أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - عائد من الموت - قصة قصيرة














المزيد.....

- عائد من الموت - قصة قصيرة


أحمد فيصل البكل

الحوار المتمدن-العدد: 5687 - 2017 / 11 / 3 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


" عائدُ من الموت " .. قصة قَصيرة

أحسّ أنه فى حال بين اليقَظة والغَفوة، وبينما كان فى تلك الحالة الضبابيّة، شعر بكل خليّة من خلايا جسده تنتفض على حين فجأة، بكى، وانتحب، مستَنزِفا كل قواه الحيويّة، قبل أن يتوجّه إلى ذلك الكائن الضخم الذى تمثّل له متسائلا فى ضراعة وصدق لم يعهد مثلهما فى نفسه من قبل : لماذا نموت؟ لماذا يموت الناس؟ ما معنى كل شيء؟ هل هنالك معنى لكل شيء؟ قال ذلك صراحةً فى وجهه، فرمقه بنظرة خلو من أى أثر . نظرة لم تقُل شيئا . ثم أجاب بنبرة غامضة ليست تليق إلّا بغامض كبير مثله -فيما بدا- : لِما لا تحيا وحسب كأقرانك؟ ألست تأكل، وتشرب، وتحب، وتُصادِق، وتلهو، وتفعل ما يحلو لك؟ لِما لا تقنع؟ لِما أنت مهووس بى؟ أتظن أن هوسك ذاك سيكون شفيعك لدىّ؟ ألا فلتعلم أنه ليس سوى هوسا عابرا، وما ضراعتك وصدقك ذلك إلّا تشنّجات قصيرة فى زمنى اللا نهائى . غدا تنسى كل شىء وكأن شيئا لم يكُن . ما عُمرك كلّه الذى تحسب له كل ذلك الحساب إلّا لحظة تمضى فى طرفة عين . إن داءك هو المبالغة، أنت تبالغ فى تقدير كل شيء . أربكته نبرته المحايدة، ومضى يسترسل فى وجهه الجامد الساكِن : أنت من فعل ذلك . لماذا نحيا كآلهة ونموت كهوام وحشرات الأرض؟ أيهم نحن؟ قُل لى ما الذى يضيرك فى معرفتى؟ ما الذى يروقك فى أن أقف دوما هكذا على الحافّة؟ أجابه بعد صمت طويل بينما كان منهمكا فى فعل شيء ما : هذه ثمرة فعلك . ذلك ما جنيت به على نفسك .
- قل لى بكلمة واحدة فاصلة، ما مبرّر كل ذلك؟ برّر لى المعاناة، والأمل، والصداقة، والحب، والصبر، والألم. برّر لى تلك الحياة التى تراها أنت تشنّج قصير فى زمنك اللا نهائى، وأراها أنا نشأة جليلة فى زمنى المتناهى المحدود . برّر وإلّا كفرت بكل شيء . قُل ولا تراوغ، فأنت تعلم تمام العلم أنّك لست كائنا إلّا بى، كما أننى لست إنسانا إلّا بِك . دعَك من تصوّرك أنّك غنى عن العالمين . لستُ كائنا إلّا بى . تذكّر ذلك . أهلكنى إن أردت ، ولكن إعلم أنّك ستخلو حينئذٍ إلى صمت الأفلاك، والأشجار، والدواب . دَع عنك صمتك الذى لم يعد يثير أية مهابة أو إجلال وأنطق بشىء . أى شىء . فوحدى أنا من شق الصمت فى هذا العالم .
- قال فى غير اكتراث : أنت فى حاجة إلى عِشق الحياة وتأكيدها، لا تبريرها . إنما التبرير هو مطلب الضعفاء . ثم أن كل شىء ينطق حولك . ألست ترى؟
- أجابه بلا مواربة ودون خوف : لا شأن لى بما حولى، أريد معرفتك ومعرفتى . لا شأن لى بقوانين، أو مذاهِب، أو أولياء، أو أنبياء، ليذهب كل شىء إلى الجحيم . ما القوانين، والمذاهب، والنبوّات، إلّا حُجُب ما كان لها أن تفضى سوى للخُذلان والهجران، ولو أردت لقائى حقّا لما نُسِجَت . أريدك أنت بذاتك، شفّاف، واضح، متماسك . أريد اليقين القطعى المباشر . وما كانت هى إلّا لحظات حتى سمع صدى ضحكاته يتباعد، قبل أن يتلاشى صوته وينخلع من رأسه إلى غير رجعة .

وأفاق على حين فجأة مبصِرا مستَعمرته الممتدّة من المطبخ شرقا إلى غرفة النوم غربا، تلك المستعمرة التى طالما ظنّ أنها أرض ميعاده وملكوته المنتظر . المستعمرة التى خال يوما أن جدرانها ستنكمش وتنطبق على نفسها فى كل صباح جديد إجلالا له، غير أنها ظلّت دوما عاجزة عن إرضاء غروره، تماما كما تمنّعت الجدران على انكماشة الإجلال المُشتهاه ! مضى "يبرطع" بين رعاياه، ثلاجته الممتلئة بالأكلات الجاهزة الباردة، وجُدرانه التى لم تنشق يوما إعزازا له، وشُرفته الخالية، وكل شىء . وجعل يقلّب فى رسائل هاتفه، فوقع نظره على إحداها تبلغه بوفاة عمّه صباح اليوم، توقّف أمامها بعض الشىء، وحدّق فى السماء الغائِمة اللائِحة من خلف النافذة، فراح يستدعى كل ما يمكن أن يحرّر فيه نزعة الرثاء ويطلقها لئلّا يغدو الحدث ناقصا، ولكن دون جدوى . وتثنّت الغيوم وارتسمت على هيئة وجه تلوح فى قسماته نظرة وانفعال عصىّ على الفهم، حملق فيه بملء عينيه، لم يدرِ أهو فعل أم انفعال ذلك الذى استقرّ فى هذا الوجه المثير للتأمّل، فذهب يتناول شرائح اللحم المُغطّاة بالبصل .
كانت الشمس قد بدأت تتهاوى فى المَغيب رويدا رويدا حين رحل ليلحق بطقوس الدفن، شمس الخريف الخَجلى، هناك فى مقابر حى السادس من أكتوبر حيث يقع المَدفَن مُحاطا بإطار معدنى أسود، مطلّا على مَمشى رَملى لا يكاد يُدرك النظر مُنتهاه . هبّت نسائِم خريفيّة حلوة تبشّر بسعادة ولذّة ما فى استقبال سيارة الموتى، ما لبثت أن أورثته سكينة جوّانيّة خفيّة . تحلّق الشُبّان والعجائِز حول التابوت، وران الصمت على الجميع، صمت الواجب، قبل أن يمضى أحد العاملين بالمقابر فى اجترار كلمات وأذكار العزاء الدينيّة فى عجَل، عزاء خاطِف مَكرور يتوسّل الختام ليُطالِب بالصدقة . اشتدّت النسمات الحلوة، وقُذِف بالعَم الساكِن تحت الأرض كأى بقايا نفايات أو فضلات، فداخلته رغبة لا يعرِف مأتاها فى البقاء طويلا، قبل أن تند صرخة من أحدهم يقول لآخر : الجدع دة مش لسه دافنينه من كام يوم يا نبّاش؟ فرد الآخر : آى والله هو . وما أن أتمّ التفاتته حتى وجد حفنة من هؤلاء يهرولون ناحيته، فلاذ بالرَكض بكل ما أوتى من قُدرة، وبمجرّد أن عدّل من وضع رقبته ليكشف الطريق أمامه، داهمته سيارة بسُرعتها القصوى، فأردته جسدا بلا حراك !



#أحمد_فيصل_البكل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -البائِع- .. قصة قصيرة
- - الإنسان العالق -
- - الوهم اللذيذ - .. قصة قصيرة
- - إرادة السعادة -
- - لحظة -
- - خربشات .. المانيكان -
- - خربشات 2 .. نرسيس الذي أُسيء فهمه ! -
- - خربشات -
- - لا شيء -
- - لاعب النرد - و - شفقة -
- - الفرج - و - عم حسنين -
- قصتان قصيرتان
- خالعة العقد .. قصة قصيرة
- - أزمة وعي -
- هل الإسلام دين شمولي؟ نظرة لحد الردّة
- مدام هناء .. قصة قصيرة
- الضاحك الباكي .. قصة قصيرة
- المأزوم .. قصة قصيرة


المزيد.....




- في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال ...
- أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
- من أجل قاعة رقص ترامب.. هدم دار السينما التاريخية في البيت ا ...
- شاهد/ذهبية ثالثة لإيران في فنون القتال المختلطة للسيدات
- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-
- تمثال من الخبز طوله متران.. فنان يحوّل ظاهرةً على الإنترنت إ ...
- مسك الختام.. أناقة المشاهير في حفل اختتام مهرجان الجونة السي ...
- ايران تحرز ميداليتين ذهبيتين في الفنون القتالية ببطولة آسيا ...
- فلسفة الذكاء الاصطناعي.. الوعي بين الفكرة والآلة


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - عائد من الموت - قصة قصيرة