|
خجي وسيامند: الفصل الثالث 5
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5953 - 2018 / 8 / 4 - 23:29
المحور:
الادب والفن
سوى أنّ مَن تدعوه السيّدة السويدية، " عبد "، أستطاع أخيراً انتزاع نفسه من الكنبة، بغيَة تلقي تحيات القادمين. كان ما ينفكّ يزدرد ريقه، فيما الصورة المثيرة لكنّة الدار تجول قدّام عينيه المشدوهتين. على ذلك، لم يتسنّ له ملاحظة ما اعترى ملامح رفيقته آنَ سماعها اسم " سيامند ". إلا أنه أفاق رويداً من الغفوة الطارئة، على أثر انقشاع الغلالة الحمراء عن مجال نظره، ليدوّر ذلك الاسم الأليف في رأسه. عندئذ حسب، انتبه إلى علامات الذهول في سحنة " تينا " ومبعثها. " سيامند؟ يا لها من مصادفة سعيدة! "، قالها بالفرنسية وهوَ يصافح الشاب بقوة. واستمرَّ بنفس اللغة، متوجّهاً لرفيقة السفر في هذه المرة " أخالُ أننا بحاجة إلى روائيّ غرائبيّ، من طراز كافكا، ليرتق نسيجَ هذه الحبكة شبه السحرية ". لم يفته النظرات المتسائلة، المعقّبة فذلكته، وكان يهمّ بإجابتها حينَ تصدّت كنّة الدار لمخاطبة حماتها: " كنا بصدد الصعود إلى صغيرتنا، عندما حضرتم " " سأذهبُ لجلب خدّوج، حالاً "، بادرت سَميّةُ الصغيرةِ إلى الرد وهيَ تتحرك من مجلسها بالقرب من الأم. في الأثناء، كانت هذه الأخيرة ترمقُ الضيفة بنظرة ثابتة فيها نوعٌ من رجاء، من ذعرٍ خفيّ لا يكاد يُدرك. في حقيقة الحال، أنّ الارتباك كان مهيمناً على كلّ من وجدوا أنفسهم في هذا المساء الربيعيّ الحار تحت سقف صالة الفيللا.. على الكل، بما فيهم " غزلان " الأكثر خفة ولا مبالاة. رانَ الصمتُ على أثر خروج " خدّوج "، اللهم إلا من ضجيج العربات في الشارع الرئيس، المقتحم نافذة الصالة المُشرعة للنسيم والهوام. الجو المفعم بالحَرَج، الذي وجدت " تينا " نفسها فيه دونَ تفسيرٍ مُقنع، أتاحَ لعينيها فرصة التجوّل بحرية بين موجودات حجرة الاستقبال. الحجرة، كانت مقسومة إلى صالتين يفصل بينهما ممر مفتوح يُفضي إلى باب مزجج يبدو أنه يؤدي بدَوره إلى حديقة الدار الخلفية. الصالة الرئيسة، أين تجلس هي مع الآخرين، كانت مؤثثة على الطراز الحديث. فيما الأخرى، والتي ستعرفُ هيَ لاحقاً أنها أضحت صالة سفرة، كان يحتل جلّ أركانها ديوانٌ مغربيّ، ثلاثيّ القطع. عمارة وزخرفة وتأثيثُ كلتا الصالتين، كان يدل على دقة الصنعة ورهافة الذوق. سببٌ آخر، أكثر واقعية، كان وراء هروب عينيّ الضيفة، الموصوف: " سيامند "، المنبثق فجأة وعلى حين غرّة مثل جنيّ القمقم، المحبوس ألف عام، في أساطير ألف ليلة وليلة. ما كانت قد رأت صورة له من قبل، إلا أنها تخيّلت هيئته على شبهٍ بأخيه الراحل. أدهشها كذلك التماثل في المسلك بينهما ( وهوَ ما سيتاح لها ملاحظته لاحقاً بالطبع )؛ طبيعتهما البسيطة في التعاطي مع الآخرين بلا غلو في العاطفة أو مبالغة في الحساسية، علاوة على الترفّع عن صغائر الأمور. هذا مع أنّ " سيامند " يتصف ببعض التعالي، وربما أيضاً الإسراف في الثقة بالنفس. الجو المشحون بالحرج والارتباك، تبدد في آخر المطاف مع ظهور الطفلة وبيَدها العروس " باربي "، المجلوبة من السويد. قادتها سَميّتها من يدها الأخرى إلى موقف الضيفة، طالبةً منها بالفرنسية أن تشكرها. على أنّ " تينا " احتضنتها بحنو، وبقيت محتفظة بها لدقيقة فيما ذهنها ينأى بعيداً. فلما انتبهت لنفسها، مُطلقةً سراحَ الطفلة، فإنها ما لبثت أن تأملتها عن بُعد تاركةً لذهنها، في هذه المرة، مهمّة المقارنة بينها وبين العمّ الشاب. الشبه الواضح في ملامحهما، خصوصاً لناحية الشعر المائل إلى الحمرة والعينين العميقتين الاخضرار، حقّ له أن يؤكد الإحالة إلى المصدر؛ " خَجي " الكبيرة. هذه الأخيرة، بحَسَب ما أفاد به ابنها الأصغر للأسرة المحسنة، هيَ من أرسلته إلى مراكش كي يحاول استعادة الطفلة اليتيمة. " آه، لقد حصلتِ أنت أيضاً على هديتك؟ "، هتفت كنّة الدار فيما يدها تتلمّسُ بحركة متتابعة القرطين الذهبيين في أذنيّ ابنة حميها. تضاحكت " خدّوج "، مُبعدةً يد الأخرى، قائلة لها محمرّة خجلاً: " كفى، أنتِ تدغدغينني! ". ثم مررت نظرة باسمة، حيية، نحوَ الشاب الوسيم فيها ما فيها من آيات الامتنان والعرفان. في المقابل، لم يخفَ على الضيفة ما في تلك الحركات كلها من تصنّع وتكلّف. إلا أنّ صدق مشاعر الفتاة، بالوسع التيقن منها عند من لديهم العلم بقيمة الذهب في ميزان نساء المسلمين، الذي يكاد يُعادل قيمة صالح الأعمال في ميزان الآخرة. " باربي رائعة، بل وكأنها شقيقتكِ التوأم "، خاطبَ مرافقُ الضيفة الطفلةَ ذات الأعوام الأربعة. ولأنها كانت جالسة على ركبة سميّتها السمراء، فإنّ الرجل اتجه إلى الأخيرة بالقول بينما عيناه تتغلغلان في ثوبها الفضيّ المكشوف الأطراف: " يا لها من سيّدة كريمة، ضيفتكم! تصوّري أنها شعرت بالخجل لدى وصولنا إلى مدخل داركم، كونها لم تحمل معها هدية. فما هذه الباربي، إذاً؟ أليست هيَ هدية.. " " ما رأيكَ بالقرطين الذهبيين، الذين أهديا لأختك؟ "، قاطعت كنّة الدار كلامَ الرجل موجهة سؤالها للزوج الواجم. ردّ الأول، وكأنما هوَ المعنيّ بالجواب: " قرطان رائعان، جديران ببشرتها. توأمةُ الذهب والنحاس! ". وكما لو أنها لم تسمع الجملة الأخيرة، آبت " غزلان " لإكمال كلامها مع الزوج، الممعنة سحنته بالتجهّم: " إنّ سعرَ الذهب منخفضٌ في هذه الأيام، وهيَ فرصة ثمينة لمن يودّ الخطبة أو الزواج " " بلى، ولكن انخفاض سعر الذهب سيقابله ارتفاع سعر الدولار، وفي التالي، لا بدّ أن يندمَ من يُبادر للزواج! "، قالها الرجلُ اللجوج مقهقهاً. بقيت ضحكته معلّقة في الهواء، لحين أن شاركته المرحَ الابنةُ الصغرى للأسرة. في أثناء تلك المعمعة، وكانت المحكيةُ الدارجة سلاحَها، راحَ " سيامند " يتكلم بصوتٍ منخفض مع السيّدة السويدية. فرنسيّته الجيّدة، أدهشتها ولا غرو، فضلاً عما في حديثه من تلقائية وعذوبة ورهافة. طال الحديثُ بينهما، ولم ينتبها للآخرين إلا بعيد ظهور الأم على مدخل الممر، المؤدي لحجرة السفرة، داعيةً الجميع إلى العشاء. وكانت الحجرة، مثلما جرى الكلام قبلاً، شبيهة بالصالة الرئيسة لناحية العمارة والزخرفة. طاولة الطعام، كانت تتسع لدزينة من الأشخاص، وقد توسطها شمعدانٌ فضيّ أضفى على المكان غموضاً محبباً بأنواره الخافتة وظلاله المتراقصة. على أثر العشاء، جازَ للأم أن تُدهش الضيفةَ بإصرارها على المبيت لديهم. منذئذٍ، وحتى مغادرتها مراكش بعد نحو شهر، تمتعت " تينا " بكَرَم هذه الأم الرائعة، الفيّاض غير المحدود.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 4
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 3
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 2
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 1
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 5
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 4
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 3
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 2
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 1
-
خجي وسيامند: بقية الفصل الأول
-
خجي وسيامند: الفصل الأول 3
-
خجي وسيامند: الفصل الأول 2
-
خجي وسيامند: الفصل الأول 1
-
الصراطُ متساقطاً: فاتحة 3
-
الصراطُ متساقطاً: فاتحة 2
-
الصراطُ متساقطاً: فاتحة 1
-
كعبةُ العَماء: خاتمة
-
إلِكْترا: بقية الفصل العاشر
-
إلِكْترا: الفصل العاشر 1
-
إلِكْترا: بقية الفصل التاسع
المزيد.....
-
محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
-
إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري!
...
-
ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع
...
-
كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا
...
-
شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش
...
-
-الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل
...
-
-أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر
...
-
-مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
-
الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
-
وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|