|
التوسع العالمي للشركات المتعددة الجنسيات في ظل العولمة
ابراهيم قلواز
الحوار المتمدن-العدد: 5252 - 2016 / 8 / 12 - 09:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التوسع العالمي للشركات المتعددة الجنسيات في ظل العولمة تطور الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة نتيجة جملة من التحولات العميقة التي أعادت صياغة الكثير من التعاملات التجارية، كما أعادت صياغة علاقات الإنتاج وربط المتعاملين بالأسواق، نظرا لما أحدثته الثورة التكنولوجية على كافة الميادين الاقتصادية، والتغيرات الجذرية التي طرأت على عناصر الإنتاج وتكلفته، ومنطق السوق في ظل تراجع أهمية الجغرافيا، ومنطق السوق العالمية، والشركات العابرة في ظل العولمة التي عملت على تسليع كل شيء، وبذلك فتحت كل جبهات الأسواق أمام الشركات العالمية، واستراتيجياتها المختلفة للتوسع . أتاحت مخرجات العولمة فرصة اندماج الأسواق الوطنية والإقليمية ضمن السوق الكونية، ونقل المنافسة من السوق المحلية إلى السوق العالمية، وبذلك فرضت منطقا لا وطنيا للشركات التي وجدت نفسها في ظل هذه التحولات تهندس لنفسها استراتيجية توسع بالضرورة، فلم يعد هناك مكان لأي شركة في الأسواق المحلية ولم تعد الشركات المحلية تمتلك أفضليات أو حصرية امتلاك واحتكار أي نوع من النشاط التجاري، أو أي شريحة من المستهلكين، فقط السوق الكونية والمستهلك العالمي من يقرر تواجد أي شركة تحت غطاء المنظومة التنظيمية للمنظمة العالمية للتجارة وديانة العولمة السوقية. الكلمات المفتاحية:العولمة،التوسع العالمي،الشركات المتعددة الجنسيات. مقدمة: بين العولمة والشركات المتعددة الجنسيات تداخل عميق ،وقصة لا تنتهي ربما إلا بنهاية الدولة،مثلما كانت بداية لها منذ نظام وستفاليا، والثورة على الإقطاع واصطدام القوى الرأسمالية الجديدة بإقليمية الدولة التي أعاقت مبدأ التوسع وحرية السوق، فالعولمة استطاعت أن تفتح الطريق أمام الشركات للسيطرة على 80% من مبيعات العالم، واحتكار الأغلبية الساحقة لرأس المال العالمي، في وقت توظف فيه هذه الشركات أقل عمالة ممكنة، لكن التأثير الآخر للشركات المتعددة الجنسيات على العولمة أنها مدتها طيلة مراحل توسعها ومختلف استرتيجياتها للتوسع العالمي بأن حققت نموا هائلا وغير مسبوق في الاكتشافات التكنولوجية المذهلة، وتمكنت هذه الشركات أيضا من تسليع كل شيء، بما في ذلك الأفكار والقيم والثقافات والرموز، وبالتالي ساعدت على العولمة الثقافية والاجتماعية والسياسية بصورة غير مسبوقة ،فكيف تمكنت الشركات العالمية من تحقيق التوسع العالمي في ظل العولمة؟ماهي مقومات واستراتيجيات هذا التوسع؟وما آثاره على الدول النامية على وجه الخصوص؟ محاور الدراسة: -مفهوم العولمة الاقتصادية -ماهية التوسع العالمي -النظريات المفسرة للتوسع العالمي في ظل العولمة -مقومات التوسع العالمي، دوافعه وشروطه -استراتيجيات التوسع العالمي -آثار التوسع العالمي على الدول النامية -مفهوم العولمة الاقتصادية: العولمة كمفهوم حديث جدا يعود الى سبعينيات القرن الماضي،ويردها نعوم تشومسكي إلى حرب الخليج الثانية وميلاد النظام الدولي الجديد ،وهناك تيار عربي يرجعها الى المفكر المصري الاشتراكي سمير أمين من خلال فكرته فلسفة العولمة أي علم النظام العالمي ،ويتفق الكثير من المفكرين على أن هناك نوعين من العولمة القديمة والعولمة الجديدة(1). ويعتبر أوسكار لافونتين أننا نعيش مع العولمة مفهوما حديثا لظاهرة قديمة ومن ثمة فلا داعي للخوف من هذه الظاهرة(2)،حيث ظهرت قديما بمفاهيم مغايرة يمكن حصرها في مفاهيم:العالمية ،التدويل الاعتماد المتبادل،الامبريالية،الكونية،الدولية،الاستعمار المباشر والاستعمار الغير مباشر(3). هذا ما جعل علي حرب يطلق عليها تعبير فتح العالم، باعتبارها آخر مراحل التوسع الرأسمالي تختلف فيها العولمة عن الرأسمالية في فكرة التوسع، فالأولى استباحة الدماء والأراضي وخيرات الشعوب، وهذه المرحلة الأخيرة أي العولمة تستبيح القيم والثقافات وخصوصيات الشعوب وهويات المجتمعات (4). هذا ما دعا بسيرج لاتوش إلى الدعوة لمحاكمة العولمة،وذهب في نفس السياق ؛يصر جيري ماندر في تأكيده على وجوب إعادة العولمة إلى رشدها ، وأطلقت عليها فيفيان فورستر تعبير الرعب الاقتصادي،البعض شبه آلياتها المختلفة بالفخ الذي ينتظر الشعوب في كل المستويات،وآخرون حاولوا إبراز إيجابياتها بالتركيز على مفهوم العولمة السعيدة (5). بين الرعب الاقتصادي، وفخ الشعوب، والعولمة التعيسة أو السعيدة ،برز رأي بيل كلينتون في منتدى جنيف الاقتصادي1988 "أن العولمة واقع وليست خيار سياسي ،وبالتالي فإما أن توظف قوى التغيير لصالح الشعوب أو يتم انتهاج سبل الحماية في مواجهتها إن أمكن" ،وفي ذات المؤتمر كان رد فيديل كاستروا أشبه بإجابة قطعية حول مآلات معارضة قوى التغيير التي تقود العولمة عندما مثل مواجهة هذه الظاهرة وإسقاطها بإسقاط قانون الجاذبية (6). والقانون الجديد للعالم حسب فرونسوا شونيه أن العولمة هي الرحم الجديد لأنماط التنمية(7)، من خلال المظاهر الكبرى للظاهرة، والتي أفرزت بعد مخاضات طويلة تحرير التجارة العالمية، وتغيير بيئة الاستثمارات وحركة رؤوس الأموال،وتغيير البيئة التسويقية للشركات ببروز بيئة تكنولوجية جديدة، قللت من أهمية الموارد لصالح الميزة التنافسية بدلا من الميزة النسبية، والتقليل من أهمية العوامل الجغرافية بتقليص المسافات والوصول في ظل كل هذه التحولات إلى ما يشبه القرية الكونية بتعبير ماك لوهان (8). لكن داخل هذه القرية الكونية لا يجب الخروج عن إجماع واشنطن المبني على الخوصصة والانفتاح على الأسواق، وإطلاق يد المؤسسات الدولية الكبرى لتعدل وتصحح ما تشاء في الاقتصادات الوطنية، من صندوق النقد الدولي إلى البنك الدولي ،و منظمة التجارة العالمية،إعطاء مزيد من الصلاحيات للمنظمات الغير الحكومية والمجتمع المدني، بالمثل تتزايد الأدوار الرئيسية للشركات المتعددة الجنسيات، متعدية الخط الاقتصادي إلى الشؤون السياسية و الاجتماعية التي أصبحت قرارات ذات خلفية وطبيعة اقتصادية بفعل تأثير هذه الشركات (9). العولمة بدأت إذا لتنتهي بإفراغ المواطن من وطنيته،وقوميته وانتمائه القومي والحضاري والديني، بحيث لا يبقى منه إلا خادما للقوى الكبرى (10). - مفهوم الشركات المتعددة الجنسيات والشركات العالمية يعرف سيروز فريدهايم الشركات العالمية و المتعددة الجنسيات في ظل العولمة على أنها شركات تنشط محليا وتفكر عالميا، تستطيع إدارة موارد وسلع ضخمة في الفضاء السيبرنيتي بفعالية كبرى، بواسطة مدراء عالميين ليس لهم أي وطن مفضل (11). وعلى هذا الأساس؛ نجد مجموعة من المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بهذه الشركات ، مصطلحات تتعلق بالشركات المتعددة الجنسيات والشركات العالمية، وأبرز المصطلحات التي كانت متداولة كانت تتحدث عن الشركات العملاقة، والشركات الكبرى والضخمة، ثم الشركات العالمية، وقد انتقل استخدام هذه المصطلحات تدريجيا مع كل مرحلة وتطوراتها وتحولاتها الخاصة، ومع تجليات ظاهرة العولمة في جانبها الاقتصادي على وجه الخصوص، وبداية تحرير التجارة الدولية أصبح أكثر المصطلحات تداولا هو الشركات المتعددة الجنسيات للتعبير عن جانب من مواصفات ومميزات ظاهرة العولمة، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، والفواعل الاقتصادية وفي مقدمتها الشركات من خلال التحالفات، والاندماج بين الشركات، ومن خلال الاستراتيجيات المختلفة للإنتاج وكذا التسويق، وسياسات التنافس في الأسواق، وبالنظر أيضا إلى طبيعة السياسات التنظيمية والاقتصادية للدول. بحيث كانت هناك دول تحفز وتقدم امتيازات ضريبية للمنتجات المركبة، غير أن حقيقة هذه الشركات تخفي وجها آخر من الأوجه السلبية و الخطيرة لظاهرة العولمة، فتعددية الشركات في حقيقتها ما هي إلا تعددية شكلية لأغراض اقتصادية وتجارية معينة، بينما نجد معظم تلك الشركات خاضعة للشركة الأم التي تحدد المعايير والمواصفات، واستراتيجيات الانتشار، ونوعية المنتوجات، وبالأخص الأرباح النهائية التي تستثمر أو تحول للشركة الأم، وأغلبيتها الساحقة مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية، وقلة من الشركات الأم منتمية لأوروبا واليابان، وبعض الشركات الآسيوية الصاعدة،وهذه الشركات تستخدم باق الشركات عبر التحالفات أو الاندماج لتحقيق جملة من الأغراض أبرزها هو استنزاف الموارد الأولية، وطاقات الدول من خلال الشركات المحلية والإقليمية، ومن أجل تحقيق التوسع العالمي،كيف ذلك ؟يجب أن نتطرق قبل ذلك إلى مفهوم التوسع العالمي. مفهوم التوسع العالمي: بالنسبة للشركات فإن التوسع العالمي هو الهدف الأساسي من نشاط الشركة في ظل العولمة، فقد أصبحت طبيعة السوق، وطبيعة المنتوجات، وطبيعة المستهلك الكونية تفرض على الشركة أن تفكر في التوسع، وفي أن تنتج للمستهلك الكوني، وأن تبني استراتيجياتها وسياساتها التسويقية على أساس الدخول إلى السوق الكونية في ظل القوانين العالمية للتجارة،ومنه فإن الشركة ومهما تكن طبيعتها تنطلق من الميزة التنافسية التي تحصلت عليها في البلد الأم، وتعمل على التوسع العالمي، أي توسيع الانجازات المحلية والاستفادة من الأنظمة الداخلية الخاصة بالإنتاج، ونظام المعلومات، ودراسة السوق وتقنيات التسويق، وكفاءاتها وخبرتها، والمهارات البشرية التي تتمتع بها، وكل المزايا والمقومات التي تمتلكها ، وتوظفها لغرض الارتباط بالسوق العالمية والانتشار الخارجي لمنتجاتها (12). التوسع العالمي في ظل العولمة إذن هو الوصول إلى تحقيق السوق العظمى التي تزاح فيها جميع القيود على النشاطات التجارية أمام الشركات، وتسقط فيها جميع الحدود الإقليمية أمام توسع الشركات، وبما يجعل في النهاية العالم بكل مكوناته عبارة عن سوق عالمية مفتوحة، كل شيء فيها سلعة معروضة للبيع خاضعة لقانون العرض والطلب، وجائزة للإحتكار بما فيها الأفراد والقيم والأفكار خاضعة للتسليع. يقوم التوسع العالمي على إنهاء عرف أخلاقي عالمي يقضي بنهاية المحبة المجانية، ومن ثمة يصبح العقد الجديد قائما على السؤال التالي:ما لذي يمكننا أن نجنيه من هذا المكان؟ومن ثمة فإن التوسع يكون شاملا توسع السوق، وتوسع القيم الليبرالية من ديمقراطية فردانية وحقوق الإنسان (13) هذا ما جعل المستشرق الفرنسي روجيه غارودي في كتابه(حفارو القبور) يصف عملية التوسع العالمي للشركات الكبرى بتمدد السرطنات المتمدنة، ويرى أن هذه الشركات جيوبها في وول ستريت والأسواق المالية الكبرى، وأرجلها في الشمال حيث مقر الصناعة والتوزيع، وأيديها في الجنوب تنخر جسد الشعوب، أحد صور التوسع العالمي وعلاقات التبعية مابعد الحرب الباردة تقدمها مؤشرات النزيف الاقتصادي للموارد نحو دول المركز الصناعية الكبرى، وهروب رؤوس الأموال التي تعادل قيمة الديون في دول الجنوب(14). نظريات التوسع العالمي: برزت الكثير من المحاولات والاجتهادات التي حاولت تقديم بديل نظري للنظرية التقليدية بعد فشل الأخيرة في تفسير توسع الشركات العالمية، وانتقال عوامل الإنتاج وتوسع الاستثمارات داخل المنظومة الليبرالية،حيث كانت تفسر النظرية الاقتصادية التقليدية تدفق الاستثمار المباشر خارج الدولة الأم على أساس انتقال رأس المال من دول الوفرة المالية الى دول الندرة المالية التي تعاني عجزا استجابة لمعدلات الفائدة، لكن النظرية سقطت في تناقضات فشلت في تفسيرها، إذ أن أغلبية رأس المال وتدفق الاستثمارات كانت داخل أسوار المنظومة الرأسمالية ،كما أخطأت في تقدير انفصال البائع عن المشتري في السوق التنافسية، وعدم تأثير ذلك على الأسعا،ر زيادة على قصور في تقدير الاستثمارات كانتقال لعوامل الإنتاج وهو ما تستبعده النظرية الاقتصادية التقليدية (15). وعلى هذا الأساس برزت ثلاث نظريات حاولت إعطاء تفسيرات مغايرة للتوسع العالمي للشركات: 1-نظرية السياسة العامة(16):تستمد هذه النظرية أفكارها من أسس الميركنتيلية التي ترى أن الاقتصاد يخضع للسياسات الحكومية،وأن الشركات ما هي إلا أدوات للسياسة الخارجية للحكومات بطريقة أخرى،وبالتالي فإن توسع الشركات عالميا لم ينشا نتيجة ضرورات اقتصادية فرضها منطق النمو والتطور الاقتصادي وإنما هو بالأساس سياسة اختيارية انتهجتها الشركات، نظرا لما تقدمه الحكومات من حوافز وامتيازات ضريبية للشركات التي تقتحم الأسواق العالمية،وفي هذا السياق يمكن تمييز ثلاث اتجاهات داخل هذه النظرية: الاتجاه الأول يركز على عوائد الامتيازات والحوافز الضريبية. والاتجاه الثاني يربط بين سياسات الشركات و أثر السياسات الحكومية على البنية الداخلية للاقتصاد التي تدفع بالشركات للتوجه نحو الاستثمار الخارجي. بينما التوجه الثالث فيربط بين السياسة الخارجية للحكومات وبين التوسع العالمي للشركات خصوصا في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على أوروبا وبقية حلفائها. تعرضت هذه النظرية للكثير من الانتقادات، ورأت الأفكار النقدية للنظرية أن الأساس في توسع الشركات هو الهروب من مراقبة الحكومات الأصلية لأعمال الشركة، وأن هذه الشركات هي من تؤثر على السياسات الخارجية لبلدانها، لأنها تبحث عن الربح والتوسع حتى على حساب توجهات بلدانها الأصلية. 2-دورة حياة المنتج(17): تخالف هذه النظرية أفكار النظرية الأولى، وتفند أن يكون توسع الشركات عالميا مرده سياسة اختيارية لتحصيل امتيازات من السياسات الحكومية، وإنما ترى في توسع الشركات ضرورة اقتصادية من أجل حماية أسواق التصدير من منافسين محتملين، محليين كانوا أو منافسين أجنبيين نتيجة شيوع ذلك المنتج وإمكانية تقليده بعد أن تصبح تكنولوجيته في متناول شركات أخرى، قادرة على إنتاج منتجات على نفس المنوال، بحيث يصبح المنتج نمطيا، وتحتاج الشركة الى الاقتراب من أسواق التصدير بغية التقليل من تكلفة النقل، والإنتاج وفي المرحلة الثالثة بعد أن يصبح المنتج قديما، وتتقادم تكنولوجيته ويصبح في متناول حتى الشركات المحلية في بلد الأسواق المستثمر فيها، تلجأ الشركة صاحبة المنتج الى اقتصاد الوفرة للتقليل من تكلفة الوحدة خصوصا في البلدان الفقيرة، حيث تستغل الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والعمالة الرخيصة، لتكثيف الإنتاج بتكلفة منخفضة تمكنها من تصدير المنتجات من البلد المستثمر فيه الى البلد الأم، في رحلة عكسية نظرا لانخفاض تكلفة الإنتاج في البلد المستثمر فيه. 3-أسواق احتكار القلة:إذا كانت النظرية السابقة فسرت التوسع العالمي من منطلق دفاعي، فإن هذه النظرية تفسر التوسع العالمي للشركات على أساس سياسة هجومية، ومرد ذلك إلى السياسة الاحتكارية للشركات داخل الأسواق ، والتي تجعل من المستحيل على أي شركة أن تنمو وتتطور وتحقق الأرباح على أساس المضاربة السعرية، ومن ثمة فإن هروب هذه الشركات يكون من احتكارية السوق الذي تحتكره قلة من الشركات، والهجوم على أسواق خارجية تنتج فيها، حيث يكون هناك فرص للنمو والتطور والإفلات من ضغط السوق المحلية المحتكرة، وفور استيلاء تلك الشركة على أسواق خارجية تختل السوق المحلية المحتكرة ،وتفرض على بقية الشركات أن تنقل جزء من استثماراتها إلى الأسواق الخارجية ،وتشتيت المخاطر، وإلا واجهت الفشل والفناء وهذه السياسة الهجومية هي التي تؤدي إلى تسابق الشركات إلى التوسع العالمي، ونقل السياسة الاحتكارية المحلية إلى الأسواق العالمية (18). تطور التوسع العالمي: ظروف التوسع العالمي جاءت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشجع شركاتها على التوسع العالمي والانتشار عبر كامل الكرة الأرضية (19)، لتحقيق الزعامة العالمية سياسيا عسكريا، اقتصادي،ا ومن أجل مسارعة الشركات الأمريكية الى السيطرة على الأسواق والموارد، مثلما حدث مع شركة سوريد اويل التي تحولت الى أرامكو وسيطرتها على النفط في السعودية(20)، وجاءت فكرة التوسع العالمي مصاحبة للمشاريع الاقتصادية والمالية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لإعمار أوروبا ،كمشروع مارشال، ومشروع الشرق الأوسط وتركيا، من أجل أن تشرف الشركات الأمريكية على إعادة اعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية، واستغلال ذلك من أجل التوسع العالمي ،وهذا ما حقق للولايات المتحدة الأمريكية اليوم السيطرة على أوروبا، تركيا، والسعودية بفضل جزء كبير من سيطرة وتحكم شركاتها في اقتصاد هذه البلدان. أما خارج الولايات المتحدة الأمريكية فإن العالم الخارجي لم يكن الهدف الرئيسي للشركات ،ولم يكن يمثل محور مهم للنمو والتطور، وكان يعتبر أحد الاستراتيجيات المطروحة أمام الشركات الكبرى، إذ لم يكن ثمة أمام الشركات رزمة كافية من القوانين والتحفيزات التي تدفع بتلك الشركات الى اقتحام الأسواق العالمية، وبذلك فقد ظل التوسع العالمي هامشيا وجزئيا بالنسبة لغالبية الشركات الكبرى، حتى فترة السبعينيات من القرن الماضي (21). فالشركات المتعددة الجنسيات تعمل في بيئة عالمية ليست من صنعها، ولا تخدم توجهاتها بالضرورة،فإلى جانب المصالح وتدويل الإنتاج،وفتح الأسواق هناك أيضا قوى ومصالح وصراعات لا تخدم توسع الشركات عالميا، وعليها على الدوام أن تتكيف مع هذه البيئة لتعظيم إيجابياتها، وتفادي الآثار السلبية للتناقضات التي تواجهها في توسعها العالمي (22). في العام 1973 تجسدت الأهمية التي يكتسيها الطابع العالمي للشركات المتعددة الجنسيات، حيث أصبحت تخضع لتعريف أممي من قبل هيأة الأمم المتحدة ،ويبدوا أن التعريف الذي وضعته الهيأة قد شجع أكثر الشركات على التوسع العالمي سواء من خلال رأس المال أو رقم الأعمال أو الفروع الخارجية، فهيأة الأمم المتحدة أسست لجنة الشركات المتعددة الجنسيات، وحددت معايير للتعريف بتلك الشركات، تتمثل في رقم أعمال سنوي يتجاوز نصف مليار دولار ربع أعمالها مع ستة فروع خارجية أو اكثر(23). وهكذا تطور توسع الشركات عالميا في ظرف قياسي حيث أصبح في نهاية الثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي من بين مائة أقوى اقتصاديات العالم يتواجد 51 شركات عالمية، والبقية دول، رغم أن هذه الشركات لا توظف سوى 5بالمائة من العمالة العالمية، فهي تعتمد على رأس المال والفضاء السيبرنيتي للتجارة (24). تضاعفت أرباح الشركات العالمية الكبرى بعد توقيع اتفاقية الغات بنسب وصلت 14بالمائة، كما نمت أصولها المالية بنحو 10 بالمائة في ظرف قياسي، وأصبحت الشركات المتعددة الجنسيات في وضع جزر للتخطيط المركزي، يحيط بها بحر من علاقات السوق، ونموها يتم على حساب هذا البحر، بما يؤدي في النهاية الى تآكل قواعد هذه العلاقات والإخلال بجوهر أسس اقتصاد السوق(25). وتزامن الحديث عن النظام العالمي الجديد وظاهرة العولمة بداية تسعينيات القرن الماضي؛ مع الحديث عن الأرقام الفلكية للشركات العالمية العملاقة التي اجتاحت كل بقعة كونية، أكثر من ظاهرة ومصطلح العولمة نفسه، هذا ما جعل الكثير من المفكرين يعرفون ظاهرة العولمة باسم هذه الشركات على نحو كوكاكوليزيشن،ماكدونالديزيشن، فورديشن،... وغيرها،فمطاعم ماكدونالدز توظف عمال عالميين يضاهون سكان الخليج،وإذا كانت جنوب إفريقيا أقوى اقتصاد إفريقي فإن شركة فورد وحدها تتجاوز بكثير الناتج القومي الخام لهذا البلد (26). هناك حالة يمكن أن تشرح عالمية الشركات بفضل العولمة فبنك غولدمان شاص للسمسرة يربح سنويا حوالي 2،5مليار دولار موزعة على 161 شخص فقط، بأرباح فردية سنوية تصل 5مليون دولار، بينما مداخيل بلد مثل تنزانيا 2،2مليار دولار مقسمة على 25مليون فرد(27). دوافع التوسع العالمي: الشركات التي تتنافس محليا أصبحت عرضة للتأثر بتقلبات الأسواق أكثر من الشركات العالمية التي تتنافس في الأسواق العالمية، كما أن المستهلك أصبح يفضل المنتجات العالمية للعلامات الأجنبية أكثر من المحلية وهو ما يدفع الشركات إلى تبني خيار التوسع العالمي، واقتحام السوق الكونية بمنتجات عالمية. توسع الشركة عالميا يجعلها قادرة على خفض تكاليف الإنتاج ،من خلال اقتصاد الوفرة، وهو ما يعطيها القدرة على تقديم منتجات بأسعار منخفضة لتحقيق التوسع أكثر ومواجهة المنافسة العالمية. التعامل في الأسواق العالمية يتيح القدرة على التعامل مع ممونين مختلفين، ومن ثمة يمكنها رفع القدرة التفاوضية وخفض تكاليف المواد الأولية مقومات التوسع العالمي: فرضت العولمة على الشركات الاقتصادية معايير جودة عالمية موحدة تختلف عن المعايير المحلية للجودة والمعايير معروفة (الايزو)وبالتالي أمام أي شركة ترغب في التواجد عالميا أن تحقق هذه المعايير -أصبح لزاما على الشركات أن تتعامل مع متعاملين عالميين وليس محليين، وهذا من خلال استغلال الثورة التكنولوجية والمعلوماتية للوصول إلى كل الأسواق والتعامل مع مختلف المنتجين،المستهلكين. -أصبح لزاما على الشركات أن تتنافس مع شركات عالمية، حتى داخل الأسواق المحلية للبلد الأصلي للشركة إذ لم تعد هناك أية أسواق مغلقة يمكن من خلالها أن تبقى الشركات المحلية في منأى عن المنافسة العالمية ومواجهة هذه الشركات. -على الدول أن تتبنى سياسات دعم لشركاتها الناشئة من أجل مساعدتها على ولوج الأسواق العالمية، أو على الأقل مساعدتها وتقويتها حتى تقاوم الشركات العالمية التي تغزو الأسواق المحلية، كما أن الشركات أصبح لزاما عليها أن تتبنى مختلف السياسات والاستراتيجيات التي تمكنها من التحول من مجرد لاعب محلي إلى لاعب عالمي، من خلال التحالفات والتكتلات مع شركات أجنبية متعددة الجنسيات، وتوظيف المزايا النسبية التي تتمتع بها وتحتاجها تلك الشركات لكي تستفيد هي أيضا من المزايا المختلف للشركات العالمية. -يجب على الشركة أيضا أن تتمتع بالمزايا التنافسية الجديدة في ظل العولمة من خلال التحكم في الكفاءات الأساسية ،وتوظيف تلك الكفاءة لتحقيق أعلى قيمة مضافة يمكن أن تصبح المعيار الأساسي لريادةة الشركة في الأسواق العالمية. القدرة على التميز على المنافسين في الجودة والسعر وتوقيت تسليم المنتجات والخدمات،كما تلعب القدرة على المناورة المؤثرة في العملاء دورا كبيرا ومغريا لتحقيق التوسع، وكسب المزيد من العملاء والرضا عن المنتجات(28). يجب على الشركة أيضا إذا أرادت البقاء في الواجهة بكامل قدراتها على المنافسة العالمية أن تعمل على خفض تكاليف الإنتاج،وتحسين نوعية المنتجات،والاستجابة على الدوام للمعايير العالمية، والحفاظ على سمعة الشركة، وتعظيم وفاء الزبائن لعلامتها، ورفع مصداقيتها التنافسية مع بقية المنافسين دون أن نغفل عامل الرفع من القدرة التفاوضية للشركة مع مختلف الممونين(29). البحث العلمي المتجدد من خلال التطوير التكنولوجي المستمر، للاستجابة لمتطلبات السوق، والحد من دخول منافسين جدد، ولذلك تحرص الشركات على التجديد والابتكار وتحسين الإنتاجية وتطويرها، وتحقيق مستوى عال من الجودة،بحيث تأتي المزايا التسويقية للشركات المتعددة الجنسيات من خلال الشبكات التوزيعية والتسويقية التي تعمل على توفير منتجات ذات ابتكارات متجددة على الدوام ،بحالة جيدة في الوقت المناسب،وحسب الأذواق وتفضيلات المستهلك ،كما أن هذه الشركات تهتم أيضا بأبحاث السوق والتركيز على أساليب الترويج والدعاية والإعلان لمنتجاتها ، لضمان استمرارية الطلب عليها . فالابتكار المستمر والبحث والتطوير لا يتعلق فقط بالمنتجات بل بابتكار الدعاية المناسبة والتنويع في أساليب الدعاية، بانتهاج أساليب إبداعية مختلفة تعمل على إغراء المستهلك وإغراقه في منتوجات العلامة والسيطرة على أذواقه مع كل جديد تقدمه. بالإضافة إلى هذه المقومات هناك مجموعة من الشروط التي يجب على الشركة أن تراعيها لتحقيق التوسع في الأسواق العالمية منها: مراعاة الإطار السياسي والتنظيمي والتشريعي للبلد الذي ترغب الشركة في اقتحام أسواق،ه حتى لا تصطدم بمنظومات تشريعية وقانونية تحد من حرية نشاطها، أو تتعارض مع إستراتيجية توسعها، وسياستها التسويقية وحتى الإنتاجية، فمهم جدا للشركة أن تدرس جيدا هذه الجوانب قبل اقتحام هذه الأسواق. الاطلاع على التوجهات العامة في البلد من حيث اتجاهات الرأي العام،نمط الاستهلاك،السلوك الاجتماعي للأفراد،الاتجاهات القيمية والثقافية للأفراد ومن ثمة تكوين رؤية مسبقة عن بيئة تلك الأسواق لتحديد الاستراتيجيات والسياسات المناسبة للتعامل مع هذه البيئة من خلال السياسات الإشهارية التي تعتمد على الإغراء، أو استخدام تلك الثقافة المحلية نفسها في الترويج للمنتجات، من خلال رموز تلك الثقافة وشخصيات المشهورة لذلك البلد، نلاحظ أن بعض الشركات مثلا تستخدم ممثلين ولاعبين مشهورين للترويج لمنتجاتها وبعض الشركات تعتمد على عرض منتجاتها باستغلال الرموز والأماكن الأثرية والسياحية لذلك البلد، كعرض السيارات مثلا في الأماكن السياحية المشهورة في البلد المستهدف من ذلك الإشهار. قبل الشروع في الإنتاج يجب على الشركة أن تقوم بدراسة السوق ومعرفة حاجات وتفضيلات الزبائن وكل ما يحيط بمستقبل الطلبات التي ترغب في تلبيتها، وبالتالي نجد أن السوق العالمية أصبحت ساحة للحرب المفتوحة، ليس فيها أعداء محددين ، ولا أصدقاء ثابتين، وإن كان فيها تحالفات فثمة هدف واحد للجميع هو الربح وتعظيم المكاسب، وكل ما سبق ذكره من متطلبات وشروط للبقاء في الواجهة يمثل المرتكزات الرئيسية التي تنطلق منها الشركات في بناء استرتيجياتها للتوسع العالمي نحو الأسواق العابرة والمفتوحة، خلف القارات والمحيطات، وأيضا وهو الأهم في ظل الثورة المعلوماتية وهو القدرة على استغلال الفضاء السيبرنيتي للتوسع السريع عبر كل الفضاءات الممكنة. استراتيجيات التوسع العالمي: أصبحت الشركات العالمية عبارة عن دولة بأتم معنى الكلمة، وهي تتأهب للدخول إلى السوق فهي تستعد للدخول إلى حرب من نوع خاص، وعرض أي منتوج جديد يوازي جولة جديدة أو معركة جديدة من الحروب المتواصلة، ومن ثمة فان الشركات الكبرى أصبح لها تجييش على أعلى المستويات، وفي مختلف التخصصات من أجل التخطيط الاستراتيجي اللازم لغزو الأسواق،ووضع التكتيكات المناسبة لذلك لا يقل أهمية هذا الجيش الاقتصادي عن الجيش الفعلي على أرض المعركة، بل أن الأول أصبح مهم جدا نظرا لنقل السوق العالمية في جانبها الكبير من الفضاء الجغرافي الإقليمي إلى الفضاء السيبرنيتي عبر التسويق الالكتروني، ومنتجات الخدمات، والبرمجيات، وسرعة النقل والانتقال، وتقليص دور العوامل الجغرافية، والقدرة على التأثير في المستهلك عبر الإشهار وعملية التكرار. لا يمكن لأي شركة تدخل السوق العالمي دون أن يكون لها إستراتيجية قوية، ولا يمكن للشركة أن تكتفي بإستراتيجية واحدة أو نمط واحد من الاستراتيجيات، فلا بد وأن يكون لها الدراية الكافية والمعلومات الوفيرة بالسوق، والزبون، والمنتج الذي تريد تسويقه، وتوقيت التسويق، وأن يكون لها تحضير مسبق للاستراتيجيات البديلة عند طرح المنتوج في حالة التغير المفاجئ لظروف السوق والعرض، والطلب وأن يكون لها تكتيكات محسوبة ودقيقة من أجل مواجهة المضاربة والمنافسين الآخرين في السوق. وعلى هذا الأساس تعمل الشركة على نقل الكفاءة المتميزة ذات القيمة العالية التي تتمتع بها ويفتقر لها المنافسون في الأسواق الأجنبية،ومن خلال اقتصاديات الموقع التي تربط النشاطات بالموقع المثالي لخلق القيمة الإضافية، سواء تكاليف النقل،أو التحرر من قيود التجارة،كما يمكن للشركة لغرض التوسع العالمي التحرك الايجابي على منحى الخبرة بخفض معدل التكاليف طيلة دورة حياة المنتج، وهو ما يمكنها من الانتشار السريع وتحقيق مكاسب عظيمة على حساب بقية المنافسين. ويمكن للشركة أن تختار بين مجموعة من الاستراتيجيات لخلق القيمة في إطار التوسع العالمي من خلال تنظيم سلسلة القيمة بين استراتيجيات التمركز على مستوى الحلقات العليا، والتنسيق على مستوى الحلقات السفلى، حسب خصوصية الأسواق، ورغم ذلك فان التجارب تؤكد أن هناك ارتباط قوي بين التركيز والتنسيق(30). -أن تستفيد الشركة من المزايا التي تمتلكها مسبقا كالقوة الإنتاجية، أو القدرة على تخفيض التكاليف الخبرة والتجربة في الميدان، قدرتها على التحكم في تكاليف النقل،وقدرتها على تكييف منتجاتها وخدماتها مع متطلبات السوق بسرعة وفعالية كبيرتين،كما يمكن للشركة التي ترغب في تحقيق اكبر توسع أن تستفيد من دعم السلطات العمومية في بلدها (31). يجب اختيار التوقيت الأمثل لاقتحام الأسواق واختيار التوقيت الأمثل لطرح المنتج الجديد وحتى اختيار التوقيت الأمثل لعرض الإشهار الترويجي للمنتج الجديد، فعامل التوقيت مهم ومؤثر في المحصلة النهائية لرواج المنتوج، ولبقاء الشركة وعائداتها؛ يراعى في توقيت دخول السوق دورة حياة المنتجات،ظروف وبيئة السوق. مرجعية أداء الشركة الرائدة ،بحيث يلعب امتياز الأسبقية والشركة الأولى دورا مؤثرا على العملاء ويطرح قيمة مضافة على للدوام لمنتجات الشركة. معوقات التوسع العالمي بالنسبة للشركات العالمية: طبيعة الأنظمة السياسية تؤثر على نشاط الشركات وتوسعها، بداية من الأسواق المحلية فهناك أنظمة سياسية تنزح دوما في سياساتها إلى تشجيع وحماية الملكية العامة، وتفرض جملة من العراقيل على القطاع الخاص، ولا تقدم المساعدة حتى للشركات المحلية الخاصة، فمثل هذه النظم تعتبر معرقلة لتوسع الشركات محليا إقليميا وعالميا، ناهيك عن التشريعات والنظم القانونية فيها ،والتي تتحفظ على؛ أو تفرض قيود وسياسات تصعب من تكتل الشركات الخاصة مع نظيراتها من خارج البلد. الاتجاهات القومية والثقافية والأيديولوجية للأفراد داخل الدول، وارتباطاتهم العاطفية والفلسفية، وتكوين الرؤية اتجاه المنتجات والمشاريع الأجنبية؛ يؤثر على توسع الشركة الأجنبية في الأسواق ويعرقل توسعها . خصوصا إذا كانت الشركة تنتمي أصلا إلى بلد هو محور العداء من وراء تعزيز الشعور القومي والقيمي للأفراد في بلد ما، بحيث يتأثر نشاط الشركة مع كل حدث مهما كان مجاله بين البلدين. القيود التنظيمية التي تعيق حرية النشاط التجاري للشركات، وتحارب الاحتكار، وتبني منظومتها الداخلية للنشاطات التجارية، والتعامل مع الشركات على أساس حماية المستهلك، فهذه السياسات لا تخدم الشركات التي ترغب في تحقيق التوسع العالمي، وتسعى إلى اقتحام كل الأسواق من دون قيود أو حدود. الجوسسة الصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية التي تعرض أفكار وبحوث الشركات للسرقة، وهي المادة الأولى الخام للمنتوج ، فهذه السرقات والسطو على براءات الاختراع وتقليد العلامة كلها عوامل تؤثر بشكل أو بآخر على توسع الشركة وتحد من فعاليتها التسويقية (32). أثر العولمة على نشاط الشركات بين عواقب المحلية وكلفة العالمية: خلقت الآليات الجديدة للعولمة بيئة غير مسبوقة أمام الشركات من أجل التوسع العالمي بعد تأسيس منظمة التجارة العالمية القائمة على النظام التجاري الدولي الجديد الذي أتاح لهذه الشركات إمكانية الانطلاق في إنتاج منتج كوني، لمستهلك كوني، بسرعة كبيرة ،وفي ظل وضع مغاير مختلف عن بيئة النشاطات التجارية الدولية. سمحت الفرص الجديدة في ظل العولمة الاقتصادية للشركات من أن تطور قدراتها التنافسية وأن تحسن من حلقات التموين والتوزيع، والربط أكثر بين مختلف نشاطاتها. آثار التوسع العالمي على الدول النامية: التوسع العالمي في ظل العولمة سلاح ذو حدين؛ بالرغم من الآثار السلبية التي تفرزها ظاهرة توسع الشركات إلا أن الأثر السلبي نفسه يمكنه أن يكون إيجابيا، ويمكن للشركات المحلية أن تستغل الشركات العالمية لتطوير قدراتها وتحسين منتجاتها، واكتساب الخبرة والتكنولوجيا للانطلاق أيضا نحو الأسواق العالمية. الآثار الايجابية المحتملة: خفض تكلفة الوحدة الإنتاجية وتوزيع المخاطر الاقتصادية على عدد أكبر من الأسواق،كما يتيح الفضاء العالمي للشركات إمكانية بناء مصانع بالقرب من مصادر المواد الخام والعمالة الرخيصة. تمنح المشروعات المشتركة الشركات فرصة تعلم التكنولوجيا والثقافة وممارسة الأعمال لدى الأفراد الآخرين والاحتكاك بالموردين والعملاء والموزعين الأجانب(33). آثار التوسع العالمي للشركات: الآثار السلبية المحتملة: الشركات الكبرى تسيطر على النسبة الأهم من رأس المال العالمي، وبالتالي فهي من تنفق النسبة الأكبر على البحوث العلمية ومختلف الاختراعات والاكتشافات، مثلما تريد وفي أي مجال تشاء، وبالتالي فهي يمكنها أن تنجز حضارة بديلة للعالم، حضارة مجردة من أي قيم إنسانية، حضارة مادية تكنولوجية آلية لا تعترف بأي خصوصية بشرية ،حتى على حساب الأخلاق والمبادئ ومكونات الجنس البشري. تسيطر هذه الشركات على ضعفي الاحتياطي الدولي للذهب، وكل الأسواق المالية، وبالتالي فهي تتحكم بقدر كبير في توجيه النقد الدولي، وتغيير مختلف السياسات النقدية. قتل الصناعات الناشئة والمؤسسات المحلية التي ليست لها قدرة على مواجهة المنافسة العالمية اختراق الثقافة المحلية والقضاء على الخصوصيات،فالإشهار الذي تستخدمه الشركات للتأثير في المستهلك عبر مختلف الاستراتيجيات الترويجية يجعل الممثل أو اللاعب أو علامة الشركة مألوفة له أكثر من وجه جاره،وبالتالي يكون التقليد في حدوده القصوى، ويحقق درجة عالية من ثقافة الاستهلاك المتجددة إلى درجة الإشباع،فكيف يمكن لهذا المستهلك أن يتمسك بتقاليد وعادات مرت عليها سنين، فحتى القدوات والرمزيات الدينية والتاريخية تسقط أمام الرمزيات الجديدة التي يسوقها الإشهار. انتشار البطالة في العالم، فهناك من يفسر البطالة وتسريح العمال في أوروبا، وأمريكا، يعود بالدرجة الأولى إلى سياسة الشركات التي تسعى الى الانتشار، والتوسع عالميا ، من خلال الاندماجات، والتحالفات مع شركات أخرى لتكثيف رأس المال، في مقابل تقليل عدد مناصب العمل، حتى أن بيانات تسريح العمال، وتراجع عدد العمال، مع بيانات رأس مال الشركة وأرباحها، يؤدي في كل مرة إلى ارتفاع قيمة أسهمها في البورصات المالية (34). من أجل التوسع أكثر وتجاوز كل حدود وأطر السيادات والمراقبة، تضغط هذه الشركات من أجل إجبار الدول على تبني الاتفاق العالمي للاستثمار، والذي يحرم على البلدان مراقبة الاستثمارات المحققة من قبل الشركات العالمية في البلد الموقع على هذا الاتفاق، ومن ثمة تستطيع هذه الشركات أن تستثمر في أي بلد وتبني أي مصانع، وتزرع ما تشاء، وتستثمر في أي قطاع مهما كانت سيادته، حتى أن قوانين بعض الدول العالمثالثية التي تعتبر بعض البنود جزء من السيادة ستصبح لاغية بمجرد التوقيع على هذا الاتفاق (35)،مثلا خوصصة سوناطراك وإلغاء قاعدة 51 49 بالمائة فيما يتعلق بملكية الشركة والاستثمار في المشاريع التي تقوم بها. تدني القدرة الشرائية للأفراد نتيجة تحكم الشركات في الأسعار واتجاهها الى المضاربة انتشار الأمراض، فبعض الشركات تلجا الى بيع سلع بمواد أولية رديئة دون معالجتها ودون زيادة تكاليف تصنيع إضافية، وبالتالي تحمل مخاطر وأضرار، وبعض شركات الأدوية من أجل التوسع تلجا الى نشر الفيروسات ومن ثمة بيع الأدوية الجاهزة لتلك الفيروسات. ارتفاع معدلات الفقر وتدهور البيئة نتيجة استنزاف الشركات للمواد الأولية، والاستغلال السيئ على حساب البيئة ،وتغيير المناخ نتيجة التنافس الشديد وتكثيف الإنتاج مثل الغاز الصخري، تزايد تشغيل الأطفال واستغلالهم، وتأثير ذلك على معدل الأجور وزيادة البطالة في صفوف العمالة الفعلية تعمل الشركات في ظل العولمة على أساس أثر( متى) من له يضاعف له ومن ليس لديه يؤخذ ما عنده. خاتمة: لقد كانت الدولة تمثل الحوت الأكبر الذي أوجدته العولمة من أجل ابتلاع نماذج الحوت الأصغر من قبيل العائلة ،القبيلة، والعشيرة،ويبدوا اليوم أن هذا الحوت قد هرم ولم يعد له دور إذ لم تأخذ الشركات العالمية هذا الدور من الدول فقط؛ وإنما تعمل وهي في طريقها لابتلاع الشركات الصغرى تعمل على ابتلاع الدول وإنهاء وجود الرجل المريض ونعني به الدولة،ولم تعد ثمة أية فرصة للدولة في أن تضع مزيد من التحفظات على منطق السيادة ووضع القيود على الإقليم والأسواق. أصبحت الكثير من الشركات أكبر وأقوي من الدول، وبالتالي فإن أولويات صناعة القرار أصبحت تتسرب من يد السياسيين، وأصبح القرار الاقتصادي ذو أولوية على القرار السياسي،ويتجه الأمر إلى أن تأخذ الشركات ومجلس إدارتها بزمام الأمور السياسية في الدول من حيث التشكيلات الحزبية وبيئة صناعة القرار، لتكون الحكومات المستقبلية في هذه الدول مجرد موظفين لدى الشركات المتعددة الجنسيات. الشركات المتعددة الجنسيات تنظر الى العالم في ظل العولمة بكل تنوعاتها الثقافية والحضارية والاجتماعية مجرد مواد أولية، تحت رهن هذه الشركات، تستخرج منها وتصنع منها ما تشاء، فكل شيء سلعة للبيع تسري عليه قوانين السوق التي تحددها الشركات نفسها. شركة سوني ابلايستايشن هي الفيفا وفي الواقع هي من تحدد من يحتضن كأس العالم، ومن يفوز بالكرة الذهبية، وحتى ترتيب المنتخبات إذا كانت علاقة وطيدة للبلد مع تلك الشركة فالتأثيرات ستكون إيجابية والعكس وكذلك الأمر مع المناصب التنفيذية في هذه الهيأة. ما تريده الشركات المتعددة الجنسيات هو هدم كل السيادات الوطنية، وتحويل الحكومات والوزراء والرؤساء إلى مجرد موظفين لدى هذه الشركات، وتصبح القوانين الاقتصادية وقوانين السوق ذات أولوية على القواعد السياسية والاجتماعية والدينية، وتتوج هذا المسار بتنحي دور الأمم المتحدة، ونهاية دورها بنهاية هذه الدول وتحويل مكانها لصالح منظمة التجارة العالمية للتربع على هرمية النظام الدولي. قائمة الهوامش: 1-قاسم عجاج،العالمية والعولمة،نحو عالمية تعددية وعولمة إنسانية،دراسة تحليلية مقارنة للمفهومين،عمان:مركز الكتاب الأكاديمي،2010،ص260-261 . 2-ناهد طلاس العجة،تحدي العولمة،؟إعادة تنظيم المبادلات الدولية أم تبدل حضاري؟"العوامل،الآثار،البدائل"،ت محمد عرب صاصيلا،دمشق:مكتبة دار طلاس،2008،ط2، ص22 . 3-قاسم عجاج،مرجع سابق الذكر، ص262 . 4-علي حرب،ص ص59-61 . 5-ناهد طلاس العجة،مرجع سابق الذكر،ص 21. 6-المرجع نفسه،ص 21. 7-المرجع نفسه،ص 22 . 8-نوري منير،السياسات الاقتصادية في ظل العولمة،الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،2010، ص ص9-19 . 9-نعوم تشومسكي،مرجع سابق الذكر،ص302 . 10-علي حرب،مرجع سابق الذكر،ص ص55-65 . 11-قاسم عجاج،مرجع سابق الذكر،ص ص377-380 . 12-نوري منير،مرجع سابق الذكر،ص127 . 13-نعوم تشومسكي، مرجع سابق الذكر،ص105 . 14-المرجع نفسه،ص 10 . 15-محمد السيد سعيد،الشركات عابرة القومية ومستقبل الظاهرة القومية،الكويت:مجلس الثقافة والفنون والآداب الكويتي،سلسلة عالم المعرفة،986 نوفمبر1،العدد 107،ص24 . 16-المرجع نفسه،ص25 . 17-المرجع نفسه،ص26 . 18-المرجع نفسه،ص27 . 19-قاسم عجاج،مرجع سابق الذكر،ص 375 . 20-مايكل كلير،دم ونفط،أمريكا واستراتيجية الطاقة:الى أين؟،ترجمة: 21-محمد السيد سعيد،مرجع سابق الذكر،ص9 . 22-المرجع نفسه،ص ص10-11 . 23-قاسم عجاج،مرجع سابق الذكر،ص377 . 24-المرجع نفسه،ص380 . 25-نعوم تشومسكي،مرجع سابق الذكر،ص ص268-269 . 26-قاسم عجاج،مرجع سابق الذكر،ص380 . 27-المرجع نفسه،ص ص381-382 . 28-نوري منير،مرجع سابق الذكر،ص ص130-131 . 29-المرجع نفسه،ص133 . 30-المرجع نفسه،ص ص174-178 . 31-المرجع نفسه،ص 127 . 32-المرجع نفسه،ص84 . 33-المرجع نفسه،ص153 . 34-قاسم عجاج،مرجع سابق الذكر،ص382 . 35-المرجع نفسه،ص384 .
#ابراهيم_قلواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التطور التاريخي والقانوني للظاهرة الدستورية
-
مستقبل الشراكة الاورومتوسطية في ظل التحولات السياسية والاقتص
...
-
خلفيات تنحية قائد المخابرات الجزائرية الفريق مدين وآفاق المد
...
-
جيوبوليتيكية المياه في المنطقة العربية
-
الجذور الدينية والتاريخية للسياسة المائية الصهيونية
-
التغطية الإخبارية ودورها في صناعة الأحداث
-
استطلاعات الرأي ودورها في تحديد التوجهات العامة للمجتمع
-
الاحزاب والنظام السياسي في اسرائيل
-
المحددات التاريخية لعلاقات شرق غرب في حوض البحر الابيض المتو
...
-
الدور المتنامي للمؤسسة العسكرية في الجزائر وعلاقتها بمسار ال
...
-
الصحوة المدنية وبناء الدولة المدنية في تونس
-
الدروس المستخلصة عربيا من مسار التحول الديمقراطي عالميا-مع ا
...
-
ماذا تحقق من ديمقراطية الثورة في عيدها الستين
-
الجزائر:نحو مقاربة امنية جديدة لتعزيز الاستقرار والامن الوطن
...
المزيد.....
-
كان يحاول إخماد حريق بمزرعتهم.. شاب يتعرض لكسر في الجمجمة بع
...
-
وزيرا خارجية السعودية وإيران يجريان مباحثات- بناءة- بشأن الأ
...
-
مصرع 5 أشخاص في تحطم طائرة صغيرة قبالة ساحل كاليفورنيا الأمر
...
-
-قبلتها حماس-.. موقع عبري يحدد بنود صفقة جديدة لوقف حرب غزة
...
-
أبرز المحطات التي شهدها معبر رفح خلال عام من الحرب
-
منح جائزة نوبل للكيمياء لثلاثة علماء أمريكي وبريطانيان
-
عشاء ملكي في قصر كريستيانسبورغ بالدنمارك.. أول زيارة دولة لل
...
-
هاريس: إيران هي -العدو الأبرز- لأمريكا
-
أجهزة شهيرة من آبل -تفقد- الدعم في عام 2024
-
عواقب نقص فيتامين D لدى الطفل
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|