أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - أبو قشّ، ثاني مرّة














المزيد.....

أبو قشّ، ثاني مرّة


نعيم الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5381 - 2016 / 12 / 24 - 00:10
المحور: الادب والفن
    


(البلاتو):
ـ أرضٌ مرتفعةٌ نسبيًّا.
ـ حالةٌ أو فترةٌ من انعدام التغيير أو التّقدم.
ـ المكان المجهّز لتصوير المشاهد في الستوديو، ويطلق عليه الصّحن أحيانًا.

يقول عبد الحميد، رفيق الغريب، العارف، الّذي تؤهّله فكرة التّخرج القريب أن يصير حكيمًا أو شاعرًا: "القرية الصّغيرة لا يحدث فيها شيء، لا تحتمل القصص الصّغيرة أو الفضائح، لسببٍ بسيط: لا يحدث فيها شيءٌ كثيرٌ، كي تنسى أو تغفر".
الغريب ليس رجلًا، بالنّسبة لفتيات القرية. هو مجرّد غريبٍ فقط، أو فكرةٍ لا تغتفر. من حسن الحظ أنّ فتيات القرية لا يثرن الغريب أيضًا؛ اللّهجة القرويّة معادلٌ موضوعيٌّ لـ "أنا عليك كظهر بلدك! حاول ـ في مخيلتك فقط، إن استطعت ـ أن تجرّ فلسطين إلى فراشك!".

لا ميلودراما! يفكر الغريب: لا شيء يحدث هنا! لا شيء أكثر من ذكرى ثأرٍ أو شجارٍ تاريخيّ، تتجدّد بين العائلتين الأكبر في القرية، كلّ خمس سنوات أو أكثر. يتراشق خلالها نصفيّ القرية بالحجارة، وتتلاسن فيها النّساء، ويتبادلن شتائم لم يظنّ الرّجال يومًا أنّها ممكنة.

الشّارع العام، يقطع القرية إلى نصفين، وهو أهمّ معالمها؛ القرية ممرٌّ للغرباء.

للوهلة الأولى تبدو القرية للغريب كأنّها موقع تصوير، ويبدوا أهلها كأنّهم ممثّلون (ميديوكر)، يؤدّون أدوارًا نمطيّةً بابتذالٍ معلن.

أبو همّام أذبل زهرة شبابه في أمريكا، وعاد لكي تختار له أمّه عروسًا، وفي مخيلته السّيدة عائشة.

أبو كمال، البقّال، بالكاد تسمع صوته من طيبته، يولم بصحن تين لمستأجري بيته:
ـ "ليش هلغلبة يبو كمال!".
ـ "محنا تشابينه تشابينه! [الترجمة: كنّا سنرميه في القمامة على أيّة حال]".

أمّ وجيه، المالكة المسنّة، تتصنّع الشّدة، عند اقتراب موعد تحصيل الإيجار الشّهريّ، فيما يشبه دور المربيّة (ماكفي) في النّصف الأول من فيلم ديزني الشّهير.

أبو خلف، مؤذّن الجامع، أنسبهم زيًّا، وأقدمهم في المهنة، وأكثرهم ورعًا. قد تشعر بالذّنب لمجرّد فكرة فحص درجة الإقناع في أدائه.

المختار، صاحب أضعف الأدوار بناءً، وأكثرها رداءةً، وأسوأها نصًّا، رغم قناعته أنّه يقوم بدور بطولة. يرافق جيش الاحتلال، قبيل الفجر، معرّفًا: "افتحو أنا المختار، متخافوش، معي الجيش!". من يكتب مثل هذا النّصّ السّخيف؟ كيف تجتمع كلمتا "الجيش" و"متخافوش" في جملةٍ واحدة؟

مشهدٌ انتقاليٌّ متكرّر: السّيدة في مدخل القرية، تقوم بإحماء فرن الطّابون مساءً، تغطي سحابة الدّخان المكان ، وتفوح منه رائحة نفّاذة لا تلتقطها الكاميرا. ماذا لو كانت تلك السّيدة تمتلك فعلًا مصنع (كنادر) كما يشاع عنها!
على الحاجز العسكريّ، يتعرّف الجندي الشّاب، على كتاب الفيزياء ذي الغلاف الأحمر في يد الغريب، يخبره: "أنا أيضًا أدرس هذه الطّبعة في الجامعة، قد تكون قوانين الديناميكا الحراريّة عدونا المشترك، لكن حاذر أن تقابلني في المظاهرة القادمة، لن أتردّد في قتلك!".

العقرب الأسود، زائرٌ غير متوقّعٍ، في درج الملابس، أسفل سرير الغريب مباشرةً، يخبره صباحًا: "يا لبلاهة الغرباء، تعتقد طبعًا أنّ باستطاعتي قتلك أيضًا! بإمكانك أن تضعني الآن في (برطمانٍ) زجاجيّ، بغرض التّسلية".

لقطةٌ اعتراضيّةٌ، زائدةٌ عن الحاجة والذّائقة ـ في الأغلب، ستسقط في المونتاج: في الظهيرة، كلاب الجبل كلّها تتحلّق حول كلبةٍ يافعةٍ، في حفلة سفادٍ لا تنتهي.

قصر المختار في الطرف الغربي النائي في القرية يبدو حقيقيًّا، لا يمكن أن يكون واجهةً خشبيّةً تسندها دعائمٌ من الخلف. يفكر الغريب: أيّ موقع تصويرٍ عجيبٍ هذا الّذي ترسى فيه قواعد البيوت على صخر الأديم، ويكسو جدران البيوت فيه صخر الجبل المنقوش، وتحصد أسقف البيوت فيه مياه المطر؟

النّافذة في غرفة الغريب، تطّل على مباني الجامعة المضاءة ليلًا، أعلى الجبل المقابل. شاشةٌ تعرض تلاعبًا زمنيًّا متسارعًا، بلا توقف: أضواء، ضباب، أضواء، وظائف غير منجزة، ضباب، امتحانات، أضواء، قشعريرة، ضباب، ألم في المعدة ...
في مساءات مساكن القرية المأجّرة، في غرفهم، عتيقة المعمار، سيئة الإضاءة، الغرباء يفكّرون: لا شيء يحدث هنا، ويفركون أسماءهم المغمورة خشية البرد: يحيى عيّاش، زهير القيسي، ...

في أعلى الجبل، يتأمّل الغريب (البلاتو)، يفكر: لا شيء يحدث هنا! ، يشكّل بإبهاميه وسبابتيه أطارًا لمشهدٍ في الأفق. البحر قريبٌ، لدرجة أنّ ثلاث نقطٍ متعامدة من الضّوء، تصير عمارة (شلومو) في (تل أبيب). لا شيء يحدث سوى أنّ البلاد تخرج ليلًا من الخارطة، في مشهدٍ مكتمل التّكوين، وتتربّع في قبضة اليد.

"سبحان المصوّر!"، يتمتم الغريب، بلا حرجٍ ظاهر. ولا شيء يحدث.



#نعيم_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -A
- إبريق فخّار، وبرتقالة
- الله لا يكودلك يا محمود يا عبّادي!
- يا الله، النّخل لا ينبت في المخيم!
- النّوارس، أو مناديل لوركا
- وهكذا ابْتَدَأَت
- اوتو ستوب
- ثوابت غير وطنيّة
- يا ورَادِي يا مْعَلِّمْتي!
- في انتظارِ السّيّدة، أو قِفَا نحكِ
- ليس في بيتي مدخنة
- أربعٌ وعشرون
- هنا اسمي كاملٌ
- وهبطَ كَهْلاً
- ستريت بيرفورمرز دليلُ المُشَاهِد


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - أبو قشّ، ثاني مرّة