جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 1470 - 2006 / 2 / 23 - 11:40
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في لغة المسند التي كانت سائدة في اليمن قبل اللغة الاّرامية التي جاءتها من بلاد الشام وأصبحت لغة الدين فيها قبل الإسلام .كانت كلمة ( مَكر )تعني التجارة وكذلك - المكارة ومنها أتى إسم التاجر ( المكاري ) وجمعها مكاريون أو (مكارية ) بالعامية . ومن أدرى بطبيعة التاجر والتجار من أهل اليمن والشام التي كانت حواضر العالم القديم وملتقى حضاراته ومنتجاته الإقتصادية والفكرية ( 1) وفي قاموس محيط المحيط للشيخ بطرس البستاني : مَكَرَه وبه يَمكر مَكراّ خدعه . ومكر الله فلاناّ جازاه
على المَكر . وقيل المَكر صرف الإنسان عن مقصده بحيلة ٌ وهو نوعان : محمود يقصد فيه الخير كما جاء في سورة عمران ( وإنه خير الماكرين ) والنوع الثاني مذموم يقصد فيه الشر كما في سورة الملائكة ( ولا ييحيق المكر السيْ ألا بأهله ) .. ومكّر الخلق خديعة واحتيال وماكره خادعه . ومكَر الرجل أي احتكر الحبوب والمكّار والمَكور والممتكَر : المصبوغ بالمٌكر أي المغرة ( 2 ) ...؟
وشتّان بين مكارة ومكاريي الزمن الغابر البسطاء ومكارة ومكاريي هذه الأيام وهذا الزمن الساقط المنحط ..؟
في الزمن الغابر وإلى أمد قريب حتى النصف الأول من القرن المنصرم كانت قرانا تعرف المكارية الذين يتجولون ببضائعهم بينها يبيعون ويشترون من الناتج المحلى أو ينقلون الناس والأمتعة على دوابهم خصوصا بين القرى الجبلية قبل وصول المواصلات الحديثة إليها مقابل أجور زهيدة وكانت هذه المهنة منتشرة في قرانا الجبلية حتى أربعينات القرن الماضي وخصوصاّ بين القرى الحدودية بين سورية ولبنان وبين سورية وتركيا وكانت تحتاج لخبرة ودراية وحنكة وذكاء ومعرفة بالمسالك
الاّمنة ومواقع الاْخطار ليتجنبها حرصاّ على سلامة البضاعة التي يحملها وسلامة الأشخاص الذين اوْتمن على نقلهم إلى الجانب الاّخر من الحدود
وكان المكاري يتمتع بالشجاعة والصدق وروح المغامرة للإيصال الأمانة عبر الفيافي ومسالك الجبال ومواقع الأخطار ولو أراد مكاري تلك الأيام سلوك طريق الشر لكان أثره محدود وشخصي لايذكر أمام جرائم المكاريين ( المودرن ) هذه الأيام
مكاريو هذه الأيام من طينة أخرى يفتقدون للشجاعة والصدق مع أنفسهم ومع الاّخرين يعملون بوسائل حديثة ويكافحون من خلف زجاج قصورهم الملون
يعملون في التجارة دون تعب ومشاق بل دون رأسمال ويجنون الاْرباح دون عناء . تجارتهم لاتعرف الخسارة والبوار أبداّ ماداموا يتاجرون بأوطانهم وشعوبهم معتمدين من العم سام أو جون بول أو شالوم الحريصين أشد الحرص على الديمقراطية بعد أن اعتمدوا المافيات العسكرية المجرمة أربعين عاما متربعة على أشلائنا
كان المكاريون الجدد إلى أمد قريب باستثناء القلة منهم يزحفون خلف هذا الحاكم أو ذاك يحملون المباخر والمزامير والطبول ويتقنون الرقص على كل نغم ما دام الربح هدفهم الستراتيجي والكلام والشعارات رأسمالهم والسياحة مسرح نضالهم والنرجسية بوصلتهم أينما حلوا في الخارج ولا يزيدون شعبنا الذبيح في الداخل سوى مزيدا من التمزق ومزيداّ من التشرذم والعيش على الأوهام والشعارات والإعلانات الخلبية البعيدة عن حياة شعبنا البائس المضطهد الذي يفتش على إعلان للعمل واّخر لسعر الخبز والغذاء والكساء والحد الأدنى من حق الحياة ... ومازال المكاريون حملة الشهادات - في أبراجهم الكرتونية - ودكاكينهم الحزبية المتوالدة كالفطور حتى تجاوزت الخمسين .. قبل أن يمنّ عليهم نظام اللصوص بالترخيص وقانون الأحزاب البعثي العتيد - مازالوا يهرجون على الناس ويعدونهم بالمن والسلوى بعد تقاطعهم مع أمريكا بمحض الصدفة ....؟ وأخيراّ تقاطعوا مع خدام والبيانوني ولانعلم مع من سيتقاطعوا في الأيام القادمة - في سبيل الحفاظ على زعاماتهم الفارغة ذات الخمسة ر
نجوم ...... يالها من معارضة ثورجية تحمل في أردانها أمل التحرير وبين أضلاعها أنّات الثكالى والجياع وأحلام المضطهدين في مملكة الإستبداد واللصوصية
في حين نرى المئات من الشابات والشباب والعائلات المشردة في الخارج من شتى بلدان العالم لايجدوا المأوى ولقمة العيش
شاهدت اّلاف المشردين من العمال والعاملات والطلاب والطالبات من شتى بلدان العالم الثالث يعملون ليل نهار ليدفعوا جزءاّ من أجورهم لتحرير بلادهم أو إصدار بيان ضد جلاّديهم ودعم انتفاضات شعوبهم وفي كل ليلة ينتظر اّلاف المشردين من شبان - المعارضات - الحقيقية من بلدان أمريكا اللا تينية وأفريقيا على وجه الخصوص على أبواب الميترو في المدن الأوربية ليناموا بضع ساعات فيأيام الشتاء القارصة ... أما معارضة المكارية الحديثة فلا تنام إلا في الفنادق ولا تعرف سوي الربح وإملاء البطون والجيوب وأرصدة البنوك .. لهذا تقاطعت صدفة يا سبحان الله مع المخابرات المركزية والسعودية بقيادة ( نفط بن الكعبة ) - العبارة لشاعرنا مظفر النواب - .. وصدفة أيضا يطوف المكارية المستحدثون في أمريكا وأوربا حول قصر أوناسيس العامر في باريس مقابل أربعين من الفضة تلقى لكل منهم من نافذة القصر أو من أحد حراسه ... بعد أن غفر البيانونى وشركاوْه في شركة إعلان دمشق ليمتد لصاحب القصر ومنحوه صك غفران يدخله الجنة دون حساب تجاوز صكوك غفران بابوات روما في القرون الوسطى وهكذا صدق قول ماركس : إن أحداث التاريخ تتكرر مرتين الأولى بشكل مأساة والثانية بشكل ملهاة - وهل هناك ملهاة أعظم في التاريخ من أن يتحول المجرم داعية حقوق إنسان واللص وزيراّ للعدل والعاهرة داعية للفضيلة وبالتالى الخائن المسوْول الأول مع سيده حافظالأسد عن كل ماّسي شعبنا وتسليم جولاننا للعدو الصهيوني دون قتال أن يصبح وطنيا بل زعيم الوطنية يلتف حوله مكاريو المعارضة العتيدة التي كانت وما زالت بتركيبتها وسلوكها و ,,,و و السبب الرئيس في ديمومة نظام القتلة واللصوص حتى اليوم
أعود إلى المكاري القديم الذي كان متواضعاّ بسيطاّ في لباسه ومأكله وطموحاته . يعيش مع الناس أفراحهم وأتراحهم . من طموحاته مثلاّ : أن يمتلك بغلاّ حديدياّ فتياّ قادراّ على حمله بعضاّ من الطريق مع البضائع التي يحملها عبر الطرقات الوعرة ليخفف عنه عناء السير على قدميه لمسافات طويلة - عوضاّ عن حماره الهرم . ومن طموحاته أيضاّ أن أن يرتدي سروالاّ جديداّ وكوفية جديدة ويحمل لأولاده وزوجته بعض الملابس والأحذية الجديدة للأعياد والمناسبات فقط .
كما كان يحمل معه القصص والنوادر الطريفة التي سمعها أو شاهدها أثناء ترحاله إلى مختلف البلدان كان يقصها لنا حول مواقد الشتاء الخالدة في الذاكرة الشعبية التي تجمع الأهل والأصدقاء ... كما كان يعرف حدوده ولا يدّعي شيئاّ فوقها
أما المكاري الحديث فهو علامة عليم بكل شيْ بعض هوْلاء أفرزتهم أنظمة المكارية الديكتاتورية ليبرروا اغتصابها للسلطة بالدبابة والمدفع ولكل نظام مكاريته الخاصة التي تكيل الشتائم للنظام الاّخر وتمتدح النظام الذي يمولها أو تصمت عن جرائمه .. وبعد سقوط أنظمة أسيادهم أو ترنحها للسقوط راح المكاريون يشدون وجوههم القبيحة ويبيعون معاطفهم ( الستراكان ) وربطات عنقهم الثورجية والقومجية على البسطات حتى أن أحدهم أعلن أنه سيحاكم لينين واّخرون بدلوا جلودهم بسرعة لم يجدوا لدى اّدم سميث وريكاردو وبرودون وفوريية ولا عند هيغل ولا عند الكتاب الأخضر للقذافي - لم يجدوا قبعات على مقاسهم فقفزوا دفعة واحدة إلى قبعات الكاوبوي التي أسموها زوراّ ( ليبيرالية ) وهي قمة الهيمنة الرأسمالية المتوحشة للقطب الأوحد
وتعلم المكاريون الجدد الباطنية السائدة في المجتمعات الطائفية وأحاطوا تحركاتهم بالكتمان أمام الشعب بينما كل شيْ مكشوف أمام أعداء الوطن والشعب ..والباطنية فيروسة موجودة في أنظمة الإستبداد الشرقي منذ أقدم العصور لكنها محجّمة في الأنظمة الديمقراطية أو الشبه ديمقراطية بنسب مختلفة .. إن المكارية الذين يلتقون مع خدام وأسياد خدام مباشرة أو بالتبعية أو بالباطنية المكشوفة إلا على الأغبياء عليهم أن يعلنوا ذلك كما أعلن البيانوني دون غمغمة أو جمجمة
وعلى المكارية المستحدثون الذين رأوا في تصدق الأمبريالية الأمريكية على مكارية المعارضة السورية بخمسة ملايين دولار خطوة إيجابية مشروعة ومرحب بها مادام الكونغرس الأمريكي قد صادق عليها . وهذا دليل ثابت على نفي وجود صفقة أمريكية مع النظام السوري الأمر الذي أثلج صدر أحد السماسرة الوقحين لإعلان
( قندهار ) كما أطلق عليه أحدهم احتراماّ لدمشق الحبيبة - ..؟
وإنقاذاّ لشبابنا وشاباتنا من الوقوع في حبائل المكارية المتأمركين والمتسكعين حول قصر أوناسيس فإن صوتاّ خارج الجوقة مثل صوتي وصوت الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان يقطع على المكارية طريق ارتزاقهم على أشلاء الوطن والشعب صارخاّ فيهم :؟
في يدينا بقية من بلاد ........... فاستريحوا . كي لاتضيع البقية
سورية ليست عقيمة وأشبالنا لايقلوا بطولة وإقداماّ عن أشبال فلسطين ولن تكون الحجارة التي يرجمون بها الطغاة وأذنابهم في المدن السورية أقل غزارة من حجارة أشبال القدس وغزة وبيت لحم ونابلس وبيت ساحور ورام الله وغيرهامهما طال الطغيان وتغطرس
وفي ليلة قمراء اّتية لامحالة ستنسل فتاة شمّاء من فراشها لتقطع شرايين الطاغوت في وكره لتهز أعمدة التاريخ صارخة بالنيام على وسادة الذل والهوان :؟
ويلاه من قحط الرجال يا وطني ......... أما من فتاة لهذا الوطن
هل هذا حلم جميل ؟؟؟؟ إن غداّ لناظره قريب
لاهاي - 22 - 2
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟