أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - صناعة العزلة؟















المزيد.....

صناعة العزلة؟


منير ابراهيم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 5427 - 2017 / 2 / 9 - 21:21
المحور: الادب والفن
    


صناعة العزلة..؟
يقول ابن الجوزي : "فيا للعزلة ما ألذها سلمت من كدر الغيبة، وآفات تصنع وأحوال المداجاة وتضييع الوقت. ثم خلا فيها القلب والفكر؛ لأنه مستلذ عنه بالمخالطة فدبر أمر دنياه وآخرته".
ما العزلة؟
العزلة في اللغة تعني الابتعاد عن الآخرين والانقطاع عن العالم أو اعتزال الناس والابتعاد عنهم والاختلاء في مكان بعيد ، وهو معنى قريب من الخلوة التي تعني المكان الذي ينفرد فيه الشخص بنفسه ويمكث فيه وحده ، وهي وفق هذا المعنى تحمل دلالات إيجابية كالتأمل و الانتاج ومراجعة الذات والانطلاق من جديد …. بخلاف مفهوم الإنطواء الذي يحمل دلالات سلبية كالعزوف عن الحياة الاجتماعية وقطع الصلة بالآخرين أو ضعفها وقلة اهتمامه بمشاكلهم وعدم الاكتراث بمشاركتهم أنشطتهم .
العزلة أن تكون أنت، أنت بلا أي قناع، ان تعي ذاتك فتصل إلى نواة روحك تتلمسها وتتلمسك ويدرك أحدكما الآخر، ليست العزلة أن تكون وحدك في المكان، العزلة أن تكون وحدك داخلك، وكل ما هو خارجي لايهم. أن تجلس في ازدحام المكان من حولك ورغم ذلك تكون أنت وحدك منعزل عن المكان، انها الحقيقة الأكثر عمقا في الطبيعة البشرية، كون الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعرف أنه وحيد، وهو الوحيد الذي يبحث عن غيره، انها العامل المؤسس للوعي بالذات والوعي بالعالم والاخر من خلال ملاحظته وتأمله واخذ مسافة منه و بالتجرد من كل الاحكام المعيارية و الذاتية..
إنها دار تأمل، وبيت من بيوت الصمت، أعظم ما تشعر به فيها هو هذا الهدوء الذي يحوم حولك مثلما هو خيَّم في داخلك، صمت وأفكار عجيبة وكأن عقلك كأسا فارغا يحوم فيه الهواء حتى القراءة في هذا الفترة تختلف.. قراءة لا يتخللها تفكير ولا هواجس ولا ملهيات. قراءة صامتة لا تميل إلى البحث بل إلى الهدوء، فهي تحررك من كل ارتباط خارجي للذات، أتذكر فكرة أعجبتني أطلق عليها صاحبها "الغرفة الذهنية"، غرفة وهمية تنشئها في رأسك، تضع فيها الأثاث الذي تريد، بإمكانك أن تختار عطرا تفوح منه الرائحة التي تعشق.. تستخدم حواسك ولكن ذهنيا..
أستطيع القول بأن العزلة عرفتني قبل أن أعرفها ، وإلى الآن لازالت العزلة معي صديقة تباغتني بقدومها من دون سابق خبر.. بل إن ذاتي تجد حالها مطواعة منقادة لها.. مثل كثير من أمور في حياتي قامت بالتعريف بحالها قبل أن أفهم ولعل هذا جزء من حياة الإنسان أنه لا يفهم كل ما يحدث له بل يكتشف نفسه من ماضيه ويُصبح المكتشف معروفا ومفهوما بل وصديقا.
ليست العزلة إحساس الإنسان بوحدته ومعرفته بها، وانفصاله عن العالم واغترابه عن ذاته، فكل الناس، في لحظات معينة من حياتهم، يشعرون بالعزلة، بل أكثر من ذلك كل الناس في عزلة. إن الحياة هي انفصال عما كناه، لكي نلج الى ما سوف نصيره، وهو مستقبل غريب على الدوام. فالعزلة هي أساس الوضعية الإنسانية. والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يشعر بأنه في عزلة، وهو الكائن الوحيد الذي يمثل بحثا عن الغير. إن طبيعته - إذا كان من الممكن الحديث عن طبيعة خاصة بالإنسان، وهو الكائن، على وجه الدقة، الذي أبدع ذاته بنفيه للطبيعة - تكمن في السعي إلى التحقق في الغير. فالإنسان يحن إلى المشاركة، ويبحثٌ عنها. لهذا فهو كلما شعر بذاته، شعر بها كحاجة إلى الغير، وكعزلة.
ولكن .. هل في العزلة نعي ذواتنا ؟
الكاتب الأمريكي بول أوستر يقول ان الكتابة تأتي من احساس شديد بالوحدة واحساس بالعزلة فقد اختار أن يخترع لنفسه عزلة من نوع خاص، فبعد رحيل والده أصبحت الوحدة في حياته حقيقة ، فعل دافع للكتابة يدفعه لمحاولة التذكر والعودة للماضي، مما دفعه إلى محاولة إختراع للعزلة كي تكون كتابة لسيرة حياته في كتاب بعنوان "إختراع العزلة"، لقد فوجئ برد فعله أزاء رحيل الأب الذي كان كتلة لا يمكن اختراقها. لم يبك، بل خاف وشعر برغبة في الكتابة عن رجل هو سام أوستر شاهد أمه تقتل والده في المطبخ، فعاش حياته وهو يحبس هذه الحادثه في صدره دون أن يتفوه بها لأحد. عاش "بول" مع أب غريب وغامض، تكتنفه الأسرار ويحيط نفسه بأسوار وأحاج كثيرة، ولم يرد إلى ذهن الابن أنه لن يتمكن من معرفة والده الا بعد وفاته ليغوص في تاريخ العائلة غريبة الاطوار والتي عاش افرادها متوحدين ومنغلقين على انفسهم يخافون العالم الخارجي ويركنون الى العزلة والتوحد، ليكتشف تفاصيل ما حدث لوالده والآثار التي كان عليه تحملها ويحاول العثور على منبع كل طباع والده الغريبة وتفسيرها
لقد لخص بول أوستر فلسفة العزلة في المقولة التالية: "يعتقد كثير من الناس أن العزلة ظاهرة سلبية، أما أنا فلا أنظر إليها من زاوية سلبية. الحياة الحقيقية هي تلك التي نختزنها في دواخلنا. صحيح أننا نعيش بمفردنا، لكن، في الوقت نفسه، لسنا سوى نتاج الآخرين"
والحقيقة أن الإنسان لا يحتاج لأن يكون راهبا أو ناسكا كي يجد العزلة ويستمتع بها ويكتشف منافعها. وهناك من يرى بأن العزلة، خصوصا في ايامنا هذه كونها ضرورة، فهي تنتشلنا وتعيدنا إلى ذواتنا الحقيقية لبعض الوقت. وفي العزلة فقط يمكن أن نجد الاستنارة الروحية ونكتشف قيمة الصمت ونستلهم أعظم الأفكار وأعمقها
لن أتحدث عن العزلة كما يتحدث عنها المتصوفة باعتبـارهـا الخلاص، ولن أتحدث على أنها اضطراب نفسي يلجأ إليه مريض ما هربا وخشية. سأتحدث عن العزلة بصفتها أحد أوجه الحياة التي تساعد الإنسان بصورة مباشرة في فهم نفسه، وأقف عند عبارة "الإنسان اجتماعي بطبعه" وكون الإنسان اجتماعي و يعَظِّم من شأن العزلة فلا تناقض بين الأمرين، فالإنسان يألف ويؤلف والمجتمع ليس إلا الجزء الخارجي الذي يطلب الغذاء من الآخرين بينما العزلة اجتماع ولكن مع الذات. وإن كنا نقول بأن للذات عالمين: عالم خارجي وعالم داخلي. فإهمال أحدهما يدمر الآخر. لذلك لأقول بدل تلك العبارة الفلسفية بأن الإنسان اجتماعي بطبعه ولكنه ينزع إلى العزلة مع نفسه، كثرة الاختلاط بالناس مرض، وكثرة العزلة مرض.
يقول باولو كويلو "طوبى لمن لا يخشون العزلة" فالعزلة تبدو في ظاهرها مخيفة لكن ما إن تنعزل حتى تسمع ما وراء الضجيج، وترى ما وراء ما تعرفه عن نفسك لتتعرف على ما هو مستودع فيك. فالعزلة تعطيك المساحة لتكتشف نفسك وتتعرف الى قدراتك المخبأة، حين تنعزل عن ضجيج الحياة بالتأمل والانفراد كلياً بذاتك يتكشف أمامك اتساع الحياة بعد أن كانت ضيقة ومتحورة حول أمر واحد. كأن تقود نفسك لتفهم ردود أفعالك، ثم تقف أمام نفسك ليس لتوبيخها بل لاكتشاف الحياة التي لم تكتشفها بعد فيك، فمن لم ينفرد بنفسه لن يعرفها، ثمة عالم شاسع يستتر في أرواحنا.
اما الكاتب الاميركي ارنست همنغواي فيقول ان الكتابة، في أجمل حالاتها، هي حياة في العزلة. حياة الجماعة تلطّف وحدة الكاتب، لكنها لا تمنحه شيئا لتطوير أدواته. يتماهى مع الحياة العلنية التي يريق من خلالها وحدته، لكنه في المقابل يعرّض فنَّه للتلف، لأنه حين يكتب لن يكتب إلا وحده، وعليه إن كان كاتباً جيداً أن يواجه الخلود أو التجرّد من الخلود، في كل يوم من أيام حياته.
ان العزلة هي أن تكون في الجمع وحيدا، وفي وحدتك كل الوجود.



#منير_ابراهيم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية الحائرة... تغريبة -الحسن الوزان- او -ليون الافريقي-
- بوصلة السماء
- هل الاسطورة هي الخرافة؟
- في بلد العميان
- هوس الكتابة.. وطقوس لا تخلو من الغرابة؟!
- أدباء وشعراء -منحوسون- واحلام على قائمة انتظار -نوبل-؟!
- وعد بلفور.. بيت العنكبوت الذي صار حصنا
- من هم البرابرة*؟
- -الساعة الخامسة والعشرين- عرت الوجه الحيواني للانسانية
- --الغابة النرويجية- للياباني هاروكي موراكامي اليابان بين نقد ...
- تصريح -بلفور- وعد ام عقد مشاركة؟
- صناعة الغباء والتلاعب بالعقول؟
- بين الضوء والظل .. اللامنتمي!!
- قيس بن الملوح... امام العاشقين
- -قناديل ملك الجليل- لابراهيم نصر الله.. رواية الثورة والحلم
- -أبناء الأيام- لإدواردو غاليانو: متحف الذاكرة الإنسانية
- -النفوس الميتة- ثقب في ضمير الانسانية!!؟
- رضوى عاشور في -الطنطورية- تعيد سرد تاريخ النكبة الفلسطينية
- -الخيميائي- رواية فلسفية تأخذك لعالم الروح
- الف شمس مشرقة لخالد حسيني


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير ابراهيم تايه - صناعة العزلة؟