|
الحشاشون يظهرون مرة اخرى في التاريخ الاسلامي
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 5396 - 2017 / 1 / 8 - 10:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظاهرة الانتحاريين انتشرت بشكل ملفت للنظر في المجتمعات الاسلامية، لدرجة انها بدأت تظهر في بلاد صاحبة مناعة ضد هذه الفكرة مثل مصر. الظاهرة تتشابه تماما مع ما كان يفعله حشاشو القرن الخامس الهجري في تقنياتها وطرق إعداد الحشاش لتنفيذ عمل إنتحاري، والمرجح ان السبل الامنية وحدها لن تفلح في الحد من هذه الظاهرة أو التحكم فيها قبل وقوعها، لأنها تتفشى في عقول مغسولة بصكوك دخول الجنة، مجبولة على تكفير الآخر والحكم عليه في الدنيا، عِوضا عن الله في الآخرة، وشبكات اعصاب مؤهلة بهلوسات دينية تجعل أي قاتل مجرد إنسان غائب عن الوعي بما حوله، ويعي ويتقبل فقط ما يسمعه من مشايخه المؤدلجين، أو إنسان آلي يُحرك عن بعد، يراقبه إنسان آلي آخر لتفجيره لاسلكيا لو عاد لوعيه في آخر لحظة. هل المُفترض من المراجع الاسلامية ان تتناول هذه الظاهرة على منابر الجمعة؟ مجرد سؤال متروك الجواب عليه للرؤساء العرب خصوصا عبد الفتاح السيسي، لأن المرجعيات الدينية لم ولا تتحرك سوى بأوامر سياسية. برمجة لا تحشيش طائفة الحشاشين أو "الدعوة الجديدة" كما أطلقوا على أنفسهم، طائفة إسماعيلية نزارية انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجري، ودعت إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، وبدأت دعوتهم من معاقلهم الأساسية في بلاد فارس، ثم في شرقي البحر المتوسط، بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران لنشر الدعوة. أسّس تلك الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة ألموت في إيران مركزاً لنشر دعوته، وقد أسس شيخ الجبل أو الحسن بن الصباح فرقة الانتحاريين تلك، لتدافع عن الدعوة الجديدة ضد من لا يقبل بها أو يناصبها العداء باسلوب واحد هو الاغتيال، فأشاعوا الرعب في قلوب خصومهم المسلمين، والصليبيين قبل ان يتحالف الحشاشون معهم. المرجح ان هذه الطائفة اسمها "المؤسسون" ومن ثمة حُرف الاسم بواسطة الفرنجة إلى Assassin ومعناها القاتل، لأن العامة عادة لا يذكرون اسم الجمع مرفوعا ويقولون "مؤسسين" والغزاة سمعوا الناس في الشارع وكانوا لا يقرأون الكتب في ذلك الوقت، فكانت كلمة assassin من مؤسسين وعلى وزنها. نُسجت أساطير كثيرة حول الحشاشين أشهرها ما رواه برنار لويس وملخصه انه كان في قلعة ألموت حديقة كبيرة فيها أشجار متنوعة يمر فيها جداول بديعة، ووضع شيخ الجبل فيها بنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى ويضيفن الخمور، وفي ذلك المكان كان يوهم الانتحاريين أنهم في الجنة، لأنهم كانوا يُحملون إليه مخدرين تماما، وعندما يستيقظون يعتقدون بأنهم ماتوا وذهبوا إلى الجنة المذكورة في القرآن، فيُشبعون شهواتهم من مباهجها كافة، ثم يتم تخديرهم مرة أخرى، ويرسلون عند شيخ الجبل في مقره، فيركعون أمامه لأنه صاحب سلطان عظيم كما يبدو لهم، وعندما يسألهم من أين أتوا؟ يردون: من الجنة، فيرسلهم شيخ الجبل مرة اخرى إلى جنته بالطريقة نفسها، وعندما يقرر إغتيال شخص ما يطلب احد الإنتحاريين لتنفيذ طلبه، ويعده انه بعد قتله أو إنتحاره بعد إغتيال الشخص المراد سوف تأتي ملائكة لتعيده إلى الجنة مرة اخرى. المرجح ان ما رواه برنار لويس فيه الكثير من الخيال بالنسبة لتأهيل الانتحاريين أو الموقع، لأن لويس لم يقدّر تماما مدى قوة استخدام الدين لبرمجة الناس وليس للعبادة، واتكل على ما جاء في المراجع. العقيدة التي تعرف كيف تحرك غرائز كره الآخر أفعل بكثير من الحشيش الذي لا يستطيع جعل إنتحاري يؤدي بأداء قتلة وزير الاوقاف المصري الشيخ حسين الذهبي أو الرئيس السادات، أو حتى ذابح المسيحي المصري الذي عبّر بأبسط الكلمات وأبلغها عن جريمته منذ ايام، فقد قال عادل أبو النور سليمان أنه استند في عملية القتل لفتاوى عدد كبير من الشيوخ يشاهدهم باستمرار على الفضائيات و"يؤكدون دائماً على إباحة دماء المسيحيين ودماء من يبيعون الخمور والمسكرات". "وأنه مازال مصراً على رأيه ومقتنعاً وفخوراً بما فعله ولو لم تنجح محاولته لكررها مرة أخرى، مؤكداً أنه لا يجيد القراءة والكتابة وأنه يستمد ثقافته الدينية من الفضائيات التي يتابعها باستمرار. وعندما سأله المحقق: ولماذا تصدق هؤلاء الشيوخ؟ أجاب قائلاً: "لأن ما يقولونه مُصدَّقُ لديه ولا يمكن تكذيبه". وكانتحاري مبرمج لا احساس له بعواقب ما يفعله قال عادل سليمان إنه غير نادم على جريمته ومستعد لتقبل أي عقوبة توقع عليه، لأنه يؤمن إيمامنا راسخا بصواب ما فعله ورضا الله عنه: "لقد قتلته تنفيذاً لشرع الله ولكي أقيم حدود الله في الأرض". ألقى الحشاشون الإنتحاريون الاوائل الرعب في قلوب الخلفاء والامراء المعادين لأفكارهم، وكانت هجماتهم تُشن غالبا في الأماكن العامة وحتى في المساجد، على مرأى ومسمع من الناس لاثارة الرعب، ونادرا ما نجا الإنتحاريون بعد تنفيذ مهامهم، وكانوا ينتحرون بالخنجر نفسه الذي إغتالوا به خصومهم، لتأتي الملائكة وتعيدهم لجنِة شيخ الجبل التي وعدهم بها، وتمكنوا رغم حرص خصومهم السياسيين والحراسات المُشددة من إغتيال عدد من الشخصيات المهمة آنذاك، مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخلفاء العباسيين المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد، وحاولوا إغتيال صلاح الدين الايوبي مرتين لأنه قضى على الدولة الفاطمية الشيعية في مصر، لكن الحظ حالفه في النجاة، خصوصا في المرة الثانية التي تمت داخل مقره الخاص وبين رجاله المقربين، وأصيب فيها بجرح غائر في رأسه بعد ان نفذ خنجر الحشاش في خوذته الحديدية، وأصبح بعدها يجلس في أي إجتماع داخل صندوق خشبي به فتحات صغيرة يمنع عنه خنجر الحشاشين. فشل السلاجقة والخوارزميون والزنكيون والأيوبيون والصليبيون في استئصال الحشاشين طوال عشرات السنين من الحروب، إلى أن قضى المغول بقيادة هولاكو عليهم بدون رحمة في بلاد فارس سنة 1256 ميلادية بعد مذابح كبيرة حرق خلالها قلاعهم ومقراتهم، ثم تقوضت الحركة نهائيا في شرقي البحر المتوسط، بدون رحمة ايضا، على يد الظاهر ركن الدين بيبرس سنة 1273. أسمى المكافآت نشرت مجلة "نيويوركر" منذ أكثر من عشر سنوات حوارا مع انتحاري فلسطيني فشل في تفجير نفسه امام معبر اسرائيلي بعد ان تعطل زر الصاعق. سُئل الانتحاري: ما دوافعك وماذا كنت تتوقع ان يتحقق بسبب هذا العمل؟ اجاب الشاب: "لم اكن اريد الإنتقام من الإسرائيليين أو أي شيء من هذا القبيل. كل ما اردته هو الشهادة". وعندما سأله الصحافي: ما سبب انجذابك للشهادة؟ رد الشاب: "سوف احلق في السماء العُليا واقابل رسول الله وسأكون خالدا في بيت الرضوان. اعلم ان هناك انواع اخرى من الجهاد لكن هذه اسماها ولها جزاء خاص لا يناله احد سوى الشهيد". فكرة الجهاد في القرآن لم تذكر بتاتا ان الانتحار احد سبله، وحسب ما قرأته لم يستخدم الرسول محمد أو الخلفاء في حروبهم تقنية الانتحاريين، والمؤكد ان الانتحاري الفلسطيني وغيره وقعوا تحت تأثير من غسل لهم ادماغتهم وأعاد تأهليهم ليدينوا له بالسمع والطاعة المُطلقة، لدرجة ان ما يُقال لهم يعتبروه من المسلمات التي لا يجوز الاعتراض عليها، حتى لو قرأوا مراجع المسلمين ودستورهم القرآن، والسمع الطاعة المطلقة يقودان حتما إلى تقديس كلام مرشدهم، لدرجة إنهم صدّقوا امر الذهاب إلى الجنة لو نسفوا أنفسهم والآخرين. الامر ليس إفتئاتا أو تعميما من مجرد حديثيّن، فما ذكرته مجرد مثاليّن لعشرات الاحداث قرأتها طوال خمس وثلاثين سنة منها تحقيقات النيابة العامة المصرية مع الشاب الأمّي الذي حاول إغتيال الاستاذ نجيب محفوظ، رغم إنه لا يقرأ ويجهل تماما حتى مضمون رواية واحدة له، وكان واقعا تحت تأثير برمجة دماغه. واضح تماما بدءا من الحشاشين الإنتحاريين الذين إغتالوا الرئيس السادات لإحياء فريضة الجهاد الغائبة عن المجتمع المسلم، أنهم قرروا حسب أقوالهم الاجتماع قبل الجريمة لتخطيط تنفيذ أمر عقوبته الموت وثوابه الجنة، لأن الرئيس، حسب مشايخهم، خرج عن إجماع المسملين وأهان علماء الامة. هناك ايضا الانتحاريون الذين نفذوا تفجير قطارات مدريد ولندن، والانتحاريون الذين نفذوا عمليتي وزارة الداخلية في مصر وأوتوبيس طابا، وصولا إلى الانتحاريين شبه الشهريين الذين نقرأ اخبارهم ومنهم اطفال كما حدث في تركيا وغيرها، والامر المثير ان بعض هؤلاء كانوا يحملون الجنسية الألمانية أو الاميركية أو البريطانية، بل ان بعضهم من مواليد انجلترا، ومع ذلك تغلبت برمجة "شيخ الجبل" أياً كان إسمه وعصره، على إسلامهم وحتى تربيتهم الغربية، فقاموا بتنفيذ ما أمرهم به بتفجير أنفسهم بدلا من إستعمال خنجر الحشاشين إياه بسبب تطور أساليب العصر، أو استعملوا السيف وهو من رموز الاسلام واختارته المملكة السعودية على علمها. إلحاد وزندقة إسلاميا، لا شك أن "شيخ الجبل" أياً كان إسمه وعصره زنديق، والمؤكد انه ملحد كافر لا يؤمن بتعاليم الاسلام اساسا. زنديق لأنه أظهر الايمان لكنه تطاول بهرطقة واضحة على دستور المسلمين وإستعمله سياسيا وخلق دستوره الخاص الذي له تفسير واحد ولا يوجد فيه حتى إجتهاد في النص وغير مسموح بظهور مذاهب فيه! ملحد وكافر بالاسلام نفسه لأنه في حقيقة الامرلا يؤمن بحياة اخرى، وإلاّ نسف هو نفسه ونال شرف دخول الجنة، أو إغتال من يريد بنفسه ونال عقوبة الاعدام التي ستوصله ايضا إلى الجنة. هذا هو التفسير المقبول عقلانيا، ولا كلمات سوى الزندقة والالحاد والكفر يمكن أن تصف تعاليم شيخ الجبل أياَ كان إسمه وعصره، فما هي الكلمات التي تليق بمن غسل، على سبيل المثال، عقل محمد صديق خان و هو رجل في الثلاثين من عمره وكان يعمل مدرساً في مدرسة بريطانية ولديه طفل وامرأته حبلى بطفل ثان، وجعله يقوم بتفجير نفسه في قطار مع عشرات الأبرياء؟ وما هي الكلمات التي يمكن ان تصف إستعمال اطفال للغرض نفسه وتأهيلهم في اماكن أطلقوا عليها معسكرات "طيور الجنة"؟ لماذا لم يقم شيخ الجبل نفسه أو أهّل أطفاله للعمل نفسه لينال هو أو هُم شرف دخول الجنة؟
#عادل_صوما (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نوعية الحجاب الذي خلعته راضية سليمان
-
الجن حقيقة دينية ومشكلة قانونية
-
السرقة والاقتباس الادبي والفني
-
-الجمهور- بين عصر انفتاح وزمن توَّحد
-
من الذي يسيء للذات الإلهية والانسانية؟
-
السرقة الادبية والفنية تعد جزءا حيا من الثقافة (3)
-
السرقة الادبية والفنية تعد جزءا حيا من الثقافة (2)
-
السرقة الادبية والفنية تعد جزءا حيا من الثقافة (1)
-
الذات الإلهية لم تطلب من احد الدفاع عنها
-
الاغتيال العقائدي والاغتيال السياسي
-
الهوية وقانون الحريات والعلمانية
-
المواطنة المتساوية وانفصام الشخصية
-
البوركيني وثقافة الملابس
-
عالم كيمياء وفقيه كلام
-
البابا فرنسيس يؤسس اخلاقيات تخالف الموروثات الابراهيمية
-
أتنادون باالخلافة وتبخلون على خليفة رسولكم بجزيرتين؟!
-
في معضلة تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم
-
يعيش يعيش حكم المرشد
-
هل أفلست الاديان شكلا ومضمونا؟
-
افراط البطش الذي يتجاهل القرآن والاحاديث
المزيد.....
-
أعمال عنف بحق الطائفة الدرزية في سوريا.. اتفاق داخلي ودولي ن
...
-
العراق يحظر نشاطات الأحزاب المناوئة للجمهورية الاسلامية على
...
-
وجهاء الطائفة الدرزية يؤكدون رفضهم الانفصال من سوريا
-
الجهاد الاسلامي: استهداف سفينة المساعدات اهانة للقيم الانسان
...
-
فرنسيس والكاثوليك الأميركيون
-
إسرائيل تستهدف منطقة قرب القصر الرئاسي بدمشق وتتعهد بحماية ا
...
-
سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفض
...
-
أحدث تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات “نزلها
...
-
-الشرق الأوسط الجديد ليس حلماً، اليهود والعرب في خندق واحد-–
...
-
بعد دعوة رجل دين درزي.. تحذير مصري من -مؤامرة- لتقسيم سوريا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|