أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - السيد جُرْذ














المزيد.....

السيد جُرْذ


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5347 - 2016 / 11 / 19 - 03:46
المحور: الادب والفن
    


الجُرَذُ الذي لا ظِلّ له ولا عنوان، شَاعِرٌ تَيَّمَهُ الْجُبْنُ!
*****

لا أحد يكتب عن الجُرْذَان لا الجياع منها ولا الشِبَاع!
ألا يستحق السيد جُرْذ قصيدة أو قصة أو ربما رواية؟
*****

عندما اِشتَدَّ الفقر في مدينة المَرْفَأ، طبخت الأم لأولادها الجُرَذ بذَنَبه الطَوِيل، أمسكوا به بعد مَشَقَّة مُطارِدته كمجرم حرب، اختبأ في أحد المجارير العفنة خوفاً من الجوع، رعباً من الموت مسموماً، كان ضْخَماً، قذراً، أَسْوَد العَيْنَيْنِ، قبيح الجلد والوبر، بليداً بآذَانه المُسْتَدِيرَة. طبخته على نارٍ هادئة، طويلاً حتى تفتَّتَ لحمه في الماءِ العَكِرِ، نضج حتى غدت رائحة البيت جُرْذَية، أكل الأولاد الجِياع، الصيادون المهرة، من الحَسَاء المطبوخ حتى آخر قطرة، أكلوا حتى تقرَّحَتْ بطونهم كبطون الخَنَازِير.
*****

بعد أنْ تَحَوَّلَ الطفل الفقير إلى جُرَذ، بينما كان يفعلها في أحد مراحيض الشرق البائسة، وجدوه يتكلم اللغة الألمانية بوضوحٍ، كأنّه قد وصل لتوِّه قادماً من مدينة هاميْلن بعد أنْ تَخَلَّصَ منه صائد الفئران بمزماره السِحْرِيّ، أو كأنّه وصل لتوِّه قادماً من مدينة درسدن بعد أن طرده مهندسو الصرف الصحي هناك. في ذاك اليوم اِتَّخَذَ قراره بالبحث عن جنوده من الأطفال الجِرْذَان وإعداد العُدَّة لغزو ألمانيا من جديد والانتقام!
*****

زرتُ عام 2004 محطة معالجة مياه الصرف الصحي (المجارير) في إحدى مناطق مدينة درسدن في الشرق من ألمانيا... ألقى المدير خطبة جميلة احتفلَ فيها مفتخراً برحيل آخر الجُرْذَان عن المحطة... قدّم مع طاقمه كؤوس ماء الصرف المُعالج للضيوف لشَّمّه والتأكد من غياب رائحته العفنة، ثم أكّد على صلاحيته للاستعمال كمياه شرب!
*****

في ألمانيا تقع هاملن، مدينة قديمة ورومانسية، مدينة الجرذان ورجل المزمار، مدينة الغلمان الذين اختفوا، هناك تستطيع أن تُمضي الليل في فندق صائد الفئران، أن تزور معرضاً للحرف اليدوية، أن تشتري فأرة من شوكولاته، أو تأكل قطعة خبز على هيئة فأرة ناعمة، من هنا أو هناك تستطيع أن تقرأ تلك الأسطورة التي خلدها الشاعر الإنكليزي روبرت براونينغ عام 1842 بقصيدة الزَّمَّار صاحب الوعود.
*****

هل سمعتم بحكاية الفتاة الجرذ التي انتشرت يوماً في أوساط المسلمين؟
تلك التي مُسِخَتْ على هيئة جرذ قبيح لأنها كانت ترقص على موسيقا غربية صاخبة بينما تقرأ والدتها آيات القرآن الكريم في شهر رمضان... قالوا أن الفتاة قد جن جنونها عندما رجتها والدتها أن تضعف صوت الموسيقا كي تتمتع بالقراءة...قالوا أنها أمسكت القرآن مزقته، رمته أرضاً، داست عليه، تلفظت بكلمات نابية... قالوا أن الله عاقبها فوراً لأنها دَنَّسَت الإسلام، أرسل لها ناراً اشتعلت بها من أخمص القدمين إلى الرأس...قالوا أن الأم الطيبة هلعت وبيدها لحاف السرير السميك الأبيض رمته على طفلتها لتنقذها...قالوا أن الأم قد رفعت بقايا اللحاف الأسود بعد أن همدت النار، لتجد تحته طفلتها على هيئة جرذ قبيح...
*****

لن ننتصر على الجرذان إلا بالكتابة عنها، عن بشاعتها، قمائتها، عيونها، أنوفها، أسنانها، وبرها، ذيلها، جسدها كجسد قطة كهلة في حالة استرخاء، أمعاءها، أغوارها، أوكارها، أطفالها، تدهسها السيارات العابرة، تتطاير أشلاءها، تعلق بقاياها على وجوه وأجساد أطفال الأزقة وهم يلعبون بكرات الشراطيط، سنكتب عن الجرذان في أفريقيا وأسيا، في المراحيض، في المطابخ، في غرف النوم وغرف الضيوف... سنكتب عن الجرذان التي نأكلها في خبزنا اليومي، عن بقاياها في الخبز الطازج، بعد أن تُعجن في عجّانات الشرق قبل طهيها في الأفران، سنفضح أسرار الجرذان، سندعو إلى عالم خال من الجرذان... حتى البيضاء منها.
*****



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهارب النَّقَّاق
- الهاربون الخمسة
- للهارِب المُبتدِئ
- الهاربون في حَيْص بَيْص
- صَرِيرُ الجُرْذَان
- رقصة هارب
- حدائق للهاربين
- ثقافة التَّهَارُب
- صَوت الهاربين
- قالوا إهرب يا عبود!
- مُتْعَةُ التَّهَارُب
- التَهْرِيبة الثَّوريَّة
- أوهام الهاربين
- عَدْوَى الْهُرُوب
- مصير الهاربين
- الهروب لا يُطعم خبزاً
- بعيداً عن الهاربين
- الفارُّون
- من فضاء الهروب
- بَكْتيريا اللُّجُوء


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - السيد جُرْذ