلمُ، بأن مُخاطِبَتَها ليست من السذاجة كي تصدّق هكذا تبرير. ففي تلك الآونة، كانت ليلو متفردة تقريباً بين نساء آلها بقوة الشخصية والقدرة على التحكّم بالأسرة بما في ذلك الزوج. هذا الأخير، هوَ في الواقع من رضخ لحجة امرأته لما تعيّن عليهما البت في موضوع الخطبة. قالت له عن ابن حَسُّو البكر، " لن يكون سوى نسخة عن أبيه وجدّه، لناحية ضيق الخلق وعسر المعاملة والتزمّت. والدته، لم يُسمح لها بزيارة أهلها في الزبداني سوى مرة واحدة، حينَ توفيَ شقيقها. ولكنها تستطيع الخروج ليلاً إلى أي مكان، لو تعلق الأمر بولادة؛ بما أن مهنتها ـ كقابلة ـ تدر عليهم المال! ".
ذلك الحديث، كان في مستهل القرن الجديد، أي بعد نحو ثلاثين عاماً من ولادة ليلو. لقد عاشت كي ترى نتيجة تكبّرها على زعيم الحي، " الحاج حسن ". بدأ الأمرُ بمقاطعة أسرتها، تلاه قرار العودة إلى موطن الأسلاف؛ ثمة، أين ستُكتب النهاية المأسوية بمداد الطاعون الأسود. ولكن بطلة سيرتنا، من ناحية أخرى، لم يُقدّر لها معرفة إحدى مهازل القَدَر، المتواشجة مع حكاية الخطبة: إنّ زَري، التي أظهرت مقدار ألمها لرفض ابن شقيقها كزوج لنظيرة، ستُمسي بعد وفاة الأخيرة قرينةً لأرملها؛ لابن شيخي نفسه!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4