ابراهيم قلواز
الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 02:41
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لازالت الأحداث الأمنية المتوالية داخل الجزائر وخارجها, تلقي بكل آثارها السلبية على عناصر الاستقرار الوطني بحيث أصبحت التهديدات الأمنية في الفترة الأخيرة ؛ذات بعد إقليمي مترامي غير مستبعد عن التحصينات القطرية؛ في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحتين: العربية في منطقة الشرق الأوسط وبالخصوص في سوريا والعراق ؛وفي الساحة الإفريقية في الساحل الإفريقي الكبير في مالي ونيجيريا.
لم تعد هذه الطبعة من التهديدات حكرا على قطر عربي بعينه, خاصة مع تأكد استحالة ضبط الجماعات الإرهابية وسلوك عناصر الجريمة المنظمة؛ والتحكم في مجال المواجهة مع هذه العناصر التي لا تعترف بالجغرافيا وحدودها السياسية؛ مما جعل الجزائر من بين الدول التي أصبحت معنية بترقية استراتيجياتها الأمنية لاستتباب الأمن والاستقرار داخليا وخارجيا في محيطها الإقليمي.
ومن بين الأحداث التي أدت الى تسريع وتيرة عمل الأجهزة الأمنية في الجزائر ومختلف المؤسسات الأمنية التي تعكف على إعداد مقاربات واستراتيجيات أمنية محكمة لامننة الحدود الجزائرية ؛يأتي بعد اختطاف ومقتل الرعية الفرنسي بمنطقة تيزي وزو، من قبل جماعات تتدعي الانتساب الى تنظيم الخلافة الإسلامية في العراق والشام(داعش)،والتخوفات الكبيرة التي افرزها انتشار هذا التنظيم ومختلف جماعاته وبقية الجماعات المتشددة التي تسير في نهج دعم هذا التنظيم,إذ تقدر المصالح الأمنية في البلاد العوامل التي يمكنها إعادة إحياء الإرهاب في الجزائر، والعودة الى فترات سابقة عانت فيها البلاد ويلات هذه الآفة المدمرة للبنى والمهدمة للقيم.
تقدم القراءات الأولية معطيات جدية لعودة بروز فكرة المواجهة المسلحة مع هذه الجماعات، مع توفر أكثر من مقوم مادي ومعنوي لعناصر تلك الجماعات لإعادة تنشيط العنف ضد مصالح الدولة واستهداف أرواح وممتلكات الشعب والدولة، وهذه المعطيات ما فتات تبرز أكثر منذ حادثة الاعتداء على القاعدة الغازية في تيغنتورين ؛واختطاف الدبلوماسيين الجزائريين في مالي؛ واختطاف والي ولاية الوادي ثم محاولة اختطاف السفير الجزائري في طرابلس ؛لتأتي حادثة اختطاف وإعدام الرهينة الفرنسي مؤخرا.
ما يغذي أكثر هذه الأطروحات هو وضع البلاد العام الذي تزعزع مع موجة الربيع العربي وان كان بصورة اقل في المنطقة من تلك الأحداث التي هزت معظم الدول العربية، إلا أن تلك الأحداث حركت المشهد العام في البلاد خاصة بعد محاولة ترويج فكرة تدخل المؤسسة العسكرية في القضايا السياسية ؛ومحاولة استحضار مقاربات سابقة لمعالجة انسدادات العملية السياسية في البلاد، ومع التعثر النسبي للمراحل الانتقالية في تونس وليبيا بدرجة خاصة ،وتوالي التوترات في الإقليم المالي الآزوادي المحاذي للجزائر وانتشار الجماعات المتطرفة وعناصر الشبكات الإجرامية وعصابات التهريب؛ وتغذيتها بالانتشار الواسع لتدفقات الأسلحة، تبدو تلك التخوفات من عودة الإرهاب الى الجزائر لها ما يبررها لكي تتحصن المؤسسات الأمنية في البلاد في حالة استنفار لإعداد مخططات ومقاربات أمنية أكثر حزم واردة من اجل عدم السماح بعودة هذا التهديد الذي ذاقت منه البلاد عشرية من الدم والنار.
لكن الأطروحات الأكبر التي تعطي مؤشرات وملامح أكثر قوة لعودة هذه الآفة والتي جعلت المؤسسات العسكرية والأمنية تنتفض وتعمل بحزم؛ وتعد لاستراتيجيات وتعزيزات جديدة ،تأتي أساسا نتيجة المنهج الجديد للفكر الجهادي المتشدد والذي أحيته من جديد جماعات تنظيم الخلافة الإسلامية في العراق والشام (داعش)؛ وبالمقابل وجود استعداد وقابلية من قبل جماعات تساند نفس النهج في محيط المنطقة العربية والإفريقية ،وهي على استعداد لمباركة نهج هذا التنظيم بعد أن عزلت وحوصرت وأغلقت في وجهها جميع المنافذ؛ بعد التنسيق الامني الكبير بين ليبيا تونس والجزائر لمحاربة هذه الجماعات وتدمير مخابئها ومراكزها على الحدود وملاحقة فلولها داخل البلدان الثلاث.
المقاربة الأمنية التي تعكف الجزائر على تطويرها تستهدف أيضا مواصلة جهود التنسيق والمشاورات وتبادل المعلومات مع مختلف الأجهزة الأمنية المغاربية؛ لقطع الدعم ومتابعة جماعات الانسداد والمساعدة لهذه الجماعات وتجفيف منابعها التمويلية، ومصادرها التدعيمية المادية والمعنوية واللوجيستيكية لتحطيم قدراتها الإرهابية، وإفشال مخططاتها مثلما حدث مع المخططات الإرهابية التي أفشلتها الأجهزة الأمنية في الجزائر عشية عيد الأضحى، وتوقيف عناصر متشددة في تونس كانت تعمل على التواصل مع تنظيم (داعش).
تستهدف هذه المقاربة الأمنية الجديدة في مداها البعيد؛ محاولة عدم جر المنطقة إلى منطق التحالفات الجاري إعدادها في الشرق الأوسط، والاكتفاء بالتعاون المغاربي المغاربي ،أو المغاربي العربي، من خلال التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية لبلدان المغرب العربي ؛ودول الجوار خصوصا مصر، واحتواء مشاكل المنطقة ومعالجة التهديدات محليا؛ وهذا ما ظهر مؤخرا أيضا من خلال التأكيد على الحلول السياسية لقضية ليبيا ومالي والاكتفاء برعاية الحوار ودعمه بين الشركاء الوطنيين في هذه الدول من اجل إعطاء بعد اكبر لتلك المقاربة الأمنية ؛تتجاوز المدى الوطني إلى التأكيد على أهمية الاستقرار الإقليمي وحساسية التأثير المتبادل بين المجالين.
#ابراهيم_قلواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟