|
خمس عمليات ليزرية
حسن كعيد الدراجي
الحوار المتمدن-العدد: 5226 - 2016 / 7 / 17 - 04:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يبدو ان مساحة ( الموروث الديني ) تزدحم تماما بالعديد من الوقائع والاحداث التاريخية ، والتي تتقاطع مع جملة من المسلّمات العلقية والمفاهيم الانسانية . ولتسويغ هذه الحوادث الهلامية والاساطير الخيالية ، وجعلها في منأى من النقد ، وبعيدا عن اجواء التفكير السليم ، الحر ، عمدت ( المنظومة الدينية ) عبر تاريخها التسلطي الطويل على تكريسها وشرعنتها ، حيث هيأت لها اغطية مقدسة ، وأقامت لها جدران شاهقة صلدة كي تقيها من عواصف التشكيك والتفكيك ، وتحميها من سلطة العقل النقدي . ويجدر بنا ان نميّز بين مفهومين مختلفين من ( الموروث الديني ) : اولهما يشكل الجزء المتعلّق ب ( الموروث الثقافي ) للامة ، وهو الجانب الايجابي المتخلّص نسبيا من ربقة الاديان ، وتسلطها .. وثانيهما : هو المفهوم السلبي ( للموروث الديني ) أي كل ما تحمله العقلية الجمعية في البلدان الاسلامية المحكومة بسلطة الهيمنة والوصاية ، والتسلط ، والداعية الى الانتصار للهوية الاسلامية دون النظر الى الاشكالات التي يفرزها عصر الحداثة ، وهذا هو مدار بحثنا . وقد استطاع هذا النمط من ( الموروث الديني ) من منح نفسه حق ( الفيتو ) على رؤى الاخرين وتفكيرهم من خلال انحيازه لمفهوم ( القدرة الربانيّة ) التي لا تحتاج الى اقامة الدليل ، او أتيان البرهان ، كما لا يمكن مناقشة مدخلاتها ، ولا يسمح بالاعتراض على مخرجاتها ، او التشكيك بصدقيتها ، او التحرش بمضامينها ومتبنياتها ، كونها تقع خارج دائرة الشك ، وداخل مركز اليقين ، فهي نتاج رحم ( منظومة القدرة الخارقة المقدسة ) ، ويلتحق بهذا النمط الموروثي باب آخر من الابواب ، هو باب ( الكرامات ) التي وهبت ( للقديسين والانبياء والصالحين والكهنة العباد ) وبذات الطريقة عينها ، وهذه تكتسب مزاياها ووجاهتها ، ومشروعية قدسيتها من المنظومة الاولى ( القدرة الربانية ) ،ويعتبر المساس بها جزءا من الاستهانة ب ( القدرة العظيمة المقدسة ) . يرى بعض المفكرين ان الثقافة البشرية مرت بعدة مراحل خلال فترة تطورها ، ومن تلك المراحل : مرحلة ( طفولة الثقافة ) حيث كان الدين هو الممثل الحقيقي لتلك المرحلة ، كان الدين يشبه الى حد كبير افلام الدى المتحركة ، وشخوص افلام الكارتون والخيال ، كالنملة التي تحدث باقي النمل ... ( يا ايها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) ، او الحجرة التي تخبر المسلم بمكان اليهودي .... ورد في الحديث النبوي : ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ‘، حتى يختبيء اليهودي وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ) ، اوالعصا التي تضرب حجرا ... ( فقلنا أضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) ، او العرش الملكي الذي غاب تحت ارض اليمن حتى نبع عند كرسي سليمان في أورشليم ....( قال عفريت من الجن انا ائتيك به قبل ان تقوم من مقامك ) ...وتترى القصص ، وتزداد وقائع الاساطير في مجال المعجزات والكرامات .. والذي يهمنا اليوم من كل هذا ، هو الخوض في واحدة من تلك الحوادث ، هي حادثة ( شقّ الصدر ) التي ورت في كتب الحديث والسيرة ، والتي تمثل بمضمونها ( عمليات جراحة القلب ) التي اجرتها الملائكة للنبي الكريم محمد ، وهي تشبه الى حد كبير العمليات الجراحية الليزرية التي تجرى اليوم في المستشفيات الحديثة ، وتكررت عمليات ( شق الصدر ) خمس مرات : الاولى في بادية بني سعد ، يوم كان عمر محمد ثلاث سنوات ، والثانية يوم كان عمره عشر سنين وأشهر ، والثالثة يوم كان ابن عشرين سنة ، والرابعة عند نزول الوحي ، والخامسة عند حادثة الاسراء والمعراج ، ولنخوض في تفاصيل عملية ( شقّ الصدر ) من خلال ما أورده اصحاب السيرة والمورخون .العملية الاولى : خلاصة العملية الجراحية الالهية على ما هو مذكور في سيرة ابن هشام ، ان محمدا عندما كان في بادية بني سعد عند مرضعته حليمة السعدية بنت عبد الله بن الحارث وهو في الثالثة من العمر مع احد ابناء حليمة السعدية يرعون الاغنام ، جاء ابن مرضعته جاريا نحوامه وابيه ، فقال لهما : ذاك القريشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقّا بطنه ، فخرجت امه وابوه نحوه فوجداه قائما منتقع وجهه فقالا له : ما لك يا بني ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملؤة ثلجا ، فأضجعاني وشقا بطني واستخرجا قلبي فشقاه واستخرجا منه علقة سوداء وأخرجاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى نقياه . اما العملية الجراحية الثانية ، فقد جاء عن النبي الكريم انه قال : جا فيّ رجلان فقال احدهما لصاحبه اضجعه ، فأضجعني ، ثم شقا بطني ، فكان احدهما يختلف بالماء في طشت من ذهب والآخر يغسل جوفي ، ثم شق قلبي فقال : اخرج الغل والحسد منه ، فأخرج منه العلقة ، فأدخل شيئا كهيئة الفضة ، ثم استخرج ذرورا كان معه فذره عليه . اما الجراحة الثالثة : عن ابي هريرة انه قال : يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ قال : اني لفي صحراء ابن عشرين سنة اذ بكلام فوق رأسي وأذا برجل يقول لرجل أهو هو فاستقبلاني بوجوه لم ارها لخلق قط ، وثياب لم ارها على احد قط ، ثم اضجعاني ، فقال احدهما لصاحبه أفلق صدره ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : اخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كهيئة العلقة ، ثم قال له : ادخل الرأفة والرحمة .. اما العملية الجراحية الرابعة فقد حصلت في البعثة او عند ابتداء الوحي ، وتفاصيلها : روي عن النبي الكريم انه قال : جاءني جبريل وميكائيل ، فأخذني جبريل وألقاني لحلاوة القفا ( حلاوة القفا وسطه ) ثم شقّ عن قلبي فاستخرجه ، ثم استخرج ما شاء ان يستخرج ثم غسله في طست من ماء زمزم ، ثم أعاده مكانه ، ثم لأمه ، ثم كفاني كما يكفى الاناء ، ثم ختم في ظهري ..أما العملية الجراحية الخامسة فقد جرت في ليلة الاسراء والمعراج ، وفيها ان محمدا اتاه جبريل وميكائيل ومعهما ملك اخر ، وهومضطجع في المسجد في الحجر بين عمه حمزة وابن عمه جعفر ، فقال احدهما : خذوا سيد القوم الاوسط بين الرجلين فاحتملوه حتى جاؤوا به زمزم فاستلقوه على ظهره ، فتولاه منهم جبريل فشقّ من ثغر نحره الى اسفل بطنه ، ثم قال جبريل لميكائيل : ائتني بطست من ماء زمزم كي اطهر قلبه واشرح صدره ، فاستخرج قلبه فشقّه فغسله ثلاث مرات ونزع ما كان فيه من آذى ، واختلف اليه ميكائيل ثلاث طسات من ماء زمزم ثم اتى بطست من ذهب ممتليء حكمة وايمانا ثم اطبقه ثم ختم بين كتفيه بخاتم النبوة ...لا نريد الخوض في تناقضات وتفاصيل رواية حادثة ( شقّ الصدر ) ولا نبحث في حيثيات واشكالات التباينات الواردة فيها ، فقط نطرح بعض التسا ؤلات النقاشية : 1/ لماذا الاحتكام الى التدخل الجراحي ، دون استخدام مبدأ ( كن فيكن ).. 2 / بما ان خيار النبوة جاء منذ الولادة فلماذا لم يصار الى خلق قلب مليء بالحكمة والخير والايمان . 3 / الاصل في العملية ( جراحة القلب ) وموقع القلب في اعلى الصدر ، فما الحكمة من شقّ يبدأ من ثغر النحر ولا ينتهي الا عند العانة . 4 / لماذا لا تجرى مثل هذه العملية لبقية الانبياء كي يتخلصوا من العلقة السوداء مركز الغل والحسد والكراهية ، ام ان العلقة السوداء غير موجودة بالاساس في قلوبهم . 5 / هل ان مصدر الشر والحسد والكراهية في هذه لغدة او العلقة الالسوداء ، والتي يحتاج التخلّص منها الى اجراء عملية جراحية ؟ وهل يعني ان من يجري هذه العملية يتحول الى انسان محب للخير ، مؤمنا ، ورعا ، سويا ..6 / ما السر من وراء تكرار العملية خمس مرات ؟ هل ان من قام بها ليس بارعا او حاذقا ؟ ام انه غدة سرطانية تستأصل ثم تعود ..........المصادر : سيرة ابن هشام . السيرة الحلبية .. الشخصية المحمدية .
#حسن_كعيد_الدراجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الادعية المزيفة
المزيد.....
-
بعد إبعاد عمر بن لادن من فرنسا.. اين هم أبناء زعيم القاعدة ا
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تقصف أهدافا في الجولان وإيلات ب
...
-
المقاومة الإسلامية بلبنان تستهدف بالصواريخ تجمعاً لجنود العد
...
-
إطلاق نار على مدرسة يهودية في تورنتو الكندية
-
رقيبة في الشرطة الأسترالية تؤدي التحية النازية وقائدها يعتذر
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن استهداف تجمع لجنود الإحتلال
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن قصف مربض العدو في معيليا بص
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن مهاجمة هدفين في إيلات جن
...
-
-عرق متوهم-.. كيف أرخ شلومو زند لتاريخ -كراهية اليهود-؟
-
قوات أمريكية تنفذ ضربات في سوريا مستهدفة مواقع لتنظيم -الدول
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|