أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الأول 3














المزيد.....

خجي وسيامند: الفصل الأول 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5943 - 2018 / 7 / 24 - 21:50
المحور: الادب والفن
    


خلف نافذة العربة، كانت الشمسُ تعيد تشكيلَ ألوان المشهد، مذيبةً كلّ الأشياء بخامة أشعتها الذهبية؛ بيارات البرتقال، دساكر الزيتون، كروم العنب، جدعات الصبّار، مراعي الأغنام، منازل المزارعين، اهراءات الغلال.. وأيضاً، خزائن كنوز المياه؛ أين يختفي الجنُّ ذووا الغلاصم الفخارية. وكانت " تينا " ما تنفك مواظبة على صمتها الرصين، ملقيةً رأسها إلى مسند المقعد الجلديّ. حواسها، أغلقت للتو بوجه الرجل اللجوج، الجالس بمقابلها ـ كما هوَ شأنُ سياج المزرعة، المكلّف بمنع مرور الحيوانات العابثة.
في حقيقة الحال أنّ هيئة وشكل الرجل، طبعه ومزاجه وطريقة كلامه، كل ذلك قد أعادَ صورةً قديمة، مشوّهة وبغيضة، حاولت دوماً دفنها في طيّات الذاكرة. على الرغم من شخصيتها، المُعرّفة بالتسامح وأناة البال، إلا أنّ الغضبَ عصف بنفسها ممتزجاً بالاشمئزاز. كان الأمرُ يداور حول أول شخصٍ أجنبيّ عرفته صديقاً، بوصفه لاجئاً مضطهداً في بلاده، ثم عاشت معه تحت سقفٍ واحد لأزيد من ثلاثة أعوام. وإنها الأعوام الضرورية، وفق القانون، كي يحصل الأجنبيّ على المواطنة وجواز السفر ذي اللون النبيذيّ!
" لوركا "؛ هوَ الاسمُ الأدبيّ لذلك الصديق، وكان يذيّل به أشعاره المكتوبة باللغتين الكردية والسويدية. إنّ اسمه هذا بحدّ ذاته، خليقٌ بأن يفجّر في نفسها ذكرى لا تقل قرفاً. بلى، تبجّحَ أمامها ذات مرة عن معرفته لامرأة أربعينية تمتهن الكتابة ولديها وظيفة مهمة في اتحاد الأدباء: " أذهلتها أشعاري، فضلاً عن طريقة إلقائي لها. فلما نزلتُ من على المنصة، تقدمت إليّ لتقول أنني أشبه فعلاً الاسبانيّ لوركا إن كان بالشكل أو العبقرية! شدة إعجابها، دفعتها إلى اصطحابي بسيارتها مباشرةً من القاعة إلى الفيللا الفخمة، التي تقيم فيها "، قال جملته مشيّعاً إياها بابتسامة ساخرة، مسمومة. ولكن كيفَ برر خيانته أمام شريكة الحياة، المفترضة: " كنتِ أنت يومئذٍ في مستهل مناوبتك الليلية بالمستشفى؛ وهيَ مناوبات تثير حفيظتي، لأنها تسلمني للوحدة والسأم! على أيّ حال، معرفة تلك المرأة ضرورية بالنسبة لي. وأعتقدُ أنكِ توافقينني على ذلك؟ ". في هذه المرة، كسا سحنته بتعبير ذليل خانع ـ كما الحالُ مع أولئك المتطبّعين بالمكر القرويّ.

***
أفاقت من غفوة الذكريات على صوت صاحبنا، المتربع على عرش المقعد المقابل. كان قادماً من الحمّام، وقد وجده قذراً على ما لاحَ من سخطه: " هؤلاء الأوباش، تركوا الدرجة العادية لكي يتطفلوا علينا بروائحهم النتنة ومظاهرهم القميئة "، قال لها بانكليزيته الركيكة مشيراً بيده إلى من يعنيهم. انتبهت بدَورها إلى امتلاء المقاعد الشاغرة بأشخاص على جانب من رثاثة الحال، وكانوا بغالبيتهم من الفتيَة. وهذا الرجلُ الغاضب، يظهر أن نزوة جديدة دهمته وجعلته راضٍ عن نفسه الرضا كله بحيث آبَ إلى الصراخ ثانية وبنبرة متوعدة. كان يخاطبهم باللهجة الدارجة، مما تعذر على السيّدة السويدية فهمَ شيءٍ؛ اللهم سوى بعض العبارات الفرنسية، المتداخلة بكلامه. على الأثر، انسحب جميع " المتطفلين " باستثناء رجل واحد وكان في أواسط العُمر. ولكنه ما عتمَ أيضاً أن لحق بالآخرين بعد مجادلة قصيرة مع المتربع على العرش، انتهت بإبراز الأخير لبطاقة ما.
" إنها بطاقة صادرة مباشرةً عن جلالة الملك، تبيح لحاملها ليس فقط ركوب الدرجة الأولى في أية وسيلة نقل، بل وأيضاً حضور احتفالات العرش مع كبار ضيوف الدولة ورجالاتها وأعضاء الهيئات الدبلوماسية "، نفخ أوداجه بهذه الكلمة قبل أن يطلقها باتجاه السيّدة السويدية. وعليها كان التبسم بسلامة طويّة، طالما أنّ الرجلَ سبقَ وتجرع عدة أقداح من النبيذ الفرنسيّ، مجاناً، في الطائرة القادمة من باريس.. وربما على متن الدرجة الأولى، جنباً لجنب مع كبار ضيوف الدولة ورجالاتها والخ!
اندفعَ بعد ذلك إلى إيضاح جلية أمر المعركة المنتهية بانتصاره، قائلاً أنّ بعض ركاب الدرجة العادية يتسللون عادةً إلى الدرجة الأولى لمحاولة سرقة حقيبة من يجدونه فيها نائماً: " إنهم شديدو المكر، يتظاهرون بأنهم يودون استعمال المرحاض النظيف. فلو أنهم لم يروا راكباً واحداً نائماً، فلا يترددوا عن الجلوس في المقاعد الشاغرة تحيناً لفرصة مناسبة للانقضاض. أما لو خابَ رجاؤهم تماماً، فماذا يفعلون يا سيّدتي؟ سينتقمون باستعمال المرحاض، ليملئونه بأوساخهم! "، قالها ثم أردفَ على الأثر بنبرة مبيتة " هؤلاء هم أصدقاء محمد شكري، زملاؤه السابقون في الشقاوة والسلب والسرقة واللواط! بلى، وبفضلهم صار غنياً ومشهوراً! فيما بقوا هم كما هم لا ينتظرون منه حتى درهماً واحداً، نظراً لبخله المأثور والمستمد من بيئته الريفية.. "
" ألستَ أنتَ بنفسك من الريف، مسيو عبد؟ "، سألته بطريقة استطلاعية كيلا تجرح شعوره. جحظت عيناه قليلاً، كأنما السؤال باغته. أجابها كالمستغرب: " أنا..! لا، بل إنني من بني ملال. لقد أخبرتكِ بذلك قبلاً، ولعلكِ لم تفهمي فرنسيتي بشكل جيد؟ ". جواباً، خاطبته في سرّها: " هذا محتمل جداً. بيْدَ أنني صرتُ الآنَ أفهمكَ بشكل أفضل! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خجي وسيامند: الفصل الأول 2
- خجي وسيامند: الفصل الأول 1
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 3
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 2
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 1
- كعبةُ العَماء: خاتمة
- إلِكْترا: بقية الفصل العاشر
- إلِكْترا: الفصل العاشر 1
- إلِكْترا: بقية الفصل التاسع
- إلِكْترا: الفصل التاسع 3
- إلِكْترا: الفصل التاسع 2
- إلِكْترا: الفصل التاسع 1
- إلِكْترا: الفصل الثامن 5
- إلِكْترا: الفصل الثامن 4
- إلِكْترا: الفصل الثامن 3
- إلِكْترا: الفصل الثامن 2
- إلِكْترا: الفصل الثامن 1
- سيرَة أُخرى 70
- إلِكْترا: الفصل السابع 5
- إلِكْترا: الفصل السابع 4


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الأول 3