نعيم الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 5380 - 2016 / 12 / 23 - 01:38
المحور:
الادب والفن
فيما يشبه كهفًا، بلا سقفٍ، في خربةٍ بين بيتين، في قلب حارتنا، كان يسكن أبو نجيب.
الدّرويش، الغريب، العريض، الغامض، السّاحر، المبهر، المحيّر. يجوب شوارع المخيّم، بأسماله الرّثة، وقلائده، وصوته الجهوريّ. يسبّح الله، أو ينادي على ولدٍ صغيرٍ تائه، يطلق جمام روحه، أو يفعل ما لا يفعله سوى رجلٍ برّيٍ.
يذهب إليه الطّفل الصّغير، بصحنٍ من طبيخ البيت، ورغيفٍ من خبر أمّه. كلّ شيءٍ في مغارته كان يشي بالرّهبة، إلّا ابتسامته الحزينة. تسقط أقنعة الدّرويش جميعها، ويبقى الرّجل، ممتلئ الوجه، كسير القلب، قاهر الغرغرينا، والفصول الأربعة.
وفيما يستعجل الرّاوي حكايته، يأخذ أحدهم أبو نجيب إلى مشفىً في القدس، لبتر ساقه.
ذات صباح، يتسلق الطّفل الصّغير الجدار الطّينيّ القصير في بيته، فيرى جاره أبو نجيب، في فناء بيته تحت الشّمس، نظيفًا، أبيض الوجه والثّياب، وقد صار له بيتٌ وابنةٌ وزوجة، ولم يبقَ من الدّرويش سوى ابتسامته الحزينة، وقلبه المكسور.
من يومها، قيل أنّه خيّمت على حارتنا عاديّة العقلاء، واحتارت النّسوة فيما يفعلن بالقليل الزّائد من حواضر بيوتهنّ، وكفّ الأولاد الصّغار عن الضّياع عن بيوتهم.
أحيانًا، أكاد أقنع نفسي أنّ الدّرويش لم يمت مرّتين! وأنّه لم يولد أصلًا! لكنّه مجرّد فكرةٍ غير ناضجةٍ عن الحرّيّة، في رأس طفلٍ صغير!
#نعيم_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟