أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن كعيد الدراجي - ذكريات قاصية .. ومرويّات لطفولة مبكرة














المزيد.....

ذكريات قاصية .. ومرويّات لطفولة مبكرة


حسن كعيد الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 6232 - 2019 / 5 / 17 - 23:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لم تعد ذاكرته تحتفظ بالكثير من مواقف الماضي واحداثه لتلك المرحلة الزمنية من حياته المتخمة بالتفاصيل والحيثيات ، مع ان الطفولة تترك اثرا عميقآ وبصمة غائرة لا تمحوها من حياته الايام ، خصوصا اذا عاش وترعرع في بيئة كبيئته القروية الجميلة ، تفيض كل لحضاتها روعة ودفئآ وجمالآ .
كانت قرية وادعة تغفو على ضفاف ذلك النهر ، تعانق غابات القصب والبردي ، فلقد كان نهر دجلة خلال رحلته الجغرافية المتموجة المسارات في سهول جنوب العراق إبّان الاربعينيات من القرن الماضي وما اعقبها ، فحافاته تكون عاجزة في اكثر من مكان عن إيقاف ثورة المياه التي طالما تدفقت دون سابق إنذار ، تاركة مجراها نحو المستنقعات والاهوار والمناطق المنخفضة الرطبة ، خصوصآ في فصل الربيع .
رغم ان ذكريات الطفولة تظل عالقة في البال حتى خاتمة العمر ، ولكن وعلى مايبدو ، فأن حافظة ذكرياته تكاد تكون خاوية المحتوى والمضمون ، فقد غادرتها الذكريات ، وتسربت منها الاحداث مع تراكم الاعوام والسنون ، ولم يتبقى منها سوى نزر طفيف ، لكنه مع قلّته فهو محفور في ذاكرته ، مع انه لم يفهم في حينه حيثيات الحوادث ، ولم يدرك كنهها ، ولم يهتدي الى تفسيرها وفك شفرتها الا بعد سنين ..
يروي في محطة ذكرياته الاولى ان جميع اهل القرية ، كبارهم وصغارهم ، يتجمعون في يوم محدد من ايام السنة ، قبالة بيوتهم المشيدة في اغلبها من مادة القصب والبردي ، حالها حال معظم قرى جنوب العراق المحاذية لمناطق الاهوار والمستنقعات ، في ذلك اليوم يتطوع البعض لجلب باقات من الحشائش والنبات الطبيعي الاخضر ، وربما بعضه من اوراق البردي الخضراء ، حيث يقومون بنشر تلك الحشائش فوق المنازل وعلى اعتاب ابوابها ، ثم يجولون بين البيوت ويطوفون حولها طارقين على ابوابها بالعصي ، مرددين : ( إطلع يا صفر ، إطلع ياصفر ) ، كما ينادي بعضهم بلغة متفائلة جازمة على حصول الحدث : ( طلع صفر ، طلع صفر ، طلع صفر ) ، وكأن الجميع يحاولون إخراج شخصآ ما مختبئآ داخل البيوت وقتها لم يدرك من هو هذا ( الصفر ) الذي يحرص الجميع على ابعاده من بيوت القرية ، لكن معرفته تحققت متأخرة ، حين انتهى الى مسامعه أن ( صفر ) هو الشهر الثاني من شهور السنة القمرية ، وان بعض المسلمين يكنّّون له كرها خاصآ ،أستنادا الى احاديث نبوية وروايات تاريخية يعتقدون بصحتها ، فيصفون هذا الشهر بشهر النحس والشؤم ، ولهذا فهم يحتفلون في أواخر ايامه ليعجلوا بطرده ومغادرة ايامه ،لكن فريق آخر من المسلمين يقف بالضد من رأي الفريق الاول ، واصفين حججهم بالواهية ، واحاديثم بالضعيفة او الموضوعة ، والتي ما انزل الله بها من سلطان ، كما يقولون ، لذا فأن هذا الفريق يعتبر شهر صفر كبقية الشهور ، لا يجلب نحسآ ولا يحقق خيرآ ...
في المحطة الاخرى التي لا زالت ذكراها تبهر بصره ، بل وتسترعي جميع حواسه ، ففي اربعينيات القرن الماضي ، كان كبقية صبيان القرية ، يترقبون زائرآ خفيف الظل ، شخصآ كوميديآ يمثل لهم مشاهد هزلية ساخرة ، يزورهم ليوم واحد في السنة ، ويبعث في نفوسهم السعادة ، بمسرحية كوميدية ، بطلها ممثل واحد يمثل شخصية ( عمير ) ، وجمهورها جميع اهل القرية وخصوصآ الاطفال والصبيان .. يقول : فعلآ لقد وصل هذا اليوم الى قريتنا من احد القرى المجاورة ، وربما من نفس القرية ، اذا انه كان متنكرآ ويصعب التعرف على شخصيته ، شخصآ يرتدي زيآ نسائيآ ساخرآ يلفت النظر ، بألوانه المزركشة ، يضع اصباغا على وجهه ،وبلحية مصطنعة ، يسير بحركات بهلوانية مضحكة ، يميل الى الهرولة في مشيته ، وهو يردد : ( عمير , عمير ، عمير ) ، وخلفه يهرول الصبية والنساء ، وهم يرددون ايضآ : ( عمير ، عمير ، عمير ) ويقذفونه بالقشور وبكل ما تقع عليه ايديهم ، فتراه يولي هاربآ تارة ، ويعود تارة اخرى ليؤدي بعض حركاته الساخرة وسط ضحكات الكبار وقهقهات الصبيان ، وبعضهم تمتد يده الى مؤخرة بطل المسرحية يلامسها من اجل ان تكتمل عندهم فصول هذه السخرية والهزل .. نساء يرددن اهازيج ساخرة بلهجتهن الجنوبية القروية : ( شكينا بطنك يا عمر بالمنجل ...بيوم تاسع من ربيع الاول ) ..شكينا = في لهجة الجنوب : فتحنا او مزقنا وبقرنا ، والمعنى العام : مزقنا بطنك يا عمر في اليوم التاسع من شهر ربيع الاول ، وآخرون يصفقون خلفه مرددين : ((( هذا عمير يلتردنه حطنه بجيحه و ( .....) ))) ، المفردات : حطنه = حط اي وضع في مكان . جيحه = مستنقع آسن او بركة مياه راكده . ( ..... ) = الفعل الجنسي . المعنى العام : من تحب عمر وتريده عليها ان تضعه في مستنقع آسن وتعمل معه الفعل الجنسي، اي هي من تكون ( الفاعل ) في هذه العملية ..وهناك اهازيج كثيرة تقال في هذه المناسبة ..
لم يفهم آنذاك ماذا تعني هذه الاهزوجات ،وهذه الالغاز ، وما سر ذلك الزائر والممثل الساخر ، الا بعد مضي سنوات ليست بالقليلة ، حينها علم ان هذه المناسبة تسمى بلهجة الريف ( فرحة الزهره ) والزهرة هي السيدة فاطمة الزهراء ، وان الشخصية الكوميدية هي الخليفة الراشدي الثاني ( عمر بن الخطاب ) .
واليوم وبعد مرور اكثر من سبعين سنة ، يتسائل ، هل لا زال لتلك الممارسات الكوميدية من وجود على ارض الواقع ؟ ام انها باقية ، ولكن تغير شكل الاداء فقط ؟ ام انها انقرضت واصبحت في ذمة التاريخ ، وهذا ما يأمله ويتمناه ....



#حسن_كعيد_الدراجي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاماكن الاسلامية المقدسة ...وما فعله القرامطة ..
- إدعاء يفتقر الى دليل .
- العمائم .. أم الهامات التي تحملها .
- خطاب بلغة سومر ولهجة أكد ..
- الخطاب الدبلوماسي .. و مجافاة الحقيقة .
- نفاق اليوم .. و الكيل بمكيالين
- عشتار ومواكب الاحزان ..
- المرّة اليتيمة..
- قانون منع المشروبات الروحية .. والانتخابات البرلمانية .
- اوراق مسافر( 4)...ثلاث محطات كردستانية ..ورابعة في مدخل بغدا ...
- اوراق مسافر( 3 )...ثلاث محطات كردستانية ...ورابعة في مدخل بغ ...
- اوراق مسافر(2 )...ثلاث محطات كردستانية ..ورابعة في مدخل بغدا ...
- اوراق مسافر( 1)...ثلاث محطات كردستانية ..ورابعة في مدخل بغدا ...
- خمس عمليات ليزرية
- الادعية المزيفة


المزيد.....




- التعرّق في المطارات قد يُطلق أجهزة الإنذار الأمنية.. تعرّف إ ...
- -مملة للغاية-.. شاهد رد فعل ترامب حول سبب اهتمام الناس بقضية ...
- ترامب يعلن عن استثمارات ضخمة لدعم الذكاء الاصطناعي والطاقة ف ...
- ما صواريخ جاسم؟ وهل سيرسلها ترامب إلى أوكرانيا؟
- بعد تصريحات ترامب والسيسي.. هل يشهد ملف -سد النهضة- انفراجة؟ ...
- القناة 13 الإسرائيلية تكشف -مسودة اتفاق غزة- الجديد والمؤقت ...
- رئيس إنفيديا: الذكاء الاصطناعي الصيني -محفز للتقدم العالمي- ...
- روسيا تدمر 8 مسيرات أوكرانية وتقصف مدنا أوكرانية بالمسيرات
- إيران تحتجز ناقلة نفط أجنبية بسبب تهريب مليوني لتر من الوقود ...
- سوريا.. تعبير السعودية عن -ارتياحها- وتعليق وئام وهاب يثير ت ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن كعيد الدراجي - ذكريات قاصية .. ومرويّات لطفولة مبكرة