أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - تحت الشمس/ قصة














المزيد.....

تحت الشمس/ قصة


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 5453 - 2017 / 3 / 7 - 14:06
المحور: الادب والفن
    


يعيد المكنسة إلى مكانها، يرخي ثنيات بنطاله فوق ساقين مبللتين، تزكم أنفه روائح المراحيض التي تمتلىء يومياً بأشياء زائدة. لم تعد تجدي تحذيراته اللاهثة يطلقها في وجوه الأولاد وهم يتراكضون نحو المراحيض، ثم يخرجون منها وقد لُوثت أحذيتهم وسفوح بناطيلهم. الآن أيقن أنه لا جدوى من كلّ تحذيراته، فالأولاد لا يكترثون للنظافة، لذلك آثر أن يغوص كل يوم في ركام القاذورات دون أن يتفوه بكلمة.
تستقر المكنسة في مكانها وادعة مرهقة بعد ساعات من التعب، ويشعر أنه بحاجة إلى الشمس والهواء وإلى شيء من الراحة، يصعد درجات المبنى، ويجلس على حافة السطح: تبدو المدينة تحت ناظريه كتلة متراصة من البنايات، على الرصيف المقابل بيوت قديمة، وثمة نسوة يتحلقن في باحة مسوّرة: إنهن مستغرقات في الحديث، ولا بدّ من أنهن يتهامسن بكلام لا يطقن أن يسترق السمع إليه أحد، إنه يعرف ذلك بفطنته، وهو واضح من حركات أيديهن ورؤوسهن ومن تلاصق أجسادهن الذي يتنامى كلما أصبح الهمس أكثر إثارة.
تحلق طائرة في سماء المدينة، تطير منخفضة، حتى اعتقد أن ركابها ينظرون إليه من خلف زجاج النوافذ، تجمّع على نفسه، وتابع الطائرة وهي توغل في المسافات. حينما ابتعدت، ولم يعد يصل إليه من صوتها سوى همهمة خافتة كالأنين، أحسّ بالأسى: إنه متروك هنا لا يأبه له أحد، مهمته اليومية: تنظيف المراحيض. أف، اللعنة! كان مضطراً إلى نقل ابنه الصغير إلى مدرسة أخرى، هكذا نصحه بعض الأصدقاء، وأدرك أن ذلك ضروري للمحافظة على مشاعر الولد، فقد يتعرض لكلام مهين من بعض أقرانه.
انتبه مرة أخرى إلى الباحة المسورة، لم يجد أثراً للنسوة فيها، فكأنما ذبن أو طواهن خطر ما. تحاشى النظر إلى بناية السجن القديمة، وقال لنفسه إنه بحاجة إلى الشمس والهواء، لكن عينه زاغت واستقرت على الأسلاك المجدولة فوق سطح البناية وعلى قمة سورها المرتفع.
في اللحظة التي همّ فيها أن يتخيل ابنه الكبير خلف الأسلاك منذ ثلاث سنوات، انبعث صوت الأولاد مدوياً من أحد الصفوف:
موطني موطني
الجلال والجمال والسناء والبهاء
في رباك في رباك
أرسل آهة طويلة، ثم استلقى تحت الشمس يصغي إلى الأصوات البريئة العذبة، ويحلم بأيام طليقة.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلب الأم/ قصة قصيرة جدًّا
- استقبال/ قصة قصيرة جدًّا
- كنبة قديمة/ قصة قصيرة جدًّا
- سوق اللحامين/ قصة قصيرة جدًّا
- فراق/ قصة قصيرة جدًّا
- عناق/ قصة قصيرة جدا
- حلم/ قصة قصيرة جدًّا
- سائل فاتر/ قصة قصيرة جدًّا
- اشتباه/ قصة قصيرة جدًّا
- هي المدينة/ قصة قصيرة جدًّا
- رغبة/ قصة قصيرة جدًّا
- نشرة الأخبار/ قصة قصيرة جدًّا
- وجع/ قصة قصيرة جدًّا
- خان تنكز/ قصة قصيرة جدًّا
- أجراس المدينة/ قصة قصيرة جدًّا
- مشي/ قصة قصيرة جدًّا
- معطف الحفيد/ قصة قصيرة جدًّا
- الإبنة الصغرى/ قصة قصيرة جدًّا
- ملعقة/ قصة قصيرة جدًّا
- على الشاشة/ قصة قصيرة جدًّا


المزيد.....




- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - تحت الشمس/ قصة