أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طوني سماحة - أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟














المزيد.....

أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 23:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جبيل اللبنانية مدينة عريقة تتكلم تاريخا وثقافة وحضارة. اسمها باليونانية هو بيبلوس ويعني الكتاب ومنه تم اشتقاق كلمة Bible أي الكتاب المقدس. من شواطئها وشواطئ شقيقاتها صور وصيدا وارواد انطلقت الابجدية على متن السفن لتغير وجه العالم ثقافيا وحضاريا. في أزمنة الانحطاط، قامت جبيل بنهضة ثقافية من خلال مهرجاناتها التي تستقدم كل عام فنانين من كل أرجاء الأرض يؤدون رقصا وغناء وشعرا وفنا.

في مهرجانات هذا الصيف في جبيل، تم استقدام فرقة غريس جونز لتقدم عرضا فنيا. أعترف أنني جاهل فنيا وأني لست من عباد المشاهير. لكن ذلك لا يعني أني أرفض الفن بالمطلق. فأنا من محبي الموسيقى الهادئة والحالمة التي تخاطب الروح قبل الجسد. لطالما شعرت بقوة الحب وأنا استمع لزكي نصيف يصدح " نقي لي أحلى وردة، يا فراشة نقيلي" ولطالما نفذت موسيقى أغنية "كلمات" لماجدة الرومي الى قلبي حين صدورها للمرة الأولى، خاصة وانا اختبر مشاعر الحب مع زوجتي التي كانت خطيبتي آنذاك. في سنين المراهقة، كنت أردد مع المغني جو داسين "Mais si tu n’existais pas… "، أغنية يكلم فيها العاشق حبيبته التي افترض في لحظة عدم وجودها وما يترتب على انعدام هذا الوجود من ضياع الهدف والمعنى للحياة. لكن ما علاقة هذه المقدمة بفرقة غريس جونز؟

هي المرة الأولى التي أسمع بها بوجود هذه الفنانة. سمعت سابقا بالليدي غاغا ومايلي سايروس اللتين تعتبران من رموز الاغراء والجنس والتعري. لكن ها هي غريس جونز تأتي الى جبيل وقرأت عنها أنها تتفوق على السيدتين أعلاه. قرأت أن أفراد الفرقة أدوا مقاطع ظهر فيها الصليب على مناطق حساسة من أجسادهم. سكر الحضور على أنغام الموسيقى، شربوا وغنوا ورقصوا وذهبوا فجرا الى بيوتهم ليغطوا في نوم عميق.

ليس في المسألة من غرابة فيما لو حصل هذا الحفل في لوس أنجيلوس أو باريس. فالغرب فصل بين الدين والدولة ولا وجود في الغرب لما يسمى بمدينة ذات طابع ديني باستثناء الفاتيكان. فمدينة تورنتو الكندية لا تعبر عن نفسها كمدينة مسيحية بل مدينة علمانية تحتوي كل أطياف ساكنيها. لكن الامر مختلف في لبنان حيث المدن تأخذ هوية طوائفها. الانسان الغربي يشكل الدين جزأ من هويته الوطنية، بل هو جزء من هويته الفردية، أما الانسان الشرق اوسطي، فالدين يشكل جزأ من هويته الوطنية. فإذا مس دينه شعر بطعنة في داخله وأحس بالخطر الداهم على وجوده. في ظل هذه الأجواء فشل الشعب اللبناني المسيحي مرة أخرى، فالاعتداء على هويته لم يتم في لندن او شيكاغو، بل في جبيل اللبنانية، فيما هو ساكن لم ينبس ببنت شفة.

هل كان من المفترض أن ينزل المسيحي الى الشارع ويكسر ويدمر؟ هل كان عليه حرق الإطارات للتعبير عن استيائه؟ هل كان عليه تدمير المحلات واستهداف الأبرياء؟ هل كان عليه الهجوم على المغنية وفرقتها طلبا للثأر؟ هل كان عليه المطالبة بالموت لمن كان خلف هذه الإهانة لصليبه؟ هل كان عليه الظهور على شاشات التلفزة مطلقا عبارات التهديد والشتائم؟ إطلاقا! فالإنسان الذي يعبر عن نفسه في ثقافة الحاضر بهذه الاساليب هو انسان همجي وغوغائي. لكن كان بالمفترض على الشعب اللبناني أن يعبر عن غضبه، هذا فيما لو كان قد شعر بالغضب، بطريقة حضارية. كان من المفروض أن يتم مساءلة القيمين على هذا المهرجان ومتعهديه. كان من المفروض مقاطعته. كان من المفروض ان يطل رجال الدين والمؤمنين على شاشات التلفزة لمناقشة أبعاد استقدام مثل هذه الفرق. كان من المفروض على علماء الاجتماع تحليل هذه الظاهرة. لكن مرة أخرى، تطربنا الموسيقى، يثملنا الخمر، تتخمنا الطيبات ونحن في غيبوبة.

عندما تقام مثل هذه المهرجانات في الغرب يقاطعها المسيحي ويعترض عليها حضاريا من خلال إعلامه الثقافي والديني، أما عندما تقام عندنا نتهافت عليها مع أنها تشكل تهديدا لقيمنا الأخلاقية ولهويتنا الوطنية والدينية. أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟
- عهد قديم وعهد جديد-16- أنا الدولة والدولة أنا
- أصحاب الفخامة والجلالة والمعالي
- حكاية إيمان
- عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد
- عهد قديم وعهد جديد-14- أصنامهم فضة وذهب
- عهد قديم وعهد جديد-13- إيل تحت المجهر
- عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني
- أما يكفي أيها السيف دماء؟
- شبهة وردود-2- ما لي ولك يا امرأة؟
- هل مسموح أن يتعرض أبو سليم للإذلال؟
- شبهة وردود-1- يسوع سارق الحمير
- عهد قديم وعهد جديد-11- حمورابي وموسى
- عهد قديم وعهد جديد-10- جولة على معتقدات القارة الفتيّة
- عهد قديم وعهد جديد-9- قراءة في الهندوسية
- هل قال أيوب أن السماء ترتكز على أعمدة أربعة؟
- مرحبا أيها الحب!


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طوني سماحة - أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟