|
خلفيات تنحية قائد المخابرات الجزائرية الفريق مدين وآفاق المدنية ما بعد المدينية
ابراهيم قلواز
الحوار المتمدن-العدد: 4937 - 2015 / 9 / 26 - 01:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الملخص: خلفت إقالة رئيس جهاز المخابرات الفريق محمد مدين جدلا واسعا في الأوساط السياسية والنخبوية الجزائرية وأثار الحدث ردود فعل متباينة بشان خلفيات الحدث والظروف والملابسات المحيطة به، بينما تساءلت آراء أخرى حول انعكاسات العملية على مستقبل التحول السياسي في البلاد في ظل تراجع التوازن بين قطبي جناح الرئاسة وجناح المخابرات وترجيح الكفة لصالح التيار المدني على حساب التيار المخابراتي العسكري نتيجة التغيرات الهيكلية الواسعة التي طالت معظم رموز الجهاز وتفكيك أهم وحداته وإلحاقها إما بوزارة الدفاع وقيادة الأركان أو رئاسة الجمهورية. بينما تحاول اتجاهات أخرى التفكير في انعكاسات العملية على مستقبل التحولات السياسية في البلد أكثر من التركيز على تفاصيل الصراع الدائر بين الجناحين، وتتساءل هذه الاتجاهات عن مستقبل الدولة المدنية بعد تنحية آخر رموز الطغمة العسكرية التي قادت البلاد، بعد وقف المسار الانتخابي مطلع تسعينيات القرن الماضي. في حين تبرز وجهة رأي تيار آخر؛ تؤكد على أن العملية برمتها ومنذ الحملة التي اندلعت بمناسبة انتخابات الرئاسة في أفريل 2014 هي عبارة عن (طبخة معدة جيدا) اكتملت آخر فصولها وليس أخيرا بتنحية الفريق مدين الرجل القوي في البلاد بعد حقبة ربع قرن. وبعيدا عن هذه القراءات ؛ تحاول تيارات مسايرة السياق العام الذي يحاول النظام ورموزه تمريره للرأي العام على أساس التغييرات الهيكلية الواسعة والتحولات العادية التي شرع فيها الرئيس منذ تجديد عهدته الرئاسية دون إغفال نغمة الانتصار على معسكر المخابرات. ومهما تكن جدية هذه القراءات وأخرى؛ فإن ما ينبغي التأكيد عليه من خلال سلسلة الزحف التي قام بها محيط الرئيس لإنهاء رموز جهاز المخابرات وانتهت بالإطاحة(كما يراد التسويق لها) بآخر رموزه هو: تنحية الفريق مدين لا تعني انتصار معسكر على حساب معسكر لكن هذا ما يريدون تسويقه للرأي العام على أنه انتصار لجناح الرئيس ومحيطه المتحكم في زمام الأمور على حساب الجهاز العنيد ورئيسه القوي. ما يراد تسويقه للرأي العام من خلال تنحية الفريق مدين هو إعادة توجيه الرأي العام والمتابعين للتركيز على معادلة ما بعد مدين بدلا من التركيز على المعادلة السابقة التي كانت تركز على ضرورة التفكير والإعداد لمرحلة ما بعد بوتفليقة. ليس هناك نهاية فعلية وحقيقية للصراع التاريخي الدائر بين التيار السياسي المدني والتيار العسكري المخابراتي، فما لم يفصل فيه مؤتمر الصومام، ولم تفصل فيه مؤتمرات جبهة التحرير التالية وكل رؤساء الجزائر الذين تعاقبوا على رئاسة البلاد؛ لا يمكن لشقيق رئيس أن ينهيه بجولة صراعات ماراطونية من دون أي مشهد لأي مقاومة تذكر في استسلام كلي للزحف المدني على أجهزة ورموز القطب الآخر. النقطة الأخيرة التي يجب التأكيد عليها هي أن صراع جناحي الرئاسة والمخابرات،لم يخف تماما الصراعات التاريخية في البلاد بين التيارات القومية والتيارات المفرنسة بل أن خيبة الانطلاق كما أسماها علي هارون عادت من جديد وكأن الزمن توقف عند 1962، وعدنا اللحظة لنشهد صراعاته العنيفة بين تيارات عديدة جسدت مجددا انقسام النخب الجزائرية إلى تيارات عديدة، اختصرت اعتباطا في صراع محيط الرئيس بوتفليقة ومحيط الفريق محمد مدين. الكلمات المفتاحية:بوتفليقة،الفريق مدين، جهاز المخابرات، رئاسة الجمهورية، الجيش مقدمة: خلفت إقالة رئيس جهاز المخابرات الفريق محمد مدين جدلا واسعا في الأوساط السياسية والنخبوية الجزائرية، وأثار الحدث ردود فعل متباينة بشأن خلفيات الحدث والظروف والملابسات المحيطة به،وعادت قراءات أخرى إلى استقراء أحداث وصراعات تاريخية سابقة وحاولت بعض القراءات الربط بين هذه العملية وجملة من المتغيرات والتحولات التي تشهدها الساحتين الوطنية والإقليمية، فيما ربطت قراءات أخرى الحدث مباشرة بين الزحف الذي يقوم به محيط الرئيس منذ فترة، وتدمير أوكار الشر التي انطلقت منها أبواق الفتنة من الرئاسيات الماضية، وبعيدا عن الخلفيات والقراءات السابقة للحدث يتساءل الكثيرون عن تداعيات الحدث على الساحة الجزائرية ومستقبل التوازنات السياسية والمعادلات التي حكمت تفاعل النخب الجزائرية، والاهم من ذلك هو:ما مستقبل الدولة المدنية في الجزائر في مرحلة ما بعد المدينية(نسبة إلى الفريق محمد مدين)؟ -في أصل الأزمة الجزائرية -خلفيات تنحية الفريق محمد مدين -فرضيات تنحية الفريق محمد مدين -مستقبل المدنية ما بعد المدينية -في أصل الأزمة الجزائرية: ساد جدل كبير بين النخب الجزائرية طوال تاريخ الجزائر الثوري بداية من الصراع الذي احتدم في مؤتمر الصومام بين الرموز الثورية الأولى وفي مقدمتها العربي بن مهيدي وعبان رمضان،أو أثناء الثورة بين العسكريين والسياسيين، وبين جماعة الداخل وجماعة الخارج، وبين جماعة وجدة وجماعة الشرق.ووصل الصراع بين النخب الثورية إلى أوجه في المؤتمر التاريخي في طرابلس بليبيا صيف 1962 بين بن بلة ويوسف بن خدة قبيل أسابيع من إعلان الاستقلال ، اجتماع كان يراد له وضع الأسس الثورية الكبرى للدولة الجزائرية المستقلة، لكنه اجتماع علق قبل نهايته واختصر صفحات تاريخ الجزائر معلنا علنية تلك الصراعات الدفينة التي لم تحسم بعد(1). وفي مرحلة ما بعد الاستقلال استمرت الصراعات الحادة بين النخب الجزائرية وثار الجدل مجددا حول العلاقة بين المؤسسة العسكرية وبين المؤسسات السياسية المدنية، وحول الأولويات الوطنية، والنهج الواجب إتباعه في ظل وضع رسمه جيش التحرير وجبهة التحرير الوطنيين، وقادت عناصره الثورية الدولة المستقلة، وبنت مؤسسات الدولة ما بعد الاستقلال باسم (الشرعية الثورية). ومع ما خلفه تدخل الجيش من مواقف على إثر وقفه لأول مسار انتخابي تعددي؛ ظلت العملية مجالا خصبا لإنتاج الكثير من الأطروحات الجاهزة لتقديم التبريرات والتحليلات في أي مناسبة تقبل عليها الجزائر، أو كطرح تبني عليه المقاربات الاستشرافية لأي وضع تكون الجزائر مقبلة عليه، ولم تخل المؤسسة العسكرية من أي معادلة يتم طرحها للتداول والتحليل المسبق، من إقالة الشاذلي بن جديد لمعارضته وقف المسار الانتخابي، ثم تعيين محمد بوضياف رئيسا للجزائر وتعرضه لاغتيال لازالت حيثياته بمثابة اللغز الذي لم تفك طلاسمه إلى اليوم، والاستقالة المفاجئة للرئيس اليامين زروال قبل نهاية عهدته الرئاسية، والجدل الذي دار حينها حول خلافاته مع (جنرالات البلاد)،وصولا إلى تنحية الفريق محمد العماري القائد السابق لأركان الجيش وعلاقة ذلك بمعارضة العهدة الثانية للرئيس بوتفليقة ومناصرة غريمه علي بن فليس. قبيل انتخابات الرئاسة الأخيرة ؛ راهنت الكثير من القوى والأصوات التحليلية على الخلافات والانشقاقات بين مؤسسات الجمهورية. وتحدثت الكثير من التقارير عن دور المؤسسة العسكرية في الجزائر، واحتمال تدخلها في المشهد السياسي سواء لتكرار تجارب جزائرية سابقة أو لنسخ مشاهد تداولت مؤخرا في بعض دول الربيع العربي(2)،وفي وقتها؛عارض الجيش علنية التدخل في الحياة السياسية وما كان يعنيه مطلب المعارضة بتفعيل المادة 88 من الدستور بإجراء انتخابات رئاسية مسبقة نظرا لشغور منصب الرئاسة في ظل مرض الرئيس وعدم قدرته على أداء مهامه الدستورية.وأكثر من ذلك أكدت المؤسسة العسكرية بمناسبة الانتخابات الرئاسية دعمها للعملية؛ من خلال دعم مسار التعددية الديمقراطية، واحترام مبادئ الدستور والتصدي لكل الأصوات التي كانت تدعوا الى تدخل الجيش في المسار الديمقراطي للبلاد(3). خلفيات تنحية الفريق محمد مدين: بعد سلسلة من الاقالات والتغييرات التي طالت كبار الضباط في الأجهزة الأمنية ، والتحولات الجذرية التي أدخلها الرئيس على مؤسسات الجيش ومديرية الاستعلام والأمن التي انتزعت منها الكثير من الهيآت والمديريات، وأصبحت مديرية للاستخبارات والأمن وفقط. أنهى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مهام رئيس قسم الاستخبارات والأمن الفريق محمد مدين الذي أحيل على التقاعد حسبما أفاد به بيان صادر عن رئاسة الجمهورية يوم الأحد 13 سبتمبر 2015 ، وجاء في البيان أنه "بموجب أحكام المادتين 77 (الفقرتين 1 و 8) و 78 الفقرة 2 من الدستور أنهى رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني عبد العزيز بوتفليقة اليوم مهام رئيس قسم الاستخبارات و الأمن الفريق محمد مدين الذي أحيل على التقاعد"(4). وإن كان قرار الإحالة على التقاعد عاديا إلا أنه غير عادي بالنسبة لشخص غير عادي، وفي فترة غير عادية أيضا، فقد وصفها ضابط المخابرات السابق محمد خلفاوي على أنها تقاعد عادي بطريقة غير عادية(5) حملت معها إثارة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، لا تخلوا من حلقات الربط مع مسلسل الإثارة والغموض الذي يكتنف علاقة المؤسسات الثلاث:الجيش المخابرات ورئاسة الجمهورية،وفتحت الباب لعديد التساؤلات، فما لذي تعنيه تنحية الفريق محمد مدين في هذا الظرف بالضبط؟ لا يمكن الإجابة عن سؤال كهذا دون طرح سؤال آخر على ذي صلة جوهرية بالموضوع، فالأولوية تقتضي أولا أن نتساءل من هو الفريق محمد مدين؟ البعض شبهه بالشبح واعتبره آخرون بمثابة أسطورة ، في حين نجده عند الآخرين من أكثر الجزائريين وطنية، ولا يخلوا هذا الاتجاه من وجود فريق مناقض تماما للرأي السابق الذي يعتبر مدين وفريقه رأس البلاء الذي لحق بالشعب الجزائري منذ ربع قرن. بالمنطق الثوري فإن محمد مدين التحق بالثورة التحريرية في منتصف مسارها غداة إضراب الطلبة الجزائريين العام 1957، فلم يكن من الرعيل الأول ولم يكن من الضباط الذين التحقوا بالمعسكر الذي بان هلال انتصاره بعد ترقب طويل، ووظيفة الرجل قادته ليكون علاقات متباينة مع كل الاتجاهات ويقف بنفس المسافة من كل الجماعات والتيارات، مع تيار الداخل وتيار الخارج، باعتبار أنه كان ينظم ويسهل عملية نقل الأسلحة والمؤونة والمعلومات كشبكة ربط بين جماعة الداخل وجماعة الخارج، وبين جماعة الشرق وجماعة الغرب، ونقل مختلف القرارات والانشغالات والسياسات الجديدة المنتهجة سواء من قبل السياسيين، أوالاستراتيجيات الجديدة للعسكريين وإعلام السياسيين بها، هذه التجربة هي التي أمدته بخبرة كبيرة وتجربة في حفظ التوازنات بين مختلف التيارات في فترة قيادته لجهاز المخابرات أي الجهاز الفعلي الذي كان يقود البلاد بعد مرحلة التسعينيات، وتمكن من إخراج البلاد إلى فترة السلم والوئام على أساس معادلات التوازن تلك، وهي التي خلقت هذا الوضع الذي سمح للبلاد بالخروج من دوامة الصراع والعشريات الملونة. الرجل المجهول الغامض أو الشبح...الأسطورة(6) ، لم تكن له لا رائحة ولا لون سياسي، فرغم جهويته باعتباره ينتمي إلى منطقة الشرق سطيف تحديدا، وميوله الطبيعي للعرق الامازيغي إلا أن أيا من انتماءاته الثورية والجهوية أو السياسية لم تظهر عليه طوال ربع قرن، وربما هذا ما يبرر لماذا لا نجد صورة للرجل ما دام أن لا لون له ولا فريق للفريق، فالرجل كان بحق رجل توازنات ،متأثرا بالتحاقه في منتصف الثورة فلم يكن من الرعيل الأول، ولا من رعيل المتأخرين والضباط الفارين، كما أن التجربة الثورية قادته لأن يكون دوما بنفس المسافة من كل التيارات، وحتى التنظيم الهيكلي للثورة جعل منه نقطة وسطى بين أجهزة الثورة ، وفي منطقة وسطى بين ولايتي الشرق من جهة والغرب من جهة أخرى والجنوب من الناحية الأخرى ، فتشكل من نفسه فريق التوازنات. هناك تحول مثير للجدل في مواقف محمد مدين، فقد وقف في وجه كل جنرالات الجيش الذين ساندوا المترشح علي بن فليس في رئاسيات 2004،ونسق مع بوتفليقة على مستوى عالي جدا لتعديل الدستور للسماح لبوتفليقة ليخلف نفسه لعهدة ثالثة(7)،لكن الرجل عاد بعد ذلك وغير معسكر مناصرته بالكامل وعارض مبدئيا ترشيح الرئيس المريض لعهدة رابعة ، لكن البعض يتحدث عن الربط بين عدم التوافق حول رجل الإجماع لما بعد بوتفليقة الغير قادر على الاستمرار فكان الاعتراض على الرجل المقترح لخلافة بوتفليقة طبيعي لأن يحول إلى اعتراض على ترشح الرئيس نفسه لعهدة رابعة، وما تبع ذلك من إعادة تنظيم فريق المخابرات أو فريق محمد مدين، وما يعاب عليه حسب البعض هو اعتماده على عناصر ملطخة بالفساد ومتورطة في أكثر الملفات إثارة منذ تنحية الفريق السابق محمد العماري من على رأس الجيش، وتراجع دور الفريق مدين في توجيه الأجهزة الأمنية والسياسية في البلاد. هذا ما قاد فريق محمد مدين إلى الدخول في صراع كبير بينه وبين شقيق الرئيس بعد تصاعد حدة الاتهامات المتبادلة، وملفات الفساد المسربة من كلا الجانبين؛ ألصقت الأولى بشخص شقيق الرئيس وألصقت الثانية بالفريق محمد مدين، وتحول الصراع من صراع بين فريقين وجهازين إلى صراع بين شخصيتين اختزلت صراع باقي الأجنحة دون أن تنهيه أو تغلقه بأي شكل من الأشكال، وربما هذا ما يفسر المحاولات الانفرادية الرافضة لسياسة التهدئة من معسكر كلا الجانبين واتجاهها للتهجم على الفريق الآخر في شخص مدين أو السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس. فرضيات تنحية محمد مدين: 1-صراع الرئاسة وجهاز المخبرات:ليس خفيا على أحد طموحات شقيق الرئيس في خلافة أخيه، فقد راجت مع كل مناسبة رئاسية تسريبات تتحدث عن رغبة السعيد بوتفليقة في خلافة أخيه في حالة ما رفض عبد العزيز الترشح لعهدات جديدة، وهو عرف معروف في الأنظمة العربية التي كانت جمهورية بالاسم، ملكية وراثية واقعيا، وخفتت طموحات ورغبات السعيد بوتفليقة مع موجة الربيع العربي، وأيا تكن حقيقة تلك الرغبة فإن مسألة تنصيب آمرية قصر المرادية هي من اختصاص جهاز صانع الرؤساء، وهذه النقطة كافية لإثارة الخلافات مبدئيا بين شقيق الرئيس ومحمد مدين ويمكننا أن نستشرف احتمالات ومآلات تلك الخلافات في الحالة التي يتدخل فيها شقيق الرئيس ليكون الطرف الرئيسي في إقرار من سيتولى الرئاسة. بعد إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة لعهدة ثالثة بدأت متاعبه الصحية ولم يكن بمقدوره ممارسة أية مهام رئاسية فالبلاد أصبحت بيد شقيقه السعيد بوتفليقة ومن هنا انطلق الصرع بين شقيق الرئيس ومدين، فقد انفرد السعيد بتسيير شؤون البلاد وبدت سياساته وانتقائيته للمسؤولين وتولية المناصب محل إثارة فريق محمد مدين، وبدت على أنها التوجهات الأولى لمخطط التوريث من قبل السعيد بوتفليقة، في نفس الوقت كانت حرب إعادة التموقع بالنسبة لجهاز المخابرات ورجله الأول محمد مدين قد بدأت أولى معاركها لإعادة تشديد القبضة على مؤسسات الدولة بعد أن تراخت وتراجعت بشكل كبير، ولم تعد لمدين القدرة على لعب نفس الأدوار السابقة وبنفس التأثير المهم، غير أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه محمد مدين بالنسبة لبعض المتتبعين هو اعتماده على شخصيات على صلة بملفات ثقيلة استخدمت ضده في حربه ضد شقيق الرئيس ورضي فريقه بنيل الثروة في مقابل تأميم محيط الرئيس للشرعية الثورية، ووصل الأمر بزعيم حزب الأغلبية عمار سعيداني(جبهة التحرير الوطني) إلى الدعوة لإنهاء الحكم الموازي أي جهاز المخابرات في شخص مديره محمد مدين. فتحت تصريحات سعيداني ضد محمد مدين باب التراشق بالملفات، فبعد تسريبات الفساد التي طالت مجمعي سوناطراك وتونيك وتوريط شخصيات مقربة من الرئيس في ملف الفساد، كانت هجمات الرد من محيط الرئيس كلها مصوبة نحو شخص مدين الذي حمل كل مآسي البلاد، وكان رد محيط الرئيس مهندسا ودقيقا في ربطه بين تلك الاتهامات التي اتخذت مطية لتمرير مجموعة من السياسات والتغييرات فكان الربط في محله، فقد اتهم مدين بعجز جهازه في حماية الرئيس المغتال محمد بوضياف، وعدم القدرة على حماية مؤسسات البلاد بعد أن تعرض قصر الحكومة ومبنى هيأة الأمم المتحدة لهجمات إرهابية، مثلما عجز عن صد الهجمات على المنشآت النفطية في تيغنتورين. تبعت حرب التصريحات والتسريبات هذه بزلزال من الزحف الرئاسي على جهاز المخابرات، وبدأت القرارات التنفيذية التي طالت أهم الهيآت والوحدات التابعة للجهاز، فتم إلغاء وحدات النخبة والتدخل السريع وإلغاء المصلحة المركزية للشرطة القضائية، وتم سحب التحقيق في ملفات الفساد الكبرى، كما تم إلحاق مديرية الاستعلام وإدارة كاميرات المراقبة والفيديو والحماية الرئاسية ووحدات أخرى ألحقت بهيأة أركان الجيش ورئاسة الجمهورية. بعد تقزيم جهاز المخابرات؛ اتجه الزحف الرئاسي الذي يقف خلفه السعيد بوتفليقة إلى سياسة الإقالات والإحالة القسرية على التقاعد، إذ طالت أهم الشخصيات النافذة في جهاز المخابرات والمقربة من محمد مدين، واستمرت تلك السياسة عبر دوائر متحدة المركز ومترابطة إلى غاية منتصف أوت الماضي بعد عملية إطلاق النار داخل محيط إقامة الرئيس بزرالدة حيث كان متواجدا السعيد بوتفليقة وجاءت سلسلة التغييرات والإحالات على التقاعد مرتبة بالتمام لتنسجم مع ردود الفعل على الحدث، وتطال في النهاية الفريق محمد مدين(8)،وعلى أساس هذه الفرضية تساق التأكيدات على أن الإحالة على التقاعد هو قرار من السعيد بوتفليقة بإنهاء دور الفريق محمد مدين(9). تتعرض هذه الفرضية للكثير من الانتقادات لأنها تختزل الصراع في شخصي السعيد ومدين، وتربط التنحية بانتصار الأول على حساب الثاني، دون النظر في سياسة التحالف وتغير المعادلات بين المؤسسات الثلاث ونعني بها المخابرات،الجيش والرئاسة .ودون الأخذ بعين الاعتبار بيئة النظام والتحولات التي يفرزها المحيط الإقليمي للجزائر، إذ يفرض ذلك جملة من التحولات والتغيرات الهيكلية من أجل مواكبة هذه التحولات والتواؤم مع متغيراتها وإفرازاتها، وعلى هذا الأساس تبرز فرضية الإحالة الطبيعية والعادية على التقاعد في إطار التغييرات والترتيبات السلسة لإعادة هيكلة جهاز المخابرات. 2-فرضية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية : تفرض القراءات المتأنية لسلسة التغيرات التي طرأت على الكثير من أجهزة الدولة قبل تنحية الفريق مدين أن يكون الوصول الى الإطاحة بمحمد مدين هو "نتيجة منطقية لإعادة هيكلة أجهزة الدولة(10)،فقد طالت تلك التغيرات كل الأجهزة والمؤسسات تقريبا، من الجماعات المحلية إلى الهيأة القضائية وصولا إلى المؤسسات الأمنية، غير أن التركيز الأكبر كان منصبا بشكل ممنهج على المؤسسة العسكرية وجهاز الاستخبارات. منذ جويلية 2014 إلى غاية سبتمبر 2015،حدثت عملية تطهير واسعة في المؤسسة العسكرية وطال الزحف الرئاسي أبرز رؤوس العسكر وتم تقليم أظافر ومخالب جهاز المخابرات بتجريده من أهم اختصاصاته إلى درجة تم معها تغيير تسميته التي لم تعد تتواءم مع ما تبقى له من صلاحيات. بداية حملة التطهير طالت أبرز المقربين لمحمد مدين بداية من قضية الجنرال عبد القادر آيت واعراب المعروف باسم الجنرال حسان مسؤول مديرية مكافحة الإرهاب والمتابع قضائيا من قبل القضاء العسكري في ملفات فساد ثقيلة ، والى جانب ذلك تم تنحية الجنرال فوزي مسؤول مركز الاتصال والبث ببن عكنون ، وفي نفس الظرف لفتت إقالات وتنحية الرئيس انتباه المتتبعين كون حملة التطهير تصاعدت بشكل مثير وطالت هذه المرة ذراعي الفريق مدين وهما بشير طرطاق الذي أصبح خليفة لمدين في الجهاز الجديد بتسميته الجديدة وهو الذي كان على رأس مديرية الأمن الداخلي،ثم تم تنحية اللواء رشيد لعلالي العطافي مسؤول مديرية الأمن الخارجي. بعد تلك القرارات التاريخية لرئيس الجمهورية والتي أحدثت زلزالا في الساحة السياسية الجزائرية وأحدثت تصدعات في جهاز المخابرات ، كانت فترة الراحة بالنسبة لمحيط الرئيس في انتظار معرفة قدرة جهاز المخابرات على استيعاب تلك الضربات، وإمكانية قدرته على إنتاج هزات ارتدادية في نفس الوقت كان توجه محيط الرئيس منسجما مع أحداث كثيرة هزت البلاد في مقدمتها احتجاجات الجنوب على استغلال الغاز الصخري، ثم أحداث غرداية الدامية، وترتيب العمليات السياسية والأمنية مع تونس ليبيا ومالي سرعان ما عاد محيط الرئيس بجولة ثانية عاصفة قسمت بشكل جذري هياكل جهاز المخابرات. بدأت الجولة الثانية من حملة التطهير بالمرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 23 جويلية الماضي، حيث تم إنهاء مهام قائد الناحية العسكرية الخامسة الفريق علي بن علي، لتكليفه بوظيفة أخرى، كما تم إنهاء مهام اللواء مولاي ملياني بصفته قائدا للحرس الجمهوري وإحالته على التقاعد، ليخلفه الفريق بن علي في المنصب. كما تم مؤخرا إنهاء مهام اللواء عمار عثامنية بصفته قائدا للناحية العسكرية السادسة، ليعين على رأس الناحية العسكرية الخامسة، ليخلفه في المنصب نائبه اللواء مفتاح صواب كما أنهيت مهام رئيس أركان الناحية العسكرية السادسة، اللواء عمر قربوعة، وعين بناء على مرسوم رئاسي آخر، نائبا لقائد الناحية العسكرية السادسة إنهاء مهام الجنرال عبد الحميد بن داود، مسؤول الأمن الداخلي ومكافحة الجوسسة بمديرية الاستعلام والأمن، وتعيين خليفة له العقيد بوقشابية عاشور، والذي كان يتولى منصب ملحق عسكري بسفارة الجزائر في تركيا. وأنهى الرئيس بوتفليقة مهام عدد من كبار الضباط أبرزهم قائد الدرك الوطني الفريق أحمد بوسطيلة وأحاله على التقاعد، كما عين الرئيس بصفته وزيرا للدفاع اللواء نوبة مناد، قائدا جديدا للدرك الوطني بعد أن كان يشغل منصب قائد أركان سلاح الدرك الوطني توقيعه على مرسوم يلغي المرسوم الرئاسي رقم 08-52 المؤرخ في 09فيفري سنة 2008 المتضمن إحداث مصلحة مركزية للشرطة القضائية للمصالح العسكرية للأمن، التابعة لوزارة الدفاع الوطني ويحدد مهامها. وإحداث تغيير في قيادات مديريات الأمن الداخلي والخارجي وحل قسم الإعلام والاتصال التابع لجهاز الاستخبارات، ثم إلحاق مديريات الأمن الداخلي والأمن الخارجي بقيادة الأركان، شهر جويلية الماضي، وكذا إلحاق الحرس الجمهوري بقيادة الأركان، مع إحداث تغيير في قيادات المديريات الأمــــنية، ثمّ حل مجموعة التدخل الخاص وإلحاق عناصرها بوحدات الجيش. جاءت تنحية الفريق مدين لتسقط آخر الأوراق في سلسلة الزحف الرئاسي ، وفتحت الباب على مصراعيه لكل التكهنات بمستقبل الجزائر السياسي ومستقبل صناعة الرئيس القادم للبلاد، بعد هذه المعطيات التي تقر بتغير المعادلة الثلاثية السابقة لصناعة القرار في الجزائر، فقد حملت تنحية مدين الكثير من الرسائل الداخلية والخارجية(11)،خصوصا أنها جاءت في ظرف يشجع على الانقلاب الأبيض(12)، وهو التقليد الجزائري الذي ترسخ منذ الاستقلال مابعد بن بلة المعزول، وما بعد الشاذلي المقال وما بعد بوضياف المغتال وما بعد زروال المستقيل، لكن التقليد المخابراتي إلى هنا ركن جانبا ولم يكتب ما بعدية لبوتفليقة، بل إننا أصبحنا نتحدث عن ما بعديات مدين وفريقه.فتنحية الأخير أراحت بوتفليقة ومن سيخلفه(13). هل انتهى الفريق مدين وفريقه حقا؟وهل انتصر محيط الرئيس بوتفليقة ؟هل هذا يعني أن اله الجزائر كما يلقب قد مات فعلا؟ أم أن الغرض هو توجيه الرأي العام وإشغاله بقضايا من هذا الحجم النوعي للتغطية على مطالب المعارضة وفراغ كرسي الرئاسة من الناحية الفعلية نتيجة التخوفات من ثورة شعبية محتملة. اختيار هذا التوقيت بالضبط لإعلان خبر تنحية توفيق مدين يراد من ورائها تمرير الكثير من الرسائل، وتدفعنا إلى التخمين في ربط الحدث ببعض المناسبات هل يريد النظام أن يقول لنا انه اختار مناسبة عيد الأضحى ليضحي بالابن البار والنجيب للنظام وتقديمه قربانا في سبيل الإعداد للمرحلة القادمة التي تعرف تعقيدات خطيرة لم تستطع الطبقة السياسية في البلاد أن تتجاوزها؛ سواء تعلق الأمر بتعايش البلاد مع مخلفات المحيط العربي ما بعد تحولات الربيع العربي، أو التعامل مع المعارضة وأزمة تمرير الدستور الجديد وأخيرا وهو الأهم الصعوبات الكبيرة التي تلقاها كل الأطراف في إيجاد المرشح البديل لبوتفليقة والتوافق حول رجل الإجماع الغائب . فهل كانت تنحية مدين جزءا من الإعداد لحل هذه المعضلة وفق مخارج بدأ تجسيدها بإعلان إحالة رئيس جهاز المخابرات على التقاعد؟ من هنا تبرز المبررات والحجج القوية التي تقدمها آراء معارضة ومناقضة للتوجهات السابقة،وتفترض هذه الآراء وجود تنسق عال بين محيط الرئيس والفريق مدين،على أسس وضع هندسة بديلة لتمرر الدستور وتجنب الأصوات المعترضة على أي من مواده وإعادة صناعة مرشح الإجماع دون الحاجة إلى لم تلك الأصوات المبعثرة والإكتفاء بدلا من ذلك بتطهير الساحة من أبواق الاعتراض،إذ لا يعقل إطلاقا أن يبقى الفريق مدين إلى غاية اللحظة ينتظر الزحف الرئاسي ليسقطه من على هرمه . فرضت المعطيات الجديدة في محيط النظام وبيئة الجزائر الخارجية جملة من التغيرات أبرزها اشتداد الصراع الفرنسي الأمريكي على مواقع النفوذ والدفاع الشرس لفرنسا على مصالحها في الجزائر، وحاجتها إلى إعادة هيكلة مواقع نفوذها داخل مؤسسات الدولة الجزائرية، بعد الزيارة التاريخية لقائد المخابرات الأمريكية الى الجزائر والتي زلزلت صانع القرار في باريس،واستفاق أخيرا لاستنفار كل قواه لسلك كل الطرق بلا هوادة داخل حديقته الخلفية. يثير التقاء هذه المعطيات المتضاربة أسئلة متضاربة أيضا ،مثلما تساءل عن ذلك ضابط المخابرات الفار إلى الخارج العربي زيطوط عضو حركة رشاد المعارضة للنظام الجزائر:هل نحن أمام تفكيك جهاز المخابرات أم إعادة تموقع؟(14). خلف هذه التساؤلات المتضاربة تبرز إلى العلن احتمالات قراءة أخرى لكل الأحداث داخل البيت الجزائري وتعتبر كل ما حدث ويحدث منذ العهدة الثالثة لبوتفليقة على أنها حرب معدة سلفا، هندست معاركها بنهج قويم لتغيير أسلوب صناعة الرؤساء بعد عاصفة الربيع العربي والثورات الشعبية التي أسقطت الأنظمة الجمهورية وجعلت من الأجهزة الأمنية مقبرة لرؤوس الأنظمة، فالقصد في النهاية من هذه الحرب هو صناعة انتصار وهمي لرجل حرب محتمل قادم إلى سدة الحكم، بكاريزما انتصار مغاير للشرعية الثورية والشرعية العسكرية مع الاحتفاظ بكامل توابل التوازنات السابقة بصراع أجنحتها وبتوافق معادلتها الثلاثية أيضا. مستقبل المدنية ما بعد المدينية: هل هناك مؤشرات في الأفق توحي باختفاء الحقبة المدينية؟ وهل هناك مؤشرات توحي بدخول عهد المدنية مادام أن قرارات الرئيس الأخيرة أبانت عن طموحات قوية في ترتيبات انسحاب شيوخ السياسة وجنرالات العسكر للخروج المشرف ، وإرجاع السيادة للشعب مثلما دعاهم إلى ذلك مولود حمروش؟ نتابع في هذا السياق قراءات حذرة للمشهد السياسي الانتقالي في الجزائر، فبينما شدد زعيم الحزب الإسلامي المعارض عبد الرزاق مقري على أن إقالة الأشخاص لا تعني تغيير في المؤسسات وفلسفة تسييرها، ونهاية المدينية لا تعني بداية المدنية،كان رد مرشح الرئاسيات السابق رشيد نكاز صريحا واعتبرها مجرد مسرحية، وآخرون تمنوا التحول إلى المعادلة المدنية بدلا من المعادلة المدينية السابقة، لكن مؤشرات التحول في تلك المعادلة غير واضحة المعالم تماما، فإقالة طرطاق سابقا وتحويله إلى مستشارية الرئاسة كانت تبدو وكأنها عملية لتطهيره من المدينية (نسبة إلى تأييده لمحمد مدين) ، ومكوثه لمدة سنه بقصر الرئاسة تم تمدينه على الطريقة المدنية قبل تعيينه على رأس جهاز المخابرات من جديد وقد أفرغ من صلاته المدينية مزودا بقدر كاف من القدرات المدنية التي تدرب عليها لمدة سنة بالضبط داخل الهيأة المدنية في قصر الرئاسة لتسيير جهاز عسكري برؤى مدنية لا مدينية، وهو ما عبر عنه أحمد أويحي من أن الجهاز من صلاحيات الرئيس وما عنونته الجريدة المعروفة بولائها للرئيس من أن بوتفليقة سيد قراراته على جهاز المخابرات. في هذه الأثناء يبدوا المثال التونسي مجدي ومناسب وقريب أيضا للمشهد السياسي في الجزائر، فبعد ثورة شعبية وحوارات واستحقاقات انتخابية كبيرة ،اعتقد التونسيون أنهم قد ودعوا الحقبة البورغيبية لبن علي سرعان ما عادت دورة الاستبداد مع السبسي، فالشعب الجزائري وإن كان البعض يستبشر خيرا في أن تؤدي حملة التنقية والتطهير للساحة السياسية من تأثيرات الجنرالات، يخشى آخرون أن تتحول سياسة الرئيس لاتجاه معاكس وتتقوى حالة جنون العظمة لديه لتعيد الحقبة البورغيبية، وتعود معها دائرة الاستبداد من جديد ، برؤى وسياسات مغايرة، تلتف على الطموح الشعبي الذي طال انتظار تجسيده لأكثر من ربع قرن على تبني التعددية الديمقراطية في البلاد. خاتمة: نهاية الصراع بإقالة الفريق محمد مدين يراد له تمرير فكرة فوز رمزي لبوتفليقة على إله الجزائر، وبالتالي تحقق له أخيرا ما كان أباح به من أول يوم له في الرئاسة عند قدومه، وهو أنه لن يرضى بأن يكون ثلاثة أرباع الرئيس، ويبدو أنه قد حقق مع كل عهد ربعا من رئاسته، فقد سخر كل قوته لتفريق وفك القوقعة الصلبة لعصبة الجنرالات التي قادت البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي وبالتالي يضمن لنفسه خروج مشرف وهالة كبيرة لكاريزميته بنفس القوة التي دخل بها إلى قصر المرادية. ومهما تكن جدية هذه القراءات وأخرى؛ فإن ما ينبغي التأكيد عليه من خلال سلسلة الزحف التي قام بها محيط الرئيس لإنهاء رموز جهاز المخابرات وانتهت بالإطاحة(كما يراد التسويق لها) بآخر رموزه هو: تنحية الفريق مدين لا تعني انتصار معسكر على حساب معسكر لكن هذا ما يريدون تسويقه للرأي العام على أنه انتصار لجناح الرئيس ومحيطه المتحكم في زمام الأمور على حساب الجهاز العنيد ورئيسه القوي. ما يراد تسويقه للرأي العام من خلال تنحية الفريق مدين هو إعادة توجيه الرأي العام والمتابعين للتركيز على معادلة ما بعد مدين بدلا من التركيز على المعادلة السابقة التي كانت تركز على ضرورة التفكير والإعداد لمرحلة ما بعد بوتفليقة. ليس هناك نهاية فعلية وحقيقية للصراع التاريخي الدائر بين التيار السياسي المدني والتيار العسكري المخابراتي، فما لم يفصل فيه مؤتمر الصومام، ولم تفصل فيه مؤتمرات جبهة التحرير التالية وكل رؤساء الجزائر الذين تعاقبوا على رئاسة البلاد؛ لا يمكن لشقيق رئيس أن ينهيه بجولة صراعات ماراطونية من دون أي مشهد لأي مقاومة تذكر في استسلام كلي للزحف المدني على أجهزة ورموز القطب الآخر. النقطة الأخيرة التي يجب التأكيد عليها هي أن صراع جناحي الرئاسة والمخابرات،لم يخف تماما الصراعات التاريخية في البلاد بين التيارات القومية والتيارات المفرنسة بل أن خيبة الانطلاق كما أسماها علي هارون عادت من جديد وكأن الزمن توقف عند 1962، وعدنا اللحظة لنشهد صراعاته العنيفة بين تيارات عديدة جسدت مجددا انقسام النخب الجزائرية إلى تيارات عديدة، اختصرت اعتباطا في صراع محيط الرئيس بوتفليقة ومحيط الفريق محمد مدين. لذلك يجوز وصف مراطون الزحف الرئاسي على أنه حرب مصطنعة معدة بعناية لصناعة رجل الحرب، ورجل المرحلة القادمة بعد تتويجه بهالة الانتصار على الجهاز المخابراتي العريق وقائده القوي، لكي ينال الاعتراف الشعبي والسياسي والاحترام والتقدير الخارجي، وهذا ما يمكنه في الأخير من استخراج شرعيته القادمة بعيدا عن الشرعية الثورية التي انتهت صلاحيتها، وبعيدا عن الشرعية الشعبية الغير معترف بها ، كما يمكن أن تعنون الإقالة أيضا بنهاية حرب الاستنزاف والحرب الباردة التي اندلعت بين قطبي المخابرات وجناح الرئاسة ولكنها نهاية مؤقتة لمرحلة مؤقتة وظرف عسير تجتازه البلاد، الجديد فيه هو دخول معطيات البيئة الخارجية وإفرازاتها بعد الربيع العربي وبقوة كمحدد جديد ومؤثر بقوة في تكوين بيئة صناعة القرار الجزائري. الهوامش:
- علي هارون، خيبة الانطلاق أو فتنة صيف 1962،الجزائر:دار القصبة،،2003،ص11. (1) (2) - إدريس الشريف،الجزائر:العلاقة بين مؤسسات الدولة قبيل انتخابات الرئاسة،سلسلة تقارير مركز الجزيرة للدراسات، مارس 2014. -افتتاحية مجلة الجيش الوطني الشعبي،الجزائر:العدد 609،أفريل 2014،ص3 (3) -من بيان رئاسة الجمهورية الصادر يوم الأحد 13 سبتمبر 2015.(4) -خالد بودية،تقاعد عادي بطريقة غير عادية،يومية الخبر الجزائري، العدد 7912،الاثنين 14سبتمبر 2015،ص3.(5) -محمد سيدمو، الجنرال توفيق...نهاية الأسطورة، يومية الخبر الجزائري، العدد 7912،الاثنين 14سبتمبر 2015،ص3. (6) -سعد بوعقبة،نقطة نظام،14 سبتمبر 2015 على الموقع: (7) - http://www.elkhabar.com/press/article/90378/%D9%84%D9%88
(8) El Kadi Ihsane , L’éviction du général Toufik clôture un été bourguibien de Bouteflika , dimanche 13 septembre 2015 20:28 http://www.maghrebemergent.com/actualite/maghrebine/51182-l-eviction-du-general-toufik-cloture-un-ete-bourguibien-de-bouteflika.html (9) Lounès B.Saïd Bouteflika met à la retraite le général Toufik: http://www.tamurt.info/said-bouteflika-met-a-la-retraite-le-general-toufik/#comment-17546 (10) Selma Kasmi.L’éviction de Mohamed Mediene de la -dir-ection du DRS traduirait la volonté de donner un caractère civil au système: http://www.maghrebemergent.com/actualite/maghrebine/51194-l-eviction-de-mohamed-mediene-de-la--dir-ection-du-drs-traduirait-la-volonte-de-donner-un-caractere-civil-au-systeme-akram-kharief.html
(11)- رسائل حملها أسلوب تنحية توفيق،على الموقع: http://www.elkhabar.com/press/article/90461/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%AD%D9%85%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D8%B3%D9%84%D9%88%D8%A8-%D8%AA%D9%86%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%82/
(12) -حسني عبيدي، إقالة توفيق جاءت في ظرف يشجع على انقلاب أبيض،على الموقع: http://www.elkhabar.com/press/article/90388/%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%82-%D8%AC%D8%A7%D8%A1%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%88%D9%82%D8%AA-%D9%8A%D8%B4%D8%AC%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%A3%D8%A8%D9%8A%D8%B6/
رحيل مدين يريح بوتفليقة ومن يخلفه: (13) http://www.elkhabar.com/press/article/90458/%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%82-%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%81%D9%84%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%88%D9%85%D9%86-%D8%B3%D9%8A%D8%AE%D9%84%D9%81%D9%87/
(14)العربي زيطوط،تفكيك جهاز المخابرات أم إعادة تموقع؟على الموقع: http://www.mohamedzitout.com/2015/09/%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%82-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6/#
#ابراهيم_قلواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيوبوليتيكية المياه في المنطقة العربية
-
الجذور الدينية والتاريخية للسياسة المائية الصهيونية
-
التغطية الإخبارية ودورها في صناعة الأحداث
-
استطلاعات الرأي ودورها في تحديد التوجهات العامة للمجتمع
-
الاحزاب والنظام السياسي في اسرائيل
-
المحددات التاريخية لعلاقات شرق غرب في حوض البحر الابيض المتو
...
-
الدور المتنامي للمؤسسة العسكرية في الجزائر وعلاقتها بمسار ال
...
-
الصحوة المدنية وبناء الدولة المدنية في تونس
-
الدروس المستخلصة عربيا من مسار التحول الديمقراطي عالميا-مع ا
...
-
ماذا تحقق من ديمقراطية الثورة في عيدها الستين
-
الجزائر:نحو مقاربة امنية جديدة لتعزيز الاستقرار والامن الوطن
...
المزيد.....
-
الكويت.. سقوط طائرة مقاتلة من طراز إف – 18 ومصرع قائدها
-
ولي عهد السعودية يلتقي وزير خارجية إيران
-
حبس أربعة مصريين وترحيل أجنبيتين لمشاركتهم في وقفة محدودة لإ
...
-
ولي العهد السعودي يستقبل وزير الخارجية الإيراني
-
يحيى السنوار: ورقة وقلم.. وسيلة المطلوب الأول لإسرائيل للتوا
...
-
طبيبة سورية وصيدلاني يمني وبناته من ضمن ضحايا قصف إسرائيلي ا
...
-
بسبب الخيانة.. القبض على مصرية في أستراليا قطعت زوجها وأخفت
...
-
عقب نشر صورة للسيستاني بقائمة اغتيالات إسرائيلية.. العراق: ن
...
-
بري يعلق على طبيعة تفويض -حزب الله- له بشأن مفاوضات وقف الحر
...
-
زاخاروفا: الغرب يعمل على خيارات تسوية النزاع الأوكراني
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|