أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - وهبطَ كَهْلاً














المزيد.....

وهبطَ كَهْلاً


نعيم الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 3482 - 2011 / 9 / 10 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


(بابا)
إنَّ أحداً لا يهتمُ بمعرفةِ اسمِه الحقيقيّ. (بابا) ليسَ اسمَه، بل هذا ما ينادي به الآخرين أصلاً، ولكنَّه لا يبدِ اعتراضاً؛ فلديه ما يكفي من طيبةِ قلبٍ، وقسوةِ ملامحَ، ليكون بابا للجميع. يطلُّ بقبّعتِه ولباسِه التقليديّين، علامةً فارقةً في "سوقِ ومطعمِ تلِّ الجامعة"، مقابلَ مسرحِ (فوكس)، في شارعِ ثلاثة عشر، المكانُ الّذي يؤمُّه روادُ التلِّ على مدارِ الساعةِ ـ خاصّةً المخمورون منهم، بعد منتصفِ الليل ـ من أجلِ شطيرةِ (غيرو) بالدجاجِ أو اللحمِ، أو (ستيك) بالجبنِ، أو فلافلَ بالحمّصِ، وربّما من أجلِ بعضِ السجائرِ الفرط.

الشابُّ الجديدُ الّذي يأتي للعملِ أيامَ الآحادِ، وكذلك في بعضِ ساعاتٍ من أيامِ الأسبوع، لا يلتقي (بابا)/ الكائنَ الليليَّ كثيراً، ولكنَّه يمرُ بتُؤدةٍ بسجادةِ صلاتِه، ومكانِ نومِه في القبوِ، المكلّلِ بقماشٍ كمقامِ وليّ، عندما يصعدُ أو يهبطُ بشيء من المخزن. وسيراهُ في المكتبِ الصغيرِ، وهو يقرأُ القرآنَ بالعربيةِ مفسّرَاً بالأوردو، وسيعلمُ أنَّه يحصي ثروتَه بعددِ من أرسلَهم لأداءِ فريضةِ الحجِّ من أقاربِه. وسيحدثُ أن يطلبَ (بابا) منه مراراً أن يسجّلَ ساعاتِه كاملةً، حتّى قبلَ انتهاءِ النهارِ، ويعودَ مبكّراً إلى أطفالِه، ليأخذَ (بابا) مكانَه وراءَ آلةِ تسجيلِ النقود. وسيحدثُ أن يحضرَ الشابُّ الجديدُ يوماً وجبةً منزليّةً تقليديّةً، فيدعوه إلى طعامِ الإفطارِ في رمضانَ، فيأكلُ (بابا) مطمئنّاً على غيرِ عادتِه، وهو المشكّكُ دائماً في روايةِ أحدِ صاحبيِّ المكانِ [الأخِ الأصغرِ]، عندما يدعوه إلى وليمةٍ، مؤكّداً بأنَّ اللحمَ حلال.

التلُّ لا يجيدُ حسابَ الزمن، لكنَّ (بابا) وحدُه باتَ يعلمُ، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، كم باتَ يكرهُ وَحْدَتَه، وأنَّ اليومَ الّذي سيلوي فيه عنقَ الحكايةِ، عائداً إلى بلادِه، صار وشيكاً. وربما ستظلُ ذكرى التلِّ تدفئُ قلبَه في مواسمِ الأعيادِ الباردة،ِ كملصقٍ صغيرٍ عُلِّقَ على زجاجِ متجرِ صغيرٍ أيضاً، أُغلقت أبوابُه بعد عشرين عاماً من الخدمةِ.

(رضوان)
هو الكائنُ الصباحيُّ، الّذي يديرُ شؤونَ المكانِ، عارفاً بتفاصيلِه أكثرَ من صاحبيه. يطلُّ ـ بوجههِ المثلثِ، وعينيهِ الجاحظتين، و(سكسوكتهِ)، وشَعرهِ الداكنِ المربوطِ خلفَ رأسِه، وصوتِه الأجشِّ، واندهاشِه الدائمِ ـ من وراءِ منضدةِ المطعمِ، كهاربٍ من إحدى ملاهي شكسبير.

يعتقدُ رضوانُ أنَّ ممارسةَ العادةِ السريّةِ إهانةٌ لخالقِ كلِّ هذي النساء. فهو لا يتحرّجُ من محاولةِ مواعدةِ أيّةِ فتاةٍ ـ حتّى لو كانت تنتظرُ شطيرتَها برفقةِ صديقِها. الأمرُ الّذي يدعو (بابا) للتهكمِ: "رزوان يجري مقابلةً شخصيّةً كعادتِه". وسيحدّثُهن رضوانٌ طويلاً عن شهرِ رمضانَ، ليسَ دعوةً، بل اعتذاراً وتأجيلاً.

مزاجيٌّ، يغضبُه من يغني (دعها تُثلج)، والأخُ الأصغرُ عندما يستبدلُ الكافَ بشين في لهجتِه، و(بابا) عندما يرشُّ البهارَ على الفواكهِ المشكّلةِ، والشابُّ الجديدُ عندما يتطوّعُ بالسنتاتِ للزبائنِ من وعاءِ (البقشيشِ) أمامَه، فيمتلئُ وعاؤه بالأوراقِ النقديّةِ على إثرِها، وعشيقةُ رفيقِه في السكنِ الّتي تثورُ بلا داعٍ عندما يرفعُ ملابسَها الداخليّةَ من النشّافةِ، وزواجُه [غيرُ الأبيضِ] من أجلِ بطاقةٍ خضراءَ، ويومُ الأحدِ لأنَّه يأتي بعدَ يومِ السبتِ.

ربّما كان رضوانُ يظنُّ أنَّ شخصاً باسم مصطفى سعيد قد أورثَه مهمّةَ تحريرِ أفريقيا، عندما قرّرَ يوماً الهجرةَ من المغربِ، غرباً هذهِ المرّة. لكنَّه وحدُه باتَ يعلمُ، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، أنَّ بعضَ المواسمِ لا تنتهي بالغرق.

(الشابُّ الجديد)
تساورُه، عندَ صعودِ التلِّ، حيرةُ بدويتين صغيرتين تقودان قطيعاً من الغنمِ إلي قلبِ مدينةٍ مهزومةٍ، يخافُ السقوطَ غيرَ الحرِّ في غوايةِ المكان، فإجابةُ مجاملةٍ تجاريّةٍ مثل: "ما الّذي أستطيع فعلَه من أجلِك آنستي؟"، مقسومةٌ على صفر. الوداعُ ليسَ طقساً مألوفاً هنا، والطقسُ لا يرحمُ ذويّ القلوبِ الحارّة. المسافةُ بينَه وبينَه، كالمسافةِ بينَه وبينَ من يكنسُ بقايا الهالوين، فجراً، فيما يكنسُ اللهُ الثلجَ فوقَ سفحِ الجبل.

الشابُّ الجديدُ، ليسَ أنا تماماً، ولكن كلّما دقَّ قلبُه، وجدني واقفاً بالباب. وحدُه باتَ يعلمُ، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، أنَّه صعدَ التلَّ شابَّاً.

10 أيلول 2011



#نعيم_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستريت بيرفورمرز دليلُ المُشَاهِد


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - وهبطَ كَهْلاً