أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد














المزيد.....

عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5158 - 2016 / 5 / 10 - 01:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في معرض حديثه مع حاخام يهودي، استخدم صديقي كلمة "العهد القديم" للدلالة على الجزء المتعلق باليهود في الكتاب المقدس. قاطعه الحاخام قائلا "انظر يا بني، ليس في كلام الخالق (الله) ما هو قديم وجديد، بل كل ما نطق به السيد الرب هو جديد متجدد."

بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع الحاخام اليهودي، لا أحد يستطيع أن ينكر أن الكتاب المقدس بعهده القديم، كان ذات يوم نصّا جديدا بكل أبعاده الروحية والثقافية والأخلاقية والتاريخية والفكرية. كما أنّ لا أحد يستطيع أن ينكر أن الكتاب المقدس ترك أثرا منظورا على المجتمعات والعصور الحديثة. فالمسيحية والإسلام غرفا من نبع الثقافة التوراتية ورويا بها الشرق والغرب كما أن استعمار الغرب العسكري لآسيا وأميركا وأفريقيا هيأ المجال لانتشار ثقافة غربية مشبعة بالروح التوراتية والمسيحية.

أقل ما يقال بالعهد القديم أنه كتاب البدايات. بداية الخروج من عالم الخرافة والاسطورة، بداية طرح الأسئلة الوجودية التي تبحث عن أجوبة، بداية رفض المسلمات الاجتماعية والثقافية والسياسية الموروثة، بداية إعادة النظر بالهرم الاجتماعي وتوزيع الأدوار، بداية فصل السلطات، بداية سن القوانين بمعايير تختلف عما سبقها مثل قانون حمورابي الملك، بداية صياغة للدين بشكل ومضمون مختلفين عما سبق، بداية تأسيس المجتمعات المدنية التي تعنى بالأرملة والفقير على مثال ما نشهده اليوم في العالم المتحضر تحت مسمى "Welfare".

كانت الأسطورة مدخل الانسان القديم لفهم العالم المحيط به وكان لكل شعب اساطيره الخاصة به. تتشابه الكثير من تلك الاساطير على الرغم من عدم التفاعل بين شعوبها على الاطلاق نظرا لبعد المسافات الجغرافية التي تفصل بينهم. مثلا نقرأ في أساطير "الميك ماك" الذين هم من شعوب اميركا الأصليين عن شقيقين خلقا الوجود ومن ثم دبت الخلافات بينهما مما أدى لصراع كوني أرخى بظلاله على الوجود. ليست هذه الفكرة غريبة على الاطلاق عن قصص الخلق الكنعانية التي وان حصرت الخلق بإيل الأب، إلا أنها خصصت مكانة كبيرة لصراعات الآلهة بين زوج وزوجة وابن وابنة واخ واخت. في رواية أخرى لشعوب الهودنوساني الامريكية الاصلية ان امرأة وقعت في الزمن السحيق من السماء عبر فتحة في الفضاء. رست المرأة على ظهر سلحفاة عملاقة. قامت الحيوانات باستقدام الطين من أعماق البحار ووضعتها على ظهر السلحفاة كيما تخلق أرضية صالحة لسكن المرأة. مع مضي الزمن جف الطين وتحول أرضا خصبة. هناك زرعت المرأة التوت البري والتبغ والفريز او الفراولة. كانت المرأة قد أمسكت بهذه النباتات وهي تسقط من السماء واستخدمتها في ما بعد علاجا يخدم الناس الذين تكاثروا على ظهر السلحفاة. على الطرف الآخر من الأرض، في قارة آسيا، روى الصينيون ان "بان كو" فقس من بيضة عملاقة، ليصبح الجزء الأعلى من البيضة السماء والجزء الأسفل الأرض. وتكر السبحة كيما يقدم لنا كل شعب من الشعوب رؤيته الخاصة لعملية الخلق. لكن، خلافا لكل ما روته الثقافات القديمة، يكتب لنا موسى رواية للخلق لا تشبه أي رواية أخرى. للمرة الأولى في تاريخ البشرية نقرأ عن خالق واحد أوحد أسماه موسى يهوه أي الله. فصل موسى بين عالم الروح والعالم المحسوس. على رأس عالم الروح وضع موسى الله وجرّده من كل الصفات البشرية التي ألصقها الناس بآلهتهم مثل الجوع والعطش والموت والجنس. على رأس العالم المحسوس وضع موسى الانسان بصفته تحفة الخالق وعمل يديه الذي أبدعه على شبهه ومثاله. أعاد موسى ترتيب العالم المحسوس فأزال عن الحجر والخشب والحديد والحيوان والأجرام السماوية قدسيتها وحصر كل هذه الكائنات الجامدة في إطار المخلوق وليس الخالق. مع موسى ولأول مرة في التاريخ البشري، تأخذ الشمس مكانها الطبيعي في الخليقة بصفتها جرما منيرا وليس إلها، وينطبق ذلك أيضا على كل ما ألّهه الانسان فيما قبل. مع موسى انتفت قصص الخلق التي اخترعها الانسان، أكانت هذه القصة تحكي عن امرأة هبطت من السماء او انسان فقس من بطن البيضة. مع موسى أصبحت الطبيعة مخلوقا لا دور لها في عملية الخلق التي صارت من الآن وصاعدا من اختصاص كائن روحي وحيد هو الله، الذي وإن كان يملأ الزمان والمكان بجوهره إلا أنه يتعدى مفهوم الزمان والمكان على قدر ما هو غير محدود. قصة الخلق الموسوية، وإن عارضها البعض، لا تفتقر الى المنطق بأي شكل من الاشكال إذ أنها تعلّم ان كل ما كان وكل ما وجد هو تصميم رائع قام به كائن روحي سام وذكي يسمو بقدراته عن قدرات الانسان والخليقة. لا بل من المنطقي جدا القول ان لكل خليقة خالق كما أن لكل بيت بان، ولكل تمثال صانع، ولكل تحفة مبدع. وهنا يطرح السؤال نفسه "لو لم تفتح الرواية الموسوية أعيننا على حقيقة الخرافة في ديانات الأوائل، أترانا كنا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم من تنوير ثقافي واخلاقي، أم هل يا ترى كنا ما زلنا حتى هذه الساعة نسجد للحجر ونقبّل الشجر ونضحي بأولادنا إرضاء لآلهة الخصب؟"

لم يقتصر دور العهد القديم على دحض الخرافة بل تعداه، كما أشرنا سابقا الى معالجة الكثير من جوانب الحياة الإنسانية. فمن الكتب الشعرية التي تضمنت الحكمة والامثال، الى الكتب الفلسفية التي تطرح أسئلة مصيرية عن دور الله عندما يصيب الألم الانسان (سفر أيوب)، الى دور السياسة المسؤولة التي سحبت من تحت اقدام الملك السلطة المطلقة كيما تضعه في خانة المحاسبة (قصة داوود الملك بعد قتله اوريا الحثي وزناه مع بتشبع زوجته)، الى تنظيم المجتمع وتحديد المسؤوليات التي يتوجب على المجتمع المدني القيام بها للعناية بمن يمكن وصفهم بالمهمشين مثل اليتيم والارملة والغريب والعبد، الى أمور أخرى كثيرة نناقشها في الاعداد المقبلة ان شاء الله.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عهد قديم وعهد جديد-14- أصنامهم فضة وذهب
- عهد قديم وعهد جديد-13- إيل تحت المجهر
- عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني
- أما يكفي أيها السيف دماء؟
- شبهة وردود-2- ما لي ولك يا امرأة؟
- هل مسموح أن يتعرض أبو سليم للإذلال؟
- شبهة وردود-1- يسوع سارق الحمير
- عهد قديم وعهد جديد-11- حمورابي وموسى
- عهد قديم وعهد جديد-10- جولة على معتقدات القارة الفتيّة
- عهد قديم وعهد جديد-9- قراءة في الهندوسية
- هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟
- مرحبا أيها الحب!
- عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية
- كافر أنا
- عهد قديم وعهد جديد -7-جولةعلى آلهة حوض البحر الابيض المتوسط
- رأيت يسوع- قصة خيالية
- منطق آلهة سادية أم بشاعة وسادية القدماء؟ رد على مقال الاستاذ ...
- عهد قديم وعهد جديد -6-الحرب على كنعان، إبادة جماعية أم دينون ...
- حسناء باريس... وردة ذبلت أم أشواك دامية؟
- عندما يكون الدم ثمن الحرية


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد