أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - خربشات .. المانيكان -














المزيد.....

- خربشات .. المانيكان -


أحمد فيصل البكل

الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


(1)
يستيقظ المرء أحيانا ليجد نفسه وقد ألم به إحساسا بأنه ليس من هذا العالم في شيء ، وينظر حوله مندهشا لوجود ذلك الحائط بهذا اللون وتلك السجادة بتلك الشاكلة ، بل إنه ليشعر أحيانا بالغربة عن الكون ، وصحيح أننا مثلا لا نستطيع منع الأحماض الأمينية من تكوين البروتينات التي تشكّل بدورها أجسادنا الناشئة ، ولكننا يمكن أن نحس في داخليتنا بالسخط على الأحماض والبروتينات معا ، إننا لا نقدر أن نحظر على النجوم حرقها للهيدروجين وتحويله إلى هيليوم ، ولكن بمقدورنا أن نتحسّس في قرارة أنفسنا أحيانا رفض النجوم والهيدروجين برغم أن الحياة لم تكن لتقوم لها قائمة دونهما ، بدونهما لم يكن من الممكن لتلك الحياة التي تنقلب على نفسها أحيانا أن تنشأ ، وكنت قد قرأت من قبل كلمة لمحاور أمريكي إسمه كريستوفر هيتشنز قال فيها : لا استطيع التأكيد على عدم وجود إله ، ولكنني استطيع التأكيد على عدم رغبتي في العيش في كون به إله . والعديد من القصص الأدبية صوّرت ذلك الصنف من الشخصيات التي تستشعر في داخلها هذا الجحود العميق ، والجحود ليس هو الإنكار ، وإنما يقتضى الجحود إقرارا وإيمانا مبدئيا ، غير أنه إيمان لا يبلغ حد العرفان ، إيمانُ ينقلب على نفسه . وكثير منا يختبر ذلك الضرب من الإحساسات في وقت ما ، وقرأت من قبل عن شخص أرمني استبد به ذلك الجحود بعد مقتل إبنه على يد العثمانيين ، لم يكن منه إلّا أن رفض الآلهة والكون وكل شيء ، ويبدو أن مثل هذا الشعور يستأثر بالبشر وحدهم دون غيرهم من الكائنات ، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يعرف موقعه في هذا الكون ، وهو الكائن الذي لا يفهم أي دور ينبغي له أن يؤدّيه على وجه الخصوص ، وهو الكائن الذي ينبغي عليه أن يبتكر دوره إلى الأبد ، فأنت لا تجد قردا يتأرجح بين راسبوتين وستالين ، لأن القرد بالغريزة يعرف موقعه في الطبيعة ، ويفهم إمكانات وجوده التي لا يمكنه أن يبدّلها ، وذكر النحل لا يملك إلّا أن يفنى في سبيل النوع ، ولكن الإنسان يفصح أحيانا عن رغبته في إفناء النوع في سبيل بقاءه هو ، إنه يُبدى بسلوكه أحيانا قناعته بأن نوعه ذلك ليس سوى شيئا منفصلا عنه ، نوعٌ ليس منه في شيء .
(2)
منذ طفولتي كنت إذا قطعت خلوة بعض النسوة آنست منهن رجفة على حين فجأة مُستبدّة بهن جميعا مَتبوعة بقول متكرّر : مش كنت تقول يا حمادة إنك داخل أو كنت تخبّط ، قبل أن تنبري إحداهن لإغلاق الباب من خلفي ، وكان مفهوما تماما أن حمادة لا يعي من الأمر شيئا وأنه لا يبلغ منه أي مبلغ ، ولكنني بالبداهة كنت الاحظ تلك الرجفة وهذه الرغبة في الإخفاء والحَجب وكأنهن يشعرن بالعار يلفّهن ويستولي على مجامع إحساساتهن ! عارُ لم يكن واضحا لي كل الوضوح بحكم عمري وتجربتي ، ولكنني حسبته شيئا محمودا على كل حال طالما أنه يرتبط بالخجل ، والخجل شُعبة من شُعب الإيمان كما ندري !
اليوم وفي كل جانب ، في الشوارع وفي التليفزيون وفي كل مكان ، لابد أن ترى صدرا ناهدا يحييك ، وشفاه مكتنزة تروّج لشيء ما ، موس حلاقة أو كريمات أو حتى أكلات ، وتجد المانيكان في وسط المدينة بشارع الشواربي كما تجده في أكبر المولات والأسواق ، لا تلمس إلّا جسدا في بُعده التسليعي التسويقي ، ليس أكثر من موضوع ربح ، وأصحاب الملايين يزعمون أن الحرية لا تكون إلّا هكذا ، لا تطل الحرية برأسها إلّا بالجسد المشيّأ المبضّع الخاضع لآليات العرض والطلب ، وتمد نظرك في الإتجاه المقابل فلا يسترعي انتباهك ما هو جديد ، حفنة من النسوة يلتحفن ببرقع أفغاني أو تشادور إيراني أو حجاب رأس مصري تزداد يوما بعد الآخر ، أكياس سوداء تشبه أكياس اللحوم التي توزّع في يوم الأضاحي ، مشهد لا يشترط فيك رهافة الحس حتى يصيبك بانقباض باطني وتقزّز عضوي ، والواقع أن الجسد في تلك الحالة يبدو في بُعدين ، يتبدّى أولا كموضوع رغبة جنسيّة ، وثانيا كموضوع ربح في سوق الزواج الخاضع هو الآخر لآلية العرض والطلب ، يُصدّر ذلك المشهد للمجتمع ضمن بنية قيمية مقلوبة ، فالتبرّج وهو التسامي بالأنا يبدو لديهم صفة شائنة مرذولة ، على حين يبدو الخجل والتقهقر والانسحاب مُستحسنا ، وليس هذا بمُستغرب في مجتمع يسمّى الرغبة الجنسية القويّة لدى المرأة بمرض "السودة"!. في الواقع لا أجد ما يدفعني للتعاطف مع امرأة لا تجد ولا تدرك جسدها إلّا ككرة لحم ملفوفة تمثّل موضوعا للرغبة لدى آخر ، وكما ظنّ رينيه ديكارت أنه فكّر قبل أن يوجد ، وأنه كان يعي في فضاء تجريدي مَحض قبل أن يحُل جسده في هذا العالم ويتفاعل معه من خلاله ، كذلك يظن هؤلاء أنه بالإمكان عَزل الجسد عن التجربة الوجودية في شموليتها ، إنهم يظنّون فيما يبدو أنهم وعيا خالصا ، والواقع أن الجسد بحيويته وبعفويته ، فمن منّا لم يحب نيللي التي ينطق جسدها دون أن تـنبس بكلمة ؟ ومن في إمكانه ألّا يُعجب بسارة باراس راقصة الفلامينكو إن شاهدها ؟ . ليس على المرء أن يكون فيلسوفا وجوديا أو فينومينولوجيا ليدرك أن الجسد ليس مُفترقا عن الأنا ، وإنما به وله ومن خلاله نتفاعل مع هذا العالم .



#أحمد_فيصل_البكل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - خربشات 2 .. نرسيس الذي أُسيء فهمه ! -
- - خربشات -
- - لا شيء -
- - لاعب النرد - و - شفقة -
- - الفرج - و - عم حسنين -
- قصتان قصيرتان
- خالعة العقد .. قصة قصيرة
- - أزمة وعي -
- هل الإسلام دين شمولي؟ نظرة لحد الردّة
- مدام هناء .. قصة قصيرة
- الضاحك الباكي .. قصة قصيرة
- المأزوم .. قصة قصيرة


المزيد.....




- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فيصل البكل - - خربشات .. المانيكان -