أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - صورة أبي














المزيد.....

صورة أبي


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 5452 - 2017 / 3 / 6 - 09:22
المحور: الادب والفن
    


سأضع صورة أبي الذي مات...
وأكتب أن الأعوام مرت على رحليه سريعًا،
وأن الدنيا صارت أكثر ضراوة من بعده، كأنني أكتشف ذلك الآن
وحين يأتيني إشعار بتعليق على الصورة، سأحزن جدًا
وأقول للمعلقين بأني أحمد الله، وأتفهم القدر، وأتمنى لكل دعواتهم الافتراضية أن يقبلها الله الحقيقي الموجود في مكان ما في تلك اللحظة يضع الكلمات في رأسي...
سأضع صورة أبي الذي مات...
سأجعل منها غلافًا لصقحتي على الفيس بوك، أو صورتي الشخصية في وسائل التعارف الاجتماعية، ولن أضع على جانبها شريطًا أسود مائلاً، حتى لا أصيب الناس بالحزن إذ اكتشفوا أنه ميت منذ زمن، وأنني أمارس جريمة الحياة من بعده...
سأكتب جملة عميقة جدًا، وربما سأضع آية قرآنية، أو أحكي حكاية عن الصالحين الذين كافأهم الله على الحزن حين صدر قرار يشبه قرار موت أبي...
سأقوم بدور اجتماعي للغاية وأضع علامك الإعجاب لكل من يترك تعليقًا على صورة أبي الميت، وسأبالغ في الدعاء لهم، ومحاولة رسم صورة الثبات في ردودي الافتراضية، لكنهم لن يروا في الواقع قهري ودموعي كلما رأيت صورة أبي الميت، واكتشفت أنني وحدي الذي أعاني الحياة، وأنه كان محظوظًا جدًا بالموت؛ فلأبي كان قلب طفل، لم يكن ليحتمل كل تلك القسوة التي تجرفنا إليها الحياة والعلاقات المعقدة...
سأضع صورة أبي الذي مات...
وأجلس أراقب الضوء الأخضر في الهاتف حين يخبرني بأن أحدهم تأثر لثانيتين أو ثلاث بصورة الرجل الذي مات وما زال قلبي يرفض فكرة غيابه المفاجيء عن عالمي...
وفي كل ليلة سأجتهد أن تمر دون أن أواجه نفسي بالحقيقة وأنني لن أراه مجددًا، وأن كثيرًا من أسئلتي التي كنت أجهزها له ستبقى يتيمة الإجابات من بعده...
وحين أقابل الناس في الشوارع الحقيقية سأحاول الابتسام هربًا من دموعي التي أسرتني ليلتين كلما صحوت من حلمي معه، وأنه عاد من سفره الطويل...
ربما أستمع في يوم إلى نصيحة محب أو صديق أو شخص صار قريبًا مني جدًا إلى حد مربك لم أستطع معه تحديد علاقته بي، وأدعي أنه يحل محل أبي...
حين نصحني بأن أجرب أن أضع صورة لنفسي وأنا مبتسم، معللاً بأن الابتسام يمنحنا تجربة جديدة مع الحياة، وأن الراحلين -مثل أبي- سيكونون أكثر راحة في أماكنهم حين يرون ابتساماتنا رغم الحزن والألم الفظيع...
سأضع صورة أبي الذي مات...
فصورة الأموات أكثر نبضًا من صور الأحياء هذه الأيام، فهم مبتسمون، أو تلمع عيونهم بالأمل، أو يضعون أيديهم إلى جانبهم في ثبات وتحد أكثر منا نحن الذين نمارس جريمة الحياة...
سأضع صورة أبي الذي مات...
حتى يأتيني ويخبرني بأنه لا مانع من تغيير الصورة، وأن ذلك مسموح به إذ أنا الذي أحيا، وأواجه أزمة بعده القاسي...
ساعتها سأغير صورة أبي الذي مات، وأضع صورة تشبهني كثيرًا تقول للناس:
أنا حي.. أنا موجود...
وانتظر شاشة الهاتف التي تأتيني بإشعارات الإعجاب للصورة الجديدة.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كراهية
- أنا المنسي
- رباعيات نبي مرفود
- في قعر الفنجان
- جذر تكعيبي
- كيف بوابين... نص أدبي.
- كلب ضال
- قصة لم تنتهِ
- أنا مستقيل.. في وداع -أبو خروف-
- طبق العشاء الأخير.
- الزعيم والكينج، وفاصل من سقوط جديد
- سمّ خياط قلبي
- قلبٌ في زيت القلي
- خدش الحياء المتوهم
- في مرة خلقني الله يوم الأربعاء
- أجمل من إله.
- ورقة خفيفة.
- السابعة من مساء الميدان
- بين نصفين: أحلام شمس/ شمس أحلام
- مؤسسة يدوية بالإسكندرية لفن صناعة الكتاب


المزيد.....




- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - صورة أبي