أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الليبراليون والقومية المصرية قبل يوليو1952 (1)















المزيد.....


الليبراليون والقومية المصرية قبل يوليو1952 (1)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5305 - 2016 / 10 / 5 - 00:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الليبراليون والقومية المصرية قبل يوليو1952(1)
طلعت رضوان
أعتقد أنّ محور (القومية المصرية) كان من أهم المحاور التى اعتنى بها المفكرون المصريون، خاصة وقد امتزج هذا المحور بالدفاع عن الحضارة المصرية. كما أنه من الأمور المُـلفتة للانتباه، أنْ يتخلــّـق هذا التيار الثقافى المُـدافع عن هويتنا القومية فى ذات الوقت الذى تخلــّـق فيه التيار العالمانى . فكانا كالتوأم الذى تخلّق ووُلد ونشأ وشبّ فى وقت واحد . كما أنّ المؤرخ المنصف يلاحظ خفوت صوتهما فى وقت واحد أيضًا ، بعد يوليو 1952.
ورغم أنّ رفاعة الطهطاوى ( 1801 – 1873 ) كان يعتمد المرجعية الدينية فى كتاباته، فإنّ الأستاذ صابر أحمد نايل يعتبره من المتأثرين بالليبرالية السياسية والفكر السياسى والاجتماعى البورجوازى بصورة عامة. وبالتالى يعتبره أحد روّاد التنوير فى الفكر المصرى. وأنه استوعب أفكارًا تسبق مستوى تطور مصر الاقتصادى والاجتماعى فى عصره. إلاّ أنه ظلّ مُـتمسكــًـا بأسس الفكر الإسلامى السنى، لاسيما المذهب الأشعرى. فيـُـمثل بذلك أول تعبير عن الازدواجية التى تميز الفكر السياسى فى مصر (العلمانية فى مصر- مركزالدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان- عام1997- ص244) ثم نقل أ. نايل عن الباحث حسن عبدالعزيز أنّ رفاعة الطهطاوى (( أول مُـفكر دعا إلى القومية المصرية. فأصبح بذلك الرائد الأول للفكر القومى فى مصر والمؤسس الأول لتيار القومية المصرية. ويرتكز الفكر السياسى لرفاعة على ثلاث دعائم : القومية المصرية ، والديموقراطية الليبرالية ، والدعوة إلى الأخذ بأسباب وموقومات الحضارة الأوروبية )) ( المصدرالسابق- ص217)
وذكر مؤرخون عديدون أنّ الجناح الغالب داخل الثورة العرابية، كان يرفع شعار (مصر للمصريين) وفى هذا الشأن كتب لويس عوض ((لماذا كان تفسير الأفغانى لأسباب الثورة العرابية تفسيرًا زريًا ؟ هل لأنّ الثورة العرابية لم ترفع شعار التبعية العثمانية ورفعت شعار (مصر للمصريين )؟ رغم أنّ بعض أجنحتها الساذجة كانت تؤمل خيرًا فى مؤازرة تركيا لها )) ( تاريخ الفكرالمصرى الحديث- المبحث الثانى- ج1- مكتبة مدبولى- عام 1986- ص174، 175)
كان الأفغانى يرى لو أنّ الحاكم المسلم الذى يتبع الأوامر الإلهية، ويثابر على رعايتها، ويأخذ الدهماء بحدودها، ويضرب بسهمه مع المحكومين فى الخضوع لها، فإنّ هذا الحاكم (( لا يحتاج إلى بذل النفقات، ولا تكثير الجيوش، ولا مظاهرة الدول العظيمة، ولا مداخلة أعوان التمدن وأنصار الحرية. ويستغنى عن كل هذا بالسير على نهج الخلفاء الراشدين. والرجوع إلى الأصول الأولى من الديانة الإسلامية)) (رشيد رضا- ج1ص309- نقلا عن لويس عوض- المصدرالسابق- ص211) وفى دراسته عن الأفغانى كتب لويس عــوض (( لقد كانت رسالة الأفغانى فى ( العروة الوثقى ) هى نسف الشعور القومى. وتدعيم الشعور الدينى كأساس لمقاومة الاستعمار ولانحراف الحكام. ولم يكن هناك مستفيد مباشر من هذا التيار يومئذ إلاّ الدولة العثمانية والسلطان عبدالحميد . أما المستفيد بطريق غير مباشر، فقد كان الاستعمار فى الخارج وأصحاب الحكم المطلق فى الداخل )) ( المصدرالسابق- ص214، 215 )
هل كان لويس عوض متجنيًا على جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى كما كتب كل الأصوليين فى مصر؟ لنستمع إلى صوت مغاير عن صوت الأصوليين ، وهو صوت ( أيضًا ) يُدعم ما كتبه لويس عوض، هو صوت د. هالة مصطفى التى كتبت (( لم تكن أفكار الأفغانى حول (الوطنية) بعيدة هى الأخرى عن هذا الجدل، فبينما يراه طاهر عبدالحكيم مُـتخلــّــصـًا من العصبية الدينية والقومية، يعتقد البرت حورانى (فى كتابه الفكر العربى فى عصر النهضة) أنه (أى الأفغانى) كان على العكس مدافعًا عن العصبية الدينية، حيث رفض الاعتقاد الشائع فى أوروبا بأنّ التعصب القومى خير بحد ذاته ويؤدى إلى التقدم، وأنّ التعصب الدينى هو أبدًا تعصب أعمى يحول دون التقدم)) ( الإسلام السياسى فى مصر: من حركة الإصلاح إلى جماعت العنف- مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام- عام1992- ص42)
إنّ الطريق لم يكن ممهدًا ولا سلسًا أمام تيار القومية المصرية، كما حدث مع التيار الليبرالى، وذلك بسبب الفكر الأصولى الذى بدأه الأفغانى، والذى كتب كثيرًا محاولا نسف الشعور القومى من الشعب المصرى وغيره من الشعوب، فهو يطلب من المسلمين أنْ ((يعتصموا بحبال الرابطة الدينية، التى هى أحكم رابطة، اجتمع فيها التركى بالعربى والفارسى بالهندى والمصرى بالمغربى، وقامت لهم مقام الرابطة الجنسية)) (العروة الوثقى- 24/8/1884)) وكتب أيضًا ((لاجنسية للمسلمين إلاّ فى دينهم واعتقادهم)) (العروة الوثقى 14/8/1884) أما أخطر ما روّج له الأفغانى فهو إقناع الشعوب بقبول الإحتلال الأجنبى وعدم مقاومة الاستعمار تأسيسًا على قاعدة (الرابطة الدينية) التى ألحّ كثيرًا فى الترويج لها وإقناع الشعوب بها فكتب ((... هذا ما أرشدنا إليه سير المسلمين من يوم نشأة دينهم إلى الآن، لا يتقيدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين، لهذا نرى المغربى لا ينفرمن سلطة التركى، والفارسى يقبل سيادة العربى، والهندى يذعن لرياسة الأفغانى، لا اشمئزاز عند أحد منهم ولا انقباض)) (العروة الوثقى- 28/8/1884)
أليس من حق كل مصرى مازالت مصر تنبض فى عروقه أنْ يسأ ل هذا السؤال : ماذا يحدث لو أنّ الأصوليين المعاصرين الذين يشايعون الأفغانى ويُروّجون أفكاره ، فرضوا على المسئولين عن التعليم تدريس كتابات الأفغانى على طلبة المدارس والجامعات ؟ هل هناك نتيجة أخرى غير ترسيخ معنى ( احتقار الوطن ) فى مقابل الإعتزاز ب ( الرابطة الدينية ) ؟ والسؤال بصيغة أخرى : لماذا تـمّ التعتيم على كتابات أحمد لطفى السيد (بعد يوليو 1952) مع أنه الرائد الكبير لتيار القومية المصرية، والذى تصدى لفكر الأصوليين؟
عن مفهوم الوطنية كتب لطفى السيد ((نشأتُ فى أسرة مصرية صميمة لا تعرف إلاّ الوطن المصرى. ولاتعتز إلاّ بالمصرية. ولا تنتمى إلاّ إلى مصر. ذلك البلد الطيب الذى نشأ التمدن فيه منذ أقدم العصور. وله من الثروة الطبيعية والشرف القديم ما يكفل له الرقى والمجد))
وكتب أيضًا (( إننا نحن المصريين نحب بلادنا ولا نقبل مطلقــًـا أنْ ننتسب إلى وطن غير مصر، مهما كانت أصولنا حجازية أو بربرية أو شركسية أو سورية أو رومية)) (الجريدة- 9يناير1913) وكتب كذلك ((... كنتُ منذ زمن طويل أنادى بأنّ مصر للمصريين. وأنّ المصرى هو الذى لا يعرف له وطنــًـا آخر غير مصر. أما الذى له وطنان : يقيم فى مصر، ويتّخذ له وطنــًـا آخر على سبيل الاحتياط ، فبعيد عليه أنْ يكون مصريًا بمعنى الكلمة))
وفى رده على الأصوليين من أمثال الأفغانى كتب (( أريد أنْ يتحمّل كل قاطن فى مصر من الواجبات ما يتحمّله المصريون لتحقيق القومية المصرية. فقد كان من السلف من يقول بأنّ أرض الإسلام وطن لكل المسلمين، وتلك قاعدة استعمارية، تنتفع بها كل أمة مستعمرة، تطمع فى توسيع أملاكها ونشر نفوذها كل يوم فيما حواليها من البلاد . تلك قاعدة تتمشى بغاية السهولة مع العنصر القوى الذى يفتح البلاد باسم الدين. إنّ مصريتنا تقضى علينا أنْ يكون وطننا هو قبلتنا، وأنْ نكرّم أنفسنا ونكرم وطننا، فلا ننتسب إلى وطن غيره ونخصه بخيرنا))
وفى رده على فكرة (الرابطة الدينية) كتب ((الإسلام ليس لمسلم بوطن، فوحدة الاعتقاد الدينى ليست كافية لإقامة وحدة التضامن الوطنى)) (الجريدة 10/3/1907) وفى تعميقه لمعنى ( القومية ) كتب ((إنّ أول معنى للقومية هو تحديد الوطنية المصرية، والاحتفاظ بها والغيرة عليها، غيرة التركى على وطنه والإنجليزى على قوميته)) (الجريدة- 2/9/1912) وفى ذات المقال يوضح ضرورة الاعتماد على الذات ، ويرد على أفكار البعض مثل مصطفى كامل الذى كان يرى ضرورة الارتباط بالدولة العلية، وطالب ببقاء السلطة بين عابدين / ويلدز قوية متينة (جريدة اللواء- 8/1/1900) فكتب لطفى السيد ((يجب ألاّ نقع مرة ثانية فى حبائل ذلك الوهم القديم، إذْ كان يقال مرة أنّ فرنسا ستحرر بلادنا، ومرة أنّ الدولة العلية ستقوى وبحقنا عليها تُسفك دماء أبطالها لتُخرج الإنجليز من بلادنا. إنّ ما ينفع مصر هو : ألاّ تنى لحظة واحدة عن العمل لذاتها وعن إثبات شخصيتها وقوميتها )) (الجريدة- 1/9/1912)
وردًا على الذين يخلطون بين الدين والقومية كتب (( إنّ القول بأنّ مصر ليست وطنــًـا للمصريين فقط ، بل هى وطن لكل مسلم يحل على أراضيها ، سواء أكان عثمانيًا أو فرنسيًا أو إنجليزيًا ، وعلى ذلك تكون القومية المصرية أو الجنسية المصرية منعدمة. ومتى انعدمتْ القومية، فكيف نفهم الاستقلال)) (المصدر السابق)
وكما خاض التيار الليبرالى الصراع فى سبيل إرساء دعائم الدولة العصرية، كذلك خاض تيار القومية المصرية الصراع لترسيخ مفهوم الوطن. وكانت الأصولية الإسلامية هى العدو المشترك للتياريْن. خاصة بعد إنشاء جماعة الإخوان المسلمين عام 1927. فهذا هو إمام الأصوليين فى تلك الفترة (حسن البنا) يقول (( إننا تعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وليس بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية)) (هالة مصطفى – مصدرسابق- ص93) لقد إشتدّ الصراع بين التيار الوطنى والأصوليين بعد ثورة برمهات / مارس 1919. خصوصـًـا بعد أنْ سارعتْ بريطانيا وساعدت وباركتْ قيام جماعة الإخوان المسلمين (اعترف حسن البنا فى مذكرات الدعوة والداعية أنّ شركة القنال الإنجليزية تبرّعتْ بمبلغ خمسمائة جنيه عند بناء أحد المساجد فى الإسماعيلية- نقلا عن طارق البشرى – فى كتابه " الحركة السياسية فى مصر(1945- 1952- دارالشروق- عام 1983- ص43)
كانت مقاومة التيار الوطنى تأخذ بـُـعدًا ثقافيًا يحفر عميقــًـا فى سبيل ترسيخ معنى الوطن . ففى أعقاب ثورة 1919 كان (واصف غالى) يردد دائمًا فى خطبه (( لم يعد للمصريين قاطبة إلاّ إيمان واحد وعقيدة واحدة ودين واحد ، هو دين الوطنية)) (طارق البشرى- المسلمون والأقباط فى إطارالحركة الوطنية- هيئة الكتاب المصرية- عام1980- ص140) أما ميخائيل فانوس فقد ذكر فى افتتاح المؤتمر القبطى يوم 6 مارس 1911 ((تختلف مصر عن باقى الأمم المتكونة من عناصر مختلفة، بأنّ هذه شعوبها من أصول متباعدة وبمعتقدات وعوائد متباينة. أما مصر فشعب أصله واحد . من سلسلة واحدة من آلاف السنين. لم يمتزج بهم الأجنبى إلاّ بجزء أو بنصف جزء منه أُبتلع فى المجموع . زد على ذلك أنّ عوائد (= عادات) القوم هى للواحد كما هى للآخر. والقوم هم المسلمون والأقباط . وهم من الإسكندرية حتى أسوان يُـشكــّـلون مجموعًا واحدًا ، لا يُـميّزهم إلاّ المعتقد . ومن الظلم تسميتهم بأنهم عنصريْن. فليست العقائد هى التى عليها الأساس ، بــل الجنسية)) (طارق البشرى- المصدرالسابق – من ص80- 82)
إنّ الروح القومية ضمّـتْ فى أعطافها حتى المشايخ . فالشيخ مصطفى القاياتى ، لما رأى التفرقة الطائفية تحاول الإطلال برأسها سنة 1922 عند وضع الدستور ((خطب فى الكنيسة البطرسية بين خمسمائة من القبط يقسم بالله على أنه (( إذا كان الاستقلال سيؤدى إلى فصم الاتحــــاد ، فلعنة الله على هذا الاستقلال)) (طارق البشرى- المصدرالسابق- ص137) فى ظل هذا الزخم القومى وقف الشيخ (محمد عبدالمطلب) فى جمع غفير من المسلمين يحتفلون بعيد رأس السنة القبطية وأنشد :
كلانا على دين هو به مؤمن .. ولكن خذلان البلاد هو الكفر
إلى هذا الحد يتغلغل حب الوطن فى وجدان وعقل هذا الشيخ المعمم ، فيعتبر أنّ ( الكفر ) هو خذلان البلاد ، وليس اختلاف المعتقد الدينى ، كما يرى الأصوليون .
أما الشاعر أحمد شوقى الذى رماه البعض بعد يوليو 1952 بأنه شاعر القصر للتحقير من شأنه ، فإنّ ( الوطن ) عنده هو الدين الذى يجابه فى سبيله كل المخاطر ، بل إنه يولى وجهه قبلة الوطن قبل أى مكان آخر، فكتب فى قصيدة ( بعد المنفى ) يقول :
ويا وطنى لقيتك بعد يأس .. كأنى قد لقيت بك الشبابا
ولو أنى دعيتُ لكنتَ دينى .. عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهى .. إذا فهتُ الشهادة والمتابا
وكتب أ. طارق البشرى أنّ د. محمد حسين رغم نظرته (( المتشيعة للجامعة الإسلامية)) علــّـق على الإنتاج الأدبى لثورة 19 قائلا ((تحوّلت الثورة إلى حركة قومية خالصة وخفتَ صوت الدين، بعد أنْ قام بنصيب كبير فى إشعال نارها . ولم ينج من ذلك شاعر كشوقى ، تميّز شعره الوطنى بالطابع الإسلامى)) أما زكى مبارك فكتب فى العيد الرابع عشر للثورة ((رعى الله العهد الذى كانت موسيقانا فيه مصر للمصريين)) (طارق البشرى- المصدرالسابق- ص137، 138)
أما عميد الثقافة المصرية (طه حسين) فكتب ((من المحقق أنّ تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد بأنّ وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان للوحدة السياسية ولا قوامًا لتكوين الدولة)) وفى ذات المقال أضاف ((القومية المصرية القديمة لم تنسها مصر فى يوم من الأيام ، فالتاريخ يُحدّثنا بأنها قاومت الفرس أشد المقاومة. وبأنها لم تطمئن إلى المقدونيين حتى فنوا فيها وأصبحوا من أبنائها. والتاريخ يُحدّثنا كذلك بأنها خضعتْ لسلطان الامبراطورية الرومانية الغربية والشرقية على كره مستمر ومقاومة متصلة ، فإضطر القياصرة إلى أخذها بالعنف . والتاريخ يُحدّثنا كذلك أنّ السلطان العربى بعد الفتح (الغزو) لم يبرأ من السخط والمقاومة والثورة)) (جريدة السياسة- 31/12/1923)
فى هذه الفترة ظهر محمود مختارالذى سيظل اسمه خالدًا فى تاريخ الفن المصرى الحديث. ظهر ليؤكد أنّ (شخصية مصر) لم تمت. وليثبت أنّ (الثقافة القومية المصرية) ثقافة إتصال لا انقطاع . ظهر كأنما فنان مصرى قديم من عصور الحضارة المصرية ، نفض غبار الزمن وقام من مرقده ، ليؤكد أنه حفيد أصيل للجدود العظام الذين شيّدوا المعابد والأهرام وأقاموا المسلات وأبدعوا التماثيل. وتكمن عبقرية محمود مختار فى أنه استوعب سمات الفن المصرى القديم برؤية عصرية مشبّعة بالروح القومى. وكتب الفنان والناقد عزالدين نجيب (( لم يكن من قبيل المصادفة- فيما أعتقد - هذا التشابه فى الاسم والموضوع بين لوحة (النهضة المصرية) للفنان محمد ناجى، وتمثال (نهضة مصر) لمحمود مختار، الذى كان يعيش قريبًا منه فى فرنسا. ولا نستطيع الجزم أيهما أنجز عمله قبل الآخر. لكن المؤكد أنّ الدافع لكليهما كان واحدًا : هو خدمة القضية الوطنية والمشاركة فى ثورة 19 والرغبة فى الالتحام بالشعب ، وإثبات فكرة النهضة والخلود ، تعبيرًا عن بعث أمة طال رقادها. ولم تكن مصادفة كذلك استخدام كلا الفنانيْن رموزًا من التراث الفرعونى (إيزيس، أبوالهول) وأسلوبًا استوحياه من الفن الفرعونى أيضًا. إنّ مختار الذى كان أول نحات يعرض إنتاجه أمام الحكام عام تخرجه 1911 كان خليقــًـا به أنْ يكون فنانــًـا (خديويًا) يُمجّد الحكام والاقطاعيين فى بورتريهات تناظر أسلوب الفنانين الأجانب ، بعدما حظى به من إقبال الطبقة الراقية على أعماله، لكنه– وبدلا من ذ لك – يستغرق فى تمجيد الفلاحة (المصرية) وفى نحت التماثيل التى تنم عن موقف اجتماعى منحاز للأغلبية الكادحة التى تعطى الخير وتحرس البلاد ، معبرًا عن نضالها وأحزانها ومقاومتها وصمودها وعمق أسرارها (حاملات الجرار، الحقول ، رياح الخماسين ، كاتمة الأسرار إلخ ))
وينقل الفنان عزالدين نجيب عن الفنان محمد ناجى قوله ((نحن فى حاجة إلى فن جماعى يهتم فى المقام الأول بتقاليدنا التاريخية، وبالحياة الاجتماعية المصرية، فالخطر كل الخطر يكمن فى أنْ تبلغ مصر قبل الأوان مرحلة الفن التأملى أو الفن للفن)) وكتب الفنان محمد ناجى فى خطاب منه إلى أخته عام 1911 ((واجبى أنْ أصبح الرسام القومى، رسام الملحمات القومية، إننا لا ينقصنا الأبطال الذين يظلون حبيسى الظلام لعدم وجود من يتغنى بمجدهم ، ورغبتى هى إثارة حب هذا الشعب الطيب للفن الذى يُعيد الحياة فى عروق العبقرية)) (عزالدين نجيب- التوجه الاجتماعى للفنان المصرى- المجلس الأعلى للثقافة- عام1997- من ص12- 14)
وفى عام 1933 كتب طه حسين مقالا فى صحيفة (كوكب الشرق) ذكر فيــه أنّ ((المصريين قد خضعوا لضروب من البغض وألوان من العدوان جاءتهم من شعوب شتى من بينهم العرب)) فهاجمه الأصوليون فى ذاك الوقت، ثم تكرر الهجوم عليه أكثر من مرة ، ولكنه اشتـدّ بعد صدور كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) عام 1938. ورصد د. مصطفى عبدالغنى هذه المعركة فكتب أنّ الطرف الآخر فيها كان (ساطع الحصرى) حيث بدا رأى طه حسين واضحًا فى (القومية العربية) أكثر من ذى قبل. إذْ عندما سأله أحد الصحفيين عن رأيه قال إنه لامانع من التعاون الاقتصادى والتضامن الثقافى بين البلاد العربية (( أما اذا كنتَ ترمى إلى أنّ مصر مستعدة للمساهمة فى الوحدة العربية أو القومية العربية، فأنت على خطأ . هل تريدون أنْ تتحقق الوحدة العربية؟ فعلى أى أساس علمى تنادون بها؟ تعالوا معى نستعرض الروابط التى تصل مصر بالأقطار الأخرى. فأولها اللغة وثانيتها الدين وثالثتها السكان ورابعتها شكل بعض التقاليد الموروثة من حقبات تاريخية متشابهة. أما الدين فلا يصلح لأنْ يكون أساسًا ، وإلاّ أصبحت الوحدة المزعومة وحدة إسلامية لا وحدة قومية. وأصبحنا من جهة نُدخل فيها شعوبًا غير عربية. وكذلك أصل السكان، فهو غير كاف لخلق الوحدة القومية العربية، فإنّ الأكثرية الساحقة من المصريين لاتمت بصلة إلى الدم العربى. بل تتصل مباشرة بالمصريين القدماء . ومصر اليوم هى مصر بالأمس. أى مصر الفراعنة. المصرى فرعونى قبل أنْ يكون عربيًا. ولا تطلبوا من مصر أنْ تُغير فرعونيتها. مصر لن تدخل فى وحدة عربية ولا إتحاد عربى . سواء كانت مساوية فيه للأمم العربية الأخرى أو مسيطرة عليها . وسواء كانت عاصمة هذه الوحدة أو الإتحاد القاهرة أم دمشق أم بغداد)) (مصطفى عبدالغنى- طه حسين والسلطة فى مصر- هيئة الكتاب المصرية- من ص210- 212- أما الحديث الصحفى فقد أجرته مع طه حسين مجلة " المجلة الجديدة" – ديسمبر1938)
000
بتاريخ 7 أغسطس سنة 1927 ينتهى الشاعر أحمد زكى أبو شادى من كتابة (التصدير) الذى يستهل به مسرحيته المعنونة (الآلهة) فى هذا التصدير كتب أنّ مصر ((مملكة أفريقية)) (أنظر التفاصيل : مسرحية ( الآلهة ) تأليف أحمد زكى أبو شادى – دراسة د. سيد على إسماعيل – مطبوعات المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية – العدد رقم 11 – عام 2005 ) ومعنى أنْ يكتب أحمد زكى أبو شادى ( وهو واحد من المثققين الليبراليين قبل يوليو 52 ) أنّ مصر ((مملكة أفريقية)) تأكيد على أنّ المثقفين المصريين فى تلك الفترة ، لم يكن يخطر على ذهنهم القول أنّ مصر (عربية) كما ادعى البكباشى عبدالناصر، وبطانته وأتباعه و(صحابته) خاصة (الصحابى الأول) محمد حسنين هيكل، مع مراعاة أننى كتبتُ (الصحابى) وليس (الصحافى) وهذا للتنويه.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الفن التشكيلى فى النهضة الفكرية
- أدب السيرة الذاتية فى الحضارة المصرية
- تابع الكتب التى ساهمت فى النهضة الفكرية
- الكتب التى ساعدت على النهضة الفكرية (1)
- تابع دور المجلات الثقافية قبل يوليو1952
- كيف ساهمت المجلات الثقافية فى النهضة المصرية
- دورالمرأة المصرية الثقافى قبل يوليو1952
- كيف حطمت المرأة المصرية قيود العصورالوسطى؟ (3)
- كيف حطمت المرأة المصرية قيود العصورالوسطى؟ (2)
- كيف تخلّصتْ المرأة المصرية من قبضة العصورالوسطى؟
- لماذا كان المفكرون المصريون أهم من السياسيين؟
- المناخ الثقافى قبل يوليو1952
- كيف كانت مقاومة الأصولية الإسلامية ؟
- العلم والفكر ودورهما فى نشأة النهضة المصرية
- الملاحم اليونانية وهل أفادت البشرية
- التشابهات داخل شُعب الديانة العبرية
- الأنظمة الاستبدادية والمرجعية الدينية والمآسى البشرية
- بداية النهضة المصرية
- ما مغزى أن يكون رئيس الوزراء أحد اللواءات؟
- لماذا يتجاهل المستشرقون والإسلاميون (المعجزات) المصرية؟


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الليبراليون والقومية المصرية قبل يوليو1952 (1)