أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الثالث 1














المزيد.....

خجي وسيامند: الفصل الثالث 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5950 - 2018 / 8 / 1 - 04:31
المحور: الادب والفن
    


أفاقت طائشة اللب، بالكاد أصابت ساعة مُبتسرة من القيلولة. لولا المكالمة الهاتفية، المتفق عليها في تمام الساعة الخامسة مساءً مع مَن تدعوه " عبد "، لولاها لكانت قد بقيت مستغرقة بالنوم دونما وعيٍ نتيجة النصَب والسهاد، المتخلفين عن الرحلة الطويلة سواءً بالطائرة أو القطار. رفيقُ الرحلة الأخيرة، أنتظرها في بهو الفندق. وكان ما ينفكّ بسترة السفر نفسها، الفاتحة اللون كما بشرته الحنطية. إلا أنّ مفاجأة جديدة كلّ الجدّة، كانت ملامحُ الرجل توشك أن تفضحها آنَ نزول السيّدة السويدية للقائه.
" بونجور..! آمل أنني لم أتأخر عليك؟ "، خاطبته بالفرنسية ما أن نهضَ لاستقبالها. تأملها لحظةً، وكانت هيئتها مكتملة الزينة فضلاً عن رشاقتها وأناقتها. عطرٌ باريسيّ رفيع، ضمّخ جسدها جميعاً، فيما شعرها العسليّ الهفهاف تلوى على جانبيّ كتفيها شبه العاريين. على أثر ردّه تحيتها، قال باطراء: " انتظاري لم يكن عبثاً، طالما أنكِ ستبدين بهذه الصورة المُبهرة ". ثم عادَ ليسألها، ملوّحاً بمفاتيح سيارة في يده: " أظنكِ أجريت المكالمة المطلوبة، وبالوسع أن ننطلق حالاً؟ ". هزّت رأسها موافقة، بينما بسمتها تُفصح عن سعادتها بالمفاجأة.
" لقد استعرتُ هذه العربة من صديقٍ كاتب، كونه يستعد للسفر إلى الخارج مع وفدٍ رسميّ "، قالها مُتباهياً قبل أن يبادر للاستطراد كمألوف عادته: " صديقي، كان مثلي منفياً في فرنسا ولقد عاد مع من عاد بعد سياسة الانفتاح، التي قام بها العرشُ مؤخراً ". أدارَ محرك السيارة، وكانت " بيجو " قديمة بعض الشيء، ليتابع مع انطلاقها الحثيث من قدّام مدخل الفندق: " وعلى فكرة، فإنّ هذه العربة كانت تحت تصرف الأمريكي فريدرك بوول أثناء تصوير فيلم وثائقيّ عن حياته المغربية. شاعر مراكش، ويُدعى المهدي البغدادي، كان رفيق الرحلة الأبرز وهوَ أصلاً صاحبُ فكرتها أساساً.. "
" أعتقدُ أنني سمعت باسم الشاعر من صديقي، الراحل "، قاطعته وقد لاحَ الاهتمام على ملامحها. أومأ الرجلُ رأسه، متمتماً بنبرة منكسرة: " رحلَ هوَ الآخر، وكان ذلك في نهاية العام المنصرم وفي أحد فنادق مدينة طنجة ". حلّ تعبيرُ الأسف في سحنة الفتاة الناصعة كالثلج، ليشوبها ببعض الشحوب. سيرة الموت، المقيتة، أضحت ثقيلة للغاية على مسمع " تينا " مذ حادث انتحار صديقها، الذي باغتها وكانت في مبلغ من السعادة لم تبلغه قبلاً قط. طفقت صامتة، فيما ذكريات شريك حياتها، الآفلة، تمضي مع السيارة المتجهة إلى غيليز بمحاذاة أسوار المدينة القديمة.

***
السيارة، كأنما كانت تعود القهقرى مع ذكرياتٍ ترجعُ على أدراجها.. تعود إلى نقطة انطلاق رحلة الشقيقين، المراكشية؛ إلى العَرَصَة، الملتفة حول فيللا الأسرة المحسنة، ثمة أين قضيا ليلتهما الأولى في المدينة الحمراء؛ وإلى الحيّ الشتويّ الجديد، حيث مقر إقامة ومكتب أعمال مواطنتهما الغنية. الثقوب في الإسفلت الأسود، كان لابدّ أن تذكّر " تينا " بجراح روح صديقها، مثلما أنّ البقعَ على الرصيف هيَ آثارُ أقدامه. وهذا ظل طيفه، الأبيض، يطغى على الظلال السود لأشجار النخيل والليمون والزيتون، المترامية على دروبٍ تسلكها عربة " بيجو "، المتهالكة.
ما تفتأ أسوار المدينة القديمة محتفظة برونقها، مشكلة قوساً يميل مع دوران السيارة باتجاه درب قصر " المنصور "، المفضي إلى أكبر شوارع المدينة، " محمد الخامس "؛ ثمة، أين تقوم على جانبه الأيمن تلك الفيللا، المقصودة. ولكنّ السيّدة السويدية لا تعلم ما ينتظرها هنالك، أكثر مما يعلمه اللقلق عن تاريخ السور، المعشش على قمته. شعور الرهبة والقلق، عليه كان أن يتضاعف في داخلها، ولا غرو، مع كل دفعة بنزين في محرك السيارة. راحت عندئذٍ تخفف من غلواء داخلها، متشاغلة بتأمل مناظر الطريق وكل ما يتحرك من بشر وكائنات وجماد. وإنها حركة جديرة بالملاحظة حقاً، ما دام كل شيء يسير وفق هارمونية سلّم موسيقيّ كلاسيكيّ، مخترق هنا وهناك بإيقاعات تنتمي للمعاصرة.
الأصيل، ساعة انحسار موجة الحرارة المحوّلة الربيعَ إلى فصل لا يُطاق. على الأثر، تنطلق أمواجٌ من الدراجات النارية وكما لو أنها في سباق ( رالي ) مع أحدث السيارات. " الحابل يختلط بالنابل "، على حدّ تعبير القول العربيّ. فلا يُمكن التفريق بين العائد من العمل وذلك العاطل، المدمن على التسكع بلا هدى أو هدف. كذلك كان صديقها الراحل، في مبتدأ حلوله بالمدينة على الأقل. محرجاً من بطالته، دأبَ الشابُ الخجول على الخروج مبكراً من الفيللا ليعود عند الظهيرة، مطمئناً لخلود ساكنيها إلى رقاد القيلولة. قد تعترض تسلله للدار، " غزلان "، متحججة بأخذ رأيه في لوحةٍ جديدة أنجزتها تواً. ولا تلبث " خدّوج " أن تحرجَ إليه من عزلة حجرتها، المتخمة بالخيالات الأكثر جرأة، باحثة عن زادها الجنسيّ. بيدَ أنّ بطلنا، في كلا الحالتين، يغذ الخطى متعجلاً وقد عصب عينيه بقماش العفة والوفاء ـ كالجاموس، المسيّر عجلة المياه في آناء النهار.

> مستهل الجزء الأول/ الفصل الثالث، من رواية " الصراطُ متساقطاً "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 5
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 4
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 3
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 2
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 1
- خجي وسيامند: بقية الفصل الأول
- خجي وسيامند: الفصل الأول 3
- خجي وسيامند: الفصل الأول 2
- خجي وسيامند: الفصل الأول 1
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 3
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 2
- الصراطُ متساقطاً: فاتحة 1
- كعبةُ العَماء: خاتمة
- إلِكْترا: بقية الفصل العاشر
- إلِكْترا: الفصل العاشر 1
- إلِكْترا: بقية الفصل التاسع
- إلِكْترا: الفصل التاسع 3
- إلِكْترا: الفصل التاسع 2
- إلِكْترا: الفصل التاسع 1
- إلِكْترا: الفصل الثامن 5


المزيد.....




- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
- توقيع الكتاب تسوّل فاضح!
- فيثاغورس… حين يصغي العقل إلى الموسيقى السرّية للكون
- العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد ا ...
- -رواية الإمام- بين المرجعي والتخييلي وأنسنة الفلسطيني
- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل الثالث 1