أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - خربشات 2 .. نرسيس الذي أُسيء فهمه ! -















المزيد.....

- خربشات 2 .. نرسيس الذي أُسيء فهمه ! -


أحمد فيصل البكل

الحوار المتمدن-العدد: 4707 - 2015 / 2 / 1 - 11:21
المحور: الادب والفن
    


اقتربنا أنا وهو من بار عمر الخيام المنزوِ في أحد فنادق الهرم ، وبهو الفندق على عادته يبدو متأبّيا متمنّعا على سنن المواقيت ، معزولا عمّا سواه ، ووجوه من هم في الاستقبال مستبشرة كوجوه الباعة الذين لا يُمسك المرء بحقيقة انطباعاتهم إزاءه ، اصطحب هو في يده كأس الكونياك واقتادني إلى الديسكو بالأسفل ، والديسكو بالأسفل كالاستقبال والبهو يبدو متأبّيا على الاستحالات ، وهو غارق حتى الثمالة في اللذائذ والمباهج والمباذل ، بعض الأجساد تُبذل فيه لأجل ليلة واحدة عابرة ، وبعضها يُبذل لأجل الجيب الديكتاتور الذي يأمر فيُطاع ، ودخلنا فجلسنا . على منصة الرقص كانت إحداهن تثنى ساقها إلى أعلى وكأنها تحاول مد أطراف الوصال بين ساقيها وشحمتيّ أذنيها ، كانت متحرّكة وأخّاذة ، تتهادى تارة وتتثنّى تارة وكأنما استولت عليها نوبة من نوبات الهوس ، وهي في مظهرها بدت وكأنها لوحة من لوحات عصر النهضة الجدارية الإيروتيكية ، لوحة مشخّصة مُعاشة ، سُمرتها برونزيّة ملتهبة لافحة تتحلّب لها الشفاه وتتقلّب ، وشفتيها تتوسّطان النحافة والاكتناز وقد اختلج بينهما توتّر لا يخطئه ناظر ، غير أن توسّطهما بدا لي حين دقّقت النظر بالغريزة توسّط آحاد لا توسّط مجموع ، إذ أن شفتها العليا متوارية خجلى مطموسة فوق اللثة ، على حين بدت الشفة السفلى ناتئة نافرة مُضرجة بالأحمر القاني اللامع المستفز بحيويته وكأنها تصرخ من الأعماق المحتجبة : ها أنا ذا .. من ذا الذي يجسُر على مقاومة فتنتى ؟! وصدرها ليس ناهدا عامرا رجراجا كتلك التي كانت تجلس قبالتها ، وإنما هو صدر أقرب إلى صدر الكواعب المراهقات ، بيد أنه كان منتصبا مشدودا فائرا يعكس شخصية عصبية حارقة . كانت تلفظ الحروف على نحو ملفت ، تلفظها على نحو مبدأه أرستقراطي ومُنتهاه قروي ! وكأنها تحوي بين جوانحها ثقافتين متناقضتين ! كانت تعوزها فقط بذلة مزركشة لتبدو وكأنها تؤدّى دور ما في فلكلور شعبي ، والحق أنها ليس مؤدّية مطلقا ، وإنما هي خبيرة في فن التبذّل المستعصِ على العفيفات القانتات الهزيلات اللواتي ورثن الظن بأن إخراس الجسد فضيلة ، كما أن حديثها المنغوم المغناج يشي بعطيّة في فن التعهّر العريق .
كان صديقي قد اقترب من الانتهاء من كأسه ، ولست أدري لماذا يفضّل الكونياك بالذات ، ولكنني أشعر أنه يجد لذّة خاصة في إهدار مالا أكثر ولذلك يتخيّر النوع الأثمن . ومنذ عرفته تلوح في عينيه الآفلتين بوادر سؤال أبدي لم يجهر به يوما وأنا بدوري لم استنطق فيه الرغبة بالمجاهرة ، فثمة أشياء لا يجب أن تُقال وتُلقى هكذا على رؤوس الأشهاد . وهو برغم أفول عينيه لا يخلو من عمق ولا تنضب قريحته طرافةَ ، وربما يعود ذلك إلى كونه لم يستمر في وظيفته مرتين ، فالحياة النظاميّة لا تورث إلّا بلادة الروح ولا تذر إلّا خمود الرغائب الفوّارة التي لا تستكين ، والحكمة الحقّة لا تجدها إلّا بين معشر الكسالى مثله ، الحكمة مُلقاة على قارعة الطريق وفي المقاهي والمخابز والملاهي مختلطةً برائحة الملح والتبغ والعرق والدخّان لا في المكاتب المُغلقة ، وكل من نُعتوا بالفلاسفة والأنبياء عاشوا حياة لا نظامية بشكل من الأشكال .
هؤلاء الذين يضحكون ويقهقهون هل تستبد بهم تلك البهجة لكونهم أمام ذلك القوام؟ لم يكن رقصها يعبّر عن احتفاء بالجسد وباللذّة وإنما كان رقصا مدنيّا أكثر منه رقصا طبيعيا ، لم يكن معبّرا عن واحدية الجسد والوعي ، والجسد في الثقافة المدنيّة يبقى شيئا مُلحقا من الدرجة الثانية . وما كانت هي إلّا لحظات حتى أحاط بقدّها الأهيف حفنة من الشبّان ، اقترب منها أحدهم وبدا أكبر من البقيّة سنا ، كان متدثّرا بجلباب رمادي وقد التمعت أصابعه بخواتم قرمزية ضخمة ، أحاط بخصرها وهو يلقي عليها أمازيح خرقاء أثارت فيما بدا لي نفورها بينما كان الرذاذ يتهاوى من بين شفتيه الغليظتين ، بدا وكأنما هو في أحد مواخير الدرجة الثانية . غمز لي صديقي وأومأ وهو يقول : Beauty and the Beast ، أهله هيركّبوه الحمار بالمقلوب لو شافوه ! ضحكت وقلت له إنه لابد يبحث عن شيء ما لا يجده مع زوجته وأولاده وسوق روض الفرج الذي يتاجر فيه . لم يكن منه إلّا أن نظر لي بعينيه الآفلتين اللتين تعكسان الخواء نفسه والسؤال المتمنّع على المجاهرة نفسه . وسألته فيما إذا كان يعتقد أن هذا هو الحل ، فقال لي لماذا لا يكون هنالك في مصر شارع كشارع كلارا نورّا شيركوجاتان الذي كانت تُباع به الأدوات والألعاب الجنسية وتُقام به دار عرض لأفلام الجنس ؟ هل نحن أكثر مدنيّة من الدنمارك مثلا التي تقيم مهرجانا غنائيا سنويّا ينتهي بسباق للعراة بروسكيلدة ؟ مثل هذه الدول تعرف تمام المعرفة أن المدنية تقتل الإنسان بالبطىء وستدفعه للثورة عاجلا أو آجلا ، تعرف أن الإنسان ليس عقلا خالصا ولا يمكن أن يكون كذلك . فقلت له مجدّدا : وهل هذا هو الحل إذا؟ فأجابني بنظرته الآفلة نفسها سائلا عن أي حل أتحدّث ، وقال إن الكل يدّعى أن لديه الحل ولكنهم لا يحدّدون أية إشكالية تلك التي تحتاج لحل ، السوفييت تكبّدوا سبع مليار دولار ليقنعوا العالم بأن الإلحاد والشيوعية هما الحل ، وفي مصر قالوا الموظفون الذين عادوا بجيوبهم عامرة من دول الخليج في السبعينات والثمانينات إن الإسلام هو الحل لأنه بات مرتبطا بالنفط وبالدولارات ، وفي "بي" في سان فرانسيسكو في عصر الثورة الجنسية الغربية قال أحد شبّان الهيبيز في الستينات إن تجربة الحب الحر وسيرهم عراة بسان فرانسيسكو وبشارع التيليجراف إنما هو أكثر الأفعال معقولية في أميركا والفعل الوحيد الذي له معنى في هذا العالم ، وبوضوح كان يود أن يقول إن هذا هو الحل لديهم . وسألني مجددا وحُباب الكونياك يصطرع في كأسه : لو المشكلة مشكلة قهر اجتماعي واستغلال زى ما حل الاشتراكية بيقترح ليه نسبة الانتحار عالية في الدول الاسكندنافية اللي تقريبا مختفي فيها القهر والاستغلال ؟ وإذا كانت مشكلة كبت ليه سياحة الانتحار في سويسرا بتسجّل سنويا ستمية عملية غير المسكوت عنهم من بينهم عمليات لشبّان في العشرينيات مافيش عندهم أمراض؟! شعرت أنه يقصد أن الخواء الوجودي لا علاقة له بقضيّة الاستغلال أو بالكبت أو بالإيمان ، وهممت بجذب نفس عميق لأبدأ في النطق بكلمات متحذّلقة وكأنني أخطب فيه قبل أن أؤثر التزام الصمت لأنني سرعان ما أحس بالخزى بعد التلفّظ بتلك الكلمات التي لا أشعر بوقعها ، ولست أفهم لماذا خطر لي نرسيس وهو يحدّق في البحيرة متعجّبا لظمأه الذي لا ينتهي ، لم يكن نرسيس مفتونا بصورته كما ألفنا ، وإنما كان مدهوشا لكونه ينزل إلى قرارة البحيرة ويخرج في كل مرّة ليُفاجأ بظمأ جديد لشيء يتمنّع على الاكتناه ! نرسيس الذي أُسيء فهمه !



#أحمد_فيصل_البكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - خربشات -
- - لا شيء -
- - لاعب النرد - و - شفقة -
- - الفرج - و - عم حسنين -
- قصتان قصيرتان
- خالعة العقد .. قصة قصيرة
- - أزمة وعي -
- هل الإسلام دين شمولي؟ نظرة لحد الردّة
- مدام هناء .. قصة قصيرة
- الضاحك الباكي .. قصة قصيرة
- المأزوم .. قصة قصيرة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - خربشات 2 .. نرسيس الذي أُسيء فهمه ! -