أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل















المزيد.....

على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 5367 - 2016 / 12 / 10 - 20:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هناك على سفح الجبل وقفت. جموع تسير آتية من أماكن قريبة وبعيدة. شيوخ وشباب، رجال ونساء، أطفال وكبار. يقال أنّهم أتوا ليستمعوا ليسوع الناصري. منذ بعض الوقت والناس تلغط بشأنه. منهم من يقول أنّه نبي والبعض ذهب بعيدا للقول أنّه المسيح المنتظر. نظرت الى الناس. جلّهم جياع. البعض يحملون مرضاهم لأن ثمة من يقول أنّ يسوع يشفي المرضى مجانا. كثيرون منّا محبطون. الرومان يحتلون أرضنا وقد أتوا إلينا بأفكار وعادات وعبادات غريبة عن أمتّنا. ازددت شغفا للقاء يسوع. أتراه المسيّا المنتظر؟ أيكون محرّر إسرائيل من العبودية والظلم والشقاء؟ ماذا تراه يقول اليوم للجميع. أيقف على قمة الجبل ويلهب المشاعر بالدعوة للثورة على المحتل؟ أيقيم ملك داوود وسليمان؟

سرت مع الجموع. كان كتفي ما زال يؤلمني. صادفني الأمس جندي روماني. كان متوجها الى أورشليم. ينص القانون أنه يحق للجندي أن يأمر المواطن بحمل أمتعته، لدى سفره، لمدة ميل، وهكذا كان. نظرت الى الجندي شزرا. وددت لو أستطيع قتله. فها هو يقتل أبناء أمتي الثوار ويطلب مني اليوم مساعدته. رد على نظرتي إليه بنظرة كادت تقدح شررا. حملت أمتعته مرغما واحتفظ هو بسيفه، فيما يده على المقبض. سرت في حرّ النهار. لذعتني الشمس وأنهكني ثقل الحمل. تعثرت مرارا، لكن هذا المجرم لم يأبه بي. في نهاية المطاف، قابلنا يهودي آخر. كان الرجل مسنّا، لكن الجندي لم يأبه بسنّه أو شيبه. أمرني بإلقاء الحمل أرضا، ثم طلب من المسن حمل أمتعته. كدت أموت غيظا وأنا أرى هذا الرجل العجوز يئن ويتعثر فيما ذاك الخنزير يسير غير آبه به. شتمنا الجندي قبل أن يكمل مسيره الى جانب العجوز.

ما زالت الجموع تتوافد. وصلنا الى أعلى الجبل. هناك كان يسوع جالسا. لم يكن يشبه قادة الأمّة في شيء. نظرت حولي علّي أجد الحراس حوله، لكن لم أجد سوى بعض الرجال العزل يسهّلون جلوس الناس على الأرض. لم يكن هناك سيوف تلمع في الهواء ولا حتى أناشيد ثورية. لم يبد لي هذا الرجل برقته مثالا لثائر مقاتل. التحف الناس الأرض وجلس يسوع، فصار صمت رهيب. فتح يسوع فاه وقال "طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السماوات. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش الى البر لأنهم يشبعون. طوبى للرحماء لأنهم يرحمون. طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله. طوبى لصانعي السلام لأنهم ابناء الله يدعون. طوبى للمطرودين من اجل البر لان لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم."

صدمني كلام ذاك الذي كانت الجموع تدعوه المعلّم. استوقفتني عبارة "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون". شعرت بالغضب الشديد. أأتيت هنا لأسمع هذا الكلام؟ أيعيد السلام ملك داوود وسليمان الزائل؟ أيكسر السلام سيف الرومان المسلط على رؤوسنا؟ أيطرد السلام المحتل؟ جلست أعيد حساباتي. أيكون الرومان قد اشتروا يسوع هذا ليشتتوا ثورة الأمّة أم أن الناس خدعوا به فظنوه محررا بينما هو ليس سوى بمشرد لا يتقن سوى حبك الكلام؟ هممت بمغادرة المكان عندما رأيت يسوع يرمقني قائلا "أنتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح؟ لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. أنتم نور العالم. لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات."

أردت أن أصرخ "كفى! كفى خداعا. كفى رياء". لكن الكلمات اختنقت في حنجرتي. غلبتني كلمات يسوع. أسكتتني. من الواضح أن هذا الرجل لم يكن ثائرا عسكريا، لكنه لا شك يقول كلمات تستحق الوقوف عندها. بل، لربما كان ثائرا من نوع آخر. كانت عباراته مثل "طوبى للمساكين بالروح" تخترق القلوب المكسورة وتعطيهم وعدا بملكوت السماوات. كان الحزانى يستمعون اليه ويتعزون. كان الكثير من الحضور مهمشين اجتماعيا وفكريا، حتى أن بعضهم كانوا عشارين وزناة، ومع ذلك كان يسوع يطلق عليهم صفة ملح الأرض ونور العالم.

أكمل يسوع "قد سمعتم انه قيل للقدماء: لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم. واما انا فأقول لكم: ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه: رقا يكون مستوجب المجمع ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم. فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك. كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن. الحق اقول لك: لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير!" أعادتني عبارة يسوع "لا تقتل" بالذاكرة للجندي الروماني. كان ظهري ما زال يؤلمني. كانت نظرات الجندي الحاقد ما زالت تحفر نارا في أعماقي. كنت أتمنى لو بإمكاني القبض عليه للحظة وإشباعه ضربا ولكما وركلا. كنت أتمنى أن أشفي غليلي بشتمه ونعته بأبشع الأوصاف. كنت أود لو أستطيع حمل السيف لطرد كل محتل من أرضي. لكن يسوع صدمني. هو لم ينه فقط عن القتل، بل رفع السقف بالقول أن من نعت آخر بالحمق أو من غضب باطلا على أخيه يكون قاتلا، مستوجب القضاء. نظرت حولي. عدت بالذاكرة الى طفولتي. كان أبي شديد الغضب كثير الإهانة لنا. كان يضرب والدتي طول الوقت ويكيل لها ولنا الشتائم. كان ينعتنا بالغباء. وأنا؟ نعم أنا! أنا أهين زوجتي، أضرب أولادي، أسيئ معاملة جيراني وأقربائي. كثيرون هم الذين يكرهونني. أبنائي يخافون مني وزوجتي تتحاشاني. جيراني يفضلون عدم التعامل معي. وددت في تلك اللحظة لو أني أستطيع العودة لمنزلي، ليس لأن خطاب يسوع لم يكن يثير اهتمامي، إنما لأعانق زوجتي وأحضن أطفالي وأصافح جيراني. أنا... أنا بمقاييس هذا الرجل قاتل، قاتل، قاتل.

"قد سمعتم انه قيل للقدماء"، أكمل يسوع، "لا تزن." نظرت الى الأرض. فأنا ألاحق امرأة سرا، لكنها كانت ما زالت توصد الأبواب بوجهي. على الأقل أنا لم أزن بعد. لكن نظر يسوع إلي وكأنه يقصدني مباشرة وهو يقول "واما انا فاقول لكم: ان كل من ينظر الى امراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وقيل: من طلق امراته فليعطها كتاب طلاق واما انا فاقول لكم: ان من طلق امراته الا لعلة الزنى يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فانه يزني." مرة أخرى، أصابني يسوع في الصميم. من هو هذا الرجل؟ ومن أين أتى بتعاليمه؟ وماذا يريد من أمتنا؟ لقد أتيت لأسمع منه كلاما عن الحرية، حرية الأرض، لكنه يتكلم عن حرية الروح. كان الناس يتناقلون عنه قوله "إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحرارا". لكن كان يبدو لي أن هذه الحرية تختلف كل الشيء عن الحرية التي كنا نحلم بها.

كان كلام يسوع ثقيلا عليّ. لم أستطع احتماله. كنت أود الذهاب، لكنني لم أرد لفت الأنظار الي وانا اهم بالوقوف. وأكمل يسوع "سمعتم انه قيل: عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم: لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر ايضا. ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سالك فاعطه ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده." استوقفتني هذه العبارة "ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين". لا شك أن ذلك قمة الجنون والخنوع. فيسوع هذا يريدنا ان نحمل أمتعة الروماني ليس ميلا بل اثنين. هو يريدني أن أحب الروماني الذي يظلمنا ويقتلنا. عندها لم أستطع الجلوس، بل نهضت وخرجت فيما يسوع يقول "سمعتم انه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم: احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم؟ اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك؟ وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون؟ اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا؟ فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل." (يتبع)



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على خطى يسوع 1- في البدء كان الكلمة
- إنها الحياة-12- شكر في عيد الشكر
- إنها الحياة-11- لا، لا ترحل يا والدي
- إنها الحياة-10- كل عام وانت بخير يا صغيري
- العهد القديم والعهد الجديد-20- الخاتمة
- عهد قديم وعهد جديد-19- لا يكن لك آلهة غيري
- لا لزواج القاصرات
- أترانا شعبا أصيب بالانفصام الثقافي والديني؟
- عهد قديم وعهد جديد-18- أنطق ايها التمثال
- إنها الحياة-9- الجدّ والجدّة والحفيد
- عهد قديم وعهد جديد-17- لماذا العهد القديم؟
- إنها الحياة-8- ومن قال ان الاغتصاب رذيلة؟
- عهد قديم وعهد جديد-16- أنا الدولة والدولة أنا
- أصحاب الفخامة والجلالة والمعالي
- حكاية إيمان
- عهد قديم وعهد جديد-15- فجر جديد
- عهد قديم وعهد جديد-14- أصنامهم فضة وذهب
- عهد قديم وعهد جديد-13- إيل تحت المجهر
- عهد قديم وعهد جديد-12- إيل العبري وإيل الكنعاني
- أما يكفي أيها السيف دماء؟


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - على خطى يسوع 2- موعظة على الجبل