أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - باسم محمد حبيب - واقعية النظام الأخلاقي في العراق القديم















المزيد.....

واقعية النظام الأخلاقي في العراق القديم


باسم محمد حبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5522 - 2017 / 5 / 16 - 23:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



ما يميز النظام الأخلاقي في العراق القديم إنه مستقى بشكل مباشر من التجربة الحياتية للإنسان ، لذا نجد أن الحكماء لم يروا أي ضرورة لربطه بأسانيد و مفاهيم دينية ، ذلك أن العراقي القديم لم يعزل الدين عن الحياة كما فعلت الكثير من الأديان الأخرى ، بل جعله رديفا وداعما لها ، أي أن الأولوية فيه لحاجات الإنسان وشؤونه ، وهذا ما جعل كثير من الباحثين يصفون النظام الأخلاقي العراقي القديم بالواقعية ، ومن هؤلاء ( صوموئيل كريمر ) الذي قال عن السومريين ( وهم أقدم الأقوام العراقية القديمة ) ، أنهم يمتازون بروعة أفكارهم ومثلهم وقيمهم ، مبينا أيضا أنهم " كانوا واضحي النظر متزني العقل وكانوا ينظرون إلى الحياة نظرة واقعية " وهذا ما يصح على الأقوام الأخرى التي شاركتهم السكن في هذه البلاد ، فهذه الأقوام لم تختلف نظرتها - على الأرجح - عن نظرة السومريين ، وذلك لسبب بسيط وهي أنها عاشت في البيئة نفسها التي عاش فيها السومريين ، وتبنت المفاهيم والقيم الحضارية ذاتها ، ما جعل نظمها وقيمها وأفكارها إمتداد لما كان لدى السومريين من نظم وقيم وأفكار ، أما سبب هذه النظرة الأخلاقية فربطها (الدكتور حسن فاضل جواد ) مع " واقع الإنسان العراقي القديم المحسوس والمنظور واتصاله بتجربة الإنسان اليومية المنقولة عبر مآثر الحكمة الأخلاقية إلى الأجيال القادمة المتعاقبة " ، أما أثر الدين في تكريس القيم الأخلاقية ، فيمكن أن يكون أثرا داعما أو غير مباشر ، لإن العراقي القديم لا يعد الآلهة مصدرا للقيم النبيلة وحسب بل ومصدرا للخطايا والشرور أيضا ، فهي مصدرا " للخير والشر والفضيلة والرذيلة والعفة والفجور والعدالة والجور والصدق والكذب والحق والباطل والإخلاص والخيانة وعموما فهي مصدر المتناقضات الأخلاقية كلها " ، ومن ثم لا يمكن أن تكون الأخلاق في نظر العراقي القديم من نتاج الآلهة بل من صنع الإنسان ، لأنه لم يتخذ الآلهة مثالا له في صناعة نظامه الأخلاقي ، بل أعتمد على تجربته الحسية في تعامله مع الأشياء أو مع نظرائه من البشر ، فأدرك بنفسه ما يضره وما ينفعه ، وما يصلح أن يكون قيما أخلاقية يلتزم بها الجميع لكي يحيوا حياة صالحة خالية من المشاكل ، أما ما نستدل به على ذلك فيمكن أن نستقيه من بعض الأساطير التي عرضت أهمية الأخلاق في الواقع الحياتي ، ليس بوصفها أوامر مباشرة من الآلهة بل بوصفها حاجة حياتية لا غنى للإنسان عنها ، ولو تمعنا في أسطورة النسر والأفعى لأدركنا الطريقة التي أمن بها الإنسان بقيمه الأخلاقية وضرورتها لواقعه الحياتي ، فتعاون النسر والأفعى – بحسب ما عرضت الأسطورة – لم يكن مبعثه الفطرة السليمة بقدر الفائدة المتحققة من هذا التعاون ، إذ أنه يضمن السلامة لأبنائهما بعكس ما إذا كانا عدوين ، لذا ما أن أنتفت الفائدة من تعاونهما حتى تحولا إلى خصمين لدودين ، إذ وجد النسر بعد أن كسى الريش أجسام أفراخه أنه غدى قادرا على أكل صغار الأفعى من دون أن يكون بمقدور الأفعى أكل أولاده كونهم أصبحوا قادرين على الطيران ، وهذا ما أبرزته ملحمة جلجامش التي عرضت أن لكل مجتمع بواعث أخلاقية خاصة به وإن تفضيل أخلاقيات مجتمع ما على آخر لا تتم إلا بتقدير مقدار الفائدة التي يجنيها الإنسان منهما ، فـ (انكيدو ) الذي كان سعيدا بعيشته مع الحيوانات أدرك بعد إتصاله بالبشر أن حياته تلك لم تكن ملبية لرغباته أو أنها متناسبة مع ما يمتلكه من مؤهلات ، لذا انقلب على قيمه الحيوانية بعد أن أدرك أن حياته في مجتمع الإنسان تجلب له فوائد أكبر وتعرض له فرص أكثر للحصول على المكانة والمنزلة ، ما جعله راغبا عن القيم التي كان يتبناها في عيشته البرية لصالح القيم التي وجدها في المدنية التي قطنها بعد ذلك وهي مدينة أوروك ( الوركاء ) ، وهذا ما نلمسه أيضا من الحكم والوصايا التي زخر بها أدب بلاد الرافدين ، فقد كانت أبعد ما تكون عن المثالية التي نجدها في حكم ووصايا أنتجتها حضارات أخرى ، فالحكمة التي تقول : " لا تفعل الشر وعندئذ لا تقاسي ألما دائما " ، تعني أن الشر يولد الشر ، لذا لا يمكن تلافي الشر الذي تواجهه إلا بالتوقف عن اقترافه ضد الآخرين لكي لا يضمروا لك الشر ، وهذا ما يتضح أيضا من قول الحكيم : " الجائع يقتحم البناية ( حتى لو كانت مبنية ) من الطابوق المفخور " ، فهو هنا يحذر من إهمال رعاية الفقراء وإطعام الجوعى لأن ذلك مدعاة لإنتشار الجريمة بشتى أشكالها وصورها ، كما تتضح الواقعية في ما قدمه الحكيم من نصيحة لمن يرغب بالزواج وإنجاب الأولاد ، عندما قال : " تزوج إمرأة طبقا لرغبتك وأنجب ولدا بحسب مشتهى قلبك " ، أما الوصية التي تقول : " أعبد إلهك كل يوم ، عليك بالقربان والتبريكات وحرق البخور " ، فلم يكن لدافع ديني محض بل لأجل ان تحظى بمقابل مادي مباشر كما تشير خاتمة الوصية لإن " التبجيل يولد الحسنات والقربان يطيل العمر " ، وهذا ما يتضح أيضا من إحدى الوصايا التي توصي بالنهي عن الزواج من المومس ، فقد ارتبطت بمبررات واقعية وهي : " أن أزواجها كثيرون ، أنها ستمزق البيت الذي تدخله ، وشريكها لا يستطيع الحفاظ على نفسه " ، وكذلك عندما أوصى أحد الآباء أبنه ، " أياك والتردد على دار القضاء ، وأياك أن تتباطئ في مكان يجري فيه نزاع " فذلك لكي لا يوجه مواقف هو في غنى عنها " ، لأنهم سيجعلونك طرفا في نزاع ويأتوا بك شاهدا " ،وهذا ما نجده كذلك في وصية أب لأبنه الذي عين موظفا في القصر ، إذ نجد أن الأب يحذر أبنه من إقتراف أي جريمة أو إختلاس لا لشيء إلا لأن عواقبها وخيمة ، وذلك بقوله : " لا ترفع نظرك إلى أي شيء (من كنوز قصر الملك ) ، ويجب أن لا تشوقك الرغبة في إرتكاب إختلاس ، لإنه فيما بعد يمكن للأمر أن يتم تفحصه ، ويكتشف الإختلاس الذي إرتكبت " .
ولأن الأسرة هي عماد المجتمع فقد ركز النظام الأخلاقي العراقي القديم على الروابط الأسرية وضرورة تمتينها وتقويتها " أسمع كلام أمك كما تسمع كلام إلهك ، أحترم أخاك الأكبر ، أسمع كلمة أخيك الأكبر ، كما تسمع كلمة أبيك ، لا تغضب أختك الكبرى " ، كما دعا إلى عدم الإساءة إلى الجار ونقل المشاكلات إليه ، كما تعرض ذلك إحدى الحكم الجميلة : " السرطان أمتلأ بيته بالماء فأنتقل إلى بيت جاره " ، ولإن أخلاق المرء هي إنعكاس لتربيه فقد كان الآباء يحرصون على محض أولادهم النصح وإرشادهم إلى الطريق الصحيح كجزء من واجب الآباء تجاه الأبناء حتى لا يقعوا في المشكلات جراء أفعالهم الخاطئة وهذا ما يتضح من إحدى الوصايا التي ورد فيها : " تحكم بفمك وأحترس من كلامك ، فهنا تكمن ثروة الرجل ، تذكر إن شفتيك ثمينتان ، أطع كلام أمك كأنه أمر إلهي ، لا تجعل الغضب يظهر على وجهك أثناء الخصام " ، وهناك حكمة ثمينة وردت على لسان الحكيم العراقي القديم مضمونها : " إذا كنت قد فعلت شرا بصديقك فما عساك تفعل بعدوك " وهي تذكرنا بوصية السيد المسيح " أحبو أعداؤكم فإن أحببتم محبيكم فأي فضل لكم " .
ومن ثم يتضح لنا صلة المبدأ الأخلاقي في العراق القديم بالجوانب الحياتية والعملية ، فالأخلاق عند العراقيين القدماء ليست نابعة من إرادة فوقية تفرض أوامرها بالترهيب الديني بل من حاجة عملية وضرورة حياتية ، ما يجعل الإلتزام بها من الأمور الأساسية التي لا غنى للإنسان عنها ليعيش آمنا وسعيدا .



#باسم_محمد_حبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تتداولوا الأخبار التي تمس شرف العراقيات
- نداء إلى ابناء العشائر العراقية : لا تسمحوا للإرهابيين بقتل ...
- ( الحلقة الحادية عشر ) يوميات سكين
- الحلقة العاشرة ( يوميات سكين )
- عطل + مناسبات = فشل
- واقعة كربلاء .. هل يمكن بحثها آثاريا ؟
- الواجب اتجاه ما حصل لسكان معسكر اشرف
- ( الحلقة التاسعة ) يوميات سكين
- الحلقة الثامنة ( يوميات سكين )
- للتذكير بحملتنا الرائدة لتخفيض رواتب وامتيازات المسئولين الع ...
- ( الحلقة السابعة ) يوميات سكين
- لستم سادة ولسنا عواما
- مراجع الدين وموضوع تحريم الرواتب والإمتيازات الخاصة
- الاحزاب الدينية والوصاية على الدولة
- الأحزاب الإسلامية والقومية بين مطلب الإلغاء وخيار تغيير البر ...
- نحو مصالحة شعبية
- العبودية العشائرية في العراق
- لا سادة ولا عوام كلنا متساوون
- في العراق هل القانون حقا فوق الجميع ؟
- العراق وإسرائيل .. أنتفاء تبريرات الحرب المعلنة


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - باسم محمد حبيب - واقعية النظام الأخلاقي في العراق القديم