أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر














المزيد.....

على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5485 - 2017 / 4 / 8 - 19:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنه سبت آخر، سبت يهودي، ولكل سبت معركته. في أورشليم، عند باب الضأن، بركة يقال لها "بيت حسدا". وإن كانت بيت حسدا تعني بيت الرحمة، إلا أنها كانت شاهدا على آلام الناس. كم من الدموع ذرفت هناك فامتزجت بمياه البركة التي كان يتلاعب بها الهواء. كم شهدت هذه البركة على أنات المتألمين والمرضى والسقماء.

في ذلك السبت، أتى يسوع البركة. هناك كان مضطجعا جمهور كثير من عرج وعمي وعسم ومرضى. كانوا يأتون بعاهاتهم ويتوقعون أن ينزل ملاك ليحرك الماء، فمن نزل أولا برأ. كانت الثواني تبدو لهم ساعات والساعات أياما. كانوا يجلسون على ضفاف البركة يزاحم واحدهم الآخر. المعركة بالنسبة لهم كانت معركة بقاء، لا مكان للرحمة فيها. المرضى كثيرون والذي يشفى واحد. وراء هؤلاء المرضى، كان الكثير من أهلهم يقفون ولديهم لهفة لشفاء أحبائهم قد تفوق أحيانا لهفة المريض نفسه: أطفال يريدون أن يراهم آباؤهم للمرة الأولى. زوجات أنهكهن العمل الذي يقمن به لسد احتياجات رجل مشلول. آباء وأمهات كسر الهم قلوبهم على ابن لم يسمع صوتهم يوما. هناك، كان الكثيرون يعودون الى مأواهم يجرون أذيال الخيبة. كانوا يذرفون الدموع، دموع الأسى والمرارة.

في ذلك السبت، أمّ يسوع البركة. نظر حوله فلم ير سوى الدموع ولم يسمع سوى الأنّات والآهات ولم يشعر بغير الحزن. نظر حوله وشاهد رجلا به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة. سأله يسوع "أتريد أن تبرأ؟" نظر هذا السقيم الى الرجل الغريب الواقف أمامه واتقد الأمل في قلبه. "أينتظر هذا الغريب الى جانبه تحريك الماء كي يرميه أولا؟" قال له "يا سيد، ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء. بل بينما أنا آت ينزل قدامي آخر". لم يكن الرجل مريضا فحسب، لكنه كان وحيدا متروكا. خذله الانسان والإنسانية. خذله الدين والمتدينون. خذله المجتمع والناس. قال له يسوع "قم، احمل سريرك وامش"، فحمل الرجل السرير وهم بالسير.

كانت كلمة يسوع كافية لخلق بلبلة وهيجان وسط الجموع. اعترض اليهود طريق المشلول. قالوا له " إنه سبت، لا يحل لك ان تحمل سريرك ". أجابهم "إن الذي أبرأني قال لي "احمل سريرك وامش". أما الذي شفي لم يكن يعلم من هو، لأن يسوع اعتزل. وبعد ذلك وجده يسوع فقال له "ها أنت برئت، فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك أشر". فمضى الانسان وأخبر اليهود أن يسوع هو الذي أبرأه" لذلك كان اليهود يطلبون ان يقتلوا يسوع لأنه عمل هذا في السبت.

حكاية يسوع مع السبت والمرض والفريسيين حكاية عمرها من عمر الناس. المرض والألم مكونان أساسيان للحياة، قد نفهم الهدف منهما حينا ونجهله أحيانا. لكن وجود الألم والمرض بيننا يستدعي وجود الرحمة والعطف. فالرحمة تخفف من معاناة المريض والعطف يكفكف دموع الباكي. يبقى ان الرحمة والعطف قد يصطدمان بالمقدسات في حياتنا. ماذا ترانا نعمل عندما يقف السبت الذي قدسناه في وجه الرحمة. "أخلق السبت من أجل الانسان أم الانسان من اجل السبت"؟ قال يسوع لمعارضيه. المنطق يقول "خلق السبت من اجل الانسان" والوثنية التي رعرعناها في قلوبنا، أكانت دينا أم معتقدا أم فكرا أم خشبا وحجرا، تقول "خلق الانسان لأجل السبت". المنطق يقول "الانسان سيد الخليقة، يجلس على رأس هرمها، يديرها حسنا، يعتني بها ويعمل لخيره وخيرها"، أما التحجر الفكري والديني والفلسفي والاخلاقي فيقول "حياة الانسان وخيره العام يأتيان ثانية في درجة الأولويات ويتم التعامل بهما وفقا للظروف والتقاليد والعادات التي بناها الانسان وقدسها.

إن كان السبت عائقا أمام شفاء مريض نظرا لقدسيته، فكم من سبت في حياتنا يحكم على الانسان بالموت والشقاء والدموع. جريمة الشرف سبت، ختان الفتيات سبت، زواج القاصرات سبت، قتل وتكفير الآخر سبت، العنصرية سبت، الخيانة سبت، الاتجار بالجنس سبت، واغتصاب الفتيات والقاصرين سبت. كان السبت عند اليهود يوما في الأسبوع، لكنه في حياة الكثيرين منا يمتد على مدى العمر.

عالمنا اليوم تغير عما كان عليه في زمن الفريسيين. لكننا ما زلنا فريسيين بنمط حياتنا وفكرنا. ما زلنا نبني حيطانا بيننا وبين الناس. ما زلنا نقدس السبت، مهما اختلف شكله، على حساب الانسان. عالمنا اليوم بأمس الحاجة لمنقذ يزيل هالة القدسية عن السبت ويهدم الحيطان التي بنيناها بين الرحمة والانسان. سوف يسقط السبت عندما نسقط السيف، سيف الحديد وسيف الكلمة، من أيادينا لنستبدله بقبلة ومغفرة ورحمة.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على خطى يسوع-7- هل يصير الحجر خبزا؟
- على خطى يسوع-6- نؤمن أن لا إله إلا السبت
- عذرا أيها الحب
- على خطى يسوع-5- الابرص
- على خطى يسوع-4- أبانا الذي في السماوات
- في التربية والتعليم-1- مقدمة
- على خطى يسوع-3- من هو يسوع؟
- وكما كان في الميلاد الأول كذلك يكون في الميلاد الثاني
- على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل
- على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة
- إنها الحياة-12- شكر في عيد الشكر
- إنها الحياة-11- لا، لا ترحل يا والدي
- إنها الحياة-10- كل عام وانت بخير يا صغيري
- العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة
- عهد قديم وعهد جديد-19- لا يكن لك آلهة غيري
- لا لزواج القاصرات
- أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟
- عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟


المزيد.....




- السلطات المصرية تعتقل خلية لحركة حسم والإخوان تنفي ارتباطها ...
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات ...
- أول اتصال هاتفي بين بابا الفاتيكان الجديد والرئيس الفلسطيني ...
- الرئيس الفلسطيني يطلب من بابا الفاتيكان مناشدة العالم وقف قت ...
- -سلوشنز- تجدد تسهيلات بنكية إسلامية قيمتها 1.5 مليار ريال
- المصارف الإسلامية في سوريا تنتزع الريادة من نظيراتها التقليد ...
- إسرائيل قاتلة الأطفال تحاول بث نار الفتنة الطائفية
- سلي أطفالك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- ماذا يعني اعتراف روسيا بإمارة أفغانستان الإسلامية؟
- “بدون تشويش أو انقطاع” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-8- إنه سبت آخر