أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-4- أبانا الذي في السماوات














المزيد.....

على خطى يسوع-4- أبانا الذي في السماوات


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5402 - 2017 / 1 / 14 - 20:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


استيقظت من نوم عميق وأنا أردد "أبانا الذي في السماوات". تراءى لي يسوع على الجبل وهو ينظر الى الآباء والأمهات قائلا "فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ."

في لحظة من الزمن، قلب يسوع المقاييس. كان بيننا وبين الله حاجز لا يقل عمره عن ألف وخمس مائة عاما. لم نكن نجرأ على النطق باسمه. الله كما عرفناه كتلة من النار تحرق الانسان والحيوان والجماد. الله صاحب العرش الازلي الذي لا تجرأ حتى الملائكة على النظر اليه. حتى رؤساء الكهنة لا يصلحون للوساطة بينه وبيننا. الله بعيد عنا كل البعد في سماواته. لكن، هوذا رجل يأتي ويقول إنه أتى باسم الله. هو ابن الانسان وهو أيضا ابن الله. فجأة يغير المفاهيم ليقول لنا أن الله ليس وحشا رهيبا كما توهمناه. الله ليس جلادا، ليس شرطيا. الله أب.

عادت بي الذاكرة الى الجبل مرة أخرى وأنا أرى يسوع يقول "وأما أنتم فصلوا هكذا: أبانا الذي في السماوات." نظرت الى اطفالي النيام قربي ورأيت نفسي فيهم. رأيت محبتي وعطفي وحناني يغمرونهم. رأيت فيهم أحلامي وآمالي. أردت أن أغمرهم وأقبّلهم. أردت أن أردأ عنهم كل شر. رأيتهم يتألمون ورأيت نفسي أمسح الدمعة عن عيونهم. رأيتهم يمرضون ورأيت نفسي جالسا قربهم يغالبني النعاس حتى يصحون. رأيتهم يجوعون ورأيت نفسي أنزع اللقمة من فمي حتى أطعمهم. رأيتهم مظلومين ورأيت نفسي أصارع الناس كبارا وصغارا حتى أتمم لهم العدل. لكن لم يخطر ببال واحد منا قبل اليوم أن الله أب. لم يدر بذهننا أن الله يحبنا. لم نكن فقط مكروهين بين الأمم، بل نحن يكره واحدنا الآخر. لكن فجأة، عرفنا ان الله محبة. الله "أبانا". هو الذي يشرق شمسه علينا. هو الذي يزرع الحياة في العشب والحيوان لإطعامنا. هو الماء الحي الذي يتفجر في الينابيع صافيا عذبا ليروي عطشنا. هو النور الذي يسكن عيوننا. هو الهواء الذي نتنشقه نسيما عليلا يمدنا بالحياة. هو الذي علمنا الحب عندما لم نعرف الحب، وأطعمنا عندما كنا جياعا، وكسانا عندما كنا عراة، وعانقنا عندما كنا منبوذين.، وشفانا عندما كنا مرضى. ترى لماذا لم يخطر ببالنا قبل اليوم ان الله ابانا؟

رددت "أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأتي ملكوتك، لتكن مشيئتك". لكن، للحظة وجدت نفسي أعكس الكلام قائلا "لتكن مشيئتك، ليأت ملكوتك، ليتقدس اسمك، أبانا الذي في السماوات". للتو أدركت سبب بعدنا عن الله. فنحن عندما ابتعدنا عنه كنا قد رفضنا مشيئته، وبرفضنا لمشيئته تهنا بعيدا عن ملكوته، وفي البعد عن ملكوته خلعنا عنا ثوب القداسة الذي ألبسنا إياه ومزقنا علاقة الابوة التي تربطنا به." نظرت الى أبنائي النيام مرة أخرى وتخيلت أنهم قد اتخذوا قرار الانفصال عني لسبب أو لآخر. بعدهم عني قد ينسيهم أباهم وروابط المحبة التي تربطني بهم لكنهم سوف يبقون أبنائي مهما حصل، حتى ولو هم نسوا. الآن أدرك لماذا تشوهت أفكارنا عن الله. الله قدوس وعيوننا غشاها ضباب الخطيئة فلم يعد بإمكاننا مشاهدته. أحاسيسنا في الغربة عنه تبلدت، فلم نعد نشعر به. اخترنا السكن في ملكوت بعيد عنه فخسرنا انتماءنا الى ملكوته.

سمعت يسوع يكمل "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم". نظرت الى رغيف الخبز على المائدة. لم يكن لدينا غيره كي يسد رمقنا. كنت دائم القلق من المستقبل. ماذا لو لم يعط الحقل قمحا؟ ماذا لو لم يثمر الكرم عنبا؟ ماذا لو فقدت صحتي وما عدت أستطيع العمل؟ كانت أسئلتي كثيرا ما تقلقني. لكن، عندما يصبح الله أبي، تزول هذه الأسئلة تلقائيا. فهو صاحب الحقل وهو الكرّام وهو الذي ينتظر سماعي قائلا "يا أبي، غلبني الجوع" حتى يفتح مخازنه لي. الله، أبي، يملأ احتياجي كفاف يومي. وهو الذي يغفر لي ذنوبي. هو الذي يمحو الماضي ويخلق الحاضر. هو الذي يصنع الأسود أبيض والشيخ طفلا. كانت ذنوبي حاجزا بيني وبين الله. كنت أخشى الاقتراب منه لأني لم أسئ فقط إليه، بل أيضا لأخي وأختي وجاري وصديقي. أسأت إليهم جميعا وأساؤوا جميعا إليّ. كنا نعيش في حلبة مصارعة لا تنتهي. كل واحد منا يلكم الآخر ويرفسه. كنا أنصاف عميان لما تلقينا من لكمات على وجوهنا. كنا عرجا، مهشمين، مجروحين، ننزف دما بعدما نزف الحب من قلوبنا. لكن الله، كما علمنا يسوع، هو أبانا الذي يغفر لنا كما نحن نغفر لمن أساء إلينا. مشيئة الله لنا أن نقفل حلبة المصارعة وأن نفتتح حلقة مصارحة ومصادقة. اليوم، وبعدما اكتشفت ان الله ابي، أريد أن أخرج الى الطرقات وان انادي أخي الذي سرقته والذي طعنني، وزوجتي التي أسأت إليها والتي أساءت إليّ وصديقي الذي خنته والذي خانني لأقول لهم جميعا "لقد غفر لي أبانا وكما هو غفر لي كذلك أنا أغفر لكم وأرجوكم أن تغفروا لي".

"أبانا الذي في السماوات، أنا استرددت اليوم هويتي السماوية ولا اريد ان أفقدها فيما بعد. أبانا، لا تدخلني في تجربة الجوع كي لا أعود آكل الخروب بدل وليمتك الشهية. لا تدخلني في تجربة العطش كي لا أعود أشرب من البؤر الآسنة بدل الينابيع الصافية. لا تدخلني في تجربة الغربة كي لا ألبس الثياب الرثة وأنت من لديه الثوب الملوكي. نجني من الشرير يا الله، لأن لك الملك والقوة والمجد الى الأبد. آمين"



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في التربية والتعليم-1- مقدمة
- على خطى يسوع-3- من هو يسوع؟
- وكما كان في الميلاد الأول كذلك يكون في الميلاد الثاني
- على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل
- على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة
- إنها الحياة-12- شكر في عيد الشكر
- إنها الحياة-11- لا، لا ترحل يا والدي
- إنها الحياة-10- كل عام وانت بخير يا صغيري
- العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة
- عهد قديم وعهد جديد-19- لا يكن لك آلهة غيري
- لا لزواج القاصرات
- أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟
- عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟
- عهد قديم وعهد جديد-16- أنا الدولة والدولة أنا
- أصحاب الفخامة والجلالة والمعالي
- حكاية إيمان
- عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع-4- أبانا الذي في السماوات