|
في داخل العراق ازمة شعر وشعراء
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1550 - 2006 / 5 / 14 - 00:18
المحور:
الادب والفن
" ويحكم تقطعت ارحامكم ، وانسابكم ، وانتم لا ترجزون . بطوائف الاحتلال ، واحتلال الطوائف ، عراق لا يكون . شاعرنا العراق ، واحد اوحد ، فاذا غاب ، غاب الشعر كله ، واذا مات ، مات الشعر كله ، واذا احتل ، احتل الشعر كله . جزمت اداة الشرط شرطها تعسفا ، وأحتل الشعر . وما زلتم تتغابون أشعراء انتم ، كما تدعون ؟ "
قد لا يصدق احدا ان العنوان يعني ما يقول ، وقد يقول قائل : نعم كل شيء يجوزالتجاوزعليه ، في هذا العراق المريض ، المجروح في الصميم ، والمكبوح جماحا ، في هذا المعوق حتى الثمالة ، والذي يشبه اي شيء اخر الا العراق ، نعم كل شيء جائز ، ولكن لا ، إلا الشعر ، فهو شعرة معاوية مع العراق الذي احببناه وعرفناه ، لا لا، لو فقد العراق شعره ، أقرأعليه السلام ، لا ، لايمكن ان يكون العراق ، بجلد سميك ، ولا يتحسس الشعر بشعوره المحفور برهافة قلب ، ومشاعره الفياضة التي لا تجف ينابيع وجدها الانساني الطيب ، لا ، لا يمكن ان تكون مساماته ومقاماته الا متفتحة ، متعرقة شعرا مسكرا بوهجه الجياش ، كعرقه المعرق ، المقطر ، المطعم ، بالمسك والمن والسلوى ، لا يمكن ان يكون العراق غير ذلك ، نعم قل ازمة كهرباء ، ازمة ماء ، ازمة دواء وغذاء ، ازمة نقاء في الضمائر والحناجر والهواء ، او قل ازمة اطباء وعلماء ، ولا تقل ازمة شعر وشعراء ، قل ازمة احتلال ، ازمة طوائف واجناس ، ازمة كبت الانفاس ، ازمة معايير وقياس ، قل كل شيء ولا تقل ازمة شعر وشعراء ! يا سيدي قد هاجر الشعراء من موطني ، كما الطيور المهاجرة ، وياسيدي قد حملوا معهم جمرة عراقهم وغادروا الحريق طلبا لماء ، ينجدون به الارواح المحلقة ، يبحثون عن عشبة الخلود لمن لا يخرج من لهيب الجحيم سالما ، هم مثل فتى اوروك ، سيعودون بالعشبة او الحكمة ، هكذا تنبأت العرافة ، عندما قرأت طالع كلكامش وانكيدو ، سيعودون الى تلك الارض ، وتلك السماء ، وتلك الروح ، وذاك النخيل ، وتلك السلالم الموصولة بجنة الله ، سيعودون وسيكون عندها العراق عراقا .
في ظل عراق مجتث ، أجتث المربد من مربده :
لقد صفروه وجعلوه يتيما بلا جذور ، كانت محاولتهم البائسة الثالثة ، منذ احتلال العراق ، تأكيدا جديدا على مسخ اطرهم التي تدعي انها وعاء مهني للابداع . في جلسات استماع شبه مدرسية ، وفي مناخ لا يشي بالشعر والشعراء ، تزاحم المتقدمون ، وكأنهم ينشدون الشعر لاول مرة ، في هذا الطقس البائس ، عقد مهرجان المربد الشعري "الثالث" في مدينة البصرة ، فكان بحق مثالا للخواء الشعري ، الذي لا يضاهيه خواء . قال لي احد الاصدقاء بعد ان شاهد وسمع ماشاهدت وسمعت ، من عروض للمهرجان على القنوات الفضائية : " من قلة الخيل شدوا . . " فقلت له : لا تكمل يا عزيزي ، ما ذنب بعضهم من ذوي النوايا الطيبة ، فهذا المثل ينطبق على الوزراء والسفراء والمدراء والاحزاب وقياداتها ، لكنه لا ينطبق على المبدعين . فرد قائلا : نعم صحيح ، هناك الكثيرون من حسني النية ، والصادقين والمتورطين ، " من لا جارة " ، ولكن هناك ايضا مناخ مفسد تتلوث ، وتتسخ به المشاعر، والضمائر قبل الايادي ، فهل يعقل ان هناك محاصصة طائفية واثنية في الانتاج الابداعي ؟، نعم صدقني ان الامور تسير على هذا النحو هناك ، حتى انهم يحاولون مغازلة القسم الكبير من كتاب وشعراء العراق المقيمين في الخارج ، وبنفس هذه الروح ! صحيح ، ولكن هناك من هذا وذاك .
أي حرية هذه التي لا تمنح اصحابها جواز عبور فوق حدود الطوائف والمضائف والوظائف المتحاصصة ؟ اي حرية هذه التي تقتل فيهم اجمل الاحلام ، التي حملها بعضهم ارثا لعراقه القادم ، والقائم الان على تدميرها ، هناك من يتجرعون لوعة التجريب ، وهم اهلا له ، لكنهم يخرون امام هول المتاهة ، وهموم المكان ، واخرون يشعرون على ليلاهم ، وهم لم يخرجوا بعد من دائرة التفعيلة الوصفية السردية ، للقتل والموت الذي يهديه الى شعبنا كل يوم محرر العراق من عراقه ، ويواصلون الوصف المجزي ، لقدرالمدن التي لم تعد مدنا !. بعضهم وبعيون نافذة ، تجده يريد قول مالايباح ، لكن كوابحه تتمالك الزمام ، فتغادر النبوة ، الى الاطناب في تكرار الجمل الشعرية المبتورة ، وبعضهم وبعيون بكائية ، يسترسل في النظم المبني على حشو كربلائي مستحضر ، وموغل بايقاع قهري مستحكم ، يسقط نفسه بمناسبة ودونهاعلى واقع ، لا " يزيد " فيه حاكم بأمره ، ولا الدين هو راية مستحضريه ، فالسلطة يوزعها الروم على الوجهاء ، بعد ان اعطوها الامان كله ، فهل جرب همسهم ، هذا الباب من الاغراض القديمة الجديدة ، بثوبها العولمي الذي غطت ذيوله الطويلة حكايات جداتنا ، المفعمة بالنهايات المفتوحة على الامل والخلاص ، بحلول حلال العقد ، المنقذ والمخلص ، بعد ان تتعقد دراما الحكاية ، فأين الانتظار اذن ، للذي سيعجل الله فرجه ؟ وما دمتم قد مللتم الانتظار ، فعلى الاقل لا تستحضروا الدمار وتتباكون على ضحايا مواكبه ، انتم بواد والشعر بواد !. ايها السيد العريان من الصحة الشعرية ، والمجتر للحظات كنت فيها شاعرا شعبيا مفوها ، هل مالت شجرتك مع الريح ؟ وانت القائل : عندما تصهل الريح ، تصيح الريح ، الشجر يثبت شجر، والخاوية تطيح ، هل اطيح بك ياعريان ؟ لماذا الاستسهال والاسهال ؟ تدع المجتثون والمتشعرون ، يستهلكوك ويستخدموك ، ويلبسوك ثوب الطوائف ، وبوسامها يقلدوك ، المربد سوق الابداع ، فهل وجدت سوق حقيقية دون متسوقة ومتذوقة ؟ وهل وجدت سوقا رائجة ، وهي مليئة بالبضائع الفاسدة المملة البائرة ؟ وهل وجدت سوقا ليس لها بداية وتاريخ واعلام؟ ويا ايها الفاضل ، فاضل ثامر ، انت الناقد المنقود ، هل اختلطت الاوراق عليك ، واستحليت تحاصص الطوائف ، ما دامت تؤتيك ثمارها ؟ يا فاضل ، الاسبقية في ابداع الطوائف لمن ينقاد لها اولا ، فلا تكن منهم ! .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزورة المليشيات في العراق
-
البنتاغون يتأبط حربا جديدة
-
الطبقة العاملة العراقية العدو الاول للاحتلال
-
لقطات
-
القيادات الكردية العراقية مدمنة على التصيد في المياه العكرة
-
اليُتم اليساري في العراق
-
الاعلام العراقي بين التخلف والتزلف
-
بين الاستهتار الامريكي والخبث الايراني
-
الجحيم لم يأتي بعد العقدة والحل
-
الطينة الفكرية لرجالات العهد الجديد في العراق
-
نقطة نظام - حالة الدجيل مسببة حسب القانون العراقي وقتها
-
احتلال المرأة
-
التحشيش الطائفي والتجييش الامريكي
-
العراق في مزاد سياسي مزدحم
-
يا أعداء الاحتلال وفتنه اتحدوا
-
خبر التفجير والتفسر عند السفير
-
دولة فساد أم فساد دولة
-
امبراطورية سوق العبيد
-
اعادة انتاج العوق جنحة العولمة الجديدة
-
وطني ليس للأيجار
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|