أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الشاورما تجعلك أجمل!














المزيد.....

الشاورما تجعلك أجمل!


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5408 - 2017 / 1 / 21 - 18:58
المحور: الادب والفن
    


داهمهما الجوع ذاك اليوم بعد أنْ أنهيا جولتهما في شارع "براغار" الشهير في مدينة درسدن.
ضحك الأول، الطالب الجامعي، الساخر القادم من سهل الغاب، قال بلهجةٍ لا تخلو من قرويةٍ مبالغ فيها: ليس أمامنا سوى أن نأكل صحن "دونر كباب"/"شاورما" عند صديقنا التركي "مهميت".
مازحه الثاني، الطالب القادم من جبال الساحل: ألم تُزهر في بطنك شَجَرَة "الدونر" بعد؟
رد الأول: لا يُزهر "الدونر" على الشَجَر!
الثاني: لعلك تقصد "لا يَنْمُو المَالُ على الشَجَر" كما يقول المثل الألماني!
الأول: و"الشاورما تجعلك أجمل"! كما يقول المثل الألماني أيضاً! ثم تابع: مازلنا طلبة يا صديقي وليس بمقدورنا أن ندفع أكثر من ثمن الوجبة التركية.
أجابه الثاني بطريقة لا تخلو من روح الدعابة والخطاب السياسي: "البارحة باكراً، غداً متأخراً، والساعة هي الآن"، ثم أردف: ألم يحن الوقت لزيارة صديقنا الكردي؟
الأول: من تقصد؟
الثاني: الكردي المُثَقَّف! الكاتب المعروف، أبو الروايات التي كتبها بالألمانية، أبو دواوين الشعر... هل نسيت؟
الأول: نعم، تَذَكَّرته، تعرَّفنا عليه في إحدى اللقاءات التي تنظمها رابطة المغتربين الفقيرة، أليس كذلك؟
الثاني: تماماً، في ذاك المساء لم يكن لديه وقتاً للحديث، تواعدنا معه على قضاء سهرة نقاش مشتركة في بيته الكبير!
الأول: لقد أصبت لُبّ الموضُوع، يقولون أنّه غَنِيّ، فعلاً إنه الوقت المناسب لزيارته، هل لديك رقم تلفونه؟

فتح محفظة جيبه، أخرج منها ورقة مطوية بعناية، قرأ عنها اسم صديقهما المشترك، رقم تلفونه وعنوانه، طلب الرقم، ذكَّره بليلة التَّعَارُفِ، أخبره عن رغبتهما في زيارته، على الطرف الآخر رَحَّبَ الشاعر بهما، أبدى فرحه بقدومهما.
نظرا إلى إحدى اللوحات المُضيئة المنتشرة في أرجاء المدينة، اِقتربا منها، قرأا اسم الشارع حيث يسكن الكردي، عرفا أن المكان في ضاحية مَنسيّة وبعيدة، السفر إليه يتطّلب منهما مهارةَ تحمّلِ المزيد من الجوع والعطش... صعدا إلى أحد قطارات الشوارع التي تربط مركز مدينة درسدن بضواحيها، بطاقتا تسجليهما الجامعي تكفل لكليهما السفر والتجول مجاناً حتى في الضواحي البعيدة للمدينة، ابتسما لبعضهما البعض لهذه المكاسب الصغيرة. في طريقهما إليه، تَبَادَلَا أحاديث كثيرة، كانا في غاية الشوق لرؤيته، عائلته، منزله، أثاثه، مطبخه الكبير الدافئ، مكتبته، كتبه، رواياته، حَمِيمِيَّة غرفة جلوسه، زجاجات نبيذه، طعام العشاء الساخن، تحدَّثَا حتى عن ألعاب أطفاله!

في منطقة نائية، مظلمة ومهجورة إلا من بقايا أذناب الهتلرية، أنزلهما قطار الشارع في المحطةِ الأخيرة، مشيا بحدسهما في الطريق الموصل لمنزله، بعد دقائق من المشي، بعد إضاعة الهدف والعثور عليه من جديد بسؤال وجواب المارة، وصلا إلى نهاية شارعٍ غريب الأطوار، على طرفه ثمة بناية من ثلاثة طوابق، تحيط بها حديقة مهملة، اقتربا أكثر، بدت البناية المظلمة وكأنها غير مسكونة، مثل كتلة "بيتون" أسقطها الله في العتمة، بدت وكأنّ صاحبها قد اشتراها بالمزاد العلني، أو مقابل دولار أو دولارين كونها تخضع لما يُسمّى "حماية مُمْتَلَك ثَقافيّ"، أو لعلها مهجورة غير صالحة للسكن أساساً، لِقِدَمها وأعطابها الكثيرة...

دخلا من باب الحديقة المفتوح، لا أثر لجرسٍ أو ضوءٍ، أشعلا عود ثِقاب، قرأا اسمه الثلاثي مكتوباً بأحرف ألمانية! اِرتفعت أسهمه بنظرهما. هاتفاه، لم يجب!... ضحكا لخيبة أملهما، صاحا بصوتٍ جائعٍ، يا شاعرنا، نحن هنا، وصلنا، فأين أنتَ؟ جلسا على حجرين في الحديقة، أشعلا سيجارتين وراحا يدندنان بصوتٍ عالٍ أغانٍ عشوائية، تشرح همومهما البطنية وتندب حظهما وإضاعتهما للوقت...

الأول هازئاً: لو أنّك سمعت مني لكنا قد أكلنا سندويشة "دونر" وعدنا للبيت من أجل الدراسة...
الثاني: لا تقلق سيأتي الشاعر، لا يمكن لرجلٍ مثله إلّا أن يكون كريماً، لعله ذهب لشراء الضيافة، أراه يعود مُحمَّلاً بعلب الطعام العربي الجاهز وزجاجتي نبيذ أحمر مُرّ، أرى ابتسامة فرح ترتسم على وجهه الجميل، إني اسمع وقع خطاه، ألا تسمع!؟
الأول: إني أسمع صوته في المطبخ، ينادي زوجته لتحضير طاولة العشاء، ألا تسمع ضحكات أطفاله؟ ألا ترى كيف أضاء النور في بنايته!؟
فجأةً، جاءهما صوتٌ خجولٌ من إحدى نوافذ الطابق الثاني المعتمة، صوتٌ يرحب بهما بتخفٍ، ابتسما ابتسامةَ جوعٍ، دون أن يريا إصبعهما أمام وجهيهما! أضاء الشاعر بيل بطارية، دلَّهما على الطريق الواصل إليه، في المدخل وجدا نفسيهما يقفان بين حطامٍ من حجارة وقطع خشب وقضبان حديدية، صعدا بحذر درجاً مهترئاً، وصلا إليه أخيراً، استقبلهما بحفاوةٍ، كانت غرفة الجلوس باردة، لا حياة أو ضوء فيها، فارغة من المرأة والأطفال، كان المطبخ حزيناً، فقيراً، لا رائحة له...

جلسوا على كراسي خفيفة، لم يحصلا حتى على كأس من الشاي الكردي، تحَادثوا عن الضَّيْعَة في الوطَن وعن المدينة في الغُرْبَة...
سألاه كتلميذين وفيّين: ما هو وجه المُفارَقة بينهما؟
أجابَ بعد بُرْهَة تفكير كالأدباء: في الحقيقة كان الفِرَاقُ صعباً للغاية!...
ونحوَ السَّاعةِ التَّاسعةِ نظرا إلى بعضهما، تغامزا، نظرا إلى الساعة، قالا: لقد حان وقت العودة، قبل أن تُغلق مطاعم "الدونر"، شكرَاه على حَفَاوَتِهِ، وَدَّعَاه، نزلا الدرج المكسور، ما أن خرجا من الحديقة المُهْمَلة حتى صَرَخَا بصوتٍ عظيمٍ: "إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنا؟"
*****



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قَالُواْ حَرِّقُوه
- بيض أومليت
- جمعة الكهرباء
- شخصيات يهودية مهمة -1-
- تأثير الفراشة
- حصة رسم وأشغال
- برج بابل
- الهارب المُضاعَف
- خربطة
- همينغوي جبل الجليد
- برج حبيبي برام
- الهارِبُ الْيَهُودِيُّ
- السيد جُرْذ
- الهارب النَّقَّاق
- الهاربون الخمسة
- للهارِب المُبتدِئ
- الهاربون في حَيْص بَيْص
- صَرِيرُ الجُرْذَان
- رقصة هارب
- حدائق للهاربين


المزيد.....




- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...
- المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ ...
- ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الشاورما تجعلك أجمل!