سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1553 - 2006 / 5 / 17 - 03:54
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أنباءُ البصرةِ تَبلـغُـني ، فإنْ لم تبلغْـني سعيتُ إليها ، هكذا كان شأني منذ غادرتُ مدينةَ النهرِ والبحرِ قبل أكثرَ من ثلاثين عاماً .
تكويني الأولُ هي ، ونظرةُ الدهشةِ الدائمة .
وفي مُعظَمِ نصوصي الشعرية جذورٌ رطبةٌ من المكان الأول . جذورٌ تَخفى في الغالب خفاءَ الهواء .
أقول هذا لأنني أفتقدُ المدينةَ في ما يرِدُ من أنباء .
وأكاد أتساءلُ مع نفسي : هل بقي من البصرة شــيءٌ ؟
للمكان قوّةُ الخَلقِ .
الأمرُ هكذا في الفنّ .
وعلاقةُ الفنان بالمكان هي علاقةٌ عجيبةٌ ؛ فيها استحواذٌ وفناءٌ .
هل بقي من البصرة شــيءٌ ؟
وكيف أعود إليها ، ولو فنّـيّـاً ، الآنَ ؟
ثمّتَ كنوزُ الطفولةِ والفتوّةِ الأولى ، كنوزُ المشهدِ الطبيعي ، ووجوهِ البشــر .
تلك هي البصرةُ التي أعرفُها ، وأُهديها إلى الناس في مختلف أرجاء العالَم . أقولُ : تلك مدينتي !
اليومَ تنطفيء قناديلُ البصرةِ في عينيّ ، قنديلاً إثْـرَ آخرَ .
هذا القتلُ كلُّــه …
هذا الظلامُ الـمُطْـبِقُ كله …
هذا الذبحُ ، الشاملُ بني البصرةِ ، والتاريخَ ، والجيرةَ ، والثقافةَ …
احتلالاتٌ مكثّـفةٌ
وإطباقٌ على الأعناق .
هل بقيَ من البصرةِ شــيءٌ ؟
ويأتي السؤالُ : هل بقي من ســومرَ شــيءٌ ؟
هدمُ الحضارةِ ســجيّـةٌ وشــيمةٌ لدى البرابرة .
هذا الهدمُ هو المتسيدُ في البصرة الآن .
البصرةُ لم تَعُدْ لأهلها .
لندن 16/5/2006
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟