أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جمال محمد تقي - اعادة انتاج العوق جنحة العولمة الجديدة















المزيد.....


اعادة انتاج العوق جنحة العولمة الجديدة


جمال محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 1442 - 2006 / 1 / 26 - 09:56
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تتشابه دورة العصبيات الاجتماعية والاقتصادية في التاريخ عند ابن خلدون والتي فسر بها نشوء وزوال دول العصور المنحدرة من التاريخ الوسيط للعالم العربي الاسلامي مع ظواهر التخلف البنيوي الملازم والمتعاقب والذي يعاد انتاجه حديثا في بلدان الهامش او بلدان العالم الثالث كما جرت التسمية تجاوزا ومنها بلداننا العربية والاسلامية ، التي عاشت حالة اجترار مفروضة عليها فرضا منذ انتشار السيطرة الكولونيالية المباشرة وغير المباشرة مع مطلع العصور الحديثة .
ان الدورة شبه المغلقة لنشوء وزوال تلك الدول بحكم صيرورتها الطفيلية وعدم استتباب اقتصادها بشقيه الحربي والمدني لصالح تطور خميرة الانتاج ذا التراكم الراسمالي ، هذه الخميرة المتمثلة اجتماعيا بطبقة التجار والمنتجين الزراعيين والحرفيين التي انحسر دورها
ليكون مصدر ريع كلي للدولة مما صير التراكم النقدي لديها تصيرا صنميا غير قابل للتحول
وهذا ما يفسر انحسار المدى الانتاجي لمجتمعات تلك الدول حيث كانت كل واحدة منها معيقة
وليست مجيدة في تنمية الدورة الاقتصادية الخاصة بها ، ودور الاستحواذ الريعي الطفيلي جعل من هذه الدول قاطعة طريق على التطور الطبيعي لمجتمعاتها فهي لم تنجز مهمة فك عقدة تحول شكل الملكية وعلاقتها الانتاجية وتحديدا شكل ملكية الارض التي غلب عليها طابع الملكية الجامدة .
فالدولة هي المالك الفعلي لها من حيث قدرتها على التصرف بريعها الكلي وجعلها اشبه بالوقف دون تأهيلها كقيمة قابلة للتبادل اي اعاقة قدرة اصحابها ومستخدميها الحقيقيين على التصرف بها كقيمة قابلة للتحول ضمن سوق العرض والطلب .
واضافة الى عوامل العصبيات الاخرى فانها جميعا جعلت من التهافت والتساقط المتواتر لتلك الدول ديدن تعاقبي بحمل كاذب ، مكررة دورتها المغلقة التي تخترقها جرعات من موجات الاطراف غير المتمدنة والمستميتة لتجريب حظها باقامة دولة بذات الالية التي سبقتها حتى تشبع نهمها الظروري لتتجه نحو النهم الاستهلاكي والحربي والتسقط بعد حين تحت رحمة موجة اخرى تعيد عملية حفر قبرها بيدها من جديد .

شذرات مضيئة :

يقول ابن خلدون ( 1332 ـ 1406 ) في الفصل الاول من مقدمته : " حقيقة التاريخ انه خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الاحوال، مثل التوحش والتأنس والعصبيات واصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض ، وما ينشأ عن ذلك من الملل والدول ومراتبها وما ينتحله البشر باعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعة الاحوال . . " ثم يردف قائلا :
" والكذب متطرق للخبر بطبيعته وله اسباب تقتضيه ومن هذه الاسباب التشيعات للقراء والمذاهب فأن النفس اذا كانت على اعتدال في قبول الخبر اعطته حقه من التمحيص والنظر
متى تبين صدقه من كذبه واذا خامرها تشيع لرأي او قبلت ما يوافقها من الاخبار لاول وهلة وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص فتقع في قبول الكذب ونقله . . " .
اجد في قراءة نصوصه هذه حافزا لقراءة جديدة لمقدمته المبدعة وهي دافع نحو البحث الموضوعي البعيد عن الاهواء والمستند الى قراءة تعليلية تستلهم حركة التاريخ ذاته الذي هو من صنع الناس وصنع ظروفهم ومن تفاعلهم مع بعضهم ومع محيطهم سلباوايجابا وسأحاول هنا تغطية الموضوع بهذه المسحة الخلدونية الثاقبة .
الاحظ ان ابن خلدون يعطي اشارة لعقدة العوق في زمنه ويحاول ان يفسرها من داخلها ، مخرجا سرها للخارج كي يكون خبر، نحاول هنا الافادة منه لمعرفة عقدة العوق الذي يلف حالنا وحال مجتمعاتنا بتعاقب لا يشذ عن التعاقب الذي شخص في دورة تاريخ الدول عنده .

وبما ان دوام الحال من المحال فأن توخى حالة محفزة لاجتثاث عوامل العوق المسلط علينا من خارجنا فأننا بمقاومته سنقاوم حالة الاستعداد الداخلي لقبول نظام الاعاقة هذا ، واذا عرفنا ان هناك بيئة تحتوي كل عناصر النمو الطبيعية والمتمثلة بالانتاج وعلاقاته واسواقه وعملاته وقيمه التبادلية والاستعمالية والصراع الاجتماعي والسياسي الذي يدور حولها وكذا دور الايديولوجيا السائدة فيها فأننا سنكتشف ان مجتمعاتنا ليست معوقة جينيا او لنقل وراثيا ولا هي مجتمعات ميتة ، وهي ليست شاذة بل هي قلب العالم ورائدة في تغذيته واذا كانت هناك مشكلة فهي كونها استهلكت ذاتها واستهلكها الاخرون وهي بحاجة الى ولادة جديدة ترسم طريق تجاوز العوق المصطنع الذي يمنعها من استئناف تطورها ونموها الذي يحتاج مدا حاضنا في عمقه ليمتص بجذوره عناصر قوته وخبرته تحت شمس جديدة ليس عليها حاجب .
فقبل ابن خلدون بحوالي 600 سنة كانت البلاد تعج بالعطاء المنتج والاسواق تزخر بما يومئ بزخم جديد حتى ان الامام علي ابن ابي طالب قد احاط زمنه بما يدهش حينما اشار في نهج البلاغة الذي احتوى صورا ومعالجات حكيمة للكثير من اشكاليات عصره وما يستشف منها لعصور جديدة كقوله مثلا : ( لولا الاذواق لبارت السلع ) ، اوقوله ( ما من نعمة موفورة الا وجنبها حق مضاع ) ، او ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) ، وهذا الفاروق عمر بن الخطاب يقول في مأثور زمانه ( كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ؟ ) ، وفي معرض محاكمته للفساد في دولته يعلن مطالعته التي لم تشخ حتى وقتنا هذا ( من اين لك هذا ؟ ) . لقد استنبط كارل ماركس الذي جاء بعدهم بمئات السنين محددات علمية فاعلة وبذات الروح الخلدونية قيمة دور الانسان في عملية التطور التاريخي ضمن سياق المعاش "الاقتصاد" وبأن الانسان هو الاثمن فهو اثمن راسمال ، وهوبذلك يتواصل مع ما جاء في ارث الاولين وفي تعليلهم لقيمة العمل واحواله وكون الانسان مركزه ومصدره ، ودور كل ذلك في بزوغ وانحطاط الحضارات .

استطراد عولمي :

العولمة بمعنى الارتباطات والعلاقات والتواصلات والاتصالات فوق الوطنية والقومية هي ليست وليدة هذا العصر بل كانت ملازمة لظهور الطبقات والدول ومن ثم الاحتكاكات والصراعات على الموارد وتوسيع النفوذ على حساب الاخرين التي اخذت طابع دموي وقهري طوال الوقت ، وكانت المجتمعات تأخذ من بعضها البعض وتؤثر وتتأثر حيث يذوب الغازي غير المتمدن بالمتمدن الذي يقع عليه الغزو وتحت سلطة الغازي ذاته او العكس وهكذا ، حتى جاء نمط الانتاج الراسمالي ومن ثم سيادته وظهور الاحتكار على حساب المزاحمة الحرة لصالح الشكل الامبريالي كأعلى مرحلة في الراسمالية المتوحشة التي كانت تمتاز بالسيطرة الكولونيالية المباشرة على العالم ثم انتقلت الى مرحلتها الثانية اي السيطرة غير المباشرة وخاصة بعد الحرب الكونية الثانية ، التي شهدت مخاض تبلور المرحلة البربرية للراسمالية كتشكيلة متكاملة وليست فقط نمطا للانتاج ، ان شدة الدفع وعمق المنافسة والابتكار والتجاوز كثفت واختصرت زمنا طويلا من البربرية ، فكان التركز والتمركز والتعميم لاجل تكثيف التخصيص والتخصص على مستوى العالم جعل البشر يخضعون للمشارف النهائية من عصر الراسمالية البربرية التي نعيشها اليوم بكل محاسنها ومساؤها
ان اغلب الدلائل تؤشر الى ان هذا القرن هو قرن التحول من اعتاب الراسمالية البربرية الى
مشارف الحضارة المؤنسنة مرورا برأسمالية متمدنة قد حفرت قبرها بيدها شاءت ذلك ام ابت اي انها الحتمية التاريخية التي لا مفر منها ، لا كما يذهب المنتشون من مفكري راس المال المالي ( فوكوياما ) ومن على شاكلته الذين يبشرون بسرمدية الهيمنة الامبريالية المغلفة بانجازات مبهرة ومتسارعة تشي بانها ارقى ما توصل اليه البشر .
ورغم ما يحمله هذا التسطيح من مقولات فعلية وصحيحة في شكلها المنطقي الجزئي الذي ينسحب عادة على منظومة الحريات العامة والديمقراطية اللبرالية الملجمة والمعممةعلى مختلف المناحي لكنها في الجوهر ابتسار لامنطقي لسنن التاريخ الذي لا يقبل التوقف ابدا وان حصل جدلا واعيق فان ذلك لايعني محلك سر وانما يعني حركته ايضا ولكن الى عكس الاتجاه اي الى الوراء وهذا ما يمكن منطقيا ولا يمكن جدليا ، اي ترفضه قوانين التطور السائرة الى الامام في اتجاهها الزمني والتراكمي والكيفي ايضا .
ان الحلم لم ينضب ابدا بمجتمع انساني فاضل ارقى وارقى من الحاضر وهو قادم لا محال ، وعليه فليس للتاريخ نهاية ، لا ارادوية ولا حتمية ، وحتى الفكر اللاهوتي والميتافيزيقي يفترض عالم دائم السعادة بالمفهوم الرومانسي تحت ظل القوة الغيبية والماورائية او تحت ظل الله كلي القدرة ، واللحظة الحرجة قادمة حيث سيكون بتجاوزها قد خرجت البشرية من عنق الزجاجة نحو عالم البعد الواحد بابعاد كونية متعددة في صراع الانسان مع قواه اي مع نفسه ومع قوى الطبيعة، وبعبارة اخرى ضمن دائرته الداخلية اي تمكنه من ذاته ثم من دائرته الخارجية اي محيطه المنظور وغير المنظور حتى يحقق حلمه الخفي والازلي (التشبه بالله الحي القيوم) لاجل البقاء والخلود بعد الاقتراب من كنهه كما تلمح لنا الاساطير والاديان والفلسفات .
مما تقدم نستنتج ـ ان العولمة هي حاجة تاريخية تحتمها مقتضيات التطور البنائي التحتي والفوقي لعموم المجتمعات الانسانية .
تأخذ العولمة اشكالا مختلفة تنسجم مع مختلف مراحل التطور البشري ، ابتدأت العولمة موضوعيا منذ ان نشأت الدول وقامت بنشاطها العسكري والمدني ، تمر العولمة اليوم بمرحلة متقدمة واكثر وضوحا ووعيا ، ليس الشكل الحالي للعولمة هو شكل ثابت وانما متغير بحسب تطور الراسمالية كتشكيلة اقتصادية اجتماعية واثناء استهلاكها لمراحل مرت بها، الوحشية السفلى والوسطى والعليا والبربرية السفلى والوسطى والعليا و بمراحل متوقعة موضوعيا كنهاية الراسمالية البربرية وظهور الراسمالية المتمدنة ومن ثم استسلامها لعالم الانسانية الخالصة ( الفاضلة) .
ان للعولمة محاسن ومساوئ ، ومن ابرز المساوئ اعاقة النمو التلقائي للبلدان التابعة او ما يسمى بلدان العالم الثالث . ان اقرارنا بموضوعية زوال الراسمالية وطغمتها المتشعبة والمتوالدة لا يعني انتظار هذه النتيجة الحتمية وانما الدفع باتجاهها كي تتأقلم مسيرتها الموضوعية مع المتطلبات الانسانية للاكثرية الساحقة والمتضررة من هيجاناتها ورعشاتها وامراضها وفتك اسلحتها التي لا تعرف الذكاء ، ان علامات الانتقال من مرحلة الراسمالية البربرية الى الراسمالية المتمدنة تتجلى حاليا في انحسار الفوارق بين العمل العضلي والعمل الذهني ، وانحسار الفوارق بين الريف والمدينة ، وانحسار الفوارق بين المرأة والرجل ، وتزايد الفوارق بين الشمال والجنوب ، وتزايدها بين الاغنياء والفقراء ، وارتفاع نسبة الوفيات في بلدان الجنوب مع زيادة نسب الولادات ، وتناقص معدل الوفيات في الشمال مع تناقص معدلات الولادة ، اضافة الى تزايد الهجرة المنظمة وغير المنظمة من الجنوب الى الشمال .

عولمة العوق :

الشكل الحالي للعولمة هو شكل راقي بالمقارنة مع الاشكال التي سبقته ومن ابرز ميزاته هو تكريس التقسيم العالمي للعمل هذا التقسيم غير العادل وغير الديمقراطي الذي يجعل من بلدان الاحتكار هي قوة الجذب والطرد الوحيدة السائدة في سوق العالم الذي لا يرحم من يريد الاعتماد على نفسه في عملية التنافس غير المتكافئة ، اما ان تكون تابعا او لا تكون ، ومن خرج من عنق الزجاجة وحاول حجز مكانا لائقا في هذا السوق تدور عليه الدوائر اما بعزله عن مصادر الطاقة او ملاعبته بشروط المنظمات الدولية التي ترسم حركة مال واعمال السوق العالمي ( منظمة التجارة العالمية ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ) والتي تنشط لتحجيم الاسواق الوطنية المنتجة لصالح الاحتكارات المتنفذة واسواقها .

ان تركز الزعامة الاحتكارية ( السياسية والعسكرية والاقتصادية ) بطرف واحد جعل التوازن بين تجاذبات اقطاب الاحتكارات يختل خاصة بعد غياب العدو المشترك سياسيا وعسكريا ( الاتحاد السوفياتي ) مما عجل ببروز انماط مكثفة تختزل المظاهر القديمة للامبريالية التقليدية بجوهر اكثر شمولية وكونية حيث اتسعت دائرة التبعية والتلقي مع تعمق وسهولة طرق الاتصال وتزايد الاقبال الانساني على الاستهلاك وهذا اتاح الامكانية الواسعة لهيمنة نمط واحد يحمل راية الحداثة بعقل احتكاري غير متوازن ، وهذا ما نطلق عليه اليوم تسمية أمركة العولمة الحديثة .
ومما لاشك فيه فأن هذه الامركة تواجه مصدات واستحقاقات لا تتعلق بالحداثة والجدة التي تتزين بها وانما تتعلق باستخداماتها وتوزيع فوائدها التي تأخذ منحى غير انساني اي غير عادل وغير ديمقراطي بالمعنى الشامل للكلمة فهي تحمل تناقضها الصارخ هذا حيثما حلت .
وبما ان اقطاب الاحتكار العالمي تواصل نضالها وفق قوانينها الخاصة التي ستصل الى تسويات حسب أليات عملها التجانسية والتنافسية مع القطب الذي يتفرد بقيادة دفة اتجاهات السوق العالمي فأن جزءا هاما من هذا النضال سينصب على استثمار نتائج الدورالتصادمي للقطب الاوحد وصراعه مع البلدان النامية الاولى والثانية والثالثة التي تحتوي ايضا على اكبر رصيد من مناجم الطاقة واسواق الاستهلاك والتي تخضع لاكبر عملية جر تتابعي بأثر رجعي يشهدها التاريخ البشري ، وهي ايضا في حراك وعراك من اجل التملص من الإطباق التبعي الذي يلوح به ترغيبا وترهيبا عليها لتكون طيعة في تقبلها لما يملى عليها من شروط قاسية تجسد عبودية الاطراف للمركز .

هذه الحالة اشعلت المزيد من التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية حول العالم وجعلته في اكثر الاوقات عرضة لكوارث الحروب الاستباقية والهيمنوية بالغة الكلفة في تدميرها البشري والمادي ، وساهمت باعطاء البلدان المعاقة في نموها جرعة مضاعفة ومزمنة من العوق الذي يشلها ويجعلها فريسة سهلة للنهش البربري الجديد ، ان دورة الاختناقات والانفراجات في علاقة مراكز الاحتكارات العالمية الناجزة ( امريكا وكندا ، الاتحاد الاوربي ،اليابان ) مع بعضها ومع غيرها من دول الاصطفافات الجديدة التي تحاول فرض نفسها كقوى ناهضة وباحثة عن دور تحت الشمس ( الصين ، الهند ، روسيا ، الارجنتين ، البرازيل ، وغيرها) اخذة بالتراكم وغالبا ما تؤدي الى اصطفاف هذه الكيانات مع الاقطاب الاخرى التي يبغضها التفرد الامريكي ، وما المواقف من قضايا المناخ معاهدة (كويتو) والمحكمة الجنائية الدولية ثم مشاكل التجارة الثنائية وتناقضات تنفيذ بنود التجارة العالمية الا عينات جزئية للصراع الذي سيستمر ويأخذ اشكال جديدة تكون محصلته منتجة للتعددية القطبية التي توفر الحد الادنى من التوازن المفقود ، وما تناقضات هذه الكتل وصراعاتها الظاهرة والمستترة الامخاضات للمعطى الجديد .

بلداننا العربية واعادة انتاج العوق :

بلداننا مصابة بعوق التشوه والاحادية والتبعية هذه الامراض باتت مزمنة منذ السيطرة الاستعمارية الاولى التي اعقبت اندحار الدولة العثمانية المريضة بداء العقم المشمول بتشخيصات مقدمة هذه الدراسة ، وقد ساهم الاحتلال المباشر ومن ثم غير المباشر في تشويه البنية الاقتصادية والاجتماعية عندما كرس شبه الاقطاع ( شيوخ العشائر والوجهاء من اعوانه ) كطبقة متحكمة بالشريان الاقتصادي الاهم ( الزراعي بمختلف اشكاله ) عندما تم تمليكهم الاراضي الزراعية المنتجة مقابل خضوعهم وتعاونهم معه لبسط سيطرته ، وقد اثر هذا تأثيرا سلبيا على الفلاحين الذين اصبحوا معرضين لنظام السخرة والعمل مقابل حصة لا تكاد تسد الرمق من المنتوج مما اضعف القوى المنتجة وجعلها في اسوء حالاتها وهذ ما اثر على كامل عملية دورة الانتاج المعتمدة اصلا على الزراعة ، خاصة وان تسرب اعداد كبيرة منهم نحو المدن قد خلق مشاكل جدية متنوعة استمرت تداعياتها الى زمن ليس بالبعيد،
وجرى ربط عجلة الاقتصاد العامة بالنشاط الاقتصادي للدول المستعمرة الذي جعل من بلداننا مصدر للخامات الزراعية والمعدنية وسوق لتصريف المنتجات الاستهلاكية ، ورغم ذلك ولان هناك ارضية خصبة للنمو فقد ازدهرت الطبقة الوسطى ( تجار، صناعيين وحرفيين ، مثقفين ) واجتهدت في سعيها لتجذير راسمالية محلية ذات حس وطني كانت ندا لسياسات المستعمرالذي اجتهد لتكوين رأسمالية محلية طفيلية غير منتجة وتابعة ( مستوردين ، وكلاء شركات ، سماسرة ، صناعة فندقية وعقارية ، شركات نقل ) ، لقد شدد المستعمر على الصناعة الاستخراجية التي تعود عليه بالربح وابتعد عن الصناعات التحويلية والصناعات الثقيلة التي تتطلب هياكل ارتكازية تساهم بتنمية البنية التحتية التي تعتبر اساس لاي نهضة قادمة ، وبعد تأصل الاستقلال السياسي بوصاية وبمعاهدات مجحفة كانت عائدات النفط قد ازدادت مما وفر امكانيات جديدة للاعمار والاستثمار الوطني وهذا ما لمسناه في العراق مثلا عام 1952 في انشاء مجلس الاعمار والذي ساهم في اقامة العديد من مشاريع البناء والطرق والجسور وسكك الحديد وبعض الصناعات التي تعتمد على مواد خام محلية ،
واستمر هذا الحال حتى قيام الانتفاضات المسلحة التي فجرتها تنظيمات الضباط الاحرار تحت شعار الاستقلال التام والتطهير من فساد الحكومات المرتبطة بمعاهدات شراكة مع المستعمرين ، وامثلتنا التطبيقية هنا ( ثورة 23 يوليو 1952 مصر ، ثورة 14 تموز 1958 العراق ) ، التي قامت بفعل مؤثرات عديدة من ابرزها الاستياء الداخلي ودور الحكومات العربية التابعة في خسارة جيوشها اثناء حرب فلسطين 1948 والدفع المعنوي ( الثوري ) للكتلة السوفيتية وانتصاراتها في الحرب العالمية الثانية والزخم الذي اعطته للشعوب المستعمرة للاستقلال وبناء مجتمع اشتراكي يعدل بين الناس ويهبهم كرامة العيش ، ورغم تراجع دور الطبقة الوسطى عن اخذ مداها التصاعدي وانقطاع نموها لتحل محلها راسمالية الدولة الوطنية التي حاولت ان تنجز الاستقلال الاقتصادي فتخبطت بتجريبية مكلفة ، ومما زاد الطين بلة التدخلات الفجة والادوار المعيقة للاحتكارات العالمية التي كانت بالمرصاد لاي تجاوز حقيقي للخطوط الحمر التي فرضتها على حركة الدول الاخرى ، فعندما ارادت مصر بناء السد العالي بمساعدة البنك الدولي رفض البنك تمويل المشروع بتحريض امريكي مما دفع بجمال عبد الناصر الى تاميم قناة السويس 1956 ، فحصل العدوان الثلاثي على مصر ، ولولا التدخل السوفياتي وقتها لكان للتدخل الاستعماري بعدا اكثر صرامة ، وعندما اصدر زعيم ثورة 14 تموز العراقية عبد الكريم قاسم قانون رقم 80 الذي يحدد مناطق امتياز تنقيب شركات النفط الاحتكارية بمساحة محددة لا تتجاوز 5% من مساحة العراق كي يفتح الباب امام شركات وطنية للتنقيب والاستخراج ، هذا القرار جعل الاحتكارات النفطية تفعل العجائب لاسقاط الجمهورية العراقية الاولى وفعلا بدات التحرشات الايرانية المدفوعة ، وجرى دعم تمردات بعض العشائر الكردية التي اندلعت في ايلول 1961 ضد قانون الاصلاح الزراعي ، ولم ينتهي دور الشركات النفطية الاحتكارية وتأمرها وتدخلها المباشر في شؤون العراق حتى بعد تأميمها عام 1972 ، حيث اخذ التدخل لاحقا مستوى وبعدا هو اكثر خطورة من السابق ، لدخول دولها بكامل ثقلها فيه ، وتحديدا بعد المنجزات النوعية للبلاد التي نهضت بشكل حاد مما اثار حفيظة الاحتكارات الدولية وربيبتها اسرائيل، وادى بالتالي الى التدخل المباشر بشؤونه ثم احتلاله عام 2003 لأستأصال جذوة التمرد الذي لا تطيقه هيمنة القطب الواحد والتنطلق منه نحو التحكم بمصادر الطاقة الاساسية عندما تجهز على الاحتياطيات الاخرى في ايران وعموم بلدان الخليج وغيرها حيث تعيد رسم خارطة الشرق الاوسط بما يضمن هيمنتها المطلقة بشراكة قاعدتها المتقدمة اسرائيل .
ان عملية الاعاقة هي حالة مركبة تتداخل بها تجربة النكوص الداخلي المتأثرة بالمحيط الخارجي المتفاعل مع الافرازات العولمية الضاغطة نحو وجهة واحدة هي وجهة الاستهلاك والتلقي .
هذا السرد يبرهن على صحة ماذهبنا اليه من ان العوق ، مسبب بتدخل عوامل النفوذ المهيمن للاحتكارات العالمية وسيدتها الحالية النافذة امريكا حيث تسلب حق المجتمعات الاخرى في اخذ مداها الطبيعي على طريق التطور والنمو، فهي تقطع سلسلة التراكم الاقتصادي التاريخي وتدخل عليه لتقسره نحو دائرتها الكبيرة ليكون حلقة ممطوطة بقيد كبير لا مفك منه الا بكسره .
والتعافي من العوق هو عملية نضال متداخلة لمعالجة التشوه المحلي ومقاومة التدخل القسري المفروض من حيتان الاحتكارات العالمية ومحاولاتها لتحجيم نمو البلدان الفتية وتشكيله بما يتماشى ومصالحها الانانية ، وما تفعله الصحوة الديمقراطية الشعبية في امريكا الاتينية ( شافيز فينزولا ، وايفو موراليس بوليفيا ، وغيرهما ) والمقاومة الباسلة في العراق ، وغيرها من الامثلة النضالية الملهمة للشعوب الاخرى الا تداعيات للرفض الشامل لنظام العولمة الامريكي المنبوذ والسائر الى زوال لارجعة فيه .



#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وطني ليس للأيجار
- الدولة التي فقدت ظلها
- تعلموا الديمقراطية من هنود امريكا اللاتينية
- خارطة طريق الدولة الكردية
- نهض نوبل منتصرا للمقهورين
- ذكاء خليل وغباء الحكيم
- بغداد اغنية تتقطر بها كل انغام البلاد
- الاعور
- الانتخابات العامة في العراق مذبحة سياسية بأمتياز
- سورية والعشاء الامريكي الاخير
- حركة التحرر الوطني العربية بين النهوض والسبات
- سمات العصر الراهن والاهداف الجديدة لقوى التغيير العالمي
- هل العراق بحاجة الى مواكب عزاء ام اعادة بناء
- ثنائية الاعصار
- هوامش في فنون الجدل والدجل
- الانظمة العربية بين التطبيع مع شعوبها واسرائيل
- ثلاثية -للمنتظر-
- كاترينا وين طمبورة وين ؟
- على الذهب الاسود تدور الدوائر
- يسار ولكن


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جمال محمد تقي - اعادة انتاج العوق جنحة العولمة الجديدة