|
تجليات الدولة الهكسوسية في العالم العربي
ابراهيم قلواز
الحوار المتمدن-العدد: 6343 - 2019 / 9 / 6 - 05:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تجليات الدولة الهكسوسية في العالم العربي بالرغم من استقلال معظم الدول العربية منذ نصف قرن على لأقل عن الاستعمار الاجنبي الا أن هذه الفترة الطويلة نسبيا لم تمكن العرب الى حد الآن من ترسيخ تقاليد وأسس الدولة الحديثة، وهناك من يذهب الى أبعد من ذلك ويعتبر أن ما تعيشه المجتمعات العربية هو مجرد سراب الدولة. فأزمة الدولة العربية أزمة عميقة، ومستعصية، ولدت صراعاتها وتناقضاتها مع ميلاد هذه الأشكال بعد نيل استقلالها السياسي عن المستعمر، واستمرت جدالاتها الداخلية وتجاذباتها السياسية والعرقية والدينية والايديولوجية حتى أصبحت استعصاء حقيقيا مزمنا، يرهن كافة التحولات المجتمعية والسياسية والاقتصادية نحو وضع أفضل. ساهمت الأنظمة الشمولية والعسكرية التي توالت على حكم الدول العربية في تعفين مسار التنمية وعرقلة كل محاولات الاصلاح وإعادة البناء من أجل النهضة، وعملت على ربط شبكة الاستبداد بشبكات الفساد التي أوأدت كل المحاولات النخبوية والشعبية في سبيل بناء دولة عربية حديثة، وعلى العكس من ذلك دعمت الى حد كبير الروابط التاريخية للدول العربية بالمستعمر السابق والقوى الدولية الجديدة وتعزيز مراكز نفوذ القوى الاقليمية على كافة المستويات. فقدت الأنظمة السياسية العربية شرعيتها ولم تعر ردات فعل الشعوب والنخب اية أهمية عملية لإصلاح العلاقات بين السلطة والمجتمع، وتضاعف حجم الهوة والشرخ بين دائرة السلطة ودائرة المجتمع الى حد التمزق ما طرح عدة تساؤلات عن حقيقة هذه الانظمة وسياساتها المتبناة ؟ ومالوصف الذي يكن أن نطلقه على هذه الانظمة التي تجاوزت دوائر الشمولية والديكتاتورية؟ وأي معنى ومضمون تأخذه هذه الدول القطرية التي تتواءم مع كافة التوصيفات عدا كونها قومية؟ في هذا السياق، يمكننا أن نتبنى من الدراسات التاريخية مقاربة نرى أنها مناسبة لدراسة وضع الدولة العربية القطرية وأنظمتها السياسية وسياساتها المتبعة، يمكن أن نطلق عليها المقاربة الهكسوسية لدراسة الدولة القطرية العربية، حيث تتماها إلى حد كبير أوضاع الانظمة العربية الحالية بسياساتها ووضع دولها مع توصيفات ومضامين الدولة الهكسوسية القديمة التي كانت بمصر في عهد الدولة الوسطى وحكم الأسرة الرابعة عشر ق18 ق م. ويمكننا في هذا السياق أن نطرح التساؤل التالي: إلى أي مدى تتقارب الأسس التي قامت عليها الدولة الهكسوسية مع الأوضاع الراهنة للأنظمة في الدول العربية؟ وما هي مضامين وتجليات الدولة الهكسوسية في الوضع العربي الحالي؟ -من هم الهكسوسيين الجدد؟ وهل يمكننا القول أننا نعيش عصر الدولة الهكسوسية الجديدة في العالم العربي؟ 1- ماهية الدولة وتطور نشأتها في السياق العربي : نشأت الدولة القومية الحديثة في سياق تطور الفكر الغربي في إطار الحركة التنويرية وفلسفة العقد الاجتماعي، وما تلا مخرجات معاهدة وستفاليا 1648، بعد صراع كبير بين ممثلي السلطتين الزمنية والدينية في أوروبا، وهو الصراع الذي أدى في النهاية الى تولد أفكار الحريات الفردية والعامة والحد من سلطات الحكام وإخضاع الحكم لسلطة عليا (1). يركز التعريف القانوني الكلاسيكي للدولة على المؤهلات التي يتوجب أن تتوفر عليها الدولة، وهي: السكان الدائمون، رقعة الأرض المحددة، والسلطة القادرة على السيطرة التامة والفعالة على كامل الأرض المحددة.(2) فما يهم هنا في المقام الأول هو التركيز على السيادة والمركز القانوني للدولة اللذان يؤهلانها لأن تكون فاعلا في العلاقات الدولية. ساهم تطور فكرة السيادة، وبروز فكرة التنظيم الدولي الضابط للعلاقات الدولية في بروز الكثير من الأدبيات والتحليلات التي أثرت مفاهيم الدولة بمختلف أبعادها، وإجمالا يمكن رصد ثلاث مقاربات غربية أساسية ترتكز عليها مفاهيم الدولة. ركزت بعض المقاربات على خاصية احتكار القوة والعنف المشروع وهي المقاربات التي تستند على التعريف الرائد لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر الذي يعرفها بعدها الوحدة القادرة على احتكار العنف وممارسة الضبط على كامل إقليمها، والاقتراب الثاني يجد أسسا له في تعريف عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الذي يعتبر الدولة محصلة عملية تركيز مختلف أنماط رأس المال: رأس المال الإكراهي (الجيش والشرطة)، رأس المال الاقتصادي، رأس المال الثقافي ورأس المال الرمزي. وبذلك تكون الدولة هي محصلة لمجموع رؤوس الأموال المضاعفة المتفوقة على جميع حائزي القوة الآخرين.(3) ركزت هذه المفاهيم على الطبيعة الإكراهية لوجود الدولة، وهي المفاهيم التأسيسية التي رافقت بناء الدولة الغربية وتطورها، فهي مفاهيم تعكس البيئة التي نشأت وتطورت فيها، لكن هذا المفهوم انتقل من بيئته الرسمية ليستوطن خارج حدود أوروبا، ويشكل الأسس الرئيسية لميلاد الدولة في العالم الثالث بطبيعتها الإكراهية، بالرغم من تباين المسارات التاريخية. أما المفهوم الثالث فقد ركز أصحابه على دمج الطبيعة الإكراهية لوجود الدولة بالقبول الطوعي من قبل المجتمع لوجودها واستمرارها، ويعكس هذا التصور مفهوم باري بوزان للدولة، وهي حسبه "الصمغ الذي يربط حزمة الإقليمي-السياسي-الاجتماعي معا.(4) لم تنتقل هذه الصبغة الثانية لتستوطن في بيئة العالم الثالث ومنها الدول العربية، وعرقل مسار النقل الثاني بينما حافظت الانظمة العربية المتعاقبة على الحكم بعد فترة الاستقلال عن الاستعمار، حافظت على الطبيعة الاكراهية للدولة وكانت الاساس الوحيد لميلاد وتطور الدول الوطنية الحديثة في العالم العربي، وهو ما بينه مسار نشأة وتطور الدولة القطرية العربية الحديثة وما تضمنه من صراعات وجدالات نمت وتطورت مع تطور الدول العربية. نشأت الدولة القطرية العربية الحديثة في سياق استعماري بالرغم من حركة الاستقلال الا أن المستعمر السابق استطاع بواسطة نخب الاستقلال الحاكمة بمختلف صيغ الاستقلال أن يبقي على روابط التبعية، ونسخ النموذج الغربي لكافة تمظهرات الدولة الفتية، لذلك لم تولد الدولة القطرية العربية الحديثة ولادة طبيعية وانما أوجدت كظاهرة مستوردة من السياق الغربي الاستعماري. وبالاضافة الى أن الدولة القطرية العربية وجدت كبضاعة مستوردة فإنها أيضا ولدت كحالة مؤقتة في انتظار تحقيق الهدف الأساسي وهو دولة الوحدة العربية وبالتالي فإن كبرى الأسئلة الحيوية وأدوار ووظائف الدولة رهنت في حكم المؤجل وأباحت للأنظمة الحاكمة تفصيل القواعد المناسبة لتسيير هذا الوضع المؤقت الذي استمر لعقود. وكان واضحا تأثير الصراع بين التيارات والكتل داخل الدولة العربية على مسار البناء، وبالأخص حسم المسألة الهوياتية، في ظل الخلافات الايديولوجية والدينية والصدام العرقي واللغوي، وهي العوامل التي لغمت كل محاولات تفكيك الحالة المؤقتة لوضع الدولة القطرية العربية في ظل لجوء الأنظمة الحاكمة الى لعبة المحاور والتحالفات، بالإضافة الى شبكات الفساد وشبكة التحالفات الخارجية. مكن ترابط هذه الشبكات الانظمة القائمة من نسج علاقات استراتيجية طويلة المدى سمحت بترسيم الوضع المؤقت، وتحويل الوضع القائم الى دولة على مقاس تلك الانظمة الحاكمة، التي انفردت برسم سياسات تخدم كل الاتجاهات ما عادا دعم الاستقلال الوطني الكامل، وتحقيق الديمقراطية الحقيقية والاندماج الاجتماعي التعددي، فكانت صور وتوصيفات هذه الانظمة تتطابق الى حد كبير مع ما جسدته الدولة الهكسوسية.
2-من هم الهكسوس؟ : بحسب البحوث والدراسات التاريخية فإن الهكسوس هم شعوب بدوية من أصول آسيوية دخلوا الى مصر واستطاعوا الوصول الى الحكم، والسيطرة على مصر في عهد الدولة الوسطى في ظل حكم الاسرة الرابعة عشر، واستمرت سيطرة الهكسوس أكثر من قرنين الى غاية 1567 قبل الميلاد، بعد أن طردوا على يد أحمس الاول الذي انهى حقبة الهكسوس على أرض مصر الفرعونية. تعني الهكسوسية في اللغة المصرية القديمة الحكام الاجانب أو الحكام الرعاة والبدائيين، فالهكسوسية تعني كل ماهو أجنبي يسيطر على الحكم المحلي ويتحكم فيه ويحمل صبغة استعمارية عنيفة أو ناعمة، سواء بالقوة أو برسم السياسات والاتفاقيات السرية والعلنية المبرمة التي تبقي على الاستعمار واستمرار سياساته بصبغة ناعمة. يمكن للمتابع للشؤون العربية أن يجد الكثير من التطابقات بين السياسات الهكسوسية وما هو متبع من سياسات من قبل الأنظمة في مختلف الدول العربية سياسيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا. الكثير من التساؤلات تقودنا الى رصد تجليات تبرز مزيد من تماهي السياسات العربية مع مبادئ الدولة الهكسوسية ومن يصنع السياسة في الدول العربية؟ وكيف تصنع؟ 3-أسس ومرتكزات الدولة الهكسوسية: حكم الهكسوس الدولة المصرية نحو قرنين من الزمن، أسسوا خلالها نظام حكم يجمع كافة مظاهر الاستعمار والارهاب والطغيان والاستبداد، وبنوا دولة على أسس استبدادية أساءت للأفراد وخدمت الهكسوس بالدرجة الاولى، بل أن أسس دولتهم كانت تستهدف في المقام الاول استعباد الافراد، والسيطرة على كافة مظاهر الحياة وفق مايخدم استمرار حكمه ويديم سيطرتهم. قام حكم الهاكسوس على: -فرض الضرائب والاتاوات واثقال كاهل افراد المجتمع بكافة أنواع الرسوم المفروضة بغير وجه حق. - نهب الثروات والتسلط على الممتلكات بغير وجه حق. -تسخير امكانيات الدولة في مشاريع غير ذي جدوى لا تخدم سوى حاشية السلطة -عسكرة الدولة والمجتمع وكافة مظاهر الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية -تعظيم القوة العسكرية المسلحة الرادعة وتوسيع المنشئات والقواعد العسكرية -التقييد الكامل للحريات والمعتقدات والحيلولة دون ظهور أية مظاهر للمعارضة والقضاء على كل اتجاه يحاول تأليب الافراد ضد حكمهم. -تخريب كافة دور المعابد والمراكز الدينية حيث يعادي الهكسوس كافة أشكال التدين وبالتالي حرصوا على عدم انتشار افكار الدين ومحاربة مظاهر التدين وتدمير كل معالم ومراكز العبادة. -معاداة العادات والتقاليد والاعراف وكل ما من شأنه تقوية روابط الاجماع والتضامن بين أفراد المجتمع. - الحرص على ابقاء التباعد والعداوات بين طبقات المجتمع وخلق طبقة عليا قائدة وموالية لهم. 4-تجليات الدولة الهكسوسية في السياسات العربية الراهنة: تتجلى مظاهر الدولة الهكسوسية في معظم أنظمة الحكم العربية، ويظهر ذلك في السياسات التي تتبعها ويمكن رصد مؤشراتها التي تتماهى الى حد كبير مع السياسات التي كانت مطبقة من قبل الهكسوس والتي أساءت بالدرجة الاولى لأفراد المجتمع، وعلى نحوها يتبين أيضا مدى عدم ملاءمة تلك السياسات المطبقة في الدول العربية والمتطابقة مع السياسات الهكسوسية من حيث: تدمير القدرة الشرائية للمواطن حيث يعاني المواطنون في معظم الدول العربية نتيجة السياسات الاقتصادية المنتهجة من قبل الانظمة التي لاتجد حرجا في مواجهة كل متاعبها المالية على حساب المواطنين دون النظر الى وضعهم الاجتماعي . قضت معظم الانظمة العربية بسياساتها على الطبقة الوسطى وأصبح هناك طبقتين فقط يميزان البناء الاجتماعي طبقة فقيرة لا تقوى على مجاراة السياسات المطبقة وطبقة أخرى غنية تسيطر على خيرات الدول، ويتجه هذا الوضع في ظل استمرار الهكسوسية الاقتصادية الى تطرف كبير في كلا الطبقتين مع ازدياد الفقراء، وتراجع دخلهم وارتفاع حصة الاغنياء من العائدات الاقتصادية وثروات الدول. الهكسوسية الثقافية: تعتبر الثقافة والفكر المدخل الاساسي الذي تتجلى من خلاله الهكسوسية الجديدة في السياسة العربية، فهناك نفاذية كبيرة للثقافات الاجنبية التي يترسخ تمددها في جسد الدولة العربية ويأخذ وضعا رياديا مطلوبا وقياديا مديرا لكافة توجهات وتمظهرات الحياة الثقافية، حتى أصبح النسق الثقافي الدخيل قطعة رئيسية من مكونات الدولة القطرية العربية وليس مجرد مكتسب ثقافي وحضاري إنساني، كونه لايطرح نفسه كشريك تفاعلي في اطار التعارف والتحاور والتبادل الانساني، بل تفرض هذه الثقافة الدخيلة نفسها بفواعلها كقيم معيارية استعلائية وكلية، غير قابلة للرفض أو التجزيء،وتعد معارضتها أو محاولة التخلص منها ومنافستها بثقافة أصيلة من قبيل الفكر المتطرف والارهاب الثقافي. تتطور الهكسوسية الثقافية داخل جسد الدولة القطرية العربية ليس كنسق فقط يرسم توجهات وتمظهرات النخب والافراد، بل أكثر من ذلك أصبحت تشكل الهكسوسية الثقافية الجديدة الروافد الاساسية للبناء الثقافي والفكري والعلمي للمجتمعات العربية وما يحدث من اصلاحات ومجازر في برامج التعليم وجه من أوجه الهكسوسية الثقافية الجديدة. الهكسوسية الاجتماعية: تظهر الهكسوسية الاجتماعية في سياسة الانظمة العربية التي تستمر في توظيف التناقضات الاجتماعية بكل مكوناتها المتعددة ، وتستثمر في هذا التعدد لنسج شبكات ومحاور تشتت بها مراكز القوة داخل المجتمع في مقابل تقوية مركز السلطة وترك مسافات تباعد بين الاتجاهات السياسية والاجتماعية والعرقية داخل المجتمع. ويعتبر العامل الديني أحد الاوجه التي تبرز من خلالها الهكسوسية الاجتماعية من خلال التحكم في تدين الافراد وتوجيهه، وصنع التدين الاجتماعي المسالم والمستسلم، الذي لايناقش، لايعترض ولا يعارض، ماتمليه الانظمة القائمة وما تحدده من فروض وقواعد وقيم. تتلخص الهكسوسية الاجتماعية في الهندسة الجديدة التي تدير المجتمع وتقلب أسسه السابقة على أساس الجندر وانتقام المرأة من عالم الذكورة، وهندسة الاقليات والجماعات المتخلية انتقاما من الاغلبية، وهندسة الفرق الدينية انتقاما من الاجماع والتوحيد، وهندسة الحريات والتمزق الأحادي للحيلولة دون وجود مخيال جماعي وتضامن وطني. الهكسوسية الاقتصادية: ارتفعت الضرائب المفروضة على المواطن العربي في معظم الدول العربية سواء المفروضة على الدخل والثروة أو المفروض على السلع والخدمات وخلق ضرائب جديدة، كما تضاعفت أسعار السلع الواسعة الاستهلاك والخدمات الضرورية في العشرية الاخيرة نحو ثلاثة أضاعف مقارنة بالاسعار الحقيقية قبل 2010، تاريخ اندلاع الانتفاضات الشعبية. لا تتعلق تمظهرات الهكسوسية الاقتصادية فقط بمؤشرات الضرائب والاتاوات المفروضة، والسياسات المالية والنقدية بل تتجلى أيضا في فرض أنماط استهلاك اجنبية وادخال الكثير من الانماط الغربية حتى المنافية منها للدين والاعراف والتقاليد. وتكرس الهكسوسية الاقتصادية الاقتصادات الوطنية في خدمة الاقتصاد الاجنبي، وجعله استهلاكيا بالدرجة الاولى يعتمد في كل تنميته على مرتكزات وسلع وأفكار وأصول أجنبية تجعله من السلعة المحلية رهينة الاقتصادي الاجنبي. وبذلك تظهر تجليات الهكسوسية الاقتصادية التي تعلي من شأن الاقتصاد والاقتصادي الاجنبي وتقتل الاقتصاد المحلي وتعيق التنمة المحلية وتكبل فواعلها وترهن استقلاليتها. وفي أسمى مظاهر التجلي الهكسوسي الاقتصادي أصبح رجال الاقتصاد الذين يمثلون الهكسوس الاقتصادي هم من يصنعون ويديرون شؤون الحكم في الدول العربية، ويؤثرون على مؤسسات الدولة وصناعة الرؤساء. الهكسوسية السياسية: غير خفي على أحد أن السياسات العربية تهندس في المخابر الاجنبية ويرسم اتجاهاتها صناع القرار الغربيين وفي أحسن الاحوال تكون نتيجة صراع الاروقة والمؤتمرات السرية والعلنية والتفاقيات السرية والعلنية بين القوى الكبرى، وفي حالات متقدمة تكون السياسات العربية نتيجة سيطرة قوى واحدة(المستعمر السابق) للحفاظ على مصالحها ورسم سياسات تخدم تلك المصالح، وبالتالي هندسة سياسات ورجال سلطة على مقاس تلك القوة الاجنبية، وفي حالات متقدمة جدا تعتبر من الاوضاع الاستقلالية نجد أن السياسات في بعض الدول العربية تكون نتاج ما أفرزه صراع النخب والاتجاهات الداخلية، بين اتجاهات تمثل مصالح القوى الخارجية المختلف والتيارات الوطنية الاستقلالية أي نقل جزء من صنع تلك السياسات من بيئة خارجية الى الداخل. ولا يتوقف تجلي السياسة الهكسوسية في السلطة الوطنية العربية عند هذا الحد، فليس سرا يذاع أن الكثير من رجال السياسة والسلطة في الدول العربية لهم أصول أجنبية أو أحد فروعهم والقريبين منهم، أو أزواجهم من جنسيات أجنبية، بالرغم من تأكيد معظم الدساتير العربية على توفر شروط مناقضة لدلك في رجال الحكم. وفي حالات تعتبر استقلالية سنجد أن بعض الانظمة العربية لا تخفي وجود مستشارين أجانب يديرون شؤون الدولة حتى في المسائل الحساسة بغض النظر عن المبررات المقدمة لذلك. الهكسوسية العسكرية: ان الاسس الهكسوسية التي تتجلى عسكريا في الدول العربية لا تتعلق فقط بارتفاع ميزانية الجيوش العربية التي عرفت ارتفاعا مذهلا في السنوات الاخيرة على حساب التنمية والتعليم، بميزانية تسلح ضحمة، وتوسع مجالات عسكرة الحياة العامة، وتقوية المؤسسات العسكرية داخل الدول العربية لتكون حجر الرحى الذي تدور حوله كافة التفاعلات السياسية والاقتصادية والمجتمعية. لكن الى جانب هذه العسكرة المتصاعدة فإن الهكسوسية العسكرية تتجلى أكثر في تحول الجيوش التي كانت وطنية ولم تعد كذلك ، حيث حرفت عقيدتها العسكرية وتغيرت أيديولوجيتها ولم تعد تلتزم بتلك الاسس الوطنية الخالصة نتيجة برامج ماسمي باحترافية الجيوش ودمقرطة الجيوش، وفي سياق الحوارات الامنية مع الحلف الاطلسي والقوى الكبرى، وفي سياق ايضا الابتزاز الامني والشراكات المفروضة لمحاربة الارهاب والتطرف. إن خصخصة الجيوش واقتسام مهامها مع الشركات الامنية الخاصة والمرتزقة والميليشيات ووضع جزء من الجيوش تحت إمرة القوى الدولية والسماح ببناء قواعد عسكرية أجنبية والقيام بعمليات دولية تحول الدولة العربية الى ساحات حروب وساحات تجارب، كلها أوجه لتجليات الهكسوسية العسكرية في واقع الدولة العربية الحديثة.
خاتمة: من الواضح أن الهكسوس الجدد هم من يسيطرون على الدول العربية، ومعظم أنظمة حكمها ، وهم من يديرون السياسات في مختلف الانظمة بشكل مباشر يتجلى في مختلف مظاهر الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، أو من خلال تأثيرهم الخفي وغير المباشر، وتحكمهم الكامل في رسم وصنع وتنفيذ السياسات العربية، وغير مبالغ فيه القول بأن هندسة اتجاهات المجتمع والدولة وصنع الرؤساء في الانظمة العربية الراهنة أصبح بيد الهكسوس الجدد، ومن ثمة فإننا نعيش عصر تجليات الدولة الهكسوسية الجديدة التي يجب التخلص منها لتفادي مآلات أكثر كارثية للمنطقة.
(1) - متروك الفالح، المجتمع والديمقراطية والدولة، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، 2002، ص ص 149-150. (2) - غراهام ايفانز وجيفري نوينهام، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية،ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة، 2004، ص702 (3) - مالك عوني، إعادة انتاج الفشل: لماذا تديم مشاريع إعادة البناء"سراب الدولة" في الشرق الأوسط؟، مجلة السياسة الدولية(ملحق تحولات استراتيجية)، العدد208، مجلد52، أفريل2017، ص6. - المرجع نفسه، ص6.(4)
#ابراهيم_قلواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أذرع القوة الفرنسية: الفرانكفونية والقواعد العسكرية لتجديد ا
...
-
التوسع العالمي للشركات المتعددة الجنسيات في ظل العولمة
-
التطور التاريخي والقانوني للظاهرة الدستورية
-
مستقبل الشراكة الاورومتوسطية في ظل التحولات السياسية والاقتص
...
-
خلفيات تنحية قائد المخابرات الجزائرية الفريق مدين وآفاق المد
...
-
جيوبوليتيكية المياه في المنطقة العربية
-
الجذور الدينية والتاريخية للسياسة المائية الصهيونية
-
التغطية الإخبارية ودورها في صناعة الأحداث
-
استطلاعات الرأي ودورها في تحديد التوجهات العامة للمجتمع
-
الاحزاب والنظام السياسي في اسرائيل
-
المحددات التاريخية لعلاقات شرق غرب في حوض البحر الابيض المتو
...
-
الدور المتنامي للمؤسسة العسكرية في الجزائر وعلاقتها بمسار ال
...
-
الصحوة المدنية وبناء الدولة المدنية في تونس
-
الدروس المستخلصة عربيا من مسار التحول الديمقراطي عالميا-مع ا
...
-
ماذا تحقق من ديمقراطية الثورة في عيدها الستين
-
الجزائر:نحو مقاربة امنية جديدة لتعزيز الاستقرار والامن الوطن
...
المزيد.....
-
خيام نازحين تحترق، وقتلى وجرحى في قصف إسرائيلي طال محيط مستش
...
-
غوتيريش يحذر من إمكانية -جريمة حرب- مع تزايد الاستهدافات الإ
...
-
حزب الله يتوعد بتحويل حيفا إلى كريات شمونة بعد هجومه -النوعي
...
-
-صدمت واشنطن-.. دبلوماسيان يعلقان على ظهور صورة السيستاني في
...
-
بعثة مشتركة تزود مستشفيَين في شمال غزة بالإمدادات
-
المتهم بمحاولة اغتيال ترامب -مصدوم- من التهمة الموجهة إليه
-
الخارجية الروسية: نقل الولايات المتحدة منظومات -ثاد- إلى إسر
...
-
دراسة مفاجئة عن عواقب شرب الحوامل للقهوة!
-
الحمض النووي يحل لغز مكان دفن كريستوفر كولومبوس
-
وزير الخارجية البريطاني يشارك في اجتماع للاتحاد الاوروبي لأو
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|