أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: فاتحة 2














المزيد.....

الصراطُ متساقطاً: فاتحة 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5936 - 2018 / 7 / 17 - 20:39
المحور: الادب والفن
    


الليل، يلوحُ عليلاً بزحفه البطيء، اللاهث كالمحموم. ما أنفكّ في حجرتي، المستطيلة والضيقة والمعتمة، الشبيهة بقبرٍ ـ جديرٍ بليل يحتضر. وما قرع الطبول هذا، إن لم يكن إيذاناً ببدء مراسيم التشييع؟
أفيقُ من الرؤى، المتخلفة عن شدّة الحر والتي جعلتني مثل الممسوس. ها أنا ذا أنصتُ بأذنٍ منتبهة لأصداء وقع طبول ساحة جامع الفنا، المبلبلة موجاتُها طيرانَ الملائكة في أجواء المدينة الحمراء. أم أن هؤلاء اختفوا مذ بداية الألفية الجديدة، المبشرة بأجيالٍ أكثر جدّة لهواتف ذكية تزحم ذبذباتها المساحةَ المبتسرة لسماء الحاضرة؟
العزلة، تفاقمُ من حرارة الجو. ولكنها عزلة ضرورية للكاتب، المؤمل إنجازَ ما عجز عنه أصحابُ السيَر، المضمومة في " كتاب مراكش ": الوصول إلى خاتمة سعيدة، أو تعيسة؛ واقعية، أو خيالية؛ مُقْنعة، أو مستحيلة!
الكتابة، في المقابل، لا تمنعني من تخصيص وقتٍ فاره للتجوال في المدينة والمنتهي غالباً على حدّ الغروب بلقاء الأصدقاء في المقهى. ما كنه هؤلاء الأصدقاء؟ وهل فيهم من يمتّ لحكايتنا، المفترض أن تمتدّ على فترة زمنية تقارب الربع قرن؟ أجدني أخيّبُ أملَ القارئ، بالقول أنّ أولئك الأصدقاء هم شبان بسطاء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالحكاية أو شخصياتها.. شبان، يكدحون طوال النهار في فنادق الدرجة الأولى، بصفة طباخ أو مستخدم أو موظف، لكي يجتمعوا مساءً حول نرجيلة ( شيشة ) يتسلون بنفث دخانها، المهدور المتبدد ـ كأحلام وآمال أعمارهم، المراوحة على عتبة الأربعين.

***
" أتورط في النص، بوصفي أحد شخصياته الرئيسة "، هكذا كتبتُ فيما مضى. ولو أن الذاكرة تسعفكم قليلاً، فلا بد أن تستعيدوا أيضاً تشديدي على مسألة " الورطة " منذ مستهل هذه الخماسية؛ في الكتاب الأول منها: لقائي مع يهوديّ مغربيّ، ثمة في مطار مدريد، والذي نتج عنه لاحقاً وقوع تذكرة " تاجر موغادور " في يدي ومن ثم قيامي بنشرها بعد تحقيقها وتنقيحها. التذكرة، تعود إلى فترة منتصف القرن التاسع عشر. وكانت تسمية " موغادور " تغلب آنذاك على مدينة الصويرة، أحد أقاليم مراكش، وخصوصاً على لسان الغربيين من أهل التجارة والدبلوماسية والجاسوسية والخ..
تلك المصادفة، تكررت بعدئذٍ حينَ سلّمني محامٍ مغربيّ، مخضرم، مخطوطة مذكرات موكلته السورية، " شيرين "، وكانت متهمة بقتل رجل فرنسيّ أثناء إقامتها في مراكش بمفتتح تسعينات القرن المنصرم. ثمّ كرّت المصادفات، الواحدة بأثر الأخرى، وكلّ منها على نفس المقام لناحية المكان والزمن. أتكهن بأنّ البعض سيتساءل مستغرباً، عن وجودي داخل سلسلة المصادفات تلك وكما لو كنتُ جزءاً من ذلك المكان والزمان؟ جواباً، أعتمدُ هذه المرة على عمق إيمانكم بخالق مجرتنا؛ قدرته على تنظيم سيرها المعجّز، مما يهون أمامه جمعُ بضع شخصياتٍ إنسانية تحت سقف مدينة تكاد تكون ذرةً في مجهر الكون!

***
أتوقع تعاطفَ القارئ فيما يخصّ ورطتي، الموصوفة آنفاً. كما إنني عاذره لو وجدها نوعاً من الاستهتار بعقله، محاولةُ تبرير وجودي في الرواية كأحد شخصياتها الرئيسة. قبل كل شيء، أقولُ أنّ ذلك الإشكال يبرر أولاً كتابة فاتحة روايتنا هذه، طالما أنها تبدو نافلة مثلها في ذلك مثل أيّ مقدمة تُفرض على القارئ فرضاً.
بلى، إنني رأيتني أدخل السردَ كواحد من شخصياته على الرغم من كوني أقرب إلى صفة " المحقق ". الحق أنّ الأمرَ ما كان غريباً بالنسبة لي، على الأقل. لأننا كنا أمام سلسلة من المخطوطات، درجت في خانة أدب السيرة الذاتية ( أو الاعترافات )، ولن يضيرها في شيء انضمامُ تذكرة أكثر جدّة إليها. وحقاً أيضاً، أنّ وجودي في السرد يُمكنه تسهيل مهمّتي الأساسية كمحقق، والتي عرفني فيها القارئ من خلال متابعته للأجزاء الأربعة الأولى من " كتاب مراكش ". ورغبة مني في منع أيّ التباسٍ ـ كأن يعتقد القارئ، مثلاً، بأنني أتوخى إيهامه بواقعية القصة المروية ـ اضطررتُ مبكراً وعبرَ هذه الفاتحة لوضعه في صورة وضعي المُستجدّ، الموصوف آنفاً!

***
أعترفُ، مع ذلك، بأنّ عملي ليسَ نزيهاً كلّ النزاهة ما دامَ سيتيح لاسمي أن يتصدّرَ الكتاب بأجزائه الخمسة. وأتجاوز هذه المسألة، كيلا أعود فأصدع رؤوسكم بما سلفَ من أقوال تصبّ جميعاً في مدارج سيول التبرير ذاته: رغبة بعض مؤلفي السيَر حجبها عن النشر، أو عدم رغبة البعض الآخر في وجود اسمه على السيرة المنشورة.
كان من الأفضل، بطبيعة الحال، الدخول إلى السرد دون الحاجة إلى ديباجة الفاتحة وتنميق الكلام. ولكن، كيفَ يُمكن الاطمئنانُ إلى دخول القارئ، دونما عثرة، ما لو علمنا أنّ السردَ نفسه متعدد الأصوات؟ أي أنه يُشابه سابقه، لناحية كونه مسجّلاً من لدُن عددٍ من الرواة. ولا بدّ أنكم أدركتم بنباهتكم، أنني أحد أولئك الرواة.
من ناحية أخرى، إنني أبدو مُقحماً في السرد بأمرٍ من الناشر ( وأيضاً بطلبٍ أكثر رقة من امرأة صديقة! ) مما يلقي غشاوة ضافية على الموضوع. في مكانٍ آخر، نوهتُ إلى تكليفي بما يُشبه مهمة إنهاء " كتاب مراكش " كما تنتهي كل الروايات إن كان على مستوى شخصياتها أو سياقها الزمني. وإنها كانت مهمّة، ولا مِراء، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إقامتي لسنواتٍ في المدينة الحمراء وما أتاحته لي من إمكانية التواصل بمن بقيَ فيها من شخصيات عملنا الروائي. أجل، إنه عمل روائيّ وليسَ سيرة حَسْب: الخيال، كان يواطئ الواقع على طول الخط أو يزاحمه هنا وهناك. إلا أنّ مراكش، في آخر المطاف، بقيت الحقيقة الحقيقية بوصفها مكاناً ثابتاً، خالداً ـ كخال الحُسن على خدّ أفريقيا، السمراء.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 1
- كعبةُ العَماء: خاتمة
- إلِكْترا: بقية الفصل العاشر
- إلِكْترا: الفصل العاشر 1
- إلِكْترا: بقية الفصل التاسع
- إلِكْترا: الفصل التاسع 3
- إلِكْترا: الفصل التاسع 2
- إلِكْترا: الفصل التاسع 1
- إلِكْترا: الفصل الثامن 5
- إلِكْترا: الفصل الثامن 4
- إلِكْترا: الفصل الثامن 3
- إلِكْترا: الفصل الثامن 2
- إلِكْترا: الفصل الثامن 1
- سيرَة أُخرى 70
- إلِكْترا: الفصل السابع 5
- إلِكْترا: الفصل السابع 4
- إلِكْترا: الفصل السابع 3
- إلِكْترا: الفصل السابع 2
- إلِكْترا: الفصل السابع 1
- إلِكْترا: الفصل السادس 5


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: فاتحة 2