أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف حمك - بياض لبن الضأن ، و مذاقه !














المزيد.....

بياض لبن الضأن ، و مذاقه !


يوسف حمك

الحوار المتمدن-العدد: 6173 - 2019 / 3 / 15 - 12:54
المحور: الادب والفن
    


في منتصف معبر سيمالكا الحدوديِّ من الجهة الشرقية لنهر دجلة ، يتنفس مطعمٌ متواضعٌ من رئة ضفته الخضراء .
مفتوحٌ بابه على مصراعيه لاستقبال البطون الخاوية ، و ربما الكروش الملأى لاحتساء صنوف الشراب ، أو أخذ قسطٍ يسيرٍ من الاسترخاء بعد إرهاق سفرٍ طويلٍ .

أوشك النهار أن يبلغ شطره الأول بعد انتظارٍ أصيب بداء التذمر من وطأة الملل .
هاجني الطوى ، و تضور بطني جوعاً . دخلت المطعم من بابه العريض ، انضممت لحشد المسغبين متسللاً بين موائد الطعام ، بصحبة سائق السيارة ، و الوافد إلينا من الضفة الغربية للنهر .

بعد انتقاء مائدةٍ مواجهةٍ للباب . أقبل إلينا النادل بقامته الطويلة اللحيمة .
شابٌ في مقتبل العمر ، مكتنز العضلات ، متناسق القوام ، قمحي البشرة ، عيناه واسعتان سوداوان ، مستدير الوجه ، تنيره بسمةٌ وديعةٌ ، تعبر عن طيبةٍ و بساطةٍ ، نبيل الملامح و السلوك .
و ذقنٌ تغطيه سكسوكةٌ خفيفةٌ ، يعلوها شاربٌ يمد سباليه للأسفل ليلامساها من الجانبين . إنه ( مهند سليفاني الزاخوي )

بادرنا بتسمية مأكولاته تباعاً . و ما أن ذكر ( لبن الغنم ) ، توقف انتباهي عنده ، و طمره تشويشٌ حادٌ عن أسماء كل المأكولات . لم يعلق بذاكرتي سوى ( لبن الغنم ) .
أما صاحباي فقد راق لهما مذاق ( العسل بالقيمر ) .
مع أن وجبة الظهيرة هي الرئيسة ، إلا أننا تحاشينا اللحوم و أطباق مقبلاتها و سلطاتها .

انجازٌ كبيرٌ حققته شهيتي حين تأكيدها أن اللبن مفروزٌ من ضرع النعاج الوديعة ، لا الماعز المشاغبة ، أو الأبقار الهجينة .
لبنٌ ( دهوكيٌّ ) مدمن البياض ، نصوعه يفوق الثلج بياضاً ، كما آح البيض و زلاله .

ارتعشت معدتي ، و ارتجت شغفاً بالعثور على ضالتها المفقودة منذ زمنٍ ليس بالقليل ، و كادت أن تأكل نفسها ، قبل البدء بالتهام ما بداخل الصحن من لبن الضأن الخالص ( لا المغشوش ) .
و تقمصت بطعمه إلى حد التماهي ، حتى غدت مصبوغةً ببياضه .
تلذذت بطعمه المستساغ ، و مذاقه المستطاب ، و استعذبت بنكهةٍ فريدةٍ ، لا شبيه لها و لا توءم .

مع أن نفسي عزيزةٌ أبيةٌ ، عصيةٌ على الكثير من الشائنات ، إلا أنها تتخاذل ، و ترفع راية الاستسلام ، فتسيل لعاباً ولوعاً فور رؤية لمعان بياضه .

سألت النادل ( مهند ) : عن مصدر صناعة هذا اللبن المغنج الدلوع . فأجاب مازحاً ملاطفاً بلهجته الزاخوية السلسة : إنه سرٌ لا نبوح به لأحدٍ قط .
مع أنه لايملك وقتاً للحديث ، و الخوض في تفاصيله لضيق وقته .
لكنه في هنيهات الفراغ ، لا يختفي عن الأنظار . بل يتوكأ على الحائط بظهره مستنداً على رجله الأيسر ، ملتوياً الآخر . و يمرر نظرته على كامل محتويات القاعة دفعةً واحدةً .
و لا أعتقد أنه خريج إحدى المؤسسات الرائدة في مجال المطاعم . لكنه خبيرٌ بخبايا عمله .

أودعناه عقب الاندماج و الألفة . فخرجنا بعد أن جثم بياض اللبن سحره على معدتي ، و سرق ثلثي شهيتها ، و جعل الثلث الآخر ملدوغاً مسحوراً بطعمه السائغ المريء .

ذاك البياض يذكرني كل يومٍ برحلتي ، و يلعب بمخيلتي لاقتنص فرصةً أخرى ، كي أزور المعبر ، و أدخل ذاك المطعم ، لأعاود تناول اللبن الذي في حضرته تتجنب معدتي المشاوي .
و لأن غلو البياض يعني الأصالة و الرصانة و سمو المنزلة ، فبلمعانه تهجر شهيتي المحاشي .

إنه لبنٌ رفيع المقام ، شاهقٌ في علوه ، و نموذجٌ رائعٌ يجب أن يحتذى ببياضه كل أصناف الألبان .



#يوسف_حمك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة ضحية الرجل ، و صمتها معاً .
- حينما يتغير مسار الكلمات .
- ترويض الفكر ضرورةٌ ، لبناء مجتمعٍ آمنٍ .
- يبيع كلامه ، لكنه لا يأخذ أجره .
- في قلوبنا أطيافٌ تضيء أرواحنا .
- و للعشاق ساعاتٌ مرخصةٌ للإعلان عن حبهم .
- ماتت المعارضة العفيفة ، مثلما مات إله نيتشه .
- حقيقة الإنسان في عالم الوهم .
- الكلمة الموحية تبحث عن مستقرٍ لها .
- ما أتعس القلم التابع !!
- لا تُحرِّم لغيرك ما تحلله لنفسك .
- للحنين وحدي جحفلٌ جرارٌ .
- أحلامٌ من الألم عاقرةٌ .
- يحق للعامل أجرٌ في العمل الإضافيِّ .
- همسة الحب نقيةٌ ، كبراءة طفلٍ .
- عدوى الفشل و الإحباط ينتقل من عامٍ إلى آخر .
- صناعة القرار لنا خطٌ أحمرٌ .
- حقوق الإنسان أكبر كذبةٍ يروجونها .
- الأنانية المفرطة تفتك المجتمع ، و تفتت الوطن .
- هروبٌ إلى ضفة الموت .


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف حمك - بياض لبن الضأن ، و مذاقه !