أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الخامس 4














المزيد.....

خجي وسيامند: الفصل الخامس 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5965 - 2018 / 8 / 16 - 21:58
المحور: الادب والفن
    


" اسمع! رأسي يطن بالأفكار الملحة، ولن يهدئه سوى الشراب "
قالت له بصوتٍ ما يزال متأثراً بجملة التفكّه، المنقضية. نظرَ الشابُ تلقائياً إلى رأسها الأشقر، المنعكس عليه ضوءُ القمر كما ونورُ مصباح مدخل العمارة.
" لديّ بوفيه صغير.. "، ابتدأ يجيبها وهوَ يهمّ بالتحرك من جديد. ولكنها قاطعته، ممسكة معصمه القويّ: " بل أحتاجُ إلى بار، لقضاء ساعة لا أكثر ". ثم أردفت وقد فارقت نبرتها لذعة التفكّه " أعرفُ مكاناً هادئاً، يقع بالقرب من مسكني "
" مكاناً هادئاً، قلتِ؟ "، تساءل بدَوره في شيء من السخرية. وكانت في سبيلها للرد، حينَ شُل لسانها بغتة. شدّت يدها على معصمه، بحركة رعب هذه المرة: من البقعة الغارقة في عتمة بهيمة، هنالك على طرف مدخل العمارة، تناهض ببطء مخلوقٌ مسودّ شبيهٌ بكتلة العتمة نفسها، وما لبث أن انتصبَ بكل قامته العملاقة.
" هلمِ بنا إلى ذلك المكان، الهادئ! "، خاطبها عن قرب مهتزّ الصوت بنوع من الحنق. وكان قد كلّمَ منفرداً بوابَ العمارة ذاك، العملاق القاتم اللون، الذي أرعبت هيأته السيّدة الأجنبية. حُبيَ منظرُ الشاب، مثلما لهجته سواءً بسواء، باهتمام السيّدة. فإنها المرة الأولى تقريباً، تراه متكّدرَ المزاج وأقرب إلى الغضب. نظرت في ساعتها الصغيرة، وكان عقربها يقترب حثيثاً من الواحدة. فكّرت عندئذٍ في أخذ سيارة أجرة، للعودة وحدها إلى المسكن.
" أنظري، ثمة عربة كوتشي واقفة في نهاية الدرب وبالوسع أن نستقلها إلى المكان المقصود "، جاءها صوته مبهماً كشبحه السابح في الظلام. كان يتقدمها بعدة خطوات، فما لبثت أن لحقته بقدمَيّ امرئ يولي الأدبار. تعهّد صديقها أيضاً وشوشة الحوذيّ على انفراد، وما هيَ إلا دقيقة وكانت العربة قد تحركت مع جلبة حوافر فرسيها وحديد عجلاتها الأربع. خلال الطريق، التفتَ الحوذيّ العجوز إليهما عدة مرات. " تينا "، سبقَ لها ركوب الكوتشي ليلاً مع مَن تدعوه، " عبد "، وفي التالي، أدركت الآنَ معنى حركات العجوز. فلما أفضت بذلك لصديقها الشاب، فإن هذا علق بالقول مدمدماً: " إنه يخشى أن أكون خدعته، حينَ رفضتُ عرضه بأخذنا إلى منطقة خالية مقابل مضاعفة الأجرة "
" آه، هكذا المسألة إذاً! "، قالتها ضاحكة دون كدر. ثم أضافت وهيَ تحدق في وحشة الليل، المنسدل على المناظر المتعاقبة إلى اليمين من مجلسها " ولعل ذلك البواب العملاق، المرعب، قدم لك عرضاً شبيهاً؟ ". زم الشاب فمه لحظة، مأخوذاً ربما بقوة ملاحظتها، قبل أن يومئ برأسه: " بلى.. "، أجاب في اقتضاب.
" ولكن لِمَ علينا العودة أدراجنا، وثمة العديد من البارات بالقرب من مسكني؟ "، تابع من ثمّ مدمدماً وكأنما يخاطب داخله. لم تجبه فوراً، بل راحت تواصل التغلغل ببصرها في الغلسة، المخترَقة ببصيص بعض السيارات العابرة. ثم دارت العربة أخيراً على نفسها، لتقطع شارع " محمد الخامس " إلى جهته اليسرى ولتتوغل في الدرب الضيّق، المؤدي إلى الجهة المقصودة. ضجة الموسيقى، تصاعدت في الوهلة التالية، يحملها النسيم المعتدل، المفعم بروائح عطور نسائية نافذة.
" أرجوك، يا صغيري، لا داعي للغضب..! "، قالت له وهيَ تضمه رأس في مودة إلى صدرها. ولم يكن ليكتب النجاح لحركتها الحانية، لولا أن الشاب كان قد انزلق قبلها من العربة بطوله الفارع. ولجا البارَ من مدخله المرصّع بقطع الكريستال، المذكّر المرء بباب حلم من الأحلام. كل شيء في الداخل يلفه الصخب؛ الموسيقى الغربية، الغناء باللهجة المحلية، والرقص المختلط. أشارَ لهما النادل إلى منضدة فارغة، وعيناه تلمعان ببريق الطمع وسط العتمة المعربدة.
" لقد كنتُ محقة باقتراحي، على ما أعتقد. عبثاً كنتَ ستعرّض سمعتك للأقاويل السيئة في عمارة مشبوهة، يقوم على حراستها عبدٌ أشبه بخصي الحريم! "، استأنفت كلامها بطريقة الصراخ تقريباً بالنظر للموسيقى المصمّة. بادلها ابتسامة ساخرة، بالكاد فضحت معالمَها العتمةُ. على أنها لحظت ذلك، وسرعان ما أوّلته إلى انطباعات سالفة ذكرها " عبد الإله " في معرض تشنيعه على الشاب. هذا الأخير، التزمَ الصمتَ في خلال الساعة المبتسرة، التي قضياها في البار. إلا في مناسبة وحيدة، تواشجت مع مرور إحداهن مترنحة الخطى من أمام منضدتهما، المضاءة بنور خافت يندلق من السقف.
" آه، كأنني أعرفُ هذه المرأة؟ "، تمتمت شفاهه على الأثر. كذلك قرأت " تينا " حركة شفاه صديقها، لتنتقل من ثم إلى محاولة قراءة فكره. المرأة، كانت حسناء في الثلاثين أو أزيد قليلاً، شعرها مصبوغ بصفرة شديدة توائم لون بشرتها. وكانت ترتدي فستاناً أحمر اللون من نسيج براق، قصيراً للغاية وبلا أكمام. فجأة، وعلى حين غرة، سطعت في الظلمة صورةُ الطفلة ـ كما يتراءى لمسلم ورعٍ طيفُ وليّه، الهائم بعيداً عن ضريح يعلوه قبة صغيرة ومحروس من لدن شجرة توت مباركة، متوحّدة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 3
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 2
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 1
- خجي وسيامند: بقية الفصل الرابع
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 3
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 2
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 1
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 5
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 4
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 3
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 2
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 1
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 5
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 4
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 3
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 2
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 1
- خجي وسيامند: بقية الفصل الأول
- خجي وسيامند: الفصل الأول 3
- خجي وسيامند: الفصل الأول 2


المزيد.....




- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...
- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة
- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الخامس 4