|
|
خجي وسيامند: الفصل الخامس 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5963 - 2018 / 8 / 14 - 20:46
المحور:
الادب والفن
الشوارع المتصلة بالمدينة القديمة، كانت أشبه بأذرع الأخطبوط، تتلقف الكائنات كي تسلّمهم لفم ساحتها، الأشدق. جاز للسيّدة السويدية أن تتصوّرَ مَن تدعوه، " عبد "، على صفة ذلك الحيوان البحريّ. واتتها الفكرةُ، قافزةً من المنضدة البعيدة على الطرف الآخر من التراس، أينَ جلس الرجلُ للتو مع امرأة أجنبية ذات شعر أشقر، أو مصبوغ، يبدو أنها سائحة. كونه على علم أكيد، بأن هذا المقهى هوَ المكان المألوف للقاءاتها مع " سيامند "، فإن " تينا " لم تستبعد احتمال أن يكون حضوره مقصوداً. إنها لا تكاد تعرف شيئاً، حتى لحظة ظهوره الآن، عن ماضيه أو حاضره. ولو أن حقيقة واحدة، على الأقل، كانت متيقنة منها مع بعض التشكك والحذر: " عبد الإله " هذا، لم يكن مختلفاً كثيراً عن هؤلاء المغتربين، الذين يعودون إلى بلدهم مع حلول الربيع ليختالوا أمام مواطنيهم البسطاء بالسيارات الخاصة ذات العلامات الأوروبية؛ بمحافظهم المتخمة بالأوراق الخضراء، أو دفاتر الشيكات. " ولكن حتى السيارة العتيقة، المتبختر بها مذ يوم وصوله لمراكش، حاك أسطورة حول موضوع استعارتها "، داورت هذه الفكرة في ذهنها وقد طافت ابتسامة ساخرة على شفتيها. لقد عرفت اتفاقاً، هناك في رواق الفنون، أن علاقة الرجل بالأدب لا تعدو عن كونها تطفلاً. خصلة التطفل، أظهرَ كم هيَ عريقة فيه آنَ مدّ خيطه العنكبوتيّ لاصطياد امرأة شابة، غريبة، كانت ترسل نظرات حزينة من خلال نافذة مقصورة الدرجة الأولى في القطار المتجه إلى مراكش. ثم أي ألفاظ سوقية، بادر إلى استعمالها في مستهل تعارفه معها: وصفه لكاتب مغربيّ شهير بأنه حقق النجومية بفضل " شرجه "، المباح للمقيمين الغربيين؛ تعليقاته الممجوجة، الفظة البذيئة، على مسألة الخلاف بين كنّة الأسرة المحسنة والابن الوحيد؛ كلامه، المشحون بلمز مماثل، في خصوص علاقة الابنة الصغرى للأسرة مع " سيامند ". فما أن نطقَ سرّها اسمَ الشاب، إلا وتحرك هذا على كرسيه متململاً. قال لها هازاً رأسه بدلالة ازدراء، بعدما استردَ بصرَه بدَوره من الطرف الآخر من التراس: " بالأمس، نصحني ألا أذهب بعيداً فيما دعاه، ‘ علاقاتي مع فتيات المدينة ‘، كون أغلبهن مصابات بفيروس السيدا " " إنها سائحة أوروبية، كما تدل هيأتها. وعلى أيّ حال، أوافقك بأنه شخص فضوليّ وثرثار " " أدركتُ منذ البداية، أنه فرضَ نفسه عليكِ فرضاً بطرق الخداع والزيف " " بلى، مع أنني لا أنكر معروفه حينَ وضع نفسه في خدمتي كما لو أنه سائق خاص أو مرافق. أود مكافأته على ذلك، ولكنني على حيرةٍ بشأن طريقة مناسبة لا تجرح كرامته " " كرامته؟ في وسعي أن أحدّثك مطولاً، وعن تجربة، عن كرامة الكثيرين من أمثال هذا الطفيليّ! "، قالها وهوَ يطلق من فمه دخانَ السيجار الثقيل كذكرياته المثقلة بها ذاكرته. الشانئ الآخرين بالسّفه، كان بنفسه ضحيةَ غروره زمناً. الأمرُ، بدأ مع وضع " سيامند " يده على إرث الأب من العقارات العديدة وكان لمّا يبلغ بعدُ سنَّ العشرين. وإذا بأتراب الطفولة والصبا، الذين كانوا ينبذونه بتحريضٍ من أهاليهم على خلفية نميمة عن ماضي الأم الهاربة بأخويه الكبيرين من تركيا، إذا بهؤلاء يلتفون حوله ويتخاطفون مودته ـ كما يفعل أولادٌ مع دمية سليمة، عثروا عليها مرمية على طرف الطريق، وسط النفايات، مغمورة بالغبار والبصاق وربما البول أيضاً! لم تعُد " تينا " لتتحمل المزيد من الحديث عن ذلك الشخص، ولا أيضاً رؤيته على مبعدة خطوات قليلة من موقفها. نهضت فجأة لتقفَ مع شعرها العسليّ، المتطاير من تحت القبعة المستديرة. أدارت ظهرها لصديقها الشاب، مطلّة على المشهد المثير تحتها وهيَ ملتصقة بحدّ التراس، الحديديّ المشغول، وكان يزداد سخونة تحت شمس الظهيرة: " هلم نمضِ إلى الشقة مشياً، ما رأيكَ؟ "، سألته ثم أردفت القول دونَ أن تلتفت " أنتَ مدعو على مائدتي، وستكون وجبة الغداء طاجين الدجاج مع الخضار ". استفهم منها الشاب، وهما يخترقان زحامَ مدخل سوق السمارين، عما إذا كانت تعلمت طريقة تحضير الطاجين على يد " ذلك الطفيليّ ". التفتت إليه باسمة، لتلتقط تعبيرَ الضيق على فمه المزيّن بشارب أنيق، خليق بباشاوات المشرق أيام زمان ( ألم يكن أخواه غير الشقيقين يعتقدان بانتماء أبيهما لسلالة أمراء كرد! ). وكان ما ينفكّ محتفظاً بين شفتيه بعقب السيجار الخامد اللهب، مما ضاعفَ من تأثير صورته، الموصوفة. على أن ذلك المشهد أضحى على منقلبٍ آخر، لما أجابت " تينا " باقتضاب وبعض العبوس: " بل إنه فرهاد.. ". ثم ما لبثت أن أمسكت بمعصمه، قائلة لتغيير مجرى الحديث " من الممكن أن نطيل طريقنا، بأن نعرّج على درب القبة المرابطية، وبذلك نضمن وصولنا للشقة مع بطنٍ يئنّ جوعاً! " " ولكن صالة رواق الفنون، الخاصة بجمعية الشعر، لا تفتح إلا مساءً. مثلما أنّ اليومَ ليسَ هوَ الجمعة..؟ " " بلى، أعلم ذلك "، قاطعته واستمرت فيما أصابعها تشدّ بودّ على معصمه: " سنمرّ من أمامها، حَسْب. الدرب هنالك يُعجبني جداً، بمنحنياته وأرضيته الحجرية وأقواسه وقناطره، وأيضاً بما يشيع فيه من أفياء فاترة وغامضة ". ثم تابعت بنبرة ناعمة، وحزينة في آنٍ معاً: " كذلك يعبق الدرب بروائح عطور من ألِفَهُم زمناً؛ من صاروا الآنَ تحت التراب أو تحت سموات أخرى ". وأخذت تردد أسماءَ بعض رواد المكان أولئك، وكأنها تترنم بها على إيقاع طبول ودفوف الساحة، الذي ما يفتأ يصدى في سمعهما كلاهما.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خجي وسيامند: الفصل الخامس 1
-
خجي وسيامند: بقية الفصل الرابع
-
خجي وسيامند: الفصل الرابع 3
-
خجي وسيامند: الفصل الرابع 2
-
خجي وسيامند: الفصل الرابع 1
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 5
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 4
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 3
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 2
-
خجي وسيامند: الفصل الثالث 1
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 5
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 4
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 3
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 2
-
خجي وسيامند: الفصل الثاني 1
-
خجي وسيامند: بقية الفصل الأول
-
خجي وسيامند: الفصل الأول 3
-
خجي وسيامند: الفصل الأول 2
-
خجي وسيامند: الفصل الأول 1
-
الصراطُ متساقطاً: فاتحة 3
المزيد.....
-
فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
-
دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
-
توقيع الكتاب تسوّل فاضح!
-
فيثاغورس… حين يصغي العقل إلى الموسيقى السرّية للكون
-
العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد ا
...
-
-رواية الإمام- بين المرجعي والتخييلي وأنسنة الفلسطيني
-
المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
-
-إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا
...
-
مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال
...
-
مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما
...
المزيد.....
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|