أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة














المزيد.....

على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5360 - 2016 / 12 / 3 - 21:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هناك في فلسطين، منذ ما يزيد عن ألفي عاما، كانت البداية. فلسطين أرض النبؤة والفساد، أرض الحياة والموت، أرض السيف والقلم، أرض الهياكل العظيمة والدمار، أرض الكتاب والجهل، أرض الظلم والرحمة، أرض الفقر والغنى. هناك، على جبل الزيتون، في باحة الهيكل، في أزقة المدينة وشوارعها، وقف رجل أعزل يصارع أمّة، أمّة حكمت على نفسها بالموت والظلام. هناك وقف رجل مغمور ليخرج حياتا من الموت. أنار شموسا وسط الظلام. أنبت عشبا في البرية. صاغ هياكل بشرية وسط الدمار. لم يكن فيلسوفا، لكن أقواله ما زال يتداولها الناس بعد ألفي عاما. كتب عنه تلميذه يوحنا "في البدء، كان الكلمة. وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله... فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه."

كانت البداية على ضفاف نهر الأردن. دخل يسوع تحت الماء، بدا للوهلة الأولى وكأن الأمواج تبتلعه. ترى أيموت الحلم؟ أيُقطع المسيح الموعود؟ أتلد البداية النهاية؟ لكن الوقت لم يكن قد حان بعد. خرج يسوع من الماء، وكأنه مات وقام. أمسكه النهر رجلا جليليا وأطلقه مسيحا يهوديا وأمميا. باركته الأرض والسماء. سار وراءه بعض الرجال والنساء. لكنه اتخذ البرية وجهة له أولا.

البريّة! أرض العطش، أرض الموت والجفاف، أرض الجوع والدموع. هناك مكث يسوع أربعين يوما. أراد أن يختبر الجوع والعطش والموت قبل أن يطعم الجياع ويسقي العطاش ويحيي الموتى. هناك على جناح الهيكل تواجه الموت الحياة. أراد الموت أن يبتلع الحياة، لكن شوكة الموت اقتلعت ولم يعد للهاوية غلبة. هناك قذفت براكين الشهوة حممها على يسوع وهناك داس يسوع على ثعابينها. هناك تبعثر الظلام تحت أشعة النور. "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا الى العالم. كان في العالم، كوّن به العالم، ولم يعرفه العالم".

في البرية، أراد الشيطان أن يقلب المقاييس، كأن يكون المعبود عابدا والعابد معبودا. أراد أن يصبح الظلام قاعدة والنور استثناء. أراد أن ينزل الإله عن عرشه مهانا، ذليلا كي يجلس هو مكانه. أراد أن يسكت الكلمة مرة وللأبد، لكن "الكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا". جاع الجسد، مزّق الجوع أمعاءه، لكن "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله". هناك اتحدت الشهوة بسراب الثروة والسلطة والمجد لتنصب فخا محكما لمن رأته فقيرا، جائعا، مرضوضا ومغلوبا، لكنها تبعثرت أمام صوت القائل "لا تجرب الرب إلهك".

منذ أن "صار الكلمة جسدا" صار جسد الإنسان هيكل الله بعد أن كان سلعة للسبي والموت والمرض والسيف. صار الكلمة جسدا كي يسير في شوارع أورشليم، كي يجوع ويعطش ويتألم وبالتالي يمد يده للمتألمين والجياع والعطشى. عانق جسد الكلمة جسد الأبرص الذي لم يكن أحد يجرأ على لمسه. أوصل صوته الى الصم فنفذ الى ضميرهم. جلجل الكلمة في أرواح الموتى النيام كي يوقظهم ليعانقوا الحياة. بارك الكلمة الأطفال والمهمشين والمنبوذين وفتح أبواب الملكوت لهم أوّلا.

إنها ثورة الكلمة. ثورة على الظلم والقهر والعبودية والرياء والسيف. فلا الاضطهاد ولا السيف ولا الصليب ولا السجن يستطيع بعد اليوم أن يطفأ الكلمة وأن يقوّض أركان ملكوته، لأن ملكوت الكلمة ليس من هذا العالم أو في العالم أو للعالم.

صار الكلمة جسدا ليقول لمن هم في الجسد أن الجسد لا يستطيع أن يختزل الحياة وأن الحياة لم تخلق للموت. الحياة هي الله وفيه ومنه وله وبه. فتح الكلمة باب الحياة على مصراعيها لمن لا يريدون الموت، إنما لأولئك الذين يريدون أن يحيوا خارج إطار الزمان والمكان، في الجسد وخارجه.

كتب يوحنا "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا الى العالم. كان في العالم، كوّن العالم به ولم يعرفه العالم. الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. واما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله."



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنها الحياة-12- شكر في عيد الشكر
- إنها الحياة-11- لا، لا ترحل يا والدي
- إنها الحياة-10- كل عام وانت بخير يا صغيري
- العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة
- عهد قديم وعهد جديد-19- لا يكن لك آلهة غيري
- لا لزواج القاصرات
- أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟
- عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟
- عهد قديم وعهد جديد-16- أنا الدولة والدولة أنا
- أصحاب الفخامة والجلالة والمعالي
- حكاية إيمان
- عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد
- عهد قديم وعهد جديد-14- أصنامهم فضة وذهب
- عهد قديم وعهد جديد-13- إيل تحت المجهر
- عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني
- أما يكفي أيها السيف دماء؟
- شبهة وردود-2- ما لي ولك يا امرأة؟


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة