أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال














المزيد.....

عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5242 - 2016 / 8 / 2 - 20:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما اندلعت الحرب بين الآلهة الإغريق وقف ثلاثة من التيتان (العمالقة) في وجه الإله كرونوس. ساند بروميتوس (أحد العمالقة) الإله زوس في هذه الحرب. عندما أصدرت الآلهة الحكم بإرسال التيتان الى العالم السفلي عقابا لهم تم استثناء اثنين منهم بروميتوس وأبيميتوس مكافأة لهما. خلق بروميتوس الانسان من طين وقامت الإلهة أثينا بنفخ نسمة الحياة فيه. كلّف بروميتوس أبيتيموس بإعطاء المخلوقات مهارات تساعدهم على الحياة. أعطى ابيتيموس الأجنحة للطيور والزعانف للسمك والفرو للثدييات والقوائم للحيوانات ولما وصل الدور للإنسان لم يبق لديه شيئا يعطيه إياه. عندها قام بروميتوس بمنح الإنسان هبة الانتصاب على رجليه، تماما مثل الآلهة، وأعطاه النار.

تختلف روايات الخلق بين الشعوب، إلا أنها تلتقي في مكان واحد ألا وهو عشوائية الخلق. فالآلهة التي خلقت الانسان لم يكن لديها تصورا بعيد المدى لما يتحتم أن ينتج عن هذا الخلق وما هو الهدف منه. كانت لحظة الخلق في معظم الحالات نتيجة قرار آني قام به إله أو قوة عظمى أو نتيجة حدث ما كما نقرأ في اساطير شعوب أميركا الاصلية حيث أن امرأة انزلقت من كوة في السماء وحطت على ظهر سلحفاة ضخمة، فقامت الحيوانات البحرية باستقدام الطين من أعماق المحيط ووضعته على ظهر السلحفاة مما أدى لنشؤ الحياة. تختلف عملية الخلق في التوراة عن كل ما سبقها ولحقها من الاساطير، إذ أن خلق الانسان في الكتاب المقدس هو نتيجة فكر إلهي مدروس وهادف خلق الانسان لغاية سامية وحمل له رسالة روحية، أخلاقية واجتماعية.

رواية الكتاب المقدس للخلق تختلق جذريا عن كل الروايات الأخرى. يطل الله علينا في الكلمات الأولى لسفر التكوين خالقا (في البدء خلق الله السماوات والأرض...). خلافا لكل الروايات المعاصرة آنذاك، لم يكن الخلق لإراحة الآلهة من عملها الشاق في زرع الحقول وحرثها وحصادها كما تعلمه الميثولوجيا الميزوبوتامية، أو نتيجة حدث آني مثل سقوط امرأة من السماء بحسب شعوب أميركا الأصليين، او مثل ما تعلمه الميثولوجيا الصينية أن الإله بانغو كان سجين بيضة فقست ولما خرج منها اصبح نصفها الأعلى السماء ونصفها الأسفل الأرض. الخلق في الكتاب المقدس مخطط له، هادف ومبرمج. يهيئ الله الزمان والمكان (الأرض والاجرام بما فيها السماء والأرض والشمس والقمر والمجرات). يجعل الله المكان صالحا لحياة الانسان فيخلق فيه البزور والنبات والعشب والشجر المثمر. يملأ الله المكان بحيوانات يباركها قائلا "اثمري و اكثري و املاي المياه في البحار و ليكثر الطير على الأرض". وعندما تتم الترتيبات يطل الله علينا بمشهد شعري: "و قال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر و على طير السماء و على البهائم و على كل الارض و على جميع الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم". (تكوين 1: 26-27)

من الملفت للنظر أن الله خلق الانسان على صورته ومثاله. لن نستطيع ان نفهم الانسان ما لم نفهم الله أولا. ترى ما هي هوية هذا الإله الذي خلق الانسان على صورته مثاله وما هو الهدف من خلقه؟ لا نحتاج للنظر بعيدا عن سفر التكوين حتى ندرك جوهر الله. من الكلمات الأولى لهذا السفر، يطل الله علينا بصفته الحي الكائن منذ البدء وهو كائن الى الأبد. هكذا تم أيضا خلق الانسان كيما يكون كائنا حيا مثل الله. الله هو خالق ومبدع، خلق السماوات والأرض بما فيها من اجرام وحياة. كذلك الانسان وجد كيما يكون خالقا مبدعا. منذ الصفحات الأولى للعهد القديم يبدأ الانسان بالإبداع. يقول آدم في حواء شعرا عند رؤيتها للمرة الأولى. يخرج حنوك حفيد آدم ويبني مدينة. يعشق يوبال النغم ويصبح أبا لكل ضارب بالعود والمزمار. يجتذب النحاس توبال قايين فيصبح الصناعي والمخترع الأول الذي يضرب آلات من نحاس. وتستمر رحلة الانسان في الابداع فيزرع نوح كرما ويصنع منه خمرا ويجتمع أهل بابل كيما يبنوا البرج الأول على الأرض وما زالت رحلة الابداع تلازمنا حتى اليوم شعرا وكتابة وتكنولوجيا وحكمة حتى ان الانسان المعاصر أصبح يشبه الله الى حد بعيد، فهو يغزو المجرات ويتحكم بالحياة من خلال الطب وعلوم البيولوجيا، ويطير بسرعة البرق ويقفز من أعلى الجبال ويغوص الى عمق المحيطات.

عندما أتم النحات الشهير تحفته الفنية "موسى" نظر الى التمثال بشغف وقال له "انطق أيها التمثال". كان الفنان الإيطالي الذي عاش في عصر النهضة يدرك حق الادراك ان بإمكانه ان يكون ناقلا للحياة من خلال التناسل، إلا أنه لن يكون بإمكانه أبدا واهبا لها. فالتمثال لن يحيا ما لم تدخل فيه نسمة حياة تجعله كائنا حيا. عندما خلق الله آدم لم يرد له إطلاقا أن يكون تمثالا، بل أراد له أن يتمتع بالحياة تماما كما أن الله حي. لكن إن كان الموت هو غياب الحياة، لذلك لم يكن بإمكان آدم أن يحيا ما لم يستمد حياته من الله مباشرة أو في انفصاله عن الله. لذلك أوصى الله آدم بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر لأن الشر او عصيان الله هو طريق الموت. شأنه شأن كل مخترع ينتج كتيبا يحدد فيه طريقة استعمال تحفته، كذلك كان الله يدرك أن سوء استعمال الحياة واختيار عصيان إرادة الله في الانسان يؤدي الى الموت. فالله يريد للإنسان ان يحيا، لكن كما انه لا نهر دون نبع كذلك لا حياة دون الله.

النبع يلد النهر لكن النهر يختار طريقه في الوادي، فإذا ما انقطعت العلاقة بين النهر والنبع مات النهر. في كتيب الخلق والابداع، خلق الله الانسان ورسم له الطريق، لكنه لم يتركه دون تعليمات تحافظ على العلاقة بين النهر والنبع أو بين الله والانسان. سوف يكون موضوع المقال المقبل، ان شاء الله، ضوابط العلاقة بين الخالق والمخلوق، بين الله والانسان.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟
- عهد قديم وعهد جديد-16- أنا الدولة والدولة أنا
- أصحاب الفخامة والجلالة والمعالي
- حكاية إيمان
- عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد
- عهد قديم وعهد جديد-14- أصنامهم فضة وذهب
- عهد قديم وعهد جديد-13- إيل تحت المجهر
- عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني
- أما يكفي أيها السيف دماء؟
- شبهة وردود-2- ما لي ولك يا امرأة؟
- هل مسموح أن يتعرض أبو سليم للإذلال؟
- شبهة وردود-1- يسوع سارق الحمير
- عهد قديم وعهد جديد-11- حمورابي وموسى
- عهد قديم وعهد جديد-10- جولة على معتقدات القارة الفتيّة
- عهد قديم وعهد جديد-9- قراءة في الهندوسية
- هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟
- مرحبا أيها الحب!
- عهد قديم وعهد جديد-8- قراءة في البوذية


المزيد.....




- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال