أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم قلواز - مستقبل الشراكة الاورومتوسطية في ظل التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة















المزيد.....



مستقبل الشراكة الاورومتوسطية في ظل التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة


ابراهيم قلواز

الحوار المتمدن-العدد: 5251 - 2016 / 8 / 11 - 09:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مستقبل الشراكة الاورومتوسطية في ظل التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة
وضعت عملية برشلونة أسس جديدة للعلاقات الإقليمية في المنطقة, ما يمثل تحولا كبيرا في علاقة ضفتي المتوسط الغير متوازنتين ,نظرا للهوة الكبيرة التي تميز الشمال المتوسطي عن جنوبه ,وقد استهدفت أسس الشراكة الآليات الممكنة لتجسير هذه الهوة ,وتقريب الشعوب والثقافات ,ورفع مستوى التعاون والتبادل التجاري, لأجل تحقيق طموح وغايات الشركاء المتوسطيين .
لقد وضع الشركاء المتوسطيين آليات وترتيبات ومبادرات داعمة, لغرض الالتزام بتلك الأسس وتحقيق الأهداف المسطرة لتعزيز الديمقراطية, والحكم الرشيد وحقوق الإنسان,و تحقيق شروط تجارية متبادلة مرضية لشركاء المنطقة, الذين يتطلعون إلى شراكة أوسع في إطار تكافؤ الفرص والتنمية الاقتصادية المستديمة.
السؤال المطروح هو بعد عقدين من طرح مشروع الشراكة ما التقدم الذي أحرزته الشراكة فيما يتعلق بالأهداف المحددة من هذه العملية ,خصوصا بالنسبة لدول الضفة الجنوبية ؟وماهي الفرص والتحديات التي يطرحها مشروع الشراكة في ظل ما تحقق وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالفضاء الاورو متوسطي؟
الفرضيات:
يعبر مشروع الشراكة الاورومتوسطية عن رؤية أوروبية لهندسة خطة عمل لمواجهة التحديات المستجدة في البيئة المتوسطية والمجال الحيوي للفضاء الأوروبي .
تتعلق فرص دول الضفة الجنوبية للاستفادة من مشروع الشراكة بقدرتها على تبني سياسة مشتركة ومرتكزات دعم, لاستغلال الفرص, والمستجدات ,والمتغيرات الاقتصادية, السياسية والأمنية في الفضاء الاورو متوسطي.
عناصر الإجابة :
1-الإطار العام للشراكة الاورومتوسطية
2-معوقات الشراكة الاورومتوسطية
3-الفرص والتحديات في الفضاء الاورو متوسطي من خلال:
ا-الأزمة المالية العالمية
ب-الربيع العربي
ج-الأمن الطاقوي
4-التنافس الدولي في المتوسط وأثره على مستقبل الشراكة الاورو متوسطية
5-اثر تعدد المبادرات والمشاريع المطروحة على الشراكة الاورومتوسطية
6-آفاق الشراكة الاوروجزائرية
7-السيناريوهات المستقبلية للشراكة الاورومتوسطية.
8-نقاط رئيسة لاستمرار الشراكة الاورومتوسطية.
1-الإطار العام للشراكة الاورومتوسطية
تعتبر الشراكة الأورومتوسطية أول مشروع سياسي واقتصادي وإنساني حقيقي،تتم صياغته من اجل تجسير الهوة بين ضفتي المتوسط ,واستغلال مؤهلات المنطقة خدمة لازدهار ورفاه شعوبها على أساس من الحوار والتفاهم ,بناءا على المحاور التالية:
المحور السياسي-
يربط بشكل وثيق بين السلام بمنطقة الشرق الأوسط وبين خلق فضاء للسلام والرخاء بحوض البحر الأبيض المتوسط،كما يؤكد على أهمية الحوار السياسي للنهوض بقيم الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان
-المحور الاقتصادي والمالي
يرمي إلى خلق منطقة واسعة للتبادل الحر, تستند إلى مبادئ اقتصاد السوق،والنهوض بالقطاع الخاص وذلك في أفق عام 2010،نتيجة لذلك ستعرف بلدان جنوب المتوسط وشرقه نقلة اقتصادية تواكبها تحولات اجتماعية بالخصوص،وهو الأمر الذي حذا بالإتحاد الأوروبي إلى اقتراح دعم مالي لهذه الدول خلال عملية الانتقال هذه،وهذا ما يتجلى من خلال برنامج ميدا.
المحور الاجتماعي الثقافي والإنساني-
ينصب على تنقل الأفراد بين الدول وتعزيز الأواصر بين مكونات المجتمع المدني،والنهوض بالتعاون اللامركزي،وكذا التدبير المحكم لمسألة الهجرة،كما تتمتع الشراكة بإطار مؤسسات يشتغل عبر آلتين إحداهما متعددة الأطراف اجتماعات دورية لوزراء الخارجية،ولجنة أور ومتوسطية و اجتماعات موضوعاتية تضم الوزراء المعنيين(1).
تم تعزيز هذه الشراكة بسياسة جديدة طرحها الاتحاد الأوروبي العام 2004وتتعلق بسياسة الجوار الأوروبي من اجل التسريع في إقامة منطقة التبادل الحر.
تطورت عملية برشلونة أكثر واتضحت خارطة عملها بإنشاء "الاتحاد من أجل المتوسط" في عام 2008، والذي يعتبر حاليا المنتدى الإقليمي الأساسي، إلى جانب العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وبلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط , (2).
كانت أهداف الاتحاد الأوروبي من هذه الشراكة:
-تحقيق الأمن الجماعي في المتوسط ,من منطلق أن دول الضفة الجنوبية تشكل مصدر التهديدات, سواء تعلق الأمر بالهجرة غير الشرعية ,أو تصاعد ما تسميه أوروبا بالأصولية الإسلامية وكذا تامين المصادر الطاقوية.
-المسؤولية الإنسانية والدور التنموي الذي يضطلع به الاتحاد إزاء جيرانه في الفضاء الاورو متوسطي, كأساس لتحرير الأسواق .
-التنافس الجيوبوليتيكي بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية, سباق السيطرة على مناطق النفوذ(3).
بينما كانت أطراف الضفة الجنوبية ترى في هذا المشروع فرصة كبيرة, لأنه لم يفرض ترتيبات فوق وطنية مسبقا ,كما انه لم يطرح أفكار تتعلق بالتنكر للذات واستبعاد الهويات والدين. لذلك رأى فيه الجانب العربي فرصة لتحقيق نوع من الارتقاء في المركز التفاوضي بين التكتلات الأخرى, ومن ثمة لم يكن منطلق الشراكة بالنسبة للجانب العربي هدف استراتيجي ,وإنما اعتبر كهامش للمناورة لمواجهة الضغوط الخارجية من جانب الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل وانتهاج سياسة الهروب إلى الأمام ماتعلق بمطالب الإصلاح في المنطقة.
لفهم هذه المعادلة يجب الرجوع إلى السياقات الإقليمية والدولية التي طرح فيها المشروع:
جاء مشروع الشراكة في ظل رغبة الطرف الأوروبي بلعب دور مهم وفعال ,في إطار النظام الدولي الجديد ,كما جاءت هذه العملية في سياق يتسم بتسارع وتيرة التطبيع ,والانتقال بمسار الصراع إلى مسار التسوية وعملية السلام التي قادتها المجموعة الأوروبية ,ومن ثمة كان لزاما على الطرف العربي مواكبة هذه الوتيرة للعملية,وتقديم رؤية صادقة عن الدعم العربي لجهود السلام الأوروبية ,ورغبة الطرف العربي في ترقية تلك الجهود المشتركة إلى مصاف الشراكة الإستراتيجية,مادام أن الاتحاد الأوروبي كان جادا في أن يكون له تأثير ايجابي له دلالة على التكامل المناطقي في المتوسط (4).
-معوقات تقدم الشراكة الاورومتوسطية:
نتيجة للمعادلة السابقة التي قامت على أساسها الشراكة الغير سوية ,والغير متكافئة بين الطرفين فان الحصيلة إلى حد الآن تعكس الإطار العام لاتفاق الشراكة, والذي عزز بموجبه الطرف الأوروبي موقعه الريادي في الفضاء المتوسطي, بعد أن أصبح الشريك الرئيسي في المبادلات التجارية مع الدول المغاربية ,بموجب اتفاقيات شراكة على أساس اتفاق شراكة يستفيد منها الطرفان(رابح-رابح)(5).
كما حافظ الاتحاد الأوروبي على أمنه الطاقوي بفضل وارداته من النفط والغاز من ليبيا والجزائر إذ تعتبر الجزائر ثالث مصدر للطاقة لدول الاتحاد بعد كل من روسيا والنرويج.
وبفضل هذه الشراكة أيضا, ضمن الاتحاد الأوروبي التزام دول الضفة الجنوبية بمكافحة الهجرة غير الشرعية, والتعاون على مكافحة الإرهاب, وصعود التيارات المتشددة, والجريمة المنظمة.
فإذا كان تحويل الفضاء الاورو متوسطي إلى منطقة رخاء واستقرار, مسؤولية جماعية لدول الضفتين, فان القسط الأكبر من هذه المسؤولية يتحمله الطرف الأوروبي باعتباره المبادر إلى طرح المشروع, وبحكم موقعه كقوة اقتصادية. إلا أن هذا لايعني إعفاء دول الجنوب من مسؤولياتها اتجاه شعوبها(6) وبالتالي فان كبرى المعوقات التي تعتري مسار الشراكة تتعلق بمعوقات تقدم مسار الوحدة الأوروبية نفسها:
-صراعات التوسع(التوسع الأفقي والتوسع العمودي):فهناك اتجاه يصر على التوسع نحو الشرق واتجاه آخر يفضل التوسع نحو الجنوب والغرب .
-الاختلاف حول درجة التكامل: بين اتجاه يدعوا إلى مزيد من الاندماج وتعميق التكامل إلى مستوى الوحدة وترقية السياسات العبر وطنية, وهناك اتجاه آخري دعوا إلى الحفاظ على الطابع الوطني والقومي للوحدات الأوروبية والتركيز على الوحدة الاقتصادية في مقابل التنسيق السياسي.
- الصراع بين الأطلنطيين والديغوليين : فالاتجاه الأول يركز على التحالف مع الولايات المتحدة وعدم مخالفة سياساتها ,واجتناب الدخول في منافسة أو مشاريع مضادة للولايات المتحدة وان مستقبل أوروبا من مستقبل أمريكا ,أما الاتجاه الثاني فيطالب بضرورة فك الارتباط عن التحالف الأمريكي, وبناء أوروبا ذاتيا ذات الاستقلال السياسي الاقتصادي والعسكري,نجد هذا الصراع بين الاتجاهين مجسدا أكثر في صورة الصراع بين أوروبا الفاضلة وأوروبا الشريرة,بين أوروبا الحقيقية وأوروبا المتوسطية(7)
وتضفي فرنسا وألمانيا نوعا من الندية والصراع على القيادة والزعامة على هذه التوجهات.
هذه التوجهات المتضاربة في الرؤية لمستقبل أوروبا, تؤثر بدورها على مستقبل الشراكة فالدعم الأوروبي لدول الضفة الجنوبية, كان من المفروض أن يأخذ منحى تصاعدي مع تقدم التفكيك الجمركي, إلا أن العكس هو الذي حدث مع كل توسع للاتحاد الأوروبي, فالحصة الأكبر للمساعدات والقروض كانت تذهب باتجاه الدول التي شملها التوسع حديثا , وهو ما يوضح أن التوسع الأوروبي عادة ما يكون على حساب دعم الشراكة ,كما أن معظم الدول المنظمة إلى الاتحاد الأوروبي حديثا معروفة بدعمها لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية, ومن ثمة فهناك احتمال كبير لانتهاجها سياسات معارضة لمزيد من تقدم شراكة منصفة مع الطرف العربي,وهذا ما سيقوي من الصرح الأوروبي بجزئه الشرقي في شتى المجالات, ومن المحتمل أن يمكن أوروبا من مختلف حاجياتها بواسطة دول أوروبا الشرقية, مما يضعف أهمية المنطقة الجنوبية للمتوسط(8)
وهذا الارتباك بخصوص التوجه الأوروبي مستقبلا, هو ما يضفي طابع الغموض وهامشية الرؤية الأوروبية للواقع الفعلي لمستقبل الشراكة الاورومتوسطية.
-الملف الآخر الذي يعيق جهود الطرفين في تعميق هذه الشراكة, يتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي من الصراع العربي الإسرائيلي, إذ أن الشراكة لن تكون على حساب التطبيع المجاني للعلاقات مع إسرائيل دون الأخذ بعين الاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والأراضي العربية المحتلة ,وبالتالي يتطلب الأمر من الطرف الأوروبي فك الغموض الذي يكتنف موقفه من حل الصراع بين الطرفين.
-الطابع المعياري و القيمي للقوة الأوروبية :إذ يضع الاتحاد الأوروبي بنفسه المعايير ويحدد القيم والسلوكيات ضمن 5مبادئ للأمن والتعاون وفق ما تحددها رؤيته القيمية والمعيارية(السلام,الديمقراطية,حقوق الإنسان’سيادة القانون,الحرية)وهو ما يقف عائقا أمام بناء أسس وقواعد مشتركة للحوار والسلوكيات السياسية والاجتماعية.
-الشك والريبة الموروثة بين ضفتي المتوسط, نتيجة فترة الاستعمار والتي تظهر تأثيراتها في مسائل التبعية السياسية والاقتصادية.
-العقدة الحضارية نتيجة الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية, وتظهر تأثيرات هذه النقطة عند كل حوار ثقافي بين الضفتين(9).
وحتى في ظل النتائج الهزيلة لحصيلة الشراكة, وهذه الرؤى المتضاربة حول توجهات الاتحاد الأوروبي و التأثيرات التي تعيق تقدم مسار الشراكة, إلا أن هناك العديد من الفرص والمجالات التي تقدم هوامش مهمة للطرفين من اجل ترقية مستوى هذه الشراكة .
الفرص والتحديات في الفضاء الاورو متوسطي:
ا-الأزمة المالية العالمية :
أدى الركود الاقتصادي سنة 2008 في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى سلسلة من الهزات العنيفة, التي تعاقبت تأثيراتها المباشرة على الأسواق المالية والاقتصادية الأوروبية و أثرت بشكل غير مباشر على تجارتها الخارجية ,الى درجة استحضر معها سيناريو تاريخي وآخر مستقبلي ,الأول يتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية 1929,والسيناريو الثاني يتحدث عن مشهد انهيار الوحدة الأوروبية مع دخول اليونان ,اسبانيا, والبرتغال, بولندا وايطاليا في أزمة اقتصادية, طرحت فرضيات الانسحاب من الوحدة الأوروبية ,وتبع هذا المشهد انخفاض التصنيف الائتماني لجل الاقتصادات الأوروبية, مما أدى إلى ارتباك على مستوى الأسواق المالية وارتفاع مخاطر الاستثمار, وتراجع مناخ الأعمال, فادى كل هذا إلى انهيار الكثير من المصارف, مما أدى إلى تدخل البنوك المركزية لضخ السيولة الكافية لإنقاذ هذه المصارف.
أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع معدلات البطالة في منطقة اليورو, وانخفاض نصيب الفرد من الدخل, مما شكل ضغطا مستمرا على ساسة الاتحاد الأوروبي, وانخفضت نسبة النمو إلى اقل من الصفر منذ بداية الأزمة, ولم تسجل أي ارتفاع إلى غاية 2012 بنسبة 1بالمائة وفي2013وصلت إلى 1,1بالمائة, وبلغت في الربع الأول من عام 2014 نسبة 0,3بالمائة في منطقة اليورو و0,5في دول الاتحاد ،وتشير التوقعات بلوغها في نهاية 2015 في منطقة اليورو إلى حدود 1,4بالمائة و1,5 بالمائة في دول الاتحاد(10).
كما أن أزمة الديون السيادية وصلت إلى حدود 90في المائة إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي مابين2011و2012 ,ولأول مرة تخطت معظم الدول الأوروبية حدود 60 في المائة المنصوص عليها في معاهدة ماستريخت,كما أن عجز الميزانية وصل إلى 4بالمائة متجاوزا سقف 3بالمائة المنصوص عليها في معاهدة ماستريخت, فيما يتعلق بنسبة الميزانية العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي (11).
هذه المعطيات المتعلقة بالأزمة المالية تؤثر بشكل كبير على دعم الشراكة الأورومتوسطية لان الاتحاد الأوروبي سيكون طيلة السنوات المقبلة ملزما بتحقيق تلك النسب من النمو, لأجل تحقيق التعافي من آثار الأزمة, ومن اجل القضاء نهائيا على أزمة الديون السيادية, فهناك أكثر من 17 دولة داخل الاتحاد هي أولى بالقروض وبرنامج المساعدات, ثم تامين الجوار الأقرب إلى أوروبا من مخاطر الأزمة الاقتصادية, وتجنيب الجوار شرق أوروبا اغرءات الاتحاد الاوراسي(12).
ومن ثمة ستفتقد دول الجنوب المتوسطي إلى الكثير من التحفيزات السابقة, والمبرمجة لاحقا ويحتمل أن يضفي هذا الأمر نوع من اللاثقة واللاجدية واللاتقدير, لعلاقات الشراكة خصوصا اتجاه شركاء الضفة الجنوبية.
-إلا أن هذا لايعني أن كل عواقب هذه الأزمة ستكون في اتجاه التأثير السلبي على الشراكة الاورومتوسطية ,فحتى في ظل هذه الآثار هناك الكثير من الفرص التي يمكن الاستفادة منها بالنسبة لشركاء الضفة الجنوبية .
حيث يرى البنك الدولي أن إحدى أسباب تأثير الأزمة المالية تعود إلى ضعف الأسواق الناشئة التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي في تجارته الخارجية, ومن ثم يتطلب الأمر تأهيل هذه الأسواق على غرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, وان توسيع وتفعيل هذه الأسواق يتطلب رفع الحضر عن نوع من التكنولوجيات اللازمة لدفع النمو مستقبلا, من خلال الشراكات الثنائية ,ويقدم البنك الدولي بهذا الخصوص دراسة إحصائية وتحليلية لأسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مابين 2000و2010 ,حيث تشير الأرقام إلى أن أكثر التدفقات التجارية كانت للمنتجات ذات استخدام التكنولوجيات المتوسطة إلى الضعيفة بنسبة 290 في المائة مقارنة بالمنتجات كثيفة الاستخدام للتكنولوجيات المتقدمة(13) .
هذه الوضعية التي أنتجتها الأزمة المالية يمكن أن يستغلها شركاء المتوسط من خلال خلق مشاريع مشتركة تمكنهم من الاحتكاك بالخبرات الغربية ,وتحصيل نوع من المعارف التقنية لدعم المؤسسات المحلية مستقبلا في بناء تقنيات ذاتية في الإنتاج.
-يساعد على تحقيق هذا الوضع تقديرات البنك الدولي التي تشير إلى تحول الدول السائرة في طريق النمو إلى دول رائدة في تحقيق معدلات نمو قياسية ,واستقرار مالي طويل نتيجة مسار عقد من الزمن لارتفاع أسعار المعادن بنسبة 66في المائة ,وارتفاع أسعار المحروقات بنسبة 159في المائة ,مقارنة ببداية الألفية ,ونظرا للاكتشافات المعدنية و الطاقوية التي أخذت منحى تصاعدي مكن دول الضفة الجنوبية من تكثيف الإنتاج مقابل ارتفاع الاحتياطات الرسمية أو استقرارها عند نفس المستويات السابقة, عكس الدول الأوروبية التي تتراجع فيها الاحتياطات الرسمية للمعادن والطاقة بشكل مستمر حتى مع الحفاظ على نفس نسب الإنتاج(14).
هذا ما أدى إلى تحسين مناخ الاستثمار والاستقرار المالي المشجع على هجرة الاستثمارات الخاصة نحو هذه المناطق.
-لجوء دول الاتحاد الأوروبي إلى العمل على تأسيس الاتحاد المصرفي الأوروبي لتحويل السياسات المصرفية الوطنية إلى المستوى فوق وطني بنهاية 2014 وبداية 2015 لمحاربة ظاهرة الهشاشة في النظام المصرفي, ومعالجة مشكلة الديون السيادية في إطار عبر وطني(15) .
يستدعي هذا الإجراء انعكاسات هيكلية إلى ما هو ابعد بكثير من التحول إلى الرقابة المركزية ومع ما شهدته الأزمة المالية من تدخل البنوك المركزية لإنقاذ انهيار المؤسسات المصرفية من الانهيار لأول مرة ,واحتمال تواصل تدخل الدولة في توجيه الأسواق المالية ,والنظم المصرفية الداخلية , طيلة السنوات القادمة لإنجاح توحيد النظم المصرفية , سيخفف الضغوط عن شركاء الضفة الجنوبية التي تخضع لشروط الإصلاح و إعادة الهيكلة ,واستبعاد الدولة عن التدخل في توجيه السوق, مما يجعل الشركاء من الضفتين أمام نفس الانتهاكات المتعلقة بمبادئ النيوليبرالية التي تقوم عليها مناطق التجارة الحرة حديثا .
ب- الربيع العربي:
يبدو أن إقرار إصلاحات النظام المصرفي في دول الاتحاد جاءت في وقت مناسب تحتاج فيه دول الربيع العربي على وجه الخصوص مزيد من تدخل الدولة, لإنجاح التحولات الاقتصادية وإلحاقها بالتحولات السياسية .
الخيارات الاقتصادية والخيارات السياسية التي افرزها الربيع العربي, في علاقة الشراكة التي جعلت الطرف الأوروبي يعيد ترتيب أولوياته ,فيما يتعلق بالموازنة بين الخيارات الإستراتيجية المتعلقة بالاقتصاد والتعاون الامني من جهة, ومن جهة ثانية الاعتبارات الأخلاقية و القيمية والمعيارية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ,حيث أن الشريك الأوروبي عادة ما كان يركز على الجانب الاستراتيجي المصلحي في تعاملاته, حتى في ظل عدم وجود أدنى اعتبار للعوامل الديمقراطية و الإنسانية لدى الشريك في الضفة الجنوبية(16) .
إلا أن الربيع العربي احدث نوع من التوازن في ترتيب أولويات الاتحاد ,وهو ما يساعد مستقبلا على بناء موقع تفاوضي على أساس شريك كامل الاعتبارات الإستراتيجية والسياسية.
هذه الاعتبارات أحرجت صندوق النقد الدولي, في ظل تزامن الربيع العربي مع برامج دعم الصندوق للتعافي المالي في أوروبا, حيث وجدت المؤسسة المالية نفسها مجبرة على تقديم تسهيلات وقروض على غرار تلك المقدمة لدول الاتحاد(حيث قدم صندوق النقد الدولي كدفعة أولى قروض بقيمة 10 مليار دولار لمصر وتونس واليمن) حتى مع الفارق الشاسع لتاثيير الاقتصادات على الاقتصاد العالمي, إلا أن الظرف الطارئ للازمات السياسية العربية في ظل انتفاء الشروط السياسية التي كانت تفرضها المؤسسة المالية, مقابل تقديم القروض في سياق يتسم بثورة ضد الأنظمة بالكامل , جعلت الصندوق يلتزم بنوع من المساواة في المعاملة(17).
مكاسب الربيع العربي لم تتوقف عند هذه الاعتبارات ,بالنسبة للجانب العربي الذي رأى في التحولات السياسية فرصة للتحول الاقتصادي, إذ أن ثمة مشهد سياسي بدا بالتبلور في الأفق يتعلق بنهاية سيطرة القوى ذات المصالح القديمة ,والتي كانت تعيق الإصلاحات وكانت تقطف مكاسبها من الشراكة على حساب مكاسب دولها,وبدا واضحا في الأفق صحوة المجتمع المدني وتسلحه بالتحدي اللازم لمواجهة الأنظمة الاستبدادية, وتصميمه على إحداث القطيعة مع هذه النماذج السيئة من الحكم ,والتي كانت سببا نشوء جو القهر والحرمان في العالم العربي(18).
وهذا ما يفتح الآفاق واسعة لسياسات جدية تمثل مصالح الشعوب, من اجل تقديم إصلاحات لمعالجة المشكلات المزمنة للاقتصاديات العربية, والتي استعصى التعامل معها في السابق.
الطرف الأوروبي بدوره يرى في الربيع العربي فرص مغرية ,لإعادة اعمار بلدان الربيع العربي المنهارة, لكنه ينظر أيضا بعين الريبة والشك لما أفرزته وتفرزه مستقبلا هذه التحولات من انتشار الأسلحة, وتأثر إمدادات النفط ,كتأثير على المدى القريب وعلى المدى المتوسط والبعيد,و ما يعنيه إمكانية صعود تيارات إسلامية لها خيارات أخرى للشراكة ,وبشروط مختلفة أيضا ويبقى المثال المصري مع حركة الإخوان خير دليل على واقعية تلك الهواجس الأوروبية من الناحية الأمنية بانتهاج سياسات ضد إسرائيل ومن الناحية الاقتصادية يمكن أن تفضي الى مقاطعة طاقوية, إذا ما تصاعدت المواجهة ومنه تعاظم احتمال تكرار سيناريو السلاح النفطي(19).
ج- الأمن الطاقوي:
يعتبر الأمن الطاقوي الأوروبي عصب العلاقات الأوربية العربية على العموم, ومع دول المغرب العربي على وجه الخصوص ,إذ تمثل الاحتياطات العربية 58 بالمائة من الاحتياطي العالمي للنفط نصيب دول المغرب العربي منها يبلغ 4بالمائة, أما الاحتياطات الغازية فان الجزائر ثالث ممول لأوروبا بالغاز بعد روسيا والنرويج.
إلا أن كشوفات الغاز والنفط الأخيرة شرق المتوسط أدت إلى فتح آفاق جديدة في المنطقة الاورومتوسطية ,سينتج عنها إعادة رسم العلاقات الاقتصادية وكذا إعادة رسم الخارطة الجيواستراتيجية للمنطقة مستقبلا.
حيث قدر تقرير لهيأة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود احتياطي أولي قدر بنحو 3455مليار متر مكعب من الغاز, و1,7مليار برميل من النفط, قبالة سواحل إسرائيل وقطاع غزة وقبرص وسوريا ولبنان,قبل أن تؤكد نفس الدراسات في تقييم جديد حول حوض دلتا النيل وجود 6,320متر مكعب من الغاز و7,6 مليار برميل من النفط وسوائل الغاز .
وتشهد المنطقة منذ الإعلان هذه الاكتشافات الطاقوية ,إعادة اصطفاف وتركيب للتحالفات في المنطقة, من اجل إعادة صياغة الخارطة الطاقوية في المنطقة, ومن المحتمل أن يفتح هذا الملف آفاق واسعة لتعزيز الشراكة الاورومتوسطية, مع دخول إسرائيل على الخط الطاقوي من خلال الحقول الطاقوية المشتركة واستغلال الأمر لتدفع مسار التطبيع في إطار الشراكة الاورومتوسطية(20) .

اثر التنافس الدولي في المتوسط على مستقبل الشراكة الاورومتوسطية:
سبق وان اشرنا إلى أن أحد أهم الأهداف التي كان يسعى إليها الطرف الأوروبي هو الهدف الجيوبوليتيكي ومقاومة الهيمنة الأمريكية على مناطق النفوذ التقليدية لأوروبا ،إذ يعتبر الأوروبيون شمال إفريقيا بمثابة الحديقة الخلفية لأوروبا بكل ما تعنيه هذه العبارة من رمزية للخصوصية التي تتمتع بها المنطقة في الأجندات الأوروبية، بحكم عوامل التاريخ والحضارة والدين، ولكن الحديقة الخلفية تعني أيضا فيما تعنيه من حماية الظهر ومصدر الخطر المجهول والقلق الدائم .
غير أن الولايات المتحدة الساعية الى تهيئة الظروف المواتية لبناء الإمبراطورية الأمريكية ومكانة شمال إفريقيا في خططها الإستراتيجية, من كونها المصطبة المقابلة للسواحل الأمريكية من دون عوازل ,فإنها غير مرتاحة لفكرة الشراكة الاورومتوسطية وترى فيها خطوة لاستقلال أوروبا وعملية منافسة لمشروع الشرق الوسط, ولم تتوانى في الإفصاح عن نياتها المستقبلية في طرح مشروع الشرق الأوسط الموسع الذي سيشمل دول البحر الأبيض المتوسط أيضا.
كما أن أمريكا تعارض أي تقارب أوروبي عربي ,لأنها ترى فيه تقارب على حساب حليفتها إسرائيل إذا لم يقترن هذا التقارب بتطبيع شامل, ودور ريادي لإسرائيل في عملية الشراكة وعلى هذا الأساس يمكن فهم فحوى مشروع الاتحاد من اجل المتوسط الساعي لتبديد هواجس أمريكا وحليفتها إسرائيل(21) .
وهكذا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية عملت دوما على تقليص الدور الأوروبي في عملية السلام خاصة, والتأثير على الشراكة الاورو عربية عموما.
كما أن تعاظم النفوذ الصيني وغزو سلعه للسوق الشمال افريقية ,واليد العاملة الرخيصة يمثل تحديا آخر لمستقبل الشراكة, خصوصا من الجانب الأوروبي الذي أعلن مرارا وتكرارا انزعاجه من التواجد الصيني, وحاول بشتى الطرق الضغط على دول الضفة الجنوبية لإخراج الصين من أسواق المنطقة, ومن هذه الأساليب رفض معظم حصص منتجات دول الجنوب بدعوى الغش والتقليد والقرصنة في إشارة الى مميزات السلع والمنتجات الصينية ,واستمرار هذا الوضع أكيد سيخلق الكثير من التصادم بين الشركاء قبل الوصول إلى منطقة التبادل الحر بشكل كامل.
وتمثل عودة روسيا إلى المتوسط بقوة في الفترة الأخيرة ضغطا جديدا على الطرف الأوروبي سواء من ناحية أمنه الطاقوي, أو من ناحية أمنه القومي, خصوصا مع تداعيات الأزمة الاكرانية وانفصال القرم, وأقاليم أخرى في طريقها الى الانضمام الى الاتحاد الروسي.
يتزايد الضغط في هذه الأثناء على الطرف الأوروبي, لإيقاف إعادة تركيب التحالفات التي تقودها روسيا, ما يحتم على الطرف الأوربي البحث عن أدوات إضافية لاستخدامها في مواجهة روسيا, وعلى وجه التحديد في الضفة الجنوبية ,وهو ما سيدفع عملية الشراكة نحو آفاق أوسع من ذي قبل, مع بروز تيار أوروبي قوي يرغب في وقف الزحف الروسي.
اثر تعدد المبادرات والمشاريع على مستقبل الشراكة الاورومتوسطية:
تتميز المنطقة الاورومتوسطية بتواجد عديد المشاريع والمبادرات المطروحة أمام دول المنطقة من الضفتين, بعضها يدخل في إطار السياق العام للشراكة على غرار سياسة الجوار الأوروبية والاتحاد من اجل المتوسط, ومبادرة أغادير الرباعية, وبعضها يتعلق بمشاريع متنافسة على غرار الاتحاد الأوروبي, اتحاد المغرب العربي,منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ,مشروع الشرق الأوسط الكبير,والاندماج الإقليمي لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية,منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
حيث بدأت التأثيرات السلبية لتعدد مثل هذه المبادرات أكثر من الايجابيات, ما ينبئ بجملة من المشاكل في طريق الشراكة مستقبلا, نظرا لتعارض الالتزامات للأعضاء في الضفة الجنوبية خصوصا إذا ما تحققت الأهداف المرسومة لبعض المبادرات المحلية,وعلى العكس من ذلك يرى اتجاه آخر أن تعدد مثل هذه المبادرات والمشاريع في المتوسط يمكن أن يخلق شراكة موسعة متعددة الأطراف, ترمي الى مضاعفة إمكانيات التكامل المتوسطي والتماسك بين ضفتيه(22).
كما أن الآليات المتعددة التي خلقتها الشراكة الاورومتوسطية وتركيزها على البيروقراطية الهيكلية الشكلية الخالية من المضمون بدأت تبايناتها تظهر مع شح الميزانية المخصصة لها والتي تذهب اغلبها إلى وجهة خارج إطار دعم النمو والاقتصاد في الضفة الجنوبية ,وهذا ما انعكست آثاره على ثقة الشركاء في الضفة الجنوبية, ويمكننا أن نتلمس ذلك من خلال بحثهم عن مرتكزات جديدة لدعم مركزهم التفاوضي, من خلال التجمعات الجديدة للمجموعة الإفريقية العربية والتي عقدت قمتها الأخيرة في افريل 2013 بالكويت, ولجوء دول شمال إفريقيا إلى إشراك الاتحاد الإفريقي في حوار الشراكة من خلال قمة إفريقيا أوروبا, والتي عقدت قمتها الرابعة ببروكسل في مارس الماضي , واستطاعت أن توحد الرؤى بخصوص الحوار من اجل الشراكة القائم على الاستثمار في السلم والأمن دعم التنمية ثم ترشيد الحكم.
وهكذا يمكن لدول الضفة الجنوبية أن تستغل الظروف التي تمر بها أوروبا حاليا مع تصاعد قوة روسيا, ودعوة أوروبا إفريقيا لترقية الحوار إلى تحالف استراتيجي بين القارتين, من اجل إفتكاك مكاسب اكبر مع الوضع في الحسبان احتمال تصاعد التحدي الروسي, وتزايد حاجة أوروبا المحتملة لمزيد من الوفاق الاورو متوسطي كأداة مهمة لمواجهة تزايد التحدي الروسي الذي يمثل رقما مهما في معادلة الأمن الطاقوي الأوروبي, وهذا سيفتح الآفاق واسعة لدول الضفة الجنوبية وفي مقدمتها الجزائر.
آفاق الشراكة الاوروجزائرية:
يعد الاتحاد الأوروبي أهم شريك تجاري للجزائر بحصة تفوق 60بالمائة,انتقلت الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي من 8,2مليار دولار قبل تطبيق اتفاق الشراكة (2002-2004)إلى 24,21مليار دولار في 2011اي بزيادة تقدر ب200بالمائة ,أما بالنسبة للصادرات نحو الاتحاد الأوروبي فقد انتقلت من 15 مليار دولار قبل توقيع اتفاق الشراكة الى 36,3مليار دولار في 2011اي بزيادة تصل الى 140 بالمائة(23).
إلا أن الجزائر وجدت أن وتيرة التفكيك الجمركي أدت الى زيادة حصة الاتحاد الأوروبي في السوق الجزائرية, دون التوصل الى سياسة حقيقية للشراكة التي تعد احد أهداف الاتفاق, بعد أن أصبحت وتيرة التفكيك عائقا حقيقا أمام تطبيق سياسات المؤسسات الجزائرية ,وبالتالي طلبت الجزائر تأجيل التفكيك الجمركي طبقا للمادتين 11 و16 من اتفاق الشراكة ,واللتان تنصان على إمكانية العودة الى مراجعة رزنامة التعريف الجمركي وتعديل الامتيازات في حال تغير السياسات الفلاحية ,وبعد ثمان جولات من المفاوضات حصلت الجزائر على تأجيل إقامة منطقة التجارة الحرة من 2017 الى 2020, ويعد هذا الآمر سابقة أولى في المنطقة ومعطى جديد ومهم للمؤسسات الجزائرية لتحضير نفسها لستة سنوات إضافية, من اجل مواجهة المنافسة التي تنتظرها في منطقة التبادل الحر.
أما من الناحية الجبائية فان الجزائر خسرت 2,8مليار دولار بين 2005-2009بسبب إلغاء التعريفة الجمركية وكانت ستخسر 8,5مليار دولار بين 2010-2017 لو ابقي على نفس وتيرة التفكيك التعريفي المرسم في الاتفاق قبل تعديل رزنامته(24).
أظهرت الجزائر من خلال قدرتها على تأجيل منطقة التبادل الحر, وزنها التفاوضي ورغبتها الحقيقية في بناء شراكة عادلة ومتوازنة ,وهو ما يفتح لها الآفاق واسعة لقيادة الشراكة مستقبلا مع الاتحاد الأوروبي, وإرغامه على مشاركتها له في سياسات أهم تتعلق بصياغة الخارطة الجيوسياسية في المنطقة, خصوصا مع ما شهدته الجزائر من إنزال اقتصادي أوروبي منذ اندلاع الأزمة الاكرانية, حيث يعول الأوربيون على الجزائر لتعويض أي خلل يتعلق بالإمدادات الطاقوية من روسيا.
ومنه تتضح مكانة الجزائر من معادلات السيناريوهات المحتملة ,والتي يستعد لمواجهتها الاتحاد الأوروبي ,وبالتالي فأمام الجزائر فرص اكبر لتعميق حضورها المستقبلي في مشهد الشراكة.
السيناريوهات المستقبلية للشراكة الاورومتوسطية:
هناك ثلاث سيناريوهات يمكن أن يتجه إليها المسار المستقبلي للشركة.
السيناريو الأول: يتعلق باستمرار الأوضاع الحالية, مع تغير طفيف من منطلق أن محددات الشراكة لازالت تعتريها الكثير من العقبات المستعصية على الحل ,على غرار الصراع العربي الإسرائيلي ,واستمرار العقدة الحضارية والدينية وتنامي العداء للإسلام, وعدم قدرة أوروبا على انتهاج سياسات خارج الأطر التي ترغب فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل,وان دور الاتحاد الأوروبي لا يعارض خيارات أمريكا وإسرائيل بل هو مكمل له(25) .
واحتمال أن يساهم التفتت العربي وانعزال السياسات القطرية في الاكتفاء بهذه الحصيلة المحدودة من الشراكة.
السيناريو الثاني :نجاح مسار الشراكة الاورومتوسطية
يرشح الكثيرون الاتحاد الأوروبي الى لعب دور بارز مستقبلا في العلاقات الدولية وفي المنطقة الاورومتوسطية ,لأنه يتجه نحو التنامي السياسي والتحول الى لعب دور مؤثر في مجريات الأحداث بالمنطقة, من اجل استقرارها, بهدف تكوين أسواق واسعة للاتحاد لتعزيز اقتصاديات أوروبا كمقدمة لتشكيل كتلة اقتصادية ضخمة تقف في مواجهة التكتلات الاقتصادات الكبرى, على غرار تجمع البر يكس واقتصاديات الصين وروسيا .
وهذه الشراكة تعكس حجم الإسهام الذي يمكن أن يقدمه الاتحاد الأوروبي لبناء علاقات مستقرة ومتكافئة في المنطقة.
كما أن النجاح في إقامة منطقة التبادل الحر في حد ذاته يعد انجازا للشراكة, ويبقى الدور على دول الضفة الجنوبية لاقتحام الأسواق الأوروبية وانتزاع الاعترافات القيمية من الاتحاد لخصوصية شعوب المنطقة ,وكل مكسب مستقبلي من وراء هذه الشراكة سيقدم تحفيزات جديدة لتعميق وتعزيز التكامل الاورو متوسطي,كما أن الإصلاحات الديمقراطية في الضفة الجنوبية فتحت المجال واسعا أمام إمكانية إعادة صياغة العلاقات الاورومتوسطية على نحو أكثر واقعية من مجرد أهداف نظرية(26).
السيناريو الثالث:فشل الشراكة الاورومتوسطية
يرى الكثيرون أن زمن حروب الوكالة قد مضى, وان دول الضفة الجنوبية لم تعد تقدها مزاجية الحكام وإنما مصير وإرادة الشعوب ,وعليه فان بلدان الضفة الجنوبية لن تكرر اصطفا فات الحرب الباردة ,ولن تبقى مجرد بيادق للسياسات الأجنبية مادام أن الشعوب العربية لم تعد تؤمن بالقيم الإيديولوجية ,والاعتبارات القيمية كأولوية, بل الأولوية الملحة أصبحت الانجازات الملموسة ,وبالتالي فان الطرف الأوروبي غير مستعد لتقديم سياسات ناجزه وفعلية, وكل أولوياته المستقبلية هي الاستعداد للجبهة الشرقية وتسخير كل الإمكانيات لذلك, مع تامين المحيط الجنوبي بأقل الالتزامات, مع مراعاة الحد الأدنى للاستجابة لرغبات الجوار في الضفة الجنوبية ,وهذا إن افلح لبعض الوقت فلن يستمر(27).
بالنظر الى الأوضاع الحالية التي تعيشها كل منطقة في الضفتين, وبالنظر الى المسار الذي بلغته الشراكة, فان السيناريو المستقبلي المرجح هو السيناريو الأول ,أي استمرار الوضع الحالي مع بعض التحسن في أرقام المبادلات وبقاء المسائل القيمية والمعيارية العالقة على حالها, لان سؤال الشراكة اليوم لم يعد هل تستمر الشراكة أم لا تستمر؟ بل السؤال هو كيف يمكن للأجيال الحالية أن تؤمن بجدوى هذه الشراكة؟ وبالتالي فان على الجيل الحالي أن يثبت جدارته في بناء واقع أفضل من الواقع الذي يثور ضده ,وفي ذلك يلزمه منطلقات رزينة لتحقيق ذلك الواقع.
خلاصة واستنتاجات:
يعبر مشروع الشراكة الاورومتوسطية عن عمق الرؤية الأوروبية وإدراكها المبكر للتأثيرات المحتملة لهشاشة البنية السياسية- الاقتصادية والأمنية لدول الضفة الجنوبية ,ومن ثمة فقد عملت على وضع إستراتيجية مسبقة تمكنها من احتواء مستجدات المنطقة والتأثيرات السلبية القادمة من الجنوب ,وفق ما يخدم مشاريعها المستقبلية الساعية إلى تجسيد طموح الوحدة الأوروبية وجعل الفضاء الاورو متوسطي مجال حيوي أوروبي بامتياز,ومنه يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى آفاق أوسع من مجرد شراكة مع دول الضفة الجنوبية , وهذه الشراكة ماهي إلا إستراتيجية مساعدة لبلوغ تلك الأهداف بأيسر التكاليف.
أما الشريك المقابل في الضفة الجنوبية, فان حصيلة الشراكة لحد الآن هي الجزاء العادل لإسراف أنظمته في المنطلقات السياسية للشراكة, وإغراق مسارها بالتقلبات المزاجية للحكام التي أدت في النهاية إلى إهدار إمكانيات وطاقات شعوب الضفة الجنوبية نتيجة قصور الرؤية ومحدودية الإدراك.
واليوم تتطلع الأجيال الحالية إلى آفاق أوسع للاستفادة من هذا الفضاء الاقتصادي والسياسي المفتوح على الطاقات, والإبداع والأفكار الخلاقة .

قائمة المراجع والهوامش:
1- سمير أمين وآخرون ,العلاقات العربية الأوروبية,مركز البحوث العربية والإفريقية على موقع كتب عربية,2002,ص ص 18-30.
2-بشارة خضرة,أوروبا من اجل المتوسط من مؤتمر برشلونة الى قمة باريس(1995-2007)بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية,2010,ص 184.
3-نصير عرباوي,مستقبل الشراكة الاورومتوسطية,الجزائر:مجلة العلوم الاجتماعية,سبتمبر 2013,ص ص 294-296.
4-السيد ياسين,البحر الأبيض المتوسط باعتباره منطقة إستراتيجية,الاسكندرية:مركز بحوث البحر الأبيض المتوسط,17ديسمبر2006,ص8.
5-كلمة وزير التجارة مصطفى بن بادة ,يوم تحسيسي و إعلامي حول المخطط الجديد لتفكيك التعريفة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي,الجزائر:28 أوت 2012.
6-نصير عرباوي,مرجع سابق,ص ص 292-294.
7-لوتشو كراتشولو,ايطاليا:الأزمة الاقتصادية والسياسات الوطنية والمشهد العام على الساحة الدولية,في المتوسط2012, عمان:دار فضاءات للنشر والتوزيع,2013,ص 160.
8-سمارة فيصل,البعد الإنساني في الشراكة الاورومغاربية,من مسار برشلونة إلى غاية مشروع الاتحاد من اجل المتوسط,مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية,جامعة تيزي وزو,2013,ص162.
9-محمد بيلي العليمي,الإقليمية المعيارية:العلاقات المتوسطية على ضوء الربيع العربي,مجلة السياسة الدولية:
WWW.SIASSA.ORG.EG
10-الآفاق الاقتصادية العالمية:موجز صندوق النقد الدولي ,جانفي 2013,ص2.
11-تشينسيا الشيدي ودانييل غروس,أزمة اليورو هل تقود إلى حوكمة أنجع وأقوى؟ في الكتاب السنوي للبحر الأبيض المتوسط 2012, عمان:دار فضاءات للنشر والتوزيع ,2013,ص ص 45-47.
12-الاتحاد الاوراسي هو تجمع إقليمي, سياسي واقتصادي وامني, دعا له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد عودته إلى السلطة خلفا لميدفيديف في 2012 ويضم في عضويته لحد الآن إضافة إلى روسيا,بيلاروسيا,كازاخستان,بدا العمل بمفوضيته الاقتصادية وينتظر أن يدخل الاتفاق النهائي للتجمع حيز التنفيذ مطلع 2015وبعد التوقيع الثلاثي على معاهدة التأسيس منتصف 2014.
13-مجلة التمويل والتنمية عدد ديسمبر 2013,ص18.
14-أندرو وارنر,مجلة التمويل والتنمية ,صندوق النقد الدولي,عدد سبتمبر2013,ص23.
15-نيكولا فيرون,مجلة التمويل والتنمية,صندوق النقد الدولي,عدد مارس 2014,ص17.
16-روزا بلفور,نماذج جديدة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط,إعادة النظر في المشروطية, في الكتاب السنوي للبحر الأبيض المتوسط2012, عمان:دار فضاءات للنشر والتوزيع,2013,ص65.
17-التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي,تقرير2013,ص 20.
18-فرانسيسكو كافاتورتا,الربيع العربي:يقظة المجتمع المدني,في الكتاب السنوي للمتوسط2012,عمان:دار فضاءات للنشر والتوزيع,2013,ص ص 77-79.
19- صحبت كاربوز,موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط:التحديات والفرص,في الكتاب السنوي للبحر الأبيض المتوسط2012, عمان:دار فضاءات للنشر والتوزيع,2013,ص215.
20-المرجع نفسه,ص ص 214-217.

21-نصير عرباوي,مرجع سابق,ص ص 310-315.
22-زكري مريم,البعد الاقتصادي للعلاقات الأوروبية -المغاربية,مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية,تخصص دراسات اورومتوسطية,جامعة تلمسان,2011,ص ص 61-62.
23-من كلمة وزير التجارة مصطفى بن بادة,مرجع سابق,ص ص 1-2.
24-المرجع نفسه,ص ص 3-6.
25- سمير أمين وآخرون ,العلاقات العربية الأوروبية,مركز البحوث العربية والإفريقية على موقع كتب عربية,2002,ص ص60-63.
26-جوردي باديا وشابيير اراغال,استطلاع رأي الشراكة الاورومتوسطية لعام2010:تقييم الشراكة الاورومتوسطية-الاتحاد من اجل المتوسط وآفاق 2012,في المتوسط2011, عمان:دار فضاءات للنشر والتوزيع,2012,ص152.
27- سمير أمين وآخرون,مرجع سابق,ص ص65-66.



#ابراهيم_قلواز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلفيات تنحية قائد المخابرات الجزائرية الفريق مدين وآفاق المد ...
- جيوبوليتيكية المياه في المنطقة العربية
- الجذور الدينية والتاريخية للسياسة المائية الصهيونية
- التغطية الإخبارية ودورها في صناعة الأحداث
- استطلاعات الرأي ودورها في تحديد التوجهات العامة للمجتمع
- الاحزاب والنظام السياسي في اسرائيل
- المحددات التاريخية لعلاقات شرق غرب في حوض البحر الابيض المتو ...
- الدور المتنامي للمؤسسة العسكرية في الجزائر وعلاقتها بمسار ال ...
- الصحوة المدنية وبناء الدولة المدنية في تونس
- الدروس المستخلصة عربيا من مسار التحول الديمقراطي عالميا-مع ا ...
- ماذا تحقق من ديمقراطية الثورة في عيدها الستين
- الجزائر:نحو مقاربة امنية جديدة لتعزيز الاستقرار والامن الوطن ...


المزيد.....




- خيام نازحين تحترق، وقتلى وجرحى في قصف إسرائيلي طال محيط مستش ...
- غوتيريش يحذر من إمكانية -جريمة حرب- مع تزايد الاستهدافات الإ ...
- حزب الله يتوعد بتحويل حيفا إلى كريات شمونة بعد هجومه -النوعي ...
- -صدمت واشنطن-.. دبلوماسيان يعلقان على ظهور صورة السيستاني في ...
- بعثة مشتركة تزود مستشفيَين في شمال غزة بالإمدادات
- المتهم بمحاولة اغتيال ترامب -مصدوم- من التهمة الموجهة إليه
- الخارجية الروسية: نقل الولايات المتحدة منظومات -ثاد- إلى إسر ...
- دراسة مفاجئة عن عواقب شرب الحوامل للقهوة!
- الحمض النووي يحل لغز مكان دفن كريستوفر كولومبوس
- وزير الخارجية البريطاني يشارك في اجتماع للاتحاد الاوروبي لأو ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم قلواز - مستقبل الشراكة الاورومتوسطية في ظل التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة