أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - خالعة العقد .. قصة قصيرة















المزيد.....



خالعة العقد .. قصة قصيرة


أحمد فيصل البكل

الحوار المتمدن-العدد: 3980 - 2013 / 1 / 22 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


(1)

حدّقت به فوجدته يلتمع فوق صدرها ، يلتمع لمعاناً غير عادياً وكأنها المرة الأولى . لم تدرك لماذا سرَت في جسدها تلك الرجفة الشديدة كتيار كهربائي إستنفذ كل طاقته في ثوان معدودات ليترك ضحيته جثة هامدة لا تتبدّى عليها أي من علامات الحياة .. أو إمارات الأمل ! كان الأمر الإعتيادي أن زوجها يتقلّب قبالتها في مسعاه لمغالبة النوم ككل ليلة . هو ذو الشارب الكثّ والكرش المتدلّى الذي يكاد يضغط على أفخاذه التي تتراءى للناظر للوهلة الأولى وكأنها منفصلة عن جسده . هو هو ، لم يجدّ بالأمر جديد . أمّا الأمر الإستثنائي أنها تذكّرت كل أحداث تلك الليلة دفعة واحدة .

كانت ليلة من ليال عيد الأضحى ، وكانت تشق عباب الفضاء نسمات صافية تثير الشجن في نفس من لا حس له . لم تدرك هي ما الذي دفعها للوقوف أمام المرآة تتفحّص ملامحها مليّاً ، وكأن ما كان محتجباً ، خفيّاً ، بات في تلك اللحظات متكشّفاً ، ناصعاً . كان جسدها الضئيل وأطرافها الدقيقة يزيدانها براءة ، وكانت وجنتاها المشرّبتين بلون وردي تضفيان عليها لطفاً على لطف ، وعذوبةً على عذوبة .

لم تعي لماذا قادتها إرادتها إلى هناك ، كل ما فعلت هو أن قالت بصوت خفيض : " وسط البلد يا أسطى " . فلم تكن تعلم حتى إلى أين بالتحديد في وسط البلد ، فضلاً عن أن تعلم ماذا تريد من هناك .

كان ميدان " طلعت حرب " الذي لا يخلو في أي وقت من أوقات اليوم يؤدّى دوره المعتاد ، فهو الميدان الذي يرتاده المثقفون ، والبلطجية ، والأطفال ، ومصورو القنوات الفضائية . وهو المكان الذي يحتضن الإحتفالات بالأعياد وأعمال الشغب والصدامات برحابة الصدر نفسها .

أخذت تتلفّت حولها قبل أن تقترب من أحد الباعة الجائلين الذين يفترشون الرصيف لتسائله : " بكام دي؟ " ، كان بالوناً في نهايته أسطوانة بلاستيكية سوداء تزيّنها قطعاً ورقية ذهبية رقيقة من حولها . راحت تنفخ به لتدعه يمتلىء قليلاً بالهواء ثم تتركه يفرّغه للخارج محدثاً صفيراً عالياً . أخذت تكرر هذا في تلقائية وهي تسير متجهة إلى لا شيء . كان يُخيّل إليها كما لو كان هذا الصفير قادراً على التعبير عمّا يعتمل بين جوانحها على نحو فُكاهي ، فتركته يدوّي تباعاً . لقد كانت تسلك سلوك الأطفال ، ولكن هل هي طفلة ؟ من غير الجائز أن تكون طفلة ، فهي في خانة الحالة الإجتماعية في بطاقتها الشخصية ليست عزباء ، وهي حرم الدكتور حسن ، وهي الأم لولد وبنت ، حتى أن أحدهم بدا وكأنه لم يغفر لها تناسيها لجسدها الذي ربما بدا له ممتلئاً قليلاً صارخاً في وجهها من فوق دراجته : " يسلم اللي نفخ ! " .

مازال زوجها يتقلّب ، بينما عيناها تبدوان شاخصتان إلى أعلى في مقابلة السقف المكتسي بالبياض . مازالت كلمات أمّها تتردد على مسامعها بالقوة والحزم ذاتهما : " العريس أزهري ملتزم ، ستدخلين حين ينادي عليكِ أخوكِ . لن تأتي في المرة الأولى ، ستأتين بعد أن يعيد أخوكِ مناداته . لماذا يا ماما؟ ، نحن الأدرى بمصلحتك ، ومن المهم جداً أن تظهري خجلك . ستقدمين ما سنشربه ، ثم تقومين بفرد فستانك من الخلف وتجلسين ضامة قدماكِ إلى بعضهما . لا تنظري إليه كثيراً ، وإن فعلتِ فلابد ألّا ينتبه إليكِ . ولا تقاطعي أحداً في حديثه ، فليس عليكِ التدخل في ما يعنينا نحن .

كان المتقدّم لطلب يدها ملتحياً . أخذ يحدّثهم عن طبيعة عمله في السعودية ، وفي معرض حديثه أخبرهم بإقتضاب أنه كان عضواً في إحدى الجماعات الإسلامية ، ويبدو أنه كان يظن أن حديثه ذاك سيترك الأثر ذاته الذي كان من الممكن تركه لدى المزاج الشعبي المصري في أعقاب النكسة حيث صعود نجم التيارات الإسلامية . وإستطرد قائلاً : " لكن الكفرة ولاد الكفرة مصممين دايماً على تشويه صورتنا وصورة أمثالنا " فتدخّلت أم العروس وأخوها الأكبر في نفس واحد : حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم ! لم تنطق أختها الكبرى كثيراً ولا عجب في ذلك ، ففضلاً عن أنه ليس عليها التدخّل إلّا في أضيق الحدود ، كانت ذات شخصية عملية لا تجيد الثرثرة ، فظروف الحياة فرضت عليها مع موت الأب باكراً أن لا تعبث خارج حدود دائرة الواقع .. الواقع المر وصفوده التي ينتفى معها كل حلم وكل خيال . إندفعت الأم إلى الداخل تجاه غرفة العروس وربتت على يديها الصغيرتين هامسة : نفذي كل كلمة ، نحن في أشد إحتياج لتخفيف العبء عن أخواتك ، المعاش الذي أقبضه كل أول شهر لن يفعل الكثير لجهازك . العريس ميسور الحال . فلننتهي من كل شيء الآن في بساطة . كانت تهمس في نبرة تشوبها صرامة يخالطها بعض الإستجداء .

في صوت جهوري ينبىء بأن صاحبه لم يدرك يوماً للحميمية او الإختلاء بحبيب سبيلاً ، كان يواصل المتقدّم للزواج حديثه عن الإضطهاد والتشويه الإعلامي . كان التمادي في حديثه ذلك يعطي إنطباعاً أنه مصدراً للجذب أكثر من كونه تعبيراً عن قناعات . مصدرُ للجذب يجد في مواجهته على الجانب الآخر قبولاً تاماً لكل حرف كان بإمكان لسانه أن يلفظه .

كانت مازالت تقرع بالأسماع وترسخ بالأنفس جرائم السرقة بالإكراه المستشرية كالنار في الهشيم ، وحوادث إختفاء الفتيات القاصرات وتزويجهن في شقق مفروشة على أطراف المدينة على نحو منهجي ، وحادثة مقتل الشيخ محمد الذهبي وزير الأوقاف ، وظهور جماعات المعارضة العنيفة والقبض على أعضاء التنظيم لبعضهم وإعدامهم كجماعة المسلمين ، غير أن أهل العروس لم تبدُ عليهم أي من علامات القلق حيال المتقدّم لزواج إبنتهم . كان كل شيء يسير وفق المخطط له ، كما أن الأم كانت تعرف أم العريس جيداً .

الشربات يا نجاة - هكذا صاح أخوها - . دخلت نجاة مسرعة على عكس ما أوصت به أمّها وألقت بالتحية على العريس ووالدته ، وكانت قد كوّرت جزءاً من شعرها فوق رأسها ، وتركت إحدى خصلاته الكستنائية اللامعة تتهدّل فوق جبينها الغضّ - كان المظهر ذاته الذي ظهرت به إحدى عارضات الأزياء الشهيرات وكانت قد أخبرت عمّتها أمّها أن تنصحها به - .

إزيك يا شاطرة؟ .. الباشمهندس عمرو إبني مهندس مدني قد الدنيا ومستريح و راجل بتاع ربنا ومفيش فيه عيب . ولا لكم رأي تاني؟ . كانت نظراتها متحجّرة ونبرتها حادّة جافّة ، كانت ماهرة في أداء دور " أم الذكر " التي بإمكانها أن تزوّج إبنها أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً ، وكانت كلماتها موجّهة بالتأكيد لأم العروس وأخوها . كان حديثها ذاك يصرف إنتباههم عن نظرات إبنها المسددة بإتقان لكل ما يمكن أن تطاله من ثنايا جسد نجاة ، أو على الأقل يحاول ذلك تفادياً للإحراج .

الأم والأخ كانا جالسان على كرسيين جنباً إلى جنب ، وكان عمرو جالساً إلى جانب والدته على الأريكة ، بينما كانت نجاة منزوية وحدها على كرسي يبتعد قليلاً عن أمّها في مواجهة عريسها . كانت ضامة يداها وقدماها إلى بعضهما ، وعيناها البنّيتين إلى أسفل ، تاركةً كل من في الحضور يتحدّث عنها ويطلق نظراته نحوها دونما تدخّل . كانت كدمية آخاذة في إنتظار إنتهاء المفاوضات فيما بين المالك والمشتري لتمضي نحو مصيرها في صمت .

كان عليها أن تحصي شهقاتها ، وتنتبه لزفراتها ، فكانت الشهقات من المفاتن ، وكانت الزفرات من المباذل ، هكذا كانوا يظنّون .. أو ما عليهم أن يظنّون . كان عليها أن تعي جسدها جيداً ، وأن تعرف كيف تحيا بداخله .

لم يكن عليها إلّا التلصّص بأذنين سليمتين ، وإستراق النظرات بعينين صحيحتين . لم يُراد لها إلّا أن تضاعِف المسافات فيما بينها وبين من حولها .

عبثاً كانت تحاول التدخّل في حديثهم ، غير أن محاولاتها كانت تتكسّر دوماً على صخرة صغر سنها ، ومحدودية خبراتها ، وعدم مشروعية إرادتها . فقط بين الآن والآخر كانت تثبّت عيناها في عينيه ، تثبّتهما للحظات ثم تهبط بهما لأسفل مجدداً .

أشارت الأم برأسها لنجاة فما كان منها إلّا أن إنطلقت مسرعة تجاه غرفتها ، وكانت أختها الصغرى فاتن قد ألقت بكامل جسدها على الباب عساها تلتقط ما قد يتناهى إلى مسامعها ، وبمجرد أن رأت أختها حتى إستوقفتها وأخذت تطالع وجهها مليّاً ، غير أن الغيظ إستبد بها سريعاً ، فما تلمّسته على ملامح أختها لم يحمل الشيء الكثير ، هي نفسها ملامح ذاك الصباح ، وهي ذاتها نظرات الأمس . كانت تمنّى نفسها أن تراها متهللة منفرجة الأسارير ، أو حتّى عابسة ، شاحبة ، ولكنه أبداً لم يحدث .

لقد قضت فاتن تلك الليلة بعينين أنهكهما السُهد بينما إستغرقت نجاة في نومها طويلاً ، وكانت تتعجّب أختها كأنما تقول في نفسها : كيف لفتاة في مثل تلك الليلة أن تنام ؟ وكيف يجرؤ النوم على الإقتراب منها ؟

فاتن كانت فتاة في الصف الثاني الثانوي ، ككثُر من بنات جنسها لا يعنيها من أمر الحياة شيئاً إلّا الزوج ، زوج تبيع له جسدها ، وإسمها ، وهويتها ، ومستقبلها ، ومسئوليتها ، زوج يستوطن كل ما تملك مقابل الحماية . فلم تكن فاتن تعي العاطفة سوى في البذل ، ولم تكن تدرك الحب إلّا في التضحية .

- " إيه اللي حصل؟ إتفقوا على كل حاجة؟ " هكذا سائلت فاتن أختها في لَهفة . نظرت إليها نجاة في صَمت ثم إتجهت نحو النافذة التي تطل على الشارع ، وراحت ترقُب المارّة الذين يبرزون بين الفينة والآخرى ، وتطالع الحوانيت المتراصّة . تنسّمت ما بقي من لَفحة شتوية صافية شدت الرحال لتحط على محيّاها . كان الخواء قد أحكم قبضته الصارمة على المحال ، وأفصح السكون عن وجهه الجَهِم أمام الحوانيت ، فليس هنالك من صخب ولا من عجب أيضاً ، فكانت تلك هي ليلة رأس السنة الميلادية ، وهي الليلة التي تطل في مساءها " الست " على الشعب المصري بكل فئاته وأطيافه ، والخواء والسكون اللذان يحطّا أوزارهما إنما هما ما يمثّلا علائم الإشتياق رغم غياب مطربتهم المفضّلة التي غيّبها الموت ولم تغب عن ذاكرتهم ، مطربتهم التي إرتبطت لديهم بعودة مصريتهم فربطوا تلك الليلة وغيرها بها .

حارت فاتن في أمر أختها وكسرت الصمت قائلة : شكلة إيه؟ طريقة كلامه إيه؟ بيشتغل إيه؟ ، وما كان من نجاة إلّا أن إنعطفت بشفتيها يميناً مبتسمة نصف إبتسامة قبل أن تشرع في إجابتها : مقبول الملامح ، قمحي البشرة ، وطويل . يعمل مهندساً مدنياً . أما طريقة كلامه فليس بها ما يميّزها ، كانت عيناه أسرع من لسانه . ثم كيف كنتِ تتنصّتين لكل ما حدث ولم تستطيعين سماع أي شيء؟!

أنا ما... قاطعت الأم فاتن وكانت ماتزال مرتدية عباءتها وغطاء رأسها الأسودين وقد بدا غيظها مستعراً وقد بلغ الغضب بها ما بلغ حيث قالت صارخة : ماذا فعلتِ يا مجنونة يا عديمة الرباية؟ تصرّين على غباءك؟ تتجاهلين كل من حولك وكل ما حولك لأجل ماذا؟ ألا تعرفين قيمة المعاش؟ أم لا تعرفين أننا ندفع إيجاراً كل شهر؟ أم لا تعرفين كم من الممكن أن يتكلّف جهازك؟ ألست تدركين ظروفنا؟ إنكِ لا تدركين أي شيء ! سيصل أخوكِ آخر الشارع لدى عمّك عبد العزيز ليتّصل بخالتك ، جهزي نفسك ، فستمكثين لدى خالتك أسبوعين ! ثم دفعت الباب بقوة وإنطلقت للخارج .

أسدل الصمت أستاره في لحظات كفّت بها الشفاه عن الحراك ، وبدت فاتن التي لم تكن تقضي ليلها إلّا في الحديث لأختها عن الحنّة وليلة الحنّة ، زائغة العينين ، حيث نسج الوجوم خيوطه على أنفها الأقنى وشفتيها المكتنزتين ، وبدت أناملها وأطرافها متصلّبة وكأن حياتها توقّفت للحظات . إمتدت أصابع نجاة إلى خصلاتها المكوّرة فوق رأسها وجعلت تتحسسها ثم حررتها وتركتها تنساب إلى الخلف . أخذت تنظر لأختها ثم أشاحت بعينيها بعيداً قبل أن تقفز لتقف أمام المرآة تعيد تصفيف جزءاً من شعرها ، ثم تركت أختها وخرجت إلى الردهة وقالت : سأحضر أنا لكم اليوم حمّص الشام ، لديكم شطّة وكمّون كفاية؟ ثم جلست بجانبهم تطالع حفل ليلة رأس السنة .

دخلت غرفتها بعد إنتهاء الحفل ، وكانت فاتن في مكانها نفسه كما كانت . إقتربت أختها منها وقالت مشدوهة : " إيه اللي حصل؟ كلام ماما معناه إيه؟ " أجابتها نجاة في نبرتها المعتادة : كما سمعتيها . ليس لدىّ غير ما قالت لأقوله .

- العريس كان مناسب جداً ، إيه اللي إنتي عملتيه ؟

- لم أفعل شيئاً ، تركتهم يتحدّثون كما يريدون ، ثم طلبت أمك مني أن أذهب .. لا أكثر ولا أقل . أكلتي حلبسّة؟

- فاتن وقد أطبقت أسنانها فوق بعضها ليبرزا فكّاها : لا . ومش هاكل !

- كل النسب مضبوطة ، الشطّة والليمون والكمّون . سيفوتك الكثير إن لم تجربي حمّصي هذه المرة .

- فاتن وقد بدت الحروف على لسانها كمقذوفات ملتهبة : مفيش أكلة سخنة قبله؟ بدل الأكلة الباردة اللي أكلناها؟

- ألا تكفي سخونتك؟! تجيبها نجاة وقد أشهرت لسانها في وجهها .

- هتعملي إيه؟ هتروحي لخالتك؟

- نجاة وهي تعيد صقل أحمر الشفاة : وما المانع؟

- فاتن بعد أن تلعثمت وكأن الكلمات تأبى إلّا أن تتفلّت منها : لست أدري . لكنك عارفة خالتك أم البنات وحساسيتها بسبب هذا الموضوع ، إنها حسّاسة تجاه كل من لها أولاد حتى وإن كانت أختها ، نحن جميعاً نعرف هذا جيداً . ثم أنها ستسألك عمّا حدث اليوم . أمك تزودها بالأخبار أول بأول .

- وإيه المشكلة؟ خالتك مش بتظهر حساسيتها دي لينا إحنا البنات ، إحنا وبناتها واحد . ثم إنها تسأل عن اللي حصل أو لا إيه المشكلة في دة؟! - تجيب نجاة وهي تضغط شفتاها وتضمّهما فوق بعضهما ليكتسبا نفس درجة أحمر الشفاة - .

- أنا بتكلم لمصلحتك . فكري تاني .

- نجاة في نبرة ساخرة : ماشي يا غلباوية . خليكي إنتي في المذاكرة . الإمتحانات على الأبواب . ولا أقول لك .. قومي حضري معايا هدومي .

مازال زوجها يتقلّب وهو يطلق زفراته التي لكل منها نغمة مختلفة ، ومازالت يداها الرقيقتين متشابكتين تحت رأسها ، وعيناها مثبتتين في الفراغ . فوجئت بإبنتها ياسمين تطرق باب الغرفة وتفتحه فأغمضت عيناها ، أو تركتهما نصف مفتوحتين - كعادتها عند النوم - . أخذت إبنتها تحدّق في الداخل ثم ذهبت . فإتسعت أعين نجاة مجدداً ، وإنطلقت إلى الوراء من جديد .

(2)

ما أن إجتازت نجاة أدراج السلالم الحجرية المتآكلة وبوابة العقار الحديدية ذات اللون الأسود حتى وجدت الطقس شديد البرودة ، وبدت الأرض الأسفلتية منكمشة وكأن جبلاً جليدياً تعبث قمته بها من أسفل ، وخُيّلت إليها السماء وكأنها تبعث وميضاً يشيع ويفيض صقيعاً . أدركت يقيناً أن كل ما شعرت به إنما هو واقعاً حيّاً حالما داهمتها قطرة تركت أثراً لامعاً على جبينها قبل أن تتهاوى على وجنتيها لتستقر عند حافة فتحة أنفها اليمنى الضيقة . كان طقس تلك الليلة غير سابقاتها بالتأكيد .

المسافة من " سانت تريزا " إلى " روض الفرج " لم تكن كبيرة ، لم تكن في حوزتها سوى حقيبة واحدة ، وكان يصطحبها أخوها علي . وكان علي هو الذي يلي فاتن ونجاة ، فكان هو ثالث الأخوة في الترتيب من حيث العمر . ورث عن والده أناقته ، ومشيته المنتظمة ، وجسده النحيف المسكوب بإتقان .

مال عليها أخوها وقال في نبرة خافتة : كم ستقضين لدى خالتك؟

- قالت : أسبوعين . ماذا عن موضوع سكنك في بورسعيد؟ ألم تحاول بعد أن تستعين بأحد ممن في الجامعة؟ - سائلته في لهجة حانية - .

- إنتي عارفة يا جوجو ، الأمور دي مابقاش لها لازمة ولا فايدة ، وأنا لسه طالب جديد وعلاقتي مش ناضجة بحد . أنا إتفقت مع محمود عموماً إننا هنتقابل آخر الأسبوع . أنا محتاج الإستقرار . - وكان علي قد رسب في كلية التجارة بجامعة السويس في عامين متتاليين - .

- ربنا معاك يا علي - قالت نجاة قبل أن تهم بتركه في طريقها لخارج المحطة - .

بناية من خمس طوابق ، ليست بها من معالم تميّزها ، يبدو طلائها الأصفر مشقوقاً وكأن أحداً كان يحاول نزعه وقد بدت حبّات الغبار عالقه على واجهته . تتلو " قصر ثقافة روض الفرج " ، متوسطةً شارع " المسرّة " ، في مواجهة " كنيسة العذراء مريم الأرثوذكسية " . هناك كانت تسكن خالتها " مديحة " .

رحبت بها خالتها وإحتضنتها بحرارة ، وكذلك فعلن بناتها ، أمل وسعاد وهبة . كُن ثلاثتهن خريجات ، لم يتزوجن أو يرتبطن بعد . حملت أمل عن نجاة حقيبتها و رافقتها إلى غرفتها بعد أن إحتضنتها على مضض وقبّلتها ثلاث قبلات باردة وكأنما كانت تؤدّى واجباً ثقيلاً عليها وهي تقول : كيف حالك يا نجاة؟ ، لم نراكِ منذ فترة . إن شاء الله تكون أول مرة وليست الأخيرة . منورانا يا قمر .

أمل كانت من ذلك النوع من الفتيات اللواتي يتحدّثن بكل ملامحهن وأيديهن ، فحين يتحدثن لا تتحرك ألسنتهن فقط ، بل عيونهن وحواجبهن ورؤوسهن وأصابعهن ، فحين ينطق اللسان يتحرّك معه كل شيء حركة متناغمة . إنهن جاذبات للإنتباه ، ونشيطات أيضاً بلا شك .

كذلك كانت من هؤلاء الذين يهوون تفحّص من أمامهم من الخارج والداخل ، فبإمكانها ملاحظة هذا الخدش البسيط الذي أصاب ذلك الحذاء الذي كان سليماً ، أنيقاً ، في آخر مناسبة ظهر بها . كما أن بإمكانها ملاحظة زلّات اللسان ، فربما حتى تسأل سؤالاً قد سألته منذ فترة وعرفت إجابته فقط لتتيقّن من نوايا من تحدّثه .

إصطحبت أمل نجاة إلى الغرفة الكائنة في أقصى يمين الردهة التي لا تتجاوز ثلاثة أمتار وقامت بجذب المقبض النحاسي وهي تقول : دي أوضتك ، ودة دولابك . إتعاملي معاهم على مزاجك . وإمتدت يد أمل للدولاب اللصيق به وقالت : دي الطريقة اللي مقسمة بيها دولابي ، ممكن تعملي زيها لو حبيتي . كان دولاباً خشبياً مقسّماً من الداخل إلى ثلاثة أقسام ، يفصل بين كل قسم والآخر لوحاً خشبياً على جانب من السماكة . وقد خصصت أمل لكل قسم بعضاً من متعلقاتها ، فكان القسم العلوي مخصصاً لحجاب الرأس الذي لم تتعدد أشكاله وألوانه ، والقسم الأوسط كان مخصصاً للسراويل القماشية وغير القماشية ، إلى جانب الملابس المنزلية والداخلية . أما القسم السفلي فكان معنياً بالملابس الخاصة بالتنزّه والمناسبات الإستثنائية .

قالت نجاة مبتسمة : متشكّرة يا أمولة ، عجبني جداً ذوقك في الألوان . وواضح إنك شاطرة جداً في التريكو . شغلك جميل جداً . مافكّرتيش تتعاملي مع محلات؟ تحشرجت أمل وكأن الكلمات قد علقت في حَلقها : بالتأكيد أتعامل مع بعضهم - كانت حروفها متقطّعة وكأنها شعرت بشيء من التحرّج - .

جاءت ركضاً لتقطع عليهما حديثهما الفتاة السمراء ذات القوام الممتد الذي إستبدّت به السمنة والشعر المجعّد الملتف حول ذاته ، قائلة : مائدة الإفطار الأولى جاهزة لإستقبالك يا نجاة . فإتجهن ثلاثتهن للخارج .

كانت تلك هي سعاد ، وهي التي لا تنفك تحرص على مباشرة إعداد الوجبات ، فهي تتعمّد إفساد كل نظام غذائي ، وأقصى أمانيها ألّا تشعر أنها غريبة عن المجموع ، ولمّا كانت غير واثقة في إمكانية تغيّرها ، فهي تسعى لرؤيتهم يشبهونها ، أو حتى يقتربون منها . إنها مفرطة الحساسية تجاه مظهرها .

كانت المائدة معدّة بإهتمام ، وكانت تعج بأصناف تقليدية متمايزة ، الفطير المشلتت ، والجبن بأنواعه ، إلى جانب البيض المسلوق ، والعسل الأسود ، والقشدة .

مدت سعاد يدها صوب نجاة حاملة طبقاً يحوي بيضاً وجبناً وهي تقول : إستعدي يا نجاة ، فسنذهب بعد الفطار لنتمشّى قليلاً . تلك هي عادتنا الأسبوعية . أجابت نجاة وهي مازالت تمضغ : ليس لدىّ مانع يا سعاد . باغتتها خالتها وهي تغمس الفطير بالعسل :

- ماذا عن عريسك يا نجاة؟ كانت قد تحدّثت لي أمك إلّا أنني لم أنتبه لكل ما قالت . لقد سمعت منها ما لم يسرّني - كانت عيناها منصرفتين إلى الفطير المغموس بالعسل وكأنها لا تتحرّق شغفاً لسماع الإجابة - .

- نجاة في نبرة لم ترتفع أو تنخفض ذبذباتها : ابداً يا خالتو ، جاء ليحدّثنا عن عمله وعن مغامراته مع الجماعات السياسية ، هذا ما إستمعت إليه ، أما أية تفاصيل آخرى فلم أطّلع عليها .

- أعرف ، أعرف . ماذا عنكِ أنتِ يا نجاة ؟

- تقول وهي تتنهّد : لم أتجسس على ما دار بينهم ، تركتهم كما يروق لهم . ثم ذهبوا وإنتهى الأمر - تمد يدها نحو رقيقة من رقائق الفطير المبسوطة أمامها - .

- تفضلي يا حبيبتي . ألف هنا وشفا .

خرجن ليتمشين ، كانت هبة كعادتها مرتحلة إلى عالمها الذي يكتنفه الصمت ، وكانتا أختاها مبالغات في إنفعالاتهن ، إبتساماتهن ضحكات ، وضحكاتهن قهقهات ، نظراتهن رمقات ، وخطاهن ركضات ، كأنما كانتا في حفل إستعراضي .

حالما عُدن كان الأستاذ علوي الذي يقضي يومه الثالث في إجازته المرضية قد إستيقظ ، وبمجرد أن عادت نجاة حتى سارت وحدها نحو غرفتها . دفعت باب الغرفة فوجدته متثاقلاً كأنما يتعثّر بشيء ما ، عاودت الدفع حتى فُتح الباب لتجد من خلفه زوج خالتها وقد تقوّست قامته هابطاً بناظريه لأسفل . خلف الباب لم يكن هنالك من شيء سوى ملابسها المنزليّة المعلّقة . ما أن رآها حتى إعتدل جسده مادّاً يده في ترحاب وكأن الأمر يخلو من غرابة : أهلا أهلا بعروستنا .. مش هقول لك منوّرة شبرا ، إنتي شبراويّة زينا . مش كنتم تقولوا علشان نحضر إستقبال مناسب ؟

- نجاة متصنّعة عدم الإكتراث بالموقف : ربنا يكرمك يا عمو . في الحقيقة أنا نفسي كنت محتاجة أعرف من بدري ، لكن الموضوع جه فجأة ، وكلهم هنا إستقبلوني أحلى إستقبال .

- يقول وقد ضاقت المسافة بين حاجبيه المتلاصقين وعينيه : أكتر من مرة قلت لك بلاش عمو دي ، مصممة تكبّريني ، أنا لسه شباب . قولي لي زي ما بناتي بيقولوا .. يا علوي .

إبتسمت نجاة محاولة طَمس دهشتها قبل أن تلمح أمل تخطو تجاه الغرفة . قطب الأب جبينه مبدداً إنفراجة شدقيه قبل أن يجذب الباب متهيّئاً للخروج .

ليلاً كانت تترامى إلى الأسماع أصوات الرفاق والسُمّار ، إعتادت نجاة سماع مثل تلك الأصوات . كان يجتمع الأستاذ علوي برفاقه على السطح . في حضرة الدخان جليسهم المفضّل كانوا يجتمعون قبل أن تلفظ كل ليلة ساعاتها الأخيرة ، يتضاحكون ، ويتنابذون مزاحاً ، وأحياناً يصدحون بالغناء في غفلتهم ، أو تغافلهم .

كان هو موظّفاً في إدارة جمارك مطار القاهرة ، وجُلّهم كانوا من العاملين بالقطاع العام . يجتمعون كل ليلة يرثون ماضي قطاعهم الذي ولّى ، وينعون أحلاماً توارت وإعتلاها الثرى . وكأن رثاءهم الجماعي لأنفسهم كان يخفف عنهم .

كانت قد إنسلّت ونفذت كلماتهم إليها ذات مرة : الولعة كدة مش زيادة يا أبو أمل؟ ، سمعته في نبرته المألوفة وبجانبه صوتاً متكرراً كأنما يضغط أحدهم مبسم الشيشة : هي زيادة بعقل ! دي بتمسك في جسمي كل ما أشوفها !

كان عليهم جميعاً أن يستيقظن في حدود السابعة ، قبل أن تتلطّف شمس كيهك بإهدار بعض من آشعتها لتسد رمق الجوعي وتروي أجواف العطشى ، حيث يكون الأب قد إنتهى من قراءة بعض الآيات القرآنية ، وفرغ من ترديد بعض الأذكار التي بإمكان جُلّ جيرانه التحقق ممّا بلغ من مداومة على ترديدها . ربما كان يعتقد في بعض الأحايين أنه واجباً دينياً يحمله على عاتقه دون غيره ، فشارعه ، كما شوارع عديدة مجاورة ، تكتظ جنباته بالمسيحيين . وربما لهذا لم يكن يجد بعضهم من غضاضة في مناداته قائلاً : يا حاج علوي ، وربما أحياناً : يا شيخ علوي ، وهو الذي لم يكن له من الحج أية شيء ، وهو الذي لم يكن له من " المشيخة " لا جبّة الأزهرية ، ولا فناء في فضاءات الصوفيّة ، اللهم إلّا إبتهالاته التي كان قد حفظها وأذكاره التي تدوّي عالية حالما تنتصف ساعات الصباح .

يوماً بعد يوم كانت تحسُر الأم أكمامها عن سواعدها في الوقت ذاته على إختلاف الظروف ، إن حلّت نسائم الخريف بخفّتها ، أو صدأت تيجان الأشجار ونُكّست رؤوسها مبشرةً بوجه من وجوه العدم لتعلن قدوم الربيع . وإن خرج زوجها قاصداً عمله أم لم يفعل ، الأمر سيان لديها . تقوم بإيقاظهن جميعاً وإن لم يجدن ما يفعلنه ، ثم تمتد أيديها على مدار اليوم كل في إتجاه ، فواحدة إلى الطهي ، وآخرى إلى الكيّ . واحدة إلى تنظيف أرجاء المنزل ، وآخرى إلى تدوين إحتياجاته . وكأنها ذات الأربع . فأعمالها تبدأ في الوقت نفسه تقريباً ، وتنتهي في أحيان متقاربة . كانت تفرض نظاماً صارماً . نظامُ ربما كانت قد ورثته الأمهات المصريات عن الأتراك ، أو ربما كان يشعرهن بالنسب إليهم .

لم تفعل نجاة غير ما كانت تفعل قريباتها .

في ليلتها الأخيرة معهم ، إنتفض جسدها النائم ، وداهمها الوعي ، كان الغطاء الذي يعلوها ينسحب على مَهل محدثاً رعشة خفيفة سرت في جسدها ، إستدارت برقبتها لتلتقط عيناها الناعستين ظلاً منعكساً على الحائط يهرب إلى يمينه قبل أن يبتلعه الظلام المشوب بضوء خافت . لم تدرك معالم الظل بدقة ، غير أنها كانت تدرك إلى أين يقوده طريقه .

كما إستقبلوها في حرارة ، ودّعوها في حرارة ، وكذا فعلت هي . ألح زوج خالتها عارضاً أن يعيدها بنفسه ، غير أن خالتها أجابته قائلة أن الأمر لا يستدعي إجهادة . ومضت هي عائدة .

كانت تلاحقها أمّها كثيراً بعد أن عادت ، بالكلمات طوراً ، وبالنظرات أطواراً ، وكأنها كانت تود أن تستنطق بها شيئاً ما ، تود أن تستعذبه .

نداء المؤذّن يعيدها إلى حيث تكون ، فتستحيل رائحة الطرقات إلى غبار مُثار مصيره الزوال ، ولا أثر على يديها للمسات كانت قد خبرتها جيداً . كانت قد تذكّرت أن إبنها عمر قد طلب إليها أن توقظه بعد صلاتها ، بيد أن الصور المتوثّبة تملّكت منها مجدداً ، فلم يكن لها إلا الإستسلام بأن تأذن لأجفانها بالعناق ، تاركةً إياها تتدافع من جديد .

(3)

كانت قد جلست نجاة وقد أحاط بها معظم أشقائها ملتفّين من حولها . كانت قد تخطّت مرحلة الثانوية العامة وتخرّجت من كلية الآداب قسم التاريخ ، وقد نضجت وإشتد عودها ، وربما ما أمست في نظرهم كسواها من الفتيات في تلك السن إلّا قنبلة موقوتة تشكّل خطراً حتمياً ، إما على مجتمعها ، أو على أهلها ، أو على نفسها . قنبلة موقوتة ليست حتى في حاجة لنزع الفتيل .

كانوا يحاولون تهدئة الأجواء ، فزوج أختها كان قد رسم التصميم المعماري لعمارة يملكها أحد أصدقائه ، وقد دفع مقدّماً لحجز إحدي الشقق بها ، قبل أن يسافر صديقه تاركاً كل شيء من خلفه ، ليجد هو نفسه زوجاً ، وفرداً في أسرة من أم وخمس أبناء ، وربما أكثر ! غير أن ما خفّف عنهم قليلاً أنه قد توسّط لنجاة ووجد لها عملاً بإحدي المكاتب الهندسية للمساحة ، أخبرها أنهم في حاجة إلى موظّفة في قسم المحاسبة وفي السكرتارية ، وأن الأمر لن يكون صعباً عليها ، فهي قد حافظت على درجة تفوّقها طوال فترة دراستها الجامعية .

لم تشعر بغربتها عن طبيعة العمل ، كما لم تشعر بالألفة معها ، بيد أن المطلوب منها لم يكن عسيراً كل العُسر ، فكان عليها فقط أن تتعلّم كيف تتعامل جيداً مع الآلة الكاتبة ، إلى جانب قليلاً من المثابرة ، وكانت تلك هي مهمة المهندس " يوسف " .

نظراته لها كانت خاطفة ، ليست طويلة ، ولكنها عميقة . كانت عيناه غائرتين ، تستران أكثر مما تفضحان ، وتخفيان أكثر مما تظهران ، غير أنهما كانتا تخبرانها بشيء ما ، أو ربما كان هذا ما تظن . كما أنها لم تكن تستطيع تفسير ما كانت تشعر به حالما كان ينعكس ظلّه على الحائط المجاور لها بعد دخوله ، أو ما كانت تحس به حين كان يخلع سترته واضعاً إياها على ظهر مقعدها ، وكأنما كانت تطوّق بها .. تطوّق بها في صمت .

فوجئت به في أحد الأيام يتصل بها ويسألها فيما إذا كانت تحتاج شيئاً ، فأجابته بالنفي . كانت تلك هي المرة الأولى التي يتصل بها فيها ، لم تستطع أن تخفي قلقها بسبب إتصاله بالمنزل ، كما لم تستطع أن تطلب منه ألّا يفعل . وهي لم تعرف لما لم تستطع .

إنّها لا تعرف ما هذا الذي يأخذ بها في كل إتجاه ، دون أن يهتدي بها إلى شيء . كانت تبدو منشغلة ، غير أنها كانت تبرر ذلك إلى سائليها بأنها قلقة بشأن العمل ، وأنها تود أن تثبت ذاتها في أسرع وقت ، وأن هذا هو كل ما يستحوذ على تركيزها . ربما لم تكن تريد أن تبدو أمام نفسها في صورة المراهقة التي تقع في حبائل العاطفة سريعاً . ولكن أية عاطفة؟ إنها لا تدري ، وربما لا تود أن تدري .

حاولت أن تقرر أن تقصر رؤيتها له كما كانت في باديء الأمر ، إنه مجرد شخص لا تكاد تعرف عنه شيئاً ، وهو فقط يساعدها لإتقان ما لا تتقنه ، ليس أكثر . ولكن ما الذي يعنيه أن تصل لتجده قد سبقها؟ وما الذي يعنيه أن يكرر حمل أوراقها عنها؟ وما الذي قد يعنيه أن يسهب ويطيل في شرحه لها فيما يتعجّل الإنتهاء من غيرها؟ ربما لا يعني كل هذا شيئاً ، لما لا يكون كل ما في الأمر أن خيالها قد إتسع لما لا تتسع له إحساساته؟

عادت ذات يوم ، فوجدت وهي تفرّغ حقيبتها ورقة بيضاء صغيرة وقد كُتب عليها عنواناً وبالأسفل : سأنتظرك يوم الجمعة . لم يكن هنالك من توقيع . بالتأكيد هو . ولما لا تكون قد سقطت الورقة مصادفة في أي من الأوقات التي تركت الحقيبة مفتوحة بها؟ أو ربما ليس هو . وإذا كان هو ، لماذا لم يخبرها وجهاً لوجه وهو الذي يراها كل صباح؟ ربما يختبر رد فعلها ، ولكنه لا يبدو مهتماً إلى ذاك الحد .

كانت تصرفاته في اليوم التالي طبيعية ، لم يطرأ عليه أي جديد ، بل ربما كانت إنفعالاته اهدأ من ذي قبل . يبدو أنه لم يكن هو . وحتى إن كان هو صاحب الرسالة ، فقد تخلّصت هي من الورقة ، وقررت ألّا تلقي بالاً لما كانت تحمله . إنها لا تُنكر في قرارة نفسها أنها قضت الليلة بأكملها تبحث عن أية إشارة ، كما حاولت أن تتذكّر خطّه لتطابقه بما أمامها ، غير أنها إنتهت إلى لا شيء ، قبل أن تتخلّص من الورقة .

جاء الجمعة ، وهي وإن كانت قد تخلّصت من الرسالة ، فهي لم تتخلّص من محتواها . ما الذي قد يدفعها للذهاب إلى شخص لا تعرفه في مكان لا تعرف به أحداً؟ الفضول؟ ألم تتجاهل فضولها من قبل؟ لم تجد بدّا من أن تتوقّف عن تساؤلاتها ، لتنطلق في طريقها .

أخذت تضغط الجرس كثيراً ، وبعد دقائق ، فُتح الباب . إنه هو . إنه لا يقل جاذبيّة عن مظهره مرتدياً بدلته ، وإنها المرة الأولى التي يراها فيها دون أوراق . إبتسم لها ، وإختلست هي بسمة مكتومة قبل أن يقول : إتفضلي يا نجاة . كانت المرة الأولى التي ينطق بها إسمها دون أن تسبقه : آنسة .

دلفت للداخل ساهمة دون أن تنطق ، وتبعها هو بدوره . أشار إليها بيده ، فجلست ، قبل أن يسألها : تحبي تشربي إيه؟ ، أجابته دون أن تفكر : أي حاجة سخنة . ثم سائلته سريعاً قبل أن تنهي إجابتها : هو مفيش حد هنا؟

- لا مفيش . تبدّلت ملامحها وبدت متعرّقة قليلاً . الفرصة مش مناسبة؟

- كان لازم تقول لي يا باشمهندس . أفتكر دي الأصول .

- قال باسماً : أقول لك إيه؟

- أجابته متعجّبه : إن أهلك أو مراتك مش هنا .

- قال مسترسلاً في بسمته : وأنا لو مراتي كانت هنا كنت هقول لك تيجي؟

- قالت بعد لحظة صمت : دة اللي عليك انت إنك تجاوبه مش أنا ، ودة مش مهم بالنسبة لي . المهم إني أعرف إنك لوحدك . ثم سألته في نبرة خفيضة : هي ليه مش موجودة في البيت؟ هو النهاردة مش أجازة؟

- نظر إليها مبتسماً ، وحرّك شفتاه في إيحاء بالحديث ، فإتسعت مقلتاها . غير أنه ظلّ صامتاً . فقالت وكأنها شعرت بشيء من الحرج : مش مهم ، مش مهم . خلينا نغيّر الموضوع .

- ليه بتطلبي مني إني اقول لك؟ هو أنا قلت لك إني صاحب الرسالة وإن دة عنواني؟

- أجابته دون أن تتمهّل : وإيه علاقة دة بدة؟!

- أجاب مسرعاً : كنت متأكد إنك هتيجي .

- قالت في لهجة واثقة : أنا جيت بدافع من فضولي مش أكتر ، وكنت مستبعدة إحتمال إنك تكون إنت صاحب الورقة . للدرجة دي كان إني آجي مهم بالنسبة لك؟

- كل الموضوع إني كنت مراهن نفسي - قالها مبتسماً كعادته - . تصنّعت قبول ما قال ورسمت على ملامحها إبتسامة مُختلقة وقالت : أنا مضطرة أقوم دلوقتي . قلت لهم فى البيت إني هقعد مع واحدة صاحبتي وهرجع على طول . بعد إذنك . لم يفعل شيئاً سوى أن قال هامساً : إتفضلي . جذب لها الباب ، ومضت عائدة .

إنها لم تفهم ! ما الذي أراده منها؟ من المستحيل أنه يراهن نفسه كما قال . لابد أنه يريد شيئاً . ربما أنه يندفع فحسب ، لما لا ؟ ثم أنها لا تعرف ماذا تريد هي منه لتطلب فهماً وإدراكاً ويقيناً . وما الذي تشعر به نحوه؟ ربما تتمثّل به الأب؟ كيف يكون ذلك وفارق السن ليس كبيراً إلى هذا الحد؟ وليكن . ليس هذا ما في الأمر على كل حال . ليس هذا ما تشعر به . إنها لن تذهب إليه مجدداً . كان هذا قرارها الأخير . ثم أنه لماذا لم يخبرها بأمر زوجته إن كان متزوّجاً؟! ربما يكون عازباً ، أو مطلقاً . أو ربما يكون متزوّجاً في منزل آخر . إن هذا المنزل يخلو من لمسة أنثوية ، الفوضى تسيطر على أرجاءه ، لا يعكس إستقراراً ، ولا تمرّداً ! بالتأكيد أنه منزلاً بلا امرأة . إنها لا تعرف لماذا تشغل بالها ، إنها قررت ألّا تذهب إليه مجدداً ، هذا هو كل ما تعرفه .

طوال الأسبوع لم يلمّح لها بأي شيء ، كانت ملامحه جادّة وكأن مقابلتهما لم تترك أثراً لديه ، على الرغم من كونه الأسبوع الأخير الذي سينتهي فيه تدريبها على يده . غير أنها وجدت في حقيبتها ورقة كُتب عليها رقماً . إنه رقمه بالتأكيد . يبدو أنه يحب إختبار مشاعرها ، أو ربما لا يملك من الثقة والجرأة ما يكفي ليعلن عن نفسه ، أضعف من أن يعلن أنه يرغب . ربما لا يجيد التعرّي ، أو يهابه . ولكن لماذا عليها هي أن تعلن ، وأن تصرّح بما لا تدركه؟

أهملت تساؤلاتها وذهبت إليه في الوقت ذاته الذي قابلته به في المرة الأولى . إستقبلها بالإبتسامة نفسها ، وإنطلقت هي للداخل دون دعوة منه ، وجلست في المكان نفسه دون أن يشير إليها ، وسألته دون مقدّمات : ليه سبت رقمك في شنطتي؟

- أجابها في هدوء : رقم إيه؟ ومين اللي اكّد لك إنه رقمي؟

- أنا متأكدّة . تقدر تجاوبني؟

إقترب منها وطوّق بإصبعيه خاتماً كانت ترتديه في يمناها : فضّة مميزة . جبتيه منين؟ سحبت خاتمها من بين إصبعيه وقالت في نبرة ذهبت حدّتها : ياريت تجاوبني .

- ليه البنت المصرية بتخاف من حريّتها؟

- دة مش حقيقي .

- لا دة حقيقي . وإنكاره ضعف وجبن . بالمناسبة أنا مش متجوز ، ومش ناوي أتجوز .

- ممكن أمشي؟ ، إبتسم وتركها تذهب .

إنها في حيرة من أمرها . ماذا عليها أن تفعل؟ إنه لا يفرض عليها أية قواعد للعلاقة . ولكن أية علاقة تلك التي يطلبها شخصاً يعادي الزواج ويرفضه؟ إنه يفتح كل الطرق ويغلقها في الوقت نفسه .

أمسكت بالهاتف وإتصلت . يوسف؟ باشمهندس يوسف؟

- أيوة . أنا يوسف وبس .

- أقدر آجي لك بكرة في نفس ميعادنا؟

- أكيد . مستنيكي .

كان صوتها حذراً ، خائفاً . أما صوته هو فلم يختلف كثيراً .

إنطلقت للداخل مسرعة بعد أن وصلت . دلفت بإتجاه المطبخ : المطبخ عندك راسه تحت و رجله فوق !

- مش لازم تبقى كل حاجة لها مكانها علشان نحس إن حياتنا منظّمة - قال وهو يحكّ رأسه فقد بدا مستيقظاً لتوّه - .

- تحب تاكل إيه؟

أكليني على مزاجك . كل اللي تعمليه هاكله .

أخذت تعيد ترتيب محتويات المطبخ ، وتركته هو يأكل ، وراحت تنظّم كل ما تبعثر من حوله . لم تترك شيئاً إلّا وقد نظمته على ذوقها الخاص ، ولم يكن منه هو إلّا إبتسامته العريضة التي إنبسطت على وجهه .

إقتربت منه بعد أن إنتهى ، وأخذت تحملق به مليّاً كأنما تسبح بعينيها في كل إتجاه قبل أن تقول : أنا هتجوز ! . سكت قليلاً وذبلت بسمته ثم قال : دة قرارك إنتي؟

- أيوة دة قراري أنا .

- قال مستنكراً : لو كان قرارك إنتي ، إيه فايدة إنك تقولي لي ؟

- أجابته في نبرة متهدّجة : لأني محتاجة أقول لك .. ومحتاجة لك جنبي . إقترب منها أكثر ، فأغمضت عيناها ، وأخذ يسري بأصابعه بين خصلاتها ماسحاً بيده عليها مسحاً فيه من الخفّة بقدر ما فيه من القوة ، ثم ثبّت رأسها بين كفيّه ليطبع بين حاجبيها قبلة طويلة . تركته بعدها وذهبت ، دون أن يتفوّها بحرف .

لم تعرف ما الذي تعنيه تلك القبلة ، إنها ليست قبلة الأب التي يودع بها كل حنانه ، كما أنها ليست قبلة الوداع . لم يتسرّب إليها مثل ذلك الشعور . وإنها لا تدرك ما الذي إضطرّها بالتحديد للموافقة على زوجها . إنها فقط قد تزوّجت . ربما كان السبب أنها تستشعر دوماً أن ما بينها وبين أمّها يتعدّى حدود الشكل والصفات ، فهي تتذكّر بعضاً من تفاصيل حياة تلك الفتاة التي تزوّجت في سن الثالثة عشر ، وربما أنها تلك التفاصيل التي لم تفارقها قط .

زوجها طبيب أطفال ، حصل على درجة "ماجستير" طب الأطفال قبل أن يتقدّم لها . كان يعرف أخواتها جيداً قبل زواجهما ، فأحدهما كان زميله في سنوات الدراسة الأولى ، وكان قد شجّع هو بدوره إرتباطهما .

كانت نصائح أمّها ذات صدى واضحا وكأنما قد قيلت بالبارحة : تلك هي ليلته ، وما بعد ذلك ستكون سنواتك أنتِ . أتركيه يحيلك إلى امرأة كيفما يريد ، وبعدها ستستطيعين أن تحيلينه من رجل إلى طفل . إعطيه تلك الليلة ، يعطيك هو كل سنواتكما معاً رغماً عنه .

في ليلتهما الأولى ، طلب إليها أن تنزع كل شيء عنها ، وأن تترك فقط عُقداً من الذهب الخالص كان قد إشتراه لها مع " شبكتها " ، فتركته منساباً ، كما تركت كل ما فيها . كان هو قد إستند بساقيه من فوقها ، تاركاً ذراعاه يمتدان في إستقامة على ذراعيها ، أخذ يضغط كفيّه بكفّيها وقد ضاق بالمسافة فيما بين ساقيه بعد أن ظن أنها تحوّلت على يديه من فتاة لإمراة وهو يصيح : أنتِ اليوم لي وحدي . لي أنا وحدي . وكان بين لحظة وآخرى يقبض على العقد ليحشره بين فكّيه . وكانت تستشعر هي لمساته بكل ما بها من ضغط ، وانّاته بكل ما فيها من توحّد ، فكان وصاله إنفصال ، وكانت حضرته غياب . كان في إمكانها أن تستمع إلى كل شيء ، وأن تشتم كل شيء . كانت ماتزال حبيسة جلدها ، أسيرة جسدها . إلى أن بلغ هو رعشته ، قبل أن يقوم عنها .

ومنذ تلك الليلة بقيت هي معه ، غير أن العقد لم يبق في مكانه ، وكانت إذا سألها زوجها عنه أو سائلها أولادها عمّا لا ترتديه من الحُليّ أجابت بأنها تشعر به يضيف لها وزناً ليست في حاجة له !

إنتصفت ساعات الصباح ، ومازالت تتذكّر الأحداث ، أو تتذكّرها الأحداث . أحداث تلك الليلة .

يتوسّط الميدان تمثالاً منتصباً يكاد يحتجب من إثر ما غطّاه بإحكام ، ومن حوله يصطفّ البعض حاملين شعارات يطالبون فيها غيرهم بما لا يفعلون ، وفي مواجهتهم تقف بعضاً من رافعات الكاميرات التي تلتقط ما يبتغي وليّ الأمر ، وتغض الطرف عمّا لا يريد . ينتصب هو صامتاً ، جامداً . وفي صمته كلام ، وفي جموده حركة . ويتحدّثون هم ، ويتحرّكون . وما في حديثهم إلا سكوتاً ، وما في حركتهم سوى جموداً .

أخذت نجاة تتطلّع إلى يمينها وإلى يسارها . أمامها "موتيل Cairo Inn" ، ومن خلفها كافيتيريا "ريش" . لا تعرف إلى أية وجهه سيأخذ بها المسير . وعت وجهتها وهي تشير إلى سيارة أجرة مرت بجانبها وقالت : المنيل لو سمحت . نزلت وإتجهت إلى يمينها ، إنه الشارع الذي يسبق السفارة الإيطالية ، إنها تحفظ ملامحه جيداً . صعدت وطرقت الباب وضغطت الجرس ، إنتظرت قليلاً قبل أن يُجذب الباب . إنه كما عهدته ، يجذب بابه في هدوء ، ويرفع رأسه المائل قليلاً ليتحقّق من طارقه . وهو كما عهدته في مظهره ، لم تزد السنون سُمرته إلّا بريقاً ، ولم تضفي عليه الأيام سوى شعيرات شيباء متناثرة في إفتراق على رأسه وذقنه ، لم تضف له بدورها إلّا وقاراً .

تهلل وجهه وإنبعجت قسماته قائلاً : كنت عارف إني هشوفك تاني . إنها النبرة ذاتها التي لم تتح لها يوماً أن تدرك نفسها في عينيه . فاضت بسمتها على وجهها ، وإختلست نظرة إلى الداخل ، هرعت بعدها راكضة دون أن تتحدّث . راحت تتنقّل في إسراع في كل إتجاه ، من الصالة إلى الصالون إلى المطبخ ، لم تترك غرفة إلّا وقد فتّشت كل ما بها . إن كل شيء يبدو كما تركته في المرة الأخيرة ! ، المنزل كما هو بلا امرأة ، وكل ما به منظّم على طريقتها هي ، الأطباق على الأرفف ، والوسائد ، والمسافات فيما بين الأثاث . لقد حرص طوال تلك السنوات على أن تظل لمستها من حوله ، إنه كان يرغب بها زوجة إذاً ! إن الرجل يفسد لمسة أمه ، ولا يعبأ بلمسة طفلته ، أو صديقته . إنه فقط يحرص على لمسات زوجته . ولكن لماذا لم يخبرها إذاً ؟!. أخذ هو يراقبها بشغف ويتبعها من هنا إلى هناك ، إلى أن إستقرّت هي في غرفته . وقفت مديرة ظهرها له وسألته مرتجفة : لماذا لم تخبرني؟ لماذا لم تصارحني؟ أجاب بعد أن ساد الصمت : لأنها كانت حريتك . كان عليكِ أنتِ أن تقررين . فقالت ثائرة : ربما... إقترب منها ووضع أصابعه على فمّها وهمس في أذنها : دعكِ من هذا الآن ، كما أنتِ . وهمس في الآخرى : أحب ذلك الوضع . جذبها في رفق إلى سريره ، وأخذ يتحسّس بطرف إصبعه حافة أذنها صعوداً وهبوطاً ، ثم أطبق شفتاه حول شفتها السفلى ، ولفّت هي شفتاها معانقةً شفته العليا ، فأخذا يرتشفان من رضابهما . راح ينزع عنها ملابسها قطعة تلو الآخرى وهما متلاصقان يتبادلان شهيّات ولذائذ القُبل ، وكذا فعلت هي ، فنزعت عنه ما كان يرتدي ، قبل أن تمتد أصابعه في حركة دائرية من حول حلمتيها النافرتين المتورّدتين اللتين بدوتا كزهرتان تتصدّران البستان . أخذت تتلمّس صدره ، وراح هو يداعبها وينسحب على نقاط متفرّقة في جسدها إلى أن أحسّت بكل خلية من خلاياها ترتعش ، فأخذت تضحك في جنون مغمضة عيناها . ولما ولج هو بها ، شعرت به وكأنما لا يلج جسداً فحسب ، بل عقلاً ، ووجداناً ، وعالماً ، كان قد إستغلق عليها هي ذاتها ولوجه . فبكت في علياءها . مدت بعدها يدها إلى جيب معطفها المرتمي جانباً ، وأخرجت منه العقد ، قبل أن تطلب إليه أن يقلّدها إياه ، فإلتفّت يداه حول عنقها تاركة العقد يتحدّر فوق صدرها . وعادت به .

مازالوا كلهم نيام ، بينما همّت هي بالوقوف أمام المرآة . العقد يلتمع فوق صدرها ، لمعاناً غير عادياً ، وكأنها المرة الأولى . أدركت أنه أثقل من أن تتمكّن من تقلّده ، فخلعته عنها ، وسالت على خدّيها عبرة .



#أحمد_فيصل_البكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - أزمة وعي -
- هل الإسلام دين شمولي؟ نظرة لحد الردّة
- مدام هناء .. قصة قصيرة
- الضاحك الباكي .. قصة قصيرة
- المأزوم .. قصة قصيرة


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - خالعة العقد .. قصة قصيرة